منذ ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، المعروف اختصارا ب"داعش"، والعالم يحبس أنفاسه من فرط ما يتواتر من أخبار لهذا التنظيم المنبثق عن القاعدة، بدء بسورياوالعراق، وانتهاء بليبيا ومصر، حتى بات ظاهرة سياسية وإعلامية بامتياز. وأثبتت "الدولة الإسلامية" في العراق والشام أنها "الأقوى والأكثر ديناميكية" بين كل المجموعات الجهادية بالعالم العربي والإسلامي، من خلال سيطرتها على مساحات واسعة من الأراضي في سورياوالعراق، وتمكنها من إلحاق الهزيمة بالقوات العراقية واحتلال الموصل في يونيو 2014. وبإعلان التحالف الدولي شن حرب ضروس ضد تنظيم أبي بكر البغدادي، من طرف الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، وهو التحالف المكون من أزيد من 18 دولة توزعت عبر كل قارات العالم، اختلفت الآراء وانقسمت المواقف بين مؤيد ومعارض لهذا التحالف الدولي. هسبريس حاولت سبر آراء قرائها بعرضها لاستطلاع رأي حول هذا الموضوع، فقام بالتصويت عليه 36.382 مشارك، وكانت النتيجة أن رفض 20723 شخص، أي 57 % من مجموع المصوتين، مشاركة المغرب في التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، بينما أيد انضمام المغرب لهذا التحالف 15.659 شخصا، بنسبة 43 %. مشاركة المغرب في التحالف مشاركة المغرب في تحالف دولي ليست الأولى من نوعها، فللمغرب مشاركات عديدة عبر تاريخه، في أدغال إفريقيا، وفي البوسنة والهرسك وكوسوفو، وغيرها من مناطق العالم، لكنها كانت دائما تحت ستار أممي، وبقرار من منظمة الأممالمتحدة. ويتذكر البعض الخطاب الشهير للملك الراحل الحسن الثاني في بداية التسعينيات حول المشاركة في التحالف الدولي الذي شكل للحرب ضد العراق، حيث قال "حينما وقع احتلال الكويت من طرف العراق كان موقفنا واضحا لا غبار عليه، موقف يجعل المغرب لا ينحاز لهذا ولا ذاك.." الموقف المغربي كان دائما ينزع نحو الوسطية، وعدم الانجرار إلى الخيار العسكري، إيمانا منه بالمقاربة السلمية، ومنهج الحوار بين كافة أطراف النزاع، مع التأكيد على رفض الإرهاب بمختلف أشكاله. هذا المعطى جعل الغموض يكتنف قرار مشاركة المغرب من عدمه في التحالف المشكل ضد "داعش"، حيث لم يدر بخلد المغاربة أن يكون بلدهم مشاركا حتى تم أسر الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، من طرف مقاتلي تنظيم "الدولة الاسلامية "، يومها تواترت أخبار عن مشاركة المملكة في الضربات الجوية التي تستهدف مواقع "داعش". امباركة بوعيدة، الوزيرة المنتدبة لدى وزير الخارجية، سبق أن صرحت بأن "المغرب جزء من التحالف الدولي"، باعتبار أنه لم يرفض دعوة الانضمام إلى التحالف، بل طلب توضيح مهامه، دون أن يمانع في تقديم العون للدول المستهدفة في المجالات الأمنية والعسكرية والإنسانية. الخارجية الأمريكية فجرت مفاجأة من العيار الثقيل، عندما كشفت في أوائل دجنبر المنصرم، أن المغرب يشارك عسكريا في التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي تقوده الولاياتالمتحدةالأمريكية في المناطق التي يسيطر عليها في العراق. زهران: المغاربة متخوفون عدد من الخبراء المغاربة الذين اتصلت بهم هسبريس، ترددوا في الإدلاء بقراءة نتائج الاستطلاع المذكور أعلاه، لكونه بحسبهم "لا ينسجم مع الموقف الرسمي للبلد"، مما دفعنا إلى استقاء آراء باحثين من خارج المغرب. الباحث المصري في الجماعات الإسلامية، مصطفى زهران، قال إن الشارع المغربي متخوف من تداعيات الدخول في هذا التحالف الذي ولد ميتا، وخصوصا بعد مشهد الطيار الأردنى، لحظة اعتقاله، وإحراقه على ذلك النحو الكارثي، فضلا عن ممارسات مشابهة". وتابع الباحث ذاته بأنه "مع تراجع الدور العربي داخل هذا التحالف الدولي، ومع الانتقادات التركية له أيضا، كل هذه العوامل تدفع نحو إعادة النظر في مثل هذا التحالف الدولي ضد "داعش"، والذي حتى اللحظة لم يحقق أية نتائج تذكر" وفق تعبيره. وأكد المتحدث بأنه لدى المغاربة وعي كبير، سواء من قبل السلطة أو الشارع، بإمكانية تواجد خلايا نائمة من الممكن أن تثأر لمشاركة المغرب في وحل هذا التحالف الغربي الذي يفتقد البوصلة الإستراتيجية والعسكرية، وهو ما يتخوف منه لاستدعاء تفجيرات 2003 مرة أخرى، بعد عقد كامل من الاستقرار السياسي والأمني والديني. خلاصة لا يجادل أحد في رفض المغاربة قاطبة للعنف والإرهاب بكافة تلاوينهما، وهذا ما يلمسه المتتبعون في تظاهرات الشعب المغربي التي خرجت منددة بالمجازر المرتكبة ضد الشعوب، وأيضا في الخيار السلمي الذي أيده المغاربة في تفاعلهم مع أحداث الربيع العربي. وبالمقابل، دفع فشل الحملة الأمريكية في العراق وأفغانستان، الكثيرين إلى مراجعة مواقفهم بخصوص التحالفات الداعية إلى انتهاج الأسلوب العسكري، لحل الأزمات ومحاربة الإرهاب. وتبقى المقاربة المغربية في التعاطي مع ظاهرة التطرف الديني مثالا متميزا حظي بإعجاب وإشادة المنتظم الدولي، وتجربة مستلهمة قابلة للاستنساخ في أكثر من بلد، في ظل فشل الخيار العسكري.