يبدوا أن واقع حقوق الإنسان في هذا البلد ، لا يكاد يزايل مشكلا إلا ويقع في مشكل أعوص و أشرس من الذي سلفه . حتى و نحن اليوم بصدد ما يتراءى من الوهلة الأولى كخطوات خجولة في اتجاه توحيد الصف و رأب الشرخ ، لتصحيح ما أفسدته العهود السالفة على كل الأصعدة مثلا كاستقبال المغرب لأشغال المنتدى العالمي لحقوق الإنسان ، و إن كان لا يستقيم ربما والشواهد التي تنفي كل دليل على أن ملف حقوق الإنسان شرع بالفعل في تنفس الصعداء ، مادامت في الوطن بؤر تمارس التجاوزات فيها بشكل اعتيادي خارج حدود القانون و المنطق والتاريخ ، دون حسيب أو رقيب ، في ظل إغفال مقصود أو غير مقصود لهذا الواقع المخجل الأليم من حيز النقاش السياسي و اللاسياسي ، بما يمكن و لا ريب التيار الرجعي الرافض للانفتاح و الإنسانية ، من ترسيخ اغتصابه للحقوق و تكريس ممارساته الشاذة عن المنطق الكوني بل و عن مقتضيات ما جاء به دستور سنة 2011 الذي علقت عليه آمال جيل يتلمس النور في الغد. وحيث من الثابت أن نقاش حقوق الإنسان اليوم ، لا يمكن فصله عن معترك الصراع بين النزعة الرافضة للقيم الكونية الكريمة من جهة و التطلعات الإنسانية الشريفة من جهة أخرى ، كان لزاما علينا جميعا كنشطاء حقوقيين و إعلاميين و فاعلين سياسيين بل و مواطنيين عاديين التصدي لتحديات هذا المنحى الرجعي ، و اتخاذ اليقظة و نكران الذات و الفاعلية الموحدة المتكاملة ذخيرة لمواجهة ضغوط الخطر الأنف الذكر ، و انطلاقا من هذا الثابت فالداعي لا يروم اجترار ما يقال في التقارير الحقوقية الوطنية و الدولية و الندوات المتكررة المعنية بكشف خطورة الوضع الملم بواقع حقوق الإنسان بالمغرب و لا يروم اللطم على ما شهده هذا البلد من تجاوزات مشينة طوال ما عرف بسنوات الرصاص و لا العقود الثلاث من نكث العهود و بقية المعادلة معروفة بالضرورة لدى الجميع ، بقدر ما ينبري للخوض في كشف مغضة الهجوم السافر الذي طال المقر المركزي لأكبر منظمة حقوقية في هذا الوطن ، هجوم لا يمكن فصله عن مسيرة الانتكاس و التقهقر في منسوب الحريات و الحقوق ، فكل المؤشرات لا تبشر بقدر ما تنذر و تحذر ، بما يفتح المجال أمام التاريخ ليسجل شهادته على ما يتخبط به النضال الحقوقي ، و الظروف التي يرزح تحتها في زمن الترويج لجيل ثالث من الحقوق و الحريات في عهد حكومة ما بعد 20 فبراير . إن من المسلم به أن الفرد حتى و إن ارتكب فعلا أو امتناعا يجرمه القانون بصريح نصوصه ناهيك عن كونه بريئا شريفا مناضلا فإن هذا المعطى لا يلغى بأي وجه بعض أو كل حقوقه اللصيقة به بوصفه إنسانا ، فحقوق الإنسان وحدة مغلقة لا تقبل الفصل أو التجزيء مهما قدم من حجج منمقة لتبرير ذلك ، فكل مشجب يعلق عليه تجاوز أو يمرر بموجبه خطاب إستباحي لحق الإنسان لا أساس له و لا يعتد به أمام القانون و التاريخ و السياق الإنساني الكوني . وكما سبق بيانه فالنقاش مبني على وقائع عايشناها جميعا و نحن نتابع التضييق تلوى التضييق و الاعتداء تلوى الاعتداء ، يطال الجمعية المغربية لحقوق الإنسان و مناضليها في ربوع الوطن قاطبة شمالا و جنوبا ، شرقا و غربا ، كان أخرها اقتحام مقرها المركزي بصيغة مشابهة لما ينقل لنا عن الأوضاع في الشرق الأوسط ، ليتوج باعتداء صائل على امرأة كرست حياتها للدفاع عن الإنسان و حقوقه ، ليطرح السؤال عن الذريعة التي تتيح تعميد حق جهة في دعس النساء و اقتحام المكاتب المرخص لها قانونا و ترويع من بها من مناضلين ، إن الهجوم الذي طال الجمعية المذكورة و أنا لا أتكلم هنا بلسان المنتمي للجمعية المغربية بل بلسان الملاحظ المحايد ليس بالحادث المعزول بل إن له ما بعده ، و ما بعده يرسخ إحساسا عميقا بمعضلة تتفاقم و أن الواقع اليوم بصدد تكرار لسنوات الفشل المنصرمة و بصدد قطيعة كلية بين الخطاب و الممارسة ، تغذيها رغبة خفية في تقزيم العمل الحقوقي . الانتهاك الصارخ المذكور هنا هو أيضا من جنس الانهاكات الجسيمة التي وعدنا بالقطع معها و التي كما يتجلى أضحت ثقافة و عرفا معمولا بهما و ممارسة اعتيادية تدخل في صميم العلاقة الخاطئة بين الجهة الأنفة الذكر و المناضل الحقوقي و هذا ما يحيلنا في أعقاب ما سبق تبيانه إلى ضرورة دعوة الكل أو على الأقل محاولة دعوة الكل ، خاصة من هم في صنف المسؤولين ، إلى لحظة من الحقيقة و درء حالة الإنكار ، فالأمر بما لا يدع مجالا للشك أخطر مما ذكر ، إذ المكتسبات الحقوقية تقف اليوم في مهب الريح ، ما لم يتم التصدي لؤلئك الذين اتخذوا وظائفهم و القانون لباسا يواري سوءة ساذيتهم و حقدهم على الإنسانية و الانفتاح ، و اتخاذ ما يمكن اتخاذه في هذا الصدد بما في ذلك اختيار الموقف الصحيح و الاعتراف بما هو كائن و استجلاء ما ينبغي أن يكون و مسائلة العابثين ، الشيء الذي لن يتسنى إلا عبر إنهاض ثقافة حقوق الإنسان و الخروج بها من دائرة النسيان و الخطابات ضيقة الأفق ، إلى فضاء الممارسة الأشد اتساعا و رحابة ، و إقحامها في أولويات الوطن كركن من أركان التعاقد ، و خلق أوراش حقوقية مستمرة و صادقة بتشارك مع المجتمع المدني ، و فتح المجال أمام رقابة المنظمات الحقوقية الوطنية و الدولية ، و السماح لها بالتلاقح الحر مع الأفراد دون أدنى تضييق ، بما يزيل الستار عن عيونهم و يمدهم بثقافة حقوقية متينة تحصنهم في وجه التحديات المتفاقمة ، في غياب ذلك لا مجال أمام قطار الإنسانية أن يتخذ سكته الصحيحة في هذا البلد . معشر النخبة أفيقوا فنحن في أزمة ! -عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان " فرع الرباط