: هوامش على الحوار الإذاعي لمصطفي الخلفي "إن أي أداء للكلام سيكون عرضة للفشل اذا لم يكن صادرا عن شخص يملك سلطة الكلام...اذا لم يتوفر المتكلم على السلطة التي تخول له أن يتفوه بالكلمات التي ينطق بها" بيير بورديو خلف الحوار الإذاعي الذي أجراه مصطفى الخلفي ( وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة) مع إذاعة فرنسية لغطا كبيرا في بعض المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي. و قد ركزت اغلب التعليقات السلبية على "مستوى اللغة الفرنسية" و "لغة الخشب" في بعض إجاباته.و بدلا من أن أسير في ركب هذه "الحيحة"البعيدة عن لغة العقل و تتجاوز أحيانا إلى حد التجريح، أود أن أتقاسم الملاحظات و التأملات التالية عسى أن نرى الموضوع- النازلة من زوايا أخرى أكثر أهمية و ادعى إلى "الحيحة" و "الوعورية": 1-لم يتم الوقوف كثيرا على الصفة الوزارية للسيد الخلفي كناطق رسمي باسم الحكومة.و ما دام الرجل ضيفا على قناة أجنبية، باعتبار انه يمثل حكومة ائتلافية، فان السؤال المطروح هو من له "سلطة الكلام" عن المغرب و باسم المغرب في الخارج.هل هو وزير الخارجية؟ أم رئيس الحكومة؟ آم هما معا؟. و بما أن العلاقات المغربية الفرنسية لم تكن سمنا على عسل و تحسنت مؤخرا بقدرة قادر، كان لابد للحكومة أن تمنح وزيرها و ناطقها الرسمي "سلطة الكلام" باسمها ك"سلطة" و تزوده ب"عناصر الكلام" كما يسميها الفرنسيون... بدل أن يجد نفسه في وضع لا يحسد عليه. كان لا بد أن "يحزموه" و يرزموه" لا أن يذهب و" يقاتل" و هم في الرباط قاعدون. كان لزاما على رئيس الحكومة ان يسطر للوزير حدود كلامه، مثلما كان على الوزير ان يتوقع مثل هذه الأسئلة و يعد لها العدة. دخل الحوار و في ذهنه الجواب المؤسسي الجامد، و الحال انه في مقام حوار ينزاح عن لغة الخشب الى لغة التواصل الفعال. كان في وضعية نغمة نشاز fausse note جعلته خارج المباراة. 2-ما معنى ان يتفادى الوزير الاجابة عن السؤال او يكرر كلمات معينة لا تشفي الغليل، و تجعل الصحافي المحاور لا يفهم "الذي بعث" في موقف و سلوك الوزير؟؟ لا شك أن الصحافي الفرنسي ينطلق من تقاليد الحوار السياسي الإذاعي و التلفزيوني التي تجعل الضيف يحضر للبرنامج ليقدم الجديد و يخلق le buzzبعباراته و أجوبته المخدومة في الغالب و المطبوخة على نار هادئة بتعاون مع المستشارين في التواصل. لم يستوعب الصحافي إننا لا نملك تقاليد راسخة في الحوار السياسي، و أن وزراءنا يكررون الكلام المؤسسي، و لا يتجاوزوه في الغالب إلا للحديث عن مسارهم و هواياتهم و بعض الحكايات الصغيرة الخاصة بتاريخهم الشخصي. لم يستوعب الصحافي أن الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية لا يملك سلطة الكلام و لا عناصر الكلام على موضوعات "خارج اختصاصه" و سلطته. انه ناطق رسمي بالكلام المؤسسي المسكوك و الموزون، و لا يزيد عنه حرفا واحدا.c'est clair. أليس كذلك؟. 3-لم يكن الخلفي يمتلك سلطة التفوه بما كان ينتظره الصحافي المحاور الذي كان يضغط و يضغط لعل و عسى يتمكن من النجاج في دفع ضيفه إلى cracher le morceau.لم يكن هناك اي morceau لسبب بسيط هو أن الوزير ليس له ما يقول في الموضوع ( عدم الاختصاص) أو ليس مخولا أو مرخصا للقول.و إلا كان سيقع في "الكلام العشوائي" غير المرخص الذي يستدعي الهدم، و ربما "افراغ" المتكلم من المنصب. لكن، بالمقابل، هل تفوه الوزراء الفرنسيون بغير الكلام الموزون المقفى في شأن العلاقات المغربية الفرنسية؟. لم نشم منها سوى رائحة الكسكس و الشاي و كعب غزال،و ضرورة تجاوز "سوء الفهم الكبير" الذي حصل.ان دبلوماسية كعب غزال المتبادلة بين فرنسا و المغرب جزء من مشكلة "سوء الصمت الكبير" للخلفي في الحوار المذكور. هذه بعض الملاحظات التي تتطلب تحليلا معمقا و توقفا متأنيا بعيدا عن "شخصنة" الموضوع او اختزاله في أعراض تخفي أمراضا كثيرة هنا و هناك.