لم يخلُ اللقاء الذي نظمته ترانسبارنسي المغرب اليوم في الرباط وحضره الوزير محمد الوفا من أجواء مثيرة، إذ اتهم هذا الأخير بعض المقاولات بدفع رشاوى للفوز ببعض الصفقات، مدافعًا عن الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة " ICPC" التي تطالها انتقادت الجمعويين، مشيرًا في سياق آخر إلى أن مشروع قانون الحصول على المعلومة سيُعرض في الأيام المقبلة على مجلس النواب لغرض المصادقة. واعترف الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة بوجود مستوييْن للرشوة في المغرب، رشوة كبرى تتوّغل في الصفقات العمومية وفي تبادل الامتيازات بين رجال الأعمال والسلطة، وهي الرشوة التي تحاول الحكومة الحد منها عبر إقرار الشفافية في الصفقات العمومية. أما المستوى الثاني فهو رشوة صغرى تستشري في إدارات الأمن والمستشفيات وما إلى ذلك من المصالح العمومية، وهو المستوى الخطير الذي لا يمكن تجاوزه إلّا بمساهمة المواطنين. وحمل محمد الوفا في هذا اللقاء الذي نظمته ترانسبراني المغرب بدعم من مؤسسة هنريش بول، خبر عرض مشروع القانون المتعلق بالحصول على المعلومة على مجلس النواب في الأسبوع القادم، مشيرًا إلى أن الحكومة صادقت على المشروع من الناحية المبدئية، وشكّلت لجنة تقنية لدراسة جوانبه، وهو الخبر الذي أثار حفيظة رشيد الفيلالي المكناسي، ممثل ترانسبارني المغرب، الذي سخر ممّا اعتبره وجود حكومتين: حكومة تصادق مبدئيًا، وحكومة هي من تأخذ القرار النهائي. و نتقد رشيد الفيلالي كذلك خطاب محمد الوفا عندما تحدث هذا الأخير عن أن دورICPC سيكون كبيرًا في محاربة الرشوة وستمنحها الحكومة دورًا استباقيًا عن وزارة العدل، كما أن تركيبتها ستخضع لهيكلة خاصة بتعيينات من الملك ورئيس الحكومة، فضلًا عن أنها ستموّل من الدولة، وهي المحددات التي اعتبرها الفيلالي ضربًا لاستقلالية هذه الهيئة. وأضاف الفيلالي في معرض انتقاداته لكلام الوفا أن الدولة المغربية تشرّع ما يحدّ ويخرق الحق الإنساني في الحصول على المعلومة، فالمشروع الأخير الذي صادقت عليه الحكومة يمارس الوصاية على المواطنين، وذلك دون أن تمنح الحكومة أيّ أهمية لآراء المجتمع المدني، معطيًا المثال بهذا اللقاء، إذ إن "الوزير الوفا قدِم للترفيه فقط عبر إخباره الحاضرين بعرض المشروع على مجلس النواب للمصادقة دون الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات الكثيرة التي أبدتها التنظيمات الجمعوية". وتعجّب الفيلالي من عدم تخويل الشرطة القضائية صلاحية العمل مع هيئة مكافحة الرشوة تحت غطاء التدخل في استقلاليتها علمًا أن هذه الشرطة تابعة لوزارة العدل والحريات وتعمل تقريبًا في جميع الميادين، قبل أن ينتقل في انتقاداته إلى مستوى الدستور، عندما قال إن هذه الوثيقة لا تمكّن إلّا المواطنين من الحصول على المعلومة، بمعنى "إقصاؤها لمن لا يحملون هذه الصفة"، كما أن مشروع القانون المذكور يحصرها فيما يخصّ الأجانب في أولئك المقيمين فقط، مستدلًا على قصور المشروع بحماية محتملة لبعض الأجانب، ومنهم زوجة الأمير القطري الذي لمّح إلى شرائها مساحات أرضية بالمغرب. محمد الوفا الذي ظهر هادئًا في مداخلته الأولى، ارتفعت نبرة صوته وهو يتفاعل مع انتقادات الفيلالي لكلامه، فقد تحدث عن عدم وجود أيّ خرق دستوري في المصادقة المبدئية للحكومة على مشروع الحصول على المعلومة، مدافعًا عن الأطر الذي صاغت هذا المشروع وواصفًا إيّاها بصاحبة الكفاءة، مستطردًا أن "كل قانون لا يوضع إلّا لتبيّن الممارسة اختلالاته وأنه لا يوجد قانون مكتمل على وجه الأرض". وبحدة رافقها ترديده لعبارة "الله يهديكم على بلادكم"، قال الوزير إنه يمكن لأيّ مواطن الاطلاع على المعلومات الخاصة بما ابتاعته الزوجة القطرية لدى المحافظة العقارية، قبل أن ينتقل إلى جَلد حكومة عباس الفاسي، عندما أشار إلى هذا الأخير اعتقد أنه سيبقى وزيرًا أولًا مدى الحياة، وقام بالكثير من الأخطاء في مجموعة من مشاريع القوانين. وعلى امتداد مداخلته الثانية التي لم تخلُ من قفشات، أكد الوفا أنه لا يوجد شيء اسمه "التأويل الديمقراطي للدستور" بل هناك نص دستوري واضح وكل خلاف حوله يجب أن يعود إلى المجلس الدستوري، مدافعًا عن فكرة اختيار الحكومة لأعضاء داخل هيئة محاربة الرشوة، إلّا أنه لم يشأ الحديث عن الاختصاص الملكي في تعيين رئيسها، مبرّرًا ذلك بقوله" ماشي شغلي. نتكلمو حنا دابا غير على الحيوط الصغار".