شهر العسل بين إيران والذهب الأسود، الذي دام أكثر من قرن من الزمان، يقترب رويداً رويداً من نهايته. وخلال السنوات القليلة القادمة سيصبح إلى الأبد، حدثاً في التاريخ. البترول، هذه الثروة الثمينة يمكن اعتبارها بلا ترديد أحد أهم العوامل تأثيراً في تاريخ إيران المعاصر، الذي لم يقتصر ظهور آثاره الإيجابية والسلبية على الحياة السياسية والاجتماعية للدولة الإيرانية فحسب، بل شملت حتى المواطن الإيراني العادي. وقد انبرت الكثير من المنابر الإعلامية في إيران إلى تشريح هذه العوامل وتبيين أبعادها وتحليل تمظهراتها. وخَلُصت جميعها إلى أن الزمن الجميل، زمن البترول اقترب من نهايته. وبدأ في التبلور عصر جديد في إيران، وهو عصر "إيران بلا بترول". ارتبط الاقتصاد الإيراني طيلة القرن الماضي بشكل عضوي بالثروة البترولية، التي ظل مرتهناً إليها، حاله كحال المدمن لا يقدر على ترك آفته. ولم يتمكّن هذا الاقتصاد طوال هذه السنين، من أن يضع في حسبانه نضوب هذه الثروة وعودة البلاد إلى مرحلة ما قبل البترول. وكأن كأس النفط أسكرت الجميع حد الثمالة لدرجة لم يفكر أحد في مرحلة الصحو بعد هذا السكر. وبلغة الأرقام التي أوردتها الجرائد الإيرانية، فقد بلغت قيمة مبيعات الذهب الأسود خلال المقطع التاريخي المذكور 1200 مليار دولار.وما زالت إيران إلى اليوم تستخرج البراميل النفطية من آبارها في الجنوب، على ضفاف الخليج العربي، لكن من المؤكد، أنها لن تغتني منه كما كال الحال في المائة سنة المنصرمة. من الآن فصاعداً، ستكون مداخيل هذه الثروة بمثابة مصروف الجيب، ينقص مع مرور الوقت إلى أن ينتهي ويجف تماماً. انقضى ذلك العهد الذي كانت تستثمر فيه إيران عائدات البترول في المشاريع العمرانية الكبيرة والبنيات التحتية الضخمة وبناء الدولة. وباتت اليوم مداخيل النفط التي تقدر بحوالي 70 ألف مليار تومان في السنة (أكثر من عشرين مليار دولار أمريكي) لا تكفي حتى لتغطية رواتب موظفي ومتقاعدي الدولة المقدرة بحوالي 80 ألف مليار تومان. هذا في الوقت الذي يتضخم فيه غلاف الرواتب، ويزداد عدد الموظفين سنة بعد أخرى، وفي المقابل يشهد سعر البترول تقهقراً مطّرداً ومستمراً. ومن المتوقع، حسب الخبراء، أن يطول زمن اندحار سعر البرميل كثيراً. وهناك توقعات بأن يتقهقر سعره حتى 35 دولار للبرميل ويستقر عليه.ونظرة واحدة إلى وتيرة خفض الشركات العالمية الكبرى كشال وبريتيش بتروليوم لاستثماراتها في قطاع النفط تدل على أنها خططت لمستقبلها على أساس تسعيرة متدنية للبترول. في الفترة التي كان فيها سعر البرميل ثابتاً ولسنوات، في ما فوق المائة دولار، وجدت الاستثمارات في قطاع الطاقات غير البترولية مبرراتها الاقتصادية، ونمت بسرعة. وعلى سبيل المثال، فإن تكلفة إنتاج الألواح الشمسية التي كانت جد باهظة، باتت بفضل الأبحاث المنجزة خلال العقد الأخير أقل تكلفة، وتقلص سعرها خلال السنوات الست الأخيرة إلى النصف، ويتوقع أن يستمر هذا النزول.من ناحية أخرى فإن السعودية، وهي أكبر دولة منتجة للبترول، تستمر في الرفع من إنتاجها لخفض سعر البترول أكثر، وذلك بغية مواجهة ورود الطاقات غير النفطية إلى مجال الاقتصاد. كما أن كبار مستهلكي الطاقة في العالم خططوا، بشكل جدي وهادف، لتجاوز مرحلة البترول. وكمثال على ذلك فإن ألمانيا بصدد تأمين نصف احتياجاتها الطاقية من السماء (الشمس والريح)، ولأجل هذه الغاية قامت بتوسيع حقولها للطاقة الشمسية والريحية وتعطيل المفاعلات التي تعمل بالطاقة الأحفورية.كل هذا يدل على أن الطاقة النفطية لن تضطلع بأي دور في المستقبل المنظور. وفي إيران، أيضاً، وفي غضون السنوات القليلة المقبلة، فإن الإيرادات المحصلة من مبيعات البترول سوف تغطي فقط جزءاً من الأجور قبل أن يتساوى ميزان إنتاج البترول مع مستوى الاستهلاك الداخلي، وتخرج إيران، نتيجة لذلك، من نادي الدول المصدرة للبترول. وهو سيناريو قريب الوقوع. لذلك، على أصحاب القرار، والشعب أيضاً، أن يدركوا أن إيران لم تعد بلداً بترولياً، كما كانت قبل مائة عام. فالموارد المالية للبترول اليوم هي أقل من كتلة الأجور، وتتقزّم، سنة بعد أخرى.لذلك، فعصر العسل وفترة الكسل أزفت آزفتهما، وشعار (أموال النفط لتأمين العيش) هو في طور التغيير والتحول إلى مجرد ذكرى جميلة.