قرأت ما عممه السيد أحمد عصيد على بعض وسائل الإعلام، تحت عنوان "من أساء إلى الشعر وإلى جائزة الشعر؟". ولم أكن لأرد على هذا الرجل الذي يقتات ثقافيا على ما يثيره بين الحين والآخر من قضايا سجالية لا تخدم الثقافة المغربية في شيء، لولا أنه ذكرني بالاسم، وجعل مني بين عشية وضحاها عضوا استثنائيا داخل لجنة الشعر يمتلك حق توجيه عملها، في حين أنني لم أكن سوى واحد من خمسة أعضاء. قد يكون لي رأي خاص، أسوة بباقي الأعضاء، ولكنني في جميع الأحوال لا أمتلك إمكانية استمالة الآخرين كي يتبنوا هذا الرأي بمن فيهم السيد عصيد، ولا أرضى ذلك لنفسي. والحال أن قرار حجب الجائزة قد اتخذ بالإجماع. ولكن صاحب "التوضيح" الذي يبدو أنه ألف أن يفكر بمنطق نظرية المؤامرة أبى إلا أن يشيطن عمل لجنة الشعر الذي كلف الزملاء من أعضائها ساعات طوالا من الجهد والوقت كي يبرر فيما يبدو عجزه عن الوفاء بوعد قد يكون قطعه على نفسه تجاه جهة ما. يزعم السيد عصيد أن ما دفع الشاعر محمد بنطلحة إلى سحب ترشيح ديوانه يعود لعمل مدبر، يتمثل في أنني سربت مداولات اللجنة إلى الشاعر أو الناشر. وللتذكير فإن عملية السحب تمت في وقت اختارت فيه اللجنة بالإجماع ديوان بنطلحة ضمن ثلاثة أعمال كان من المفروض أن تبت فيها. مما يعني أن سبب السحب كان يعود لدوافع أخرى غير ما ذهب إليه التوضيح المزعوم. ولماذا لا يكون السيد عصيد الذي لم يرشح الشاعر بنطلحة لنيل الجائزة في أية مرحلة من مراحل الانتقاء هو من أشاع أن حظه في الفوز ضئيل مما حدا بالناشر إلى سحب ترشيحه، وبهذا يتخلص عصيد من حاجز كان يقف دون الوصول إلى هدفه المبيت. ومن كانت له مصلحة في أن يسحب الشاعر بنطلحة عمله، هل هو من يدافع عن أحقيته في نيل الجائزة أم من لم يرشح عمله على الإطلاق؟ شيطنة عمل لجنة الشعر لم تقتصر على الزعم بوجود تسريب لمداولات اللجنة، بل طالت أشخاصا آخرين قال السيد عصيد إنهم مارسوا عليه ضغوطا كي يمنح الجائزة لبنطلحة، واصفا ذلك بأنه ابتزاز. وعصيد هنا يسوق نفسه باعتباره صاحب القرار في إسناد الجائزة لهذا الشاعر أو ذاك في حين أن الأمر موكول بالتساوي لكل أعضاء اللجنة. وبغض النظر عن تضخم الذات الذي يعبر عنه الرجل، فإن العبرة ليست في أن فلانا قد اتصل بعلان لصالح مرشحة أو مرشح، بل العبرة في الأخذ بهذا الاتصال من عدمه. ولكن عصيد الذي يعتقد أنه يمتلك الحل والعقد داخل اللجنة توهم أنه وحده من تلقى اتصالات هاتفية. ولا أذيع سرا إن قلت إني شخصيا تلقيت اتصالات هاتفية من أشخاص يحتلون مكانة في الواجهة الثقافية لصالح عمل غير عمل محمد بنطلحة، ولكني لم أعر اهتماما لهذه الاتصالات التي اعتبرها "عادية" في مثل هذه المواقف. من أجل هذا تحفظت داخل اللجنة عن استعمال كلمات "التسريب" و"الضغط" و"الابتزاز". وقلت للزملاء أعضاء اللجنة إننا عندما نتكلم عن التسريب ينبغي أن نعي ما نقول، لأن ذلك يجب أن يتبع بتحديد المسؤول عن التسريب المفترض، وأن تتخذ اللجنة موقفا جماعيا ممن سرب إن وجد، وكان على صاحب التوضيح آنذاك أن يشير إلي بالبنان، وعندها نتكاشف داخل اللجنة وندين من سرب مداولاتها، إن كان هناك من سرب فعلا. وما زلت عند رأيي الذي عبرت عنه داخل اللجنة، ومفاده أن ناشر عمل الأستاذ محمد بنطلحة عمد إلى سحب الديوان من الترشيح لأسباب وصفها بأنها موضوعية، وقد لا ترتبط بالضرورة بعمل لجنة الشعر ولا بتقويمها للعمل. ولكن السيد عصيد الذي عجز عن إقناع أعضاء اللجنة بالعمل الشعري الذي كان منذورا للدفاع عنه، راح يبحث عن مشجب يعلق عليه فشله في الوفاء "بالتزاماته" تارة بالقول إن مداولات اللجنة قد تم تسريبها وتارة أخرى بالزعم بأنه تعرض لضغوط من جهة ما. إن هذا يثير تساؤلات كبيرة عن معايير تشكيل لجن جائزة المغرب وجائزة الشعر بالخصوص، ذلك أن هذه اللجنة قد تم انتقاء أعضائها وفق معرفتهم باللغات التي كتبت بها الأعمال المرشحة. وقد اختير عصيد لهذه اللجنة لأن من الأعمال المرشحة ما هو مكتوب باللغة الأمازيغية. ومن المفارقات في حياة السيد عصيد الثقافية أنه لم يرشح في أية مرحلة من مراحل مداولات اللجنة عملا مكتوبا بالأمازيغية. ولا غرابة في ذلك لأنه التحق باللجنة كي ينتصر لعمل محدد مسبقا. ولكنه لم يعرف كيف يدافع عنه لقلة خبرته بالشعر العربي، فاختار الهروب إلى الأمام، كي يعطي دروسا للمثقف المغربي في الأخلاق هو نفسه في أمس الحاجة إليها. والآن وقد أصبحت مداولات اللجنة في ملك كل من يرغب في الاطلاع عليها، فإني مصر على ما أعلنته أمام الزملاء الذين أكن لهم احتراما وتقديرا كبيرين، وفحواه أن حجب الجائزة لهذه السنة هو انتصار للشعر المغربي ضد الإسفاف والتمييع. كما أعلن باعتزاز كبير أنني دافعت باستماتة وبموضوعية في نفس الوقت عن عمل الشاعر المغربي الكبير محمد بنطلحة، ليس لأن هذا الشاعر الفذ ساهم في صياغة المشهد الشعري المغربي على مدى أربعين عاما فقط، وليس لأن أعماله تدرس في أكبر الجامعات العربية والمغربية فحسب، ولكن أيضا وأساسا لأن ديوان "أخسر السماء وأربح الأرض" عمل يختزل هذه التجربة الشعرية الغنية ويضيف إليها. من أجل هذا فإنه لو قيض للعمل أن ينال الجائزة لكان ذلك تشريفا لجائزة المغرب للكتاب قبل أن يكون تشريفا لهذا الشاعر الكبير الذي لم يسع أبدا لأية جائزة. وختاما فإني أبدي عجبي من أن السيد عصيد ذكرني في "مكتوبه" بالاسم، وكال لي تهما جزافية تفتقر إلى أي دليل، الشيء الذي يجعل ما جاء في "توضيحه" يقع تحت طائلة القانون، وهو حق أحتفظ به لنفسي عند الضرورة.