بتاريخ 9 من أبريل الجاري، أصدر قاضي التحقيق المركزي رقم 5 بالمحكمة الوطنية الإسبانية بمدريد السيد بابلو رافائيل رويز كيتيريز الأمر عدد 1\2015، بمتابعة أحد عشر مغربيا بجرائم ضد الإنسانية وأصدر مذكرة بحث واعتقال وإيداع في السجن ضدهم. وذلك بناء على شكاية تقدمت بها جمعية الدعم لعائلات الضحايا والمفقودين الصحراويين سنة 2007. أتحفظ عن ذكر الأسماء لأن الأمر لا يتعلق بغايتنا من هذا المقال، بقدر ما نحاول إجراء قراءة قانونية للأمر والقرار، لاستجلاء مدى قانونيته بارتكازه على أساس قانوني سليم، ويجد سببه في القواعد القانونية الإسبانية أم لا ؟ وإذا كان الجواب بالنفي فما هي خلفيات هذا القرار ودواعيه؟. في البداية تجدر الإشارة إلى أن الوقائع التي استندت عليها شكاية عائلات وذوي المفقودين الصحراويين، تم تفريدها إلى صنفين؛ وقائع موجهة ضد مجهول و ترجع إلى سنوات ما بين 6 نونبر 1975 و 7 أكتوبر 1992. وأخرى موجهة في مواجهة معلوم عن مابين سنوات 15 دجنبر 1975 و23 ابريل 1991. وهي وقائع صرِّحَ بوقوعها في السمارة والعيون. أولا: الإطار القانوني لقرار القاضي بابلو رويث استند القاضي بابلو رفائيل رويث في مسكه للملف وتشبثه بولايته واختصاصه للنظر في الشكاية على المرسوم الإسباني المؤرخ في 10 يناير 1958 والمرسوم بتاريخ 14دجنبر 1961، الذين يدرجان افني والصحراء ضمن الإقليم الإسباني، ويصفها عمالات، كما اعتمد على قرار محكمة العدل الدولية وعلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3458 وتاريخ 10 دجنبر 1975، الذي يرفض إعطاء أثر قانوني للاتفاق مدريد الثلاثي ويستمر في جعل اسبانياوالأممالمتحدة مسؤولتين عن تقرير مصير سكان الصحراء. ليصل إلى نتيجة مفادها أن الصحراء تابعة لإسبانيا وجزء من ترابها ويطبق فيها تبعا لذلك القانون الجنائي الإسباني. وعليه، فقد باشر القاضي الإسباني إجراءات التحقيق في تلك الشكاية، وخلص إلى توجيه الاتهام بالإبادة الجماعية طبقا للمادة 137 من القانون الجنائي الإسباني لسنة 1944 و1971و1973، بعد أن ضاقت إسبانيا على اتفاقية منع جنيف لسنة 1948، ونشرها في الجريدة الإسبانية رقم 34 وتاريخ 8 فبراير 1963 وإدماجها لمقتضياتها في قانونها الوطني، وهي ما تعاقب عليه المادة 607 من القانون الجنائي الإسباني الحالي لسنة 1995. وهي جرائم القتل ومحاولات القتل والاختطاف وانتهاك الحرية الجنسية والجرح والتعذيب. اعتمادا على وجود سياسة ممنهجة ضد جماعة معينة في الصحراء، في حين خلص إلى عدم توجيه التهمة لآخرين لانعدام الحجة ولعدم كفاية الأدلة، وأشار إلى إمكانية استئناف التحقيق في المستقبل معهم، في حالة الإدلاء أو ظهور أدلة جديدة. ثانيا: مناقشة قرار القاضي بابلو رافائيل رويث كيتيريز يتضح من حيثيات القرار أن القاضي بابلو رويث، يجعل من الصحراء عمالة وإقليما إسبانيا اعتمادا على مراسيم ترجع لسنوات 1958 و1961، ليبرر الاستمرار في وضع يده علي الملف، و ليسترجع اختصاصه للتحقيق في الشكاية، اعتمادا على مبدأ إقليمية القانون الجنائي. الذي يسمح للقضاء الاسباني بتطبيق مقتضيات القانون الجنائي الاسباني في كل الإقليم والتراب الاسباني. فهل توفق القاضي في اختيار المبدأ؟ وهل توفق أيضا في الأساس القانوني الذي اعتمده من اجل ذلك؟ وأيضا علاقة تلك الأسس بمواد وقواعد وقوانين اسبانية أخرى؟ أولا: تجدر الإشارة إلى أن الدستور الإسباني يرجع لسنة 1978، و يحدد في مادته 137، أن الدولة الاسبانية تنتظم إقليميا في شكل جماعات وعمالات ومجموعات مستقلة، ووفقا للقانون المحدد للمجموعات المستقلة، فإن عددها الحالي 17، ولا يظهر منها إقليم إفني وأقاليم الصحراء. وفي ذلك انسجام وتطابق مع سابق القانون رقم 40\1975 القاضي بإنهاء الاستعمار في الصحراء، الذي سنه المشرع الإسباني بتاريخ 19 نونبر 1975، وتم نشره بالجريدة الرسمية الإسبانية عدد 278 بتاريخ 20 نونبر 1975. ثانيا: إن قانون إنهاء حالة الاستعمار المشار إليه في الفقرة أعلاه، والذي استبعد القاضي بابلو رافائيل تفعيله و الأخذ به، هو قانون وافق عليه المشرع الاسباني، وهو المؤهل لإصدار القوانين وتم نشره بالجريدة الرسمية الإسبانية وتم العمل به بنفس تاريخ نشره، وهو في حقيقته تتويج لاتفاق مدريد بتاريخ 14 نونبر 1975، الذي تخلت بموجبه إسبانيا عن سيادتها وإدارتها للأقاليم المستعمرة لفائدة المغرب وموريتانيا، وحددت بموجبه تاريخ 26 فبراير 1976، كآخر آجل لإجلاء آخر جندي اسباني من الإقليم، وهو ما تم بالفعل. وبالتالي فقدت أية علاقة به وبأي وجه من الوجوه. ثالثا: إن من آثار اتفاق مدريد نقل إسبانيا إدارة الإقليم إلى المغرب وموريتانيا فعليا ومن بعده وبالضبط في سنة 1979انتقلت السيادة والإدارة كلية للمغرب. والاتفاق المذكور لم تتنصل منه إسبانيا ولم يكن محل طعن من قبل الأطراف ولا تم بطلانه ولا إيقاف العمل به من طرف المحكمة الدستورية الإسبانية، الجهة الوحيدة المؤهلة لذلك، بإحالة من أحد الأطراف وفي وقته وحينه. رابعا: كيف يتمرد قاض عن تطبيق قواعد قانونية إسبانية سارية المفعول؟ وهو في تصرفه يسمح لنفسه الحلول محل آلية دستورية اسبانية، وهي المحكمة الدستورية المنصوص عليها في المواد159 من الدستور، ويرفض تطبيق قوانين سارية النفاذ، ودون أن يفعل ما قد يؤول له من حق وإمكانية تسمح بها المادة 163 من نفس الدستور بمراجعة المحكمة الدستورية، إن آنس ولاحظ وجود مادة قانونية تتناقض مع الدستور، وكما أن تلك الإحالة في حد ذاتها، لا تسمح له دستوريا بتعطيل المادة والقانون، وفق ما جنح إليه بل ينتظر بث وحكم المحكمة الدستورية. خامسا: إن الإقليم الجنائي ليس افتراضيا، بل يفترض انه واقعي وحقيقي تمارس عليه إسبانيا سيادتها وسلطتها الإدارية. وهو ما فقدته إسبانيا منذ 26 فبراير 1976، كما أن قانون السلطة القضائية الإسباني لا يظهر منه وجود تنظيم قضائي اسباني في إقليم الصحراء وفقا للمادتين21 و23 من القانون العضوي للسلطة القضائية وتاريخ 1 يوليوز 1985، الذي ينص أن نطاق تطبيق القوانين الجنائية والمساطر الجنائية والاجتهاد القضائي في المجال الجنائي تمتد إلى المجال الإقليمي الإسباني، الذي تمارس فيه إسبانيا سيادتها الفعلية والواقعية، ولا تمارس اسبانيابإقليم الصحراء أي مظهر من مظاهر السيادة الفعلية التي من شأنه تطبيق قانونها الجنائي بواسطة تنظيمها القضائي. سادسا: إن القاضي بابلو رويث، إن آمن بصحة وقانونية اعتقاده أن إقليم الصحراء تابع قانونا لسيادة وإدارة إسبانيا، فلماذا لم يُفعل الاختصاصات التي تؤول له بصفته قاضيا للتحقيق وفقا لقانون الإجراءات العقابية الاسباني؟ وخاصة تلك المنصوص عليها في المواد 166 وما يليه، والخاصة بالتبليغات والاستدعاءات، أو تلك المتعلقة بالأوامر والإنابات و المشار إليها في المادة 183 وما يليها من المرسوم الملكي بتاريخ 14 شتنبر 1882بمثابة قانون الإجراءات العقابية وآخر تعديل له بمقتضى القانون 5\2000 . سابعا: إن القاضي بابلو رافائيل لم يفعل ذلك ليقينه بعدم وجود كتابة قضائية إسبانية ولا شرطة قضائية اسبانية على الإقليم يمكن تسخيرها، وهما الجهازان المؤهلان قانونا لتنفيذ أوامره. واختار القفز عن تلك الإجراءات والأوامر وإصدار أخطرها باستعماله للمواد 503 و505 و539 من نفس القانون5\200 المتعلق بالمسطرة الجنائية بحيثية مفادها أن الادعاء العام، أي النيابة العامة أفاد بعدم العثور عليهم، رغم أن تلك الإجراءات تسبق قانونا الأمر بإلقاء القبض والإيداع في السجن. ثامنا: إن القاضي بابلو رافائيل يطلب من السلطات المغربية تسهيل عملية التعرف على المتهمين من رقم 8 إلى رقم 11، وهو في ذلك يتناقض واعتباره لإقليم الصحراء تابع في إدارته وسيادته شرعيا لإسبانيا، لأنه لو كان ذلك لسخر بنفسه تلك الإدارة وما احتاج إلى المغرب في سبيل التعرف على المتهمين. بالرغم من كونه قد يدعي مثلا أن هؤلاء يتواجدون في أقاليم مغربية أخرى، غير إقليم الصحراء مثلا. تاسعا: إن القاضي بابلو رافائيل ميز بين صنفين من الوقائع، الأول موجه ضد مجهول، وهي وقائع جلها يرجع إلى الحقبة الاستعمارية لإسبانيا، حيث كان الإقليم يخضع في إدارته الفعلية لإسبانيا، ومعروف من تولى إدارة الأركان والجيش والأمن الإسباني فيها، دون أن يعمد إلى الكشف عن هوية المتهمين والمشتبه فيهم المفترض أنهم من جنسية إسبانية ولا باشر التحقيق في تلك الوقائع، واختار التحقيق و تسطير الاتهام والمتابعة عن الوقائع من الصنف الثاني الموجهة ضد معلوم، وهم مغاربة، ومنهم من قدر عدم متابعته بسبب عدم كفاية الأدلة، مع التصريح بإمكانية ذلك مستقبلا، و في حالة ظهور آو تقديم أدلة جديدة. عاشرا: إن السبب في ذلك التمييز يكمن في درء القاضي السقوط في نفس الفخ والمصيدة التي سقط فيها غارسون بالتازار، عندما بدأ النبش والبحث والتحقيق في الجرائم المرتبطة بحقبة فرانكو والحرب الأهلية الإسبانية ضدا على قوانين الذاكرة التاريخية، كما أنه اختار أخف الضررين بتوجيه الاتهام لبعض المشتكى بهم من المسؤولين المغاربة، وجلهم من المتقاعدين، في حين اختار عدم متابعة نافذين إلى الآن في الإدارة المغربية. وهم المشار إليهم بالاسم في الفقرة الصفحة من القرار. وتوجيه برقية وتهديد إليهم بإمكانية ذلك مستقبلا في حالة تقديم آو ظهور أدلة. إحدى عشر: إن الأفعال التي من اجلها تابع بابلو رويث ترجع لسنوات ما بين 1975 و1991، وقدمت الشكاية بشأنها سنة 2007، أي بعد انصرام 32 سنة عن أول فعل مزعوم. وهي مدة تحقق فيها التقادم الجنائي وسقطت الدعوى العمومية، حسب المادة 130 من القانون العضوي رقم 10\1995 وتاريخ 23 نونبر بمثابة مدونة القانون الجنائي الإسباني. وإذا كان منطق القانون غائبا في صك وقرار الاتهام موضوع القراءة، فما هي الدوافع الخفية وراء هذا القرار؟ ثالثا: تاريخ إصدار القرار صدفة أم اختيار وانتقاء بدقة وعناية؟ بعد سلسلة من المشاكل والأزمات الدبلوماسية التي وقعت فيها إسبانيا بسبب أخذها بمبدأ الاختصاص العالمي، الذي كان يسمح لقضائها ومحاكمها بانعقاد ولايتها للنظر في جرائم يفترض أنها وقعت في الخارج وضحاياها ومرتكبيها ليسوا إسبان، و ضدا على مبدأ إقليمية القانون الجنائي، فكرت الحكومة الإسبانية الحالية أن الحل يكمن في إجراء تعديل يفك عنها ذلك العبء، وهو التعديل، الذي ما لم ترتضيه السلطة القضائية الإسبانية والأمنية على السواء تحت ذريعة أنه يمس بالحماية التي يوفرها القضاء الإسباني ضد خروقات حقوق الإنسان ويمس بالحقوق التي يضمنها الدستور. وبعد المصادقة تم حفظ مجموعة من الشكايات التي تؤرق الدبلوماسية الإسبانية، منها قضية الرئيس الصيني السابق ومسؤولين في الحزب الشيوعي الصيني ومسؤولين أمريكيين عن جرائم التعذيب في سجن غوانتانامو. إلا أن القاضي بابلو رافائيل رويت، صاحب القرار موضوع القراءة الحالية رفض التخلي عن الشكاية المرفوعة من قبل جمعية عائلات المفقودين والمختفين الصحراويين وادعى أنها تخضع لاختصاصه اعتمادا على الاختصاص الترابي وليس نسبة على الاختصاص العالمي والكوني، فهو يعتبر الصحراء ما تزال تابعة إلى إسبانيا. والأغرب من ذلك أن النيابة العامة بالمحكمة الوطنية تسانده في ذلك، وتنظر إلى مفهوم السيادة من منظور شرعي وليس واقعي خلافا لقانون السلطة القضائية وضدا على القوانين الاسبانية التي سردناها أعلاه. فهل خرج من بال القاضي أنه ينفث الروح في قوانين أفلت بانتهاء زمنها؟ أم يرمي تحقيق أهداف سياسية شخصية؟ أم أن الأمر يتعلق بلعبة كبرى تذكر بها إسبانيا أنها قد تدعي فعلا أنها لا تزال مسؤولة في نظر الأممالمتحدة عن لإقليم الصحراء؟ من المؤكد أنها رسالة اختير لها يوم 9 أبريل ، وهو يوم معلوم يصادف نفس يوم اجتماع مجلس الأمن للنظر في الحالة في الصحراء. أكيد انه ليس بمحض الصدفة. فهي رسالة لا شك أنها مقصودة تستدعي الرد والتعقيب !! * محامي بمكناس وخبير في القانون الدولي