متاعب المغرب تفتح آمالا للبوليساريو تكاثرت مصاعب ومتاعب المغرب المرتبطة بتدبير ملف نزاع الصحراء كما ونوعا منذ 2012، تاريخ تقديم الولاياتالمتحدةالأمريكية كعضو دائم في مجلس الأمن لتوصية بتوسيع مهام وولاية بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان. وقد شكل ذلك بالمقابل حدثا بمثابة الانتصار للبوليساريو والجزائر، إذ أحيى آمالا أفلت وإرادة يئست، بسبب اعتقاد البوليساريو ببداية تغيير أمريكا لنظرتها ورؤيتها حيال المغرب، الذي لطالما اعتبر حليفا استراتيجيا للغرب. ورغم سيطرة المغرب على الموقف، وسحب أمريكا للتوصية، قبل بدء مناقشات مجلس الأمن، فإن المغرب ما زال يجتر آثارها وتداعياتها السلبية، لتلقفها وتبنيها من طرف جهات ومنظمات أخرى في علاقاتها وتعاملها مع المغرب، وسعيها من أجل فرض منظومة ومرجعية حقوق الإنسان منهجا ومقاربة جديدة لفرض، أو الوصول لحل.. حقوق الإنسان والموارد الطبيعية وهكذا، فقد امتدت قضايا حقوق الإنسان والموارد الطبيعية في أقاليم الصحراء تثار في إبرام أو تجديد مجموعة من الاتفاقيات الثنائية أو المتعددة الأطراف، منها تجديد اتفاقية الصيد البحري والفلاحة مع الاتحاد الأوروبي، حيث سقطت في امتحان مصادقة البرلمان الأوروبي وأقر ببطلانها، وحصلت إجازتها فيما بعد بقبول المغرب لشرط إثبات إنفاق نسبة من العائد المالي في تنمية إقليم الصحراء وفي صالح سكانه. أما اتفاقية التجارة الحرة مع أمريكا، فقد استثنت من نطاق مجالها إقليم الصحراء. وهو شرط يمس في جوهره بسيادة المغرب على الأقاليم الصحراوية، كما أن بعض البرلمانات الأوروبية والأمريكية الجنوبية، منها برلمان السويد وايطاليا والدانمارك والبرازيل بدأت تخلق مشاكل وأعباء إضافية للدبلوماسية المغربية، بمصادقتها على توصيات تطلب من حكوماتها الاعتراف بالبوليساريو أو تدعوها لتشجيع توصية مراقبة المينورسو لحقوق الإنسان. تقرير الأمين العام نص ووثيقة مرجعية إلا أن ما تضمنه تقرير الأمين العام في ابريل 2014 من عبارات، اثناء وصفه لطبيعة النزاع او تشبيهه وتماثله لمؤسسات المغرب المشتغلة في مجال حقوق الانسان بمؤسسات البوليساريو، وفي حثه الاطراف للتعجيل في الوصول إلى حل سياسي، وفي تحديده جزاء تدخله لمراجعة اطار الحل الذي حدده منذ 2007، في ابريل الحالي في حالة عجزهم عن ادراك الحل. كل ذلك أثار ذلك حفيظة المغرب، الذي انتفض رافضا لاي مراجعة او تغيير او نقل، وعلق تعاون مع مسؤولي الاممالمتحدة ما لم يتلق توضيحات كتابية عن تساؤلاته المرتبطة بتحديد مهمة المبعوث الشخصي للأمين العام ورفضه مراجعة اطار الحل الحالي ورفضه اي نقل في اطار نظر النزاع الى الفصل السابع، ورفضه اي توسيع في اختصاص مهمة المينورسو لتطال حقوق الانسان خارج مهمتها الحالية في مراقبة بوقف اطلاق النار. وقد راهنت البوليساريو والجزائر كثيرا على مرجعية وثيقة تقرير الأمين العام حول الصحراء لسنة 2014 والخلاف المغربي مع الأممالمتحدة بسببها، وزاد من وهج آمالها توتر علاقات المغرب و فرنسا وتررد المغرب في توطيد علاقاته مع روسيا والصين، و كبرت تطلعات البوليساريو بحصول التركيبة الجديدة للأعضاء غير الدائمون لمجلس الأمن، التي تقلدتها دول تحسب على دعمها وموالاتها للبوليساريو، و هو ما شجع الأخيرة تصف موعد ابريل الحالي للمراجعة الدورية للحالة في الصحراء بالموعد الحاسم في النزاع او فاصلا بين السلام والحرب من خلال قيامها بمناورات عسكرية. المغرب يسيطر على المخاوف ويسترجع الصدارة ويحدد سقف التنازل إلا أن عودة واستئناف المغرب لتعامله مع مسؤولي الأممالمتحدة، منهم المبعوثة الخاصة ورئيسة بعثة المينورسو وبعدها المبعوث الخاص للأمين العام، بعد ضمان الأخير "بحيادية، وموضوعية ونزاهة مسؤولي الأممالمتحدة المكلفين بتسيير المهمة الأممية"، حسب بلاغ الديوان الملكي المغربي. وعودة الدفء لعلاقات المغرب مع فرنسا باستئناف التعاون القضائي وتبادل الزيارات منذ نهاية يناير 2014، ومرض محمد بن عبد العزيز رئيس جبهة البوليساريو، والكشف عن تقرير يتهم البوليساريو والجزائر بتحويل وسرقة المساعدات الإنسانية للاجئين في المخيمات، وانعقاد منتدى كرانس مونتانا في مدينة الداخلة ضدا على لائحة الاتحاد الإفريقي بمقاطعته، إضافة إلى أفكار جديدة، قد يكون المبعوث الشخصي للأمين العام بصدد تقديمها خارج المبادرة التقليدية للبوليساريو بالاستفتاء. كل ذلك أربك حسابات البوليساريو، وغيرت من لغة خطابها وتصريحاتها، وانتقلت من بأبريل الحاسم وسنة الحسم إلى سنة أخرى ستضيع، والتشكيك في طبيعة الاتفاق المغربي مع الأممالمتحدة، وتوجيه سهام النقد والانتقاد لفرنساواسبانيا. ورغم المتغيرات الجديدة لصالح موقف المغرب، التي لا تلغي ولا تغير من أهمية موعد ابريل المقبل بقدر ما تزيده اشتعالا. لأنها تضع البوليساريو والجزائر على حد سواء محل تساؤل ومساءلة، ما بين ضرورة الوفاء للاجئين في مخيمات تندوف بوعود الحسم في ابريل 2015، عن طريق تثبيت أجل محدد للاستفتاء. ويستندون في ذلك على تقرير الأمين العام للأمم المتحدة للسنة الماضية 2014 من جهة، وبين ما انجلى لهما من ضعف احتمال تدخل مجلس الأمن لإجراء مراجعة للإطار المحدد منذ 2007، أو تطوير لمهمة المينورسو وتكليفها بمراقبة حقوق الإنسان، أو إقامة آلية أخرى تهتم بمراقبة حقوق الإنسان من جهة أخرى. وهو ما جعل البوليساريو تبحث عن ذريعة تغطي به احتمال حصدها لنتيجة العجز في انتزاع تغيير جذري وحاسم في وجهة نظر مجلس الأمن. فما هي أشكال وصيغ وسيناريوهات المناورات والتكتيكات التي قد ينهجها للبقاء على وصف اصبغه على ابريل بالحاسم، ويخفف به من وطأة قرف وصدمة احتمال عدم خروجه عن المعتاد؟ من الناحية القانونية، وتبعا لقاعدة اتخاذ القرارات من داخل مجلس الأمن. فان وجود دول مدافعة عن البوليساريو مثل فنيزويلا او نيجيريا أو أنغولا او نيوزيلاند أو الشيلي ووجود اسبانيا كدولة مستعمرة سابقة، باعتبارهم أعضاء غير دائمين بمجلس الأمن منذ يناير 2015، هو وجود لا يجدي نفعا وغير مؤثر، لأنه غير كافي وغير مرجح لاستصدار قرار من مجلس الأمن لصالح البوليساريو، لحاجتها الى أصوات الدول الخمس دائمة العضوية دون استثناء. دون أن يحول ذلك من نيل البوليساريو لنصيب من مرافعات سفراء تلك الدول، تؤيد تقرير المصير وتطالب بتحديد موعد للاستفتاء، وتطالب بتكليف المينورسو لمراقبة حقوق الإنسان وبوقف استنزاف الثروات الطبيعية وغيرها من دفوعات البوليساريو. وخارج هذه الفرضية بمثابة حاصل معنوي، فان المؤشرات الحالية تستبعد وجود نية لدى الدول أعضاء مجلس الأمن الدائمين لتقديم توصية أو مشروع لقرار يفرض حلا أو يحدث واقعا أو يطور آليات أممية قائمة في الصحراء. ويغذي هذا التخمين الوضع الإقليمي المضطرب في أكثر من بؤرة بشمال إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب الصحراء، ومن شأن المجازفة بخطوة بفرض ذلك تحويل المنطقة إلى بؤرة جديدة للتوتر، يضاعف منه سبقية تصريح المغرب لعدم قبوله لأي تغيير يطال الأوضاع والمؤسسات الأممية الحالية. بل انه هدد برفض وساطة الأممالمتحدة في حالة إجرائه، و أبان عن جدية في تنفيذ وعيده، بتعليق تعامله مع مسؤولي الأممالمتحدة، لم يستأنفها إلا بعد تلقيه ضمانات بالتزام الحياد ونال تقديرا لتعاونه ومساهماته في عمليات الأممالمتحدة في المحافظة على الأمن الدولي وفي محاربة الإرهاب والتعصب. فماذا بقي من وصفات وخيارات بعد إقصاء إمكانية تدخل مجلس الأمن لمراجعة إطار المفاوضات المحدد منذ 2007؟ السيناريو الأول: العمل العسكري وشيك لو أُدِين طرف بمسؤولية تعثر المفاوضات؟ بقيت البوليساريو رهينة مرافعاتها ودفوعاتها التقليدية بالاستفتاء لتقرير المصير، وزادت منها بتعبئة اللاجئين بأبريل الحاسم، مستندة في ذلك على التوصية 93، من تقرير الأمين العام لسنة 2014، التي جعلت منه آخر أجل لوصول الأطراف لحل سياسي، تحت طائلة تدخل مجلس الأمن لمراجعة الإطار الحالي للمفاوضات. وهو ما أولته البوليساريو مناصرة من مجلس الأمن لصالحها، وتنظر إليه تحولا في نظرته للنزاع واحتمال نقله إلى الفصل السابع، فلجأت إلى تكثيف المناورات العسكرية والتهديد باستئناف الحرب والقتال لتوفير الضغط، لعله ينجح في حمل مجلس الأمن على تنفيذ المراجعة للإطار الحالي في إطار الفصل السادس؟ فهل تفي البوليساريو بتهديدها؟. قد نميل إلى استبعاد ذلك بحجة أن البوليساريو لن تبادر بفعل يعجل بنهايتها، لأنها ستكون مسؤولة عن العواقب وعن نتائجها، وقد تلصق بها تهمة الإرهاب التي رفعها المغرب في مواجهتها. ومع ذلك فنشوب الحرب واستئناف القتال معطى لا يمكن تجاهله، فكل شيء وارد مع طبيعة البشر. وستكون هذه الفرضية وشيكة جدا لو صدر تقرير عن مجلس الأمن تقريرا يحمل المغرب مسؤولية فشل المفاوضات. وهنا مكمن خطورة إحاطة المبعوث الشخصي للأمين العام كريستوفر روس التي تسبق التقرير. بالنظر إلى سابق ما عبر عليه من رأي مماثل في الرسالة السرية، الموجهة منه الى عشر دول منها دائمة العضوية بمجلس الأمن والدول أصدقاء الصحراء. السيناريو الثاني: هل تنوب البوليساريو عن الأممالمتحدة في تقديم مشروع سياسي جديد؟ إذا كانت الأممالمتحدة في إطار الوضع القانوني الحالي، لن تستطيع فرض حل على الأطراف، وزاد من تعقيدها رفض المغرب لأي تغيير في ذلك الإطار أو حل خارج عرضه ومقترحه بالحكم الذاتي أو رفضه لوساطة الأممالمتحدة . فان البوليساريو بدورها لم تتزحزح عن موقفها بالاستفتاء قيد أنملة تطالب، بل إنها باتت تطالب بجعل ابريل موعدا لتحديد موعده كحل لمنع الصراع من العودة إلى المرحلة الأولى، ولأن في عدم تنفيذ ذلك، له تأثير سلبي على تعاونها مع الأممالمتحدة، وقامت بثلاث مناورات عسكرية لإظهار جاهزيتها، يقابله تأهب وأهبة دائمة لدى الجيش الملكي المغربي يؤكده مشاركته في ثلاث عمليات الآن خارج حدوده بآلاف الكيلومترات. كل هذه الوقائع تنذر باحتمال وقرب استئناف القتال . وقد يراد بها لدى البوليساريو قضاء حاجتين اثنتين؛ ضمان تأييد الجبهة الداخلية وفرض ضغط على المجموعة الدولية لعلها توفي بوعدها في ابريل الحالي او ينتزع على الأقل قرار بمراقبة حقوق الإنسان أو حديث حول الموارد الطبيعية. السيناريو الثالث، تمديد عمل المينورسو ودعوة الأطراف لاستئناف المفاوضات أكيد أن موعد ابريل سيظل يحتفظ بأهميته إلى أن يكشف عن سر لغزه، وقد تكون الأممالمتحدة الآن بصدد البحث عن مخرج تدفع به إحراج ما سقطت فيه في التقرير السابق لسنة 2014، بتحديدها لموعد ابريل الحالي كأجل أقصى لوصول الأطراف إلى حل سياسي، وبحلوله دون ذلك فستتدخل لمشاركتهم في صناعة الحل، أو في فرضه بالرغم من كون الإطار القانوني الحالي يقيدها في ذلك. ولربما يسعى المبعوث الشخصي للأمين العام كريستوفر روس إلى فك تلك العقدة بتشجيع وإقناع البوليساريو بنهج تلك الخطوة. فهو المؤهل لتقديم ذلك لأنه يوصف لدى الأممالمتحدة بالطرف. أكيد انه لو فرض عليها الاختيار فسيميل حتما إلى اختيار مشروع الكونفدرالية، فهو النظام السياسي الأقرب لشكل دولة مستقلة. ولو صح هذا الرأي، فسيكون مخرجا آمنا للأمم المتحدة، وسيجد المغرب نفسه في موضع المحرج، لأن مثل تلك الخطوة ستظهر البوليساريو بمظهر المتعاون للوصول إلى الحل بدعوى أنها تجاوزت مقترحها السابق بالاستفتاء. وسيحشد لها ذلك التأييد والتعاطف الدوليين، ويضعفها في نفس الوقت أمام اللاجئين لتجاوزها مبدأ تقرير المصير بالاستفتاء، الذي قام عليه كيانها. وهو ما جعل قادتها يستبقون الإشاعات بمشروع جديد من جهتها بالنفي. وفي جميع الأحوال فان جميع هذه المؤشرات والمعطيات الجديدة لا تحتمل أكثر من صدور قرار جديد بتمديد لعمل المينورسو لسنة أخرى ودعوة الأطراف لاستئناف المفاوضات ومطالبة المبعوث الشخصي بتقديم إحاطة جديدة في أكتوبر. *محامي بمكناس وخبير في القانون الدولي لحقوق الإنسان