على الرّغم من أنّ قانون الأبناك الإسلامية (أو التشاركية في صيغتها المغربيّة)، دخلَ حيّز التنفيذ، بعد أن صادق مجلس المستشارين على قانونها المنظّم، شهر أكتوبر الماضي، إلّا أنّ طبيعةَ هذه البنوك ما زالتْ تثيرُ العديدَ من الأسئلة، والهواجس أيضا، بخُصوص ما إنْ كانتْ ستُبْني على المعايير المُتعارف عليْها، أمْ أنَّها ستخضعُ "للمغربة" حينَ دخولها إلى أرض المملكة. هذه التساؤلات والهواجسُ بَسَطها خبراء في ندوة نظمتها جمعية خرّيجي معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بقاعة المحاضرات في مدرسة علوم الإعلام يوم السبت بالرباط، حوْل موضوع "التمويل الإسلامي: الرهانات والآفاق"، ولمْ يُخْف أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة محمد الخامس، الذي يُعتبر من أكبر المُدافعين عن إنشاء البنوك الإسلامية، أنّ البنوك التشاركيّة التي سيتمّ إنشاؤها في المغرب لن تكون سوى "نموذج مصغّر ومُبسّط للبنوك الإسلامية". وقالَ الكتّاني إنّ الأصل في بُلدان العالم الإسلامي، هو الانتقال من المصارف الإسلامية إلى المصارف الربوية، لأنّ الاقتصادَ الإسلاميَّ كانَ قائما منذ فجْر الإسلام، "لكنّ العكسَ هو الذي حصلَ للأسف في المغرب"، يقول الكتاني، وأضاف أنّ البنوك التشاركية في المغرب ستقتصر فقط على الجانب التجاري، ولنْ تمتدّ أنشطتها إلى مجالات الاستثمار والتنمية الاجتماعية، مُعتبرا أنّ المغربَ أخذ فقطْ من البنوك الإسلامية "أسهل النماذج، وهي البنوك التجارية". وأبْدَى الكتّاني مخاوفَه من أنْ يتمّ تحريفُ حتّى المصارف التجارية التشاركية عن المسار المُحّدد لها في نظام التمويل الإسلامي، قائلا "أخذْنا فقطْ من التمويل الإسلامي الجُزءَ القابل لأنْ يُحرّف"، وأضاف أنَّ التمويل الإسلامي لا يقتصر فقط على المصارف التجارية، بلْ يشمل أيْضا -على غرار ما هو موجود في دُول الخليج- البنوك الإسلامية الاستثمارية والبنوك الإسلامية للتنمية والبنوك الاجتماعية الإسلامية. وعلى الرّغم من أنّه اعتبرَ الانتقال من المصارف الربويّة إلى المصارف الإسلامية بَدل العكس "أمرا مؤسفا"، وعلّق على ذلك بالقول "هذا معناه أنّ وْلْد الحرام غادي يْولد الحْلال"، إلّا أنّ الكتّاني اعتبرَ أنّ هذه المرحلة الانتقالية "يُمكن تقبّلها"، من بابِ أنّ "الكافر حينَ يدخل إلى الإسلام يُسْلم تدريجيا"، وشرَح أنّ المواطنين الذين سيتعاملون مع البنوك التقليدية، بعد أن تخلق فروعا تشاركية، "سيرتاحون من الناحية النفسية". من جهته اعتبرَ منصف بنطيبي ممثل الجمعية المغربية للاقتصاد الإسلامي، أنّ فتْح المغربِ أبوابه أمام الأبناك الإسلامية، وكانَ آخرَ بلدٍ عربيّ يُرخّص لهذه الأبناك، "تمّ بشكل محتشم جدّا"؛ وقدّم بنطيبي أرقاماً حوْل تعامل المغاربة مع المصارف التقليدية، بحسب دراسات أعدّها البنك الدوليّ، وكشفت الأرقام التي قدمها بنطيبي، أنّ 77 في المائة من سكّان دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا -منهم المغاربة- لا يتوفرون على حسابات بنكية، لعدم امتلاكهم مالاً يضعونه في البنك. وكشفت أرقام دراسات أخرى قدّمها بنطيبي، أنّ مجموع الودائع لدَى المصارف المغربيّة مجتمعة، بلغتْ، معَ متمّ سنة 2013، ما مجموعه 721 مليارَ درهم، في حينِ أنّ القروض التي قدّمتها هذه الأبناك لزبنائها بلغتْ 723 مليارَ درهم، وعلّق بنطيبي على الرقمين بالقول "هذا معناه أنّ الأبناك أقْرضتْ أكثر مما جمعتْ"؛ أمّا جمعيات القروض الصغرى، فلمْ يتعدّ جاري القروض التي أقرضتْها زُبناءَها 5 ملايير درهم، مُعتبرا أنّ الرقم يدلّ على أنّ تأثير جمعيات القروض الصغرى "محْدود". وفي ضوء هذه الأرقام قال بنطيبي إنّ التحدّي الكبير أمام المغرب الذي يستعدُّ لمنْح التراخيص للبنوك التشاركية، لا يتمثّل في رفْع "الحرَج" عن الناس، من خلال فتْح مصارف تتلاءم مُعاملاتها مع قناعاتهم الدينية، بلْ في العمل على تعزيز التنميّة الاقتصادية والاجتماعية، من خلال الاستغلال الأمثل للموارد المالية، وقال "على منْ يقوم بالتمويل أن يتحمّل المخاطر، عوض أن ينتظر الأرباح فقط، وهذا سيساهم في توظيف الطاقات والخِبْرات في جميع المجالات، وإدماج الخرّيجين العاطلين في سوق الشغل". وتحدّث مهدي لحلو، وهو أستاذ جامعي بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي عن التمويل الإسلامي، قائلا إنّ هناك "جهلا بالمعطيات الاقتصادية والدّينية"، موضحا أنَّ القرآن لا يتضمّن كلمات من قبيل الاقتصاد والمصارف والقيمة، "وهذا ليْس ضُعفا في القرآن، وإنّما لأنّ الواقع الحالي لمْ يكنْ معروفا حينَ نزَل القرآن، وبالتالي كانَ مستحيلا الحديث عن أشياء غير موجودة في حياة الناس حينذاك".