عمر هلال يوجه رسالة لمجلس الأمن تدحض ادعاءات الجزائر بشأن الصحراء المغربية    إذاعة فرنسية: المغرب يؤكد ريادته الإفريقية مع تمديد الخط السككي فائق السرعة    اضطرابات على مستوى نظام تسجيل الرحلات الجوية بمطارات المملكة    فاطمة الزهراء المنصوري: عدد الطلبات الاستفادة من الدعم المباشر بلغ 128 ألف و528    عودة التيار الكهربائي في إسبانيا والبرتغال بعد انقطاع واسع شل مرافق الحياة    كندا.. الحزب الليبرالي يتجه نحو ولاية جديدة بعد فوزه في الانتخابات التشريعية    انقطاع كهربائي واسع في إسبانيا والبرتغال يربك خدمات الإنترنت في المغرب    لبؤات القاعة يبلغن النهائي على حساب أنغولا ويتأهلن للمونديال    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات.. المنتخب المغربي يبلغ النهائي ويتأهل لكأس العالم    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء    تمارة.. اعتقال أب وابنه متورطين في النصب والاحتيال بطريقة "السماوي    وهبي: تعديل القانون الجنائي سيشدد العقوبات على حيازة الأسلحة البيضاء    تصاعد العنف المدرسي يفرض تدابير استباقية داخل المؤسسات التعليمية    الصين: الحكومات المحلية تصدر سندات بحوالي 172 مليار دولار في الربع الأول    الصين تتوقع زيادة بنسبة 27 في المائة في السفر عبر الحدود خلال عطلة عيد العمال    عودة الكهرباء بنسبة 99 % في إسبانيا    التيار الكهربائي يعود إلى معظم مناطق إسبانيا    إمدادات الكهرباء تعود في البرتغال    حصاد وفير في مشروع تطوير الأرز الهجين بجيهانغا في بوروندي بدعم صيني    جسر جوي جديد بين تشنغدو ودبي.. دفعة قوية لحركة التجارة العالمية    البوليساريو تنهار… وتصنيفها حركة ارهابية هو لها رصاصة رحمة    سانشيز يشيد بتعاون المغرب لإعادة الكهرباء    لماذا يستحق أخنوش ولاية ثانية على رأس الحكومة المغربية؟    مالي والنيجر وبوركينافاسو.. جلالة الملك يستقبل وزراء خارجية دول الساحل    الأمن يفكك شبكة إجرامية متخصصة في تأسيس شركات وهمية والتزوير    الملك يستقبل وزراء خارجية بلدان تحالف دول الساحل    اضطرابات في مطارات المملكة بسبب انقطاع التيار الكهربائي في إسبانيا    ببلوغ نهائي كأس إفريقيا للأمم .. "لبؤات الفوتسال" يتأهلن إلى المونديال    فاتح ذي القعدة غدا الثلاثاء بالمغرب    حصيلة الدورة 30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب    وزير العدل.. مراجعة الإطار القانوني للأسلحة البيضاء أخذ حيزا مهما ضمن مشروع مراجعة القانون الجنائي    برلمانات الجنوب العالمي تعوّل على منتدى الرباط لمناقشة "قضايا مصيرية"    "الأخضر" ينهي تداولات البورصة    الكهرباء تعود إلى مناطق بإسبانيا    ‪بنسعيد يشارك في قمة أبوظبي ‬    دوري أبطال أوروبا.. إنتر يواجه برشلونة من دون بافار    يضرب موعد قويا مع سيمبا التنزاني .. نهضة بركان في نهائي كأس الكونفيدرالية الإفريقية للمرة الخامسة في العقد الأخير    أزيد من 3000 مشاركة في محطة تزنيت من «خطوات النصر النسائية»    نزهة بدوان رئيسة لمنطقة شمال إفريقيا بالاتحاد الإفريقي للرياضة للجميع    منظمة الصحة العالمية: التلقيح ينقذ 1.8 مليون شخص بإفريقيا في عام واحد    أزيد من 403 آلاف زائر… معرض الكتاب بالرباط يختتم دورته الثلاثين بنجاح لافت    ترايل أمزميز.. العداؤون المغاربة يتألقون في النسخة السابعة    ندوة توعوية بوجدة تفتح النقاش حول التحرش الجنسي بالمدارس    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    خط جوي مباشر يربط الدار البيضاء بكاتانيا الإيطالية    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    بريطانيا .. آلاف الوفيات سنويا مرتبطة بتناول الأغذية فائقة المعالجة    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    شهادات تبسط مسار الناقدة رشيدة بنمسعود بين الكتابة والنضالات الحقوقية    "جرح صعيب".. صوت عماد التطواني يلامس وجدان عشاق الطرب الشعبي    مي حريري تطلق " لا تغلط " بالتعاون مع وتري    العرائش: عزفٌ جنائزي على أوتار الخراب !    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    منصف السلاوي خبير اللقاحات يقدم سيرته بمعرض الكتاب: علينا أن نستعد للحروب ضد الأوبئة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا العلمانية هي الحل 4/4...
نشر في هسبريس يوم 02 - 03 - 2015

العلمانية إذا، ليست ضد الدين بالمطلق بل هي تحاول إعادته إلى مكانته القدسية الطبيعية وعدم تدنيسه بأهواء السياسيين وأوساخ السياسة التي يمكن تعريفها (بحق) بكونها "فن تدبير المصلحة" (وليس الممكن)...كما أن الإسلام لا يخلو من "لاهوت" وإكليروس يتمثل في سيطرة رجال الدين ودين رجال الدين منذ العقود الاولى التي تلت وفاة النبي (ص)، وأن الإسلام دين فقط، وليس دينا ودولة كما حاول أن يقنعنا الإسلام السياسي منذ ظهوره، كما أن العلمانية تبقى السبيل الوحيد نحو التقدم ليس لأن الغرب تقدم بفضلها، بل لأن العلمانية هي أرقى ما بلغته البشرية من فكر سياسي يتطور، عكس النظريات الدينية الجامدة، ولعلنا من هنا نبدأ...هذا الجزء الأخير...
في حقيقة الأمر يتطلب الجواب عن سؤال "لماذا العلمانية هي الحل؟" أجزاء أخرى خصوصا أن الحديث عن ركيزة التعليم في بناء حضارة متقدمة وعلاقة الأمر برمته بمسألة العلمانية أو "علمنة المدرسة المغربية" يتشعب بالضرورة إلى مسائل عديدة أخرى ترتبط ب"التربية في البيت" و"وسيكولوجيا اكتساب المعرفة" و"علم النفس التربوي"، و"علم أعصاب الدماغ"، و"قضايا التفكير العامة" و"عدم مأسسة العلم في تاريخ الإسلام"، و"توزيع السلط الست التي يجب لأي منا أن يحوز منها واحدة على الأقل"...
هذه كلها عناوين لن أستطيع الربط بينها وبين موضوعي الرئيس في هذا الجزء ولكني سأعود إليها في مقالات لاحقة حتى تكتمل صورة ما أود تقديمه هاهنا، وحتى أخلص من هذه الملحوظة الأولية أقول باختصار أنه يمكن اعتبار هذا الجزء الرابع من هذا المقال مقدمة للموضوع القادم والذي سأتطرق فيه بتفصيل أكبر للأسباب التي تجعل التربية والتعليم الدينيين المحافظين مسؤولين بشكل رئيس عن الحد من القدرات التفكيرية والإبداعية للإنسان، أما هنا وللاختصار فسأكتفي بالخطوط العامة لتلك الركائز الموضوعاتية...
الإنسان فطر على الفضول...ذلك الرضيع الذي يبكي فتضع أمامه "خرشاشة" وتهزها بقوة يتوقف عن البكاء لكي يتأمل في ذلك الشيء وحركة يدك والصوت الناتج عن الهز وغيرها وينخرط دماغه في تحليل المسألة رغبة منه في الفهم حتى لو كان غير قادر على النطق.. إنه في مرحلة تخزين المعلومات حول العالم وفهم منطق الأشياء وحركتها.. عندما يتكرر المشهد مرات عديدة يصبح غير ذي جدوى ويكون على صاحب الخرشاشة أن يستبدلها بشيء أكثر إثارة للاهتمام.. شيء جديد تماما..
نحن كائنات فضولية بامتياز خلقنا لكي نفكر ولكي نفكر جيدا فنحن نقوم بالمهام الأربع للدماغ وهي "التحليل" و"النقد" و"حل المشكلات" و"إبداع الأفكار الجديدة"... ولدنا لكي نقوم بهذه الأشياء...ولكي نكتسب أكبر قدر من المعلومات ولكي نتعامل مع العالم بمنطق الشك والتساؤل والبحث عن الأجوبة فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يستحيل عليه أن يبقى بلا جواب عن أسئلته، فإن لم يجد خلقها كما حصل مع البشرية ذات زمن حين اعتقدت بوجود الآلهة لما استعصى على البشر فهم "الطبيعة" وظواهرها...
لم يجدوا تفسيرا للبراكين فاخترعوا لها إلاها، ولم يجدوا تفسيرا للمرض والموت فاخترعوا لها قوى غيبية قاهرة تتحكم في الرقاب.. المهم أن يكون هناك جواب ما وأن لا تبقى مسألة من المسائل بلا حل أو إجابة..للأسف.. هذا الشغف بالمعرفة يقتله التفكير التقليدي الجاهز المتمثل في العرف والمسلمات الدينية والتي تمر إلى الجميع منذ نعومة أظافرهم فتصبح لديهم أمورا منتهية لاجدال ولا نقاش فيها لتعطل بذلك أهم آلية ميزت الإنسان وهي العقل...نتوقف عن التفكير، لأن كل شيء تم التفكير فيه من قبل ولأن كل الأجوبة أدلى بها السابقون من السلف ولأنه لا حاجة لاستخدام العقل مادام استخدام العقل يودي إلى الزندقة والشك بعد اليقين الإيماني الرصين الذي لا يمكن أن يأتيه الباطل أبدا...
في البيت يقتلون فينا القدرة على التفكير بابتداع كل أنواع "القوى الغيبية القاهرة" من "بوعو" و"عيشة قنديشة" إلى "ام الصبيان" و"بوخنشة" وغيرها من تلك الكائنات الغريبة التي اكتوينا بنارها جميعا ونحن صغار وحدت من فضولنا ورغبتنا في اكتشاف العالم من حولنا...ولا نحتاج للتدليل على قاعدة نفسية معروفة جدا مفادها أن "التفكير أمر مستحيل في ظل الخوف"...فالخوف يشل التفكير ومنذ صغرنا يعلموننا أن نخاف وأن نسلم بوجود أسباب غير متطقية لأحداث واقعية فيكون التفسير جاهزا منذ البداية فنكبر ونحن نسلم به تسليما تاما...بين الخرافة والعلم لا يمكن أن تنشأ أي علاقة من أي نوع غير "التنافر والتناقض"، والعقل الذي يؤمن بالخرافة الجاهزة المفترض تصديقها دون جدال أو نقاش والذي يرفض التفسيرات العلمية ويرفض حتى التعرف إليها وفهمها هو عقل شبه ميت بالضرورة، وعقل تقل قدرته على الإنتاج في الواقع وعلى ابتداع أفكار جديدة وفريدة تعود بالمنفعة العامة عليه وعلى المجتمع ككل...
"اسكت" "أنت لا تفهم شيئا" "والله لا طفرتيه"، "انت كسول"، "انت فاشل"، انت حمار.." "انت مكلخ"...خطابات يسمعها أطفال العامة من الناس كل يوم بالبيت من طرف الوالدين والإخوة الكبار والأقارب دون أن يعلم أي منهم أن ما يتفوهون به يجعل الطفل مقتنعا تماما ب"لاجدواه"' وأنه مجرد فاشل آخر، وهو ما يحفز بشكل رئيس على "الوقوع في الفشل فعليا"..للأسف الآباء الذين يكررون هذا الكلام على مسامع أطفالهم يعتقدون أنهم يحفزونهم على تخطي الصعاب في الدراسة، ولكن العكس هو الذي يقع والوالدان هنا بدورهما ضحية تربية عرفية تقليدية وتعليم لا يجدي ولا ينفع في شيء، ومن هنا كان المنطلق الضروري نحو أي تقدم حضاري من التعليم رأسا... فالتعليم هو القادر على إنتاج أجيال لا تكرر أخطاء الأجيال الراهنة..ولكي نصلح التعليم لا بد من علمنته أولا..
طبيعة التفكير الديني بصفته فكرا جاهزا موجبا للتسليم والتصديق دون نقاش أو شك أو تفكير تجعله مسؤولا عن الفشل الدراسي وعطب المنظومة التعليمية (من بين أسباب أخرى طبعا) وعن فشل العقول وعن تفريخ أجيال فاشلة لا تنفع بلدها بشيء تقريبا...وإن نحن تذكرنا أن مهمة المدرسة التي من أجلها خلقت أساسا هي تمرير المعرفة العلمية والارتقاء بالمنظومة المعرفية للفرد حتى تتسع مداركه ويتحول إلى كائن قادر على الإبداع في مجال من المجالات، فإننا ملزمون بالضرورة أن نعيد النظر في مسألة "التعليم الديني" داخل المدارس العمومية ومراجعة القيم التي يكرسها أو يمررها هذا النوع من التعليم إلى الأفراد ومدى قدرته على "إنتاج أجيال فاعلة مبدعة"؟...
لكي نفهم هذه النقطة سيكون علينا في مقالات قادمة أن نشرح فكرة تناقض "الدين" مع "العلم" من خلال سرد أمثلة واقعية عديدة بعيدا عن تلك الحجج المكرورة التي لا ينفك المنافحون عن فكرة زواج العلم والدين عن تكرارها من خلال استظهار مجموعة من الآيات القرآنية التي تدعو إلى إعمال العقل والتفكير...أما الآن فيكفينا أن نتذكر ما وقع لمعظم العلماء في الإسلام وفي مقدمتهم بن سينا الذي قال عنه بن القيم الجوزية أنه "إمام الملحدين الكافرين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر"، والرازي الذي قال عنه ابن القيم "إن الرازي من المجوس" و"أنه ضال مضلل" أما الخوارزمي فقد قالوا عنه أنه "إن كان علمه صحيحا فإن العلوم الشرعية مستغنية عنه وعن غيره"، وبن الهيثم الذي قال عنه "إنه كان من الملاحدة الخارجين عن الإسلام" وبن المقفع الذي قطعت أوصاله وشويت أمامه ليأكل منها، والسهروردي الذي مات مقتولا، وبن رشد الذي أحرقت كتبه، والقائمة طويلة..طويلة جدا..
أما أغرب حكاية هنا فهي تلك المعركة التي انهزم فيها "ابن الشاطر"، أحد أبرز الفلكيين المسلمين عندما لم يواصل المشوار لتحقيق سبق اكتشاف لا مركزية الكرة الأرضية ودورانها حول الشمس قبل كوبرنيك بحوالي مائة سنة لأن نصوص الشرع تقول بمركزية الأرض وبحجة تبعية القمر لها وهو التقويم المعتمد في الإسلام (التقويم القمري).. وبعد هذا يأتي من يكرر على مسامعنا آيات تدعو إلى العقل لكي يبرر لنا توافق العلم والدين فيما احقيقة أن رجال الكهنوت الديني الإسلامي فعلوا كل ما بوسعهم لنسخ العقل بالنقل، وقد نجحوا في ذلك فعلا حتى أصبحت القاعدة التي لا تناقش على الإطلاق ولدى عامة الناس هي مسألة تسبيق العقل على النقل لأن ذلك من صميم الكفر الصريح...هكذا..وبدون مقدمات أو تفسيرات...
لن أناقش ما ذهب إليه البعض من الحديث عن كون القرآن نص علمي يضم حقائق علمية تم اكتشافها في الغرب لأن الوقت لا يسمح لي بذلك ولن أواصل التدليل على تناقض العلم والدين، أو على الأقل اختصاص كل واحد منهما بمجاله..وأكتفي بالقول أن المعرفة الدينية شيء، والمعرفة العلمية شيء آخر، وأن دور المدرسة هو تخريج أجيال متعلمة تحوز قدرا كافيا من المعلومات والمعرفة العلمية الرصينة وليس تخريج "مؤمنين يطمحون لدخول الجنة"..بالنهاية، يبقى تخريج مؤمنين يطمعون في الجنة أمرا مشروعا وجيدا ولكنه مشروع وجيد لصاحبه فقط، لأنه ينظم علاقته مع ربه على أن يتم هذا الامر داخل مدرسة مختصة، وليس مدرسة عمومية..(أقول مختصة، وليس خاصة)...فالمدرسة العمومية يجب أن يبقى دورها منحصرا في تخريج مواطنين صالحين لمجتمعهم ككل وليس لأنفسهم وآخرتهم فقط..
لتحقيق المنفعة العامة هناك فرق كبير بين دراسة "الفيزياء النووية" أو "الطب" أو الهندسة"، ودراسة "العلوم الشرعية"، فالمنفعة من هذه الأخيرة تعود على صاحبها فقط في علاقته بدينه ومعتقداته، أما الطب والفيزياء والهندسة فيفيد بها صاحبها المجتمع ككل، وبالتالي فهو تعليم عملي وواقعي وذو فائدة عامة، ومن يدعي بأن الجيد في العلوم الشرعية أنها تعرف المرء بدينه حتى يكون مواطنا متخلقا صالحا نرد عليه بالقول أن "الأخلاق لا تدرس"، وأن الأخلاق لا ترتبط بالدين بالضرورة وإلا فإن كل المجتمعات التي عاشت قبل الإسلام تعتبر مجتمعات بلا أخلاق ولكي يشفق المرء على امرأة عجوز لا يحتاج لأن يفعلها من أجل دخول الجنة، بل يكفيه أن يكون "إنسانا"..وليس بالضرورة أن يكون المرء على دين ما حتى يحرم القتل والسرقة والنصب والاحتيال والتزوير والشهادة الكاذبة وغيرها.. لكي يتميز المرء الأخلاق الحسنة عليه فقط أن يكون "إنسانا بما تحمله كلمة إنسان من معنى"... فقط.
مشكلة التعليم الديني لا تكمن في هذا فحسب، بل تكمن بالأساس في طبيعة هذا التعليم الذي يكرس في عقل المتلقي أشياء تحنط عقله وتجعله كائنا مغلقا وضيق الأفق.. إذ أن طبيعة التعليم الديني تقوم على الحفظ بالدرجة الأولى وعلى ترديد المفاهيم دون استيعابها، أو استيعاب مضمون غير منطقي فيها كالإيمان بالمعجزات التي تتنافى مع المنطق والمصيبة العظمى أن هذه البرمجة على التسليم دون التفكير لا تتم في مرحلة عمرية تسمح للمتلقي بحيز من الرفض أو التشكيك وإعمال العقل، بل هي تتم في مرحلة الطفولة ومرحلة الطفولة خطيرة جدا من حيث "ترسيخ القناعات" و"رسم الطريق أمام العقل" وتحديد الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها أبدا..
في منظومة تعتمد تعليما دينيا محضا يكون على الطفل أن يحفظ النصوص والاحكام والمعلومات دون مناقشتها أو البحث عن المنطق فيها، وهو تحريض مباشر على "عدم التفكير" وتعوُّد تقنية "التسليم دون نقاش"، كما أن هذه المنظومة تفعل ما هو أسوأ من الحفظ الأعمى، فهي تكرس عقلية التقديس وتجعل من بعض الأشخاص والأحداث والتواريخ مقدسة في عقله الصغير فيكبر وقد رسم لنفسه حدودا لا يتخطاها في معالجة الأمور الطارئة في حياته لأن المراجعة بعد الحسم من طرف "المقدسين" (رجال الدين والماضي وتاريخ يوجد في الكتب الملائكية فقط) لا يصح أبدا (فمن أكون أنا وقد حسم الشافعي في المسألة وقال أنها حرام وانتهى الامر)...
في المدرسة الابتدائية يزرعون الكراهية في نفوس الأطفال اتجاه الآخرين وتزرع في نفوسهم بدرة عدم قبول الاختلاف بالمرة باعتبار المسلمين على حق والآخرين جميعا على باطل ومن أهل النار بالضرورة، وهذه مسألة خطيرة جدا لأنها تنتج أجيالا متعصبة لأفكارها ومن يتعصب لأفكاره لا قدرة له على ممارسة النقد ومراجعة أخطاءه والبحث عن الحقيقة في مكان آخر بعيدا عن يقينيات المسلم به...لا يستطيع ذلك لأنه مقتنع بأن الحقيقة والحق معه...انطلاقا مما سبق أعتقد أن أول ورش يجب أن تفتحه العلمانية يكون في المدرسة العمومية...لا يجب علينا أن نمارس مزيدا من الكذب على أنفسنا والاعتقاد بأنه يمكن القفز إلى الديمقراطية وممارستها رأسا لأن الديمقراطية تكون نتاجا للحضارة والحضارة تمهد لها العلمانية كفكر، والبداية تكون من القاعدة، أي من الشعب، والشعب الذي يفتقر إلى الحد الادنى من المعرفة العلمية المنطقية البرهانية العقلية شعب لا يمكنه أن يمارس الديمقراطية أو يفهمها أو ولا يمكنه أن يتقدم على سلم الحضارة، ولكي يتثقف الشعب على التعليم أن يتعلمن وأن يترك أمور الدين لمن يريدها في مدارس مختصة بالتعليم الديني بعيدا عن المدرسة العمومية، فهذه الأخيرة يجب أن لا تقدم شيئا غير المعرفة العلمية التي تطور العقول (وليس القلوب)، ومن أراد أن يوفر لأبناءه تعليما دينيا فواجب الدولة أن تخصص له مدرسة عمومية مختصة في العلوم الشرعية على أن يصبح القرار بيد المتلقي بعد بلوغه سن السادسة عشرة...
حين يحصل هذا سوف تخرج مدارسنا العمومية أجيالا مبدعة تشتغل في كل المجالات وتبدع فيها مما سينعكس حتما على دينامية الاقتصاد وتحسين الأوضاع المعيشية وضمان بيئة ثقافية سليمة وطبقة وسطى قوية ومتعلمة وقادرة على الإنتاج...ستكون لنا أجيالا تنتمي إلى "الوطن"، وليس إلى "جماعة المؤمنين"، فنحن أبناء الدنيا الآن ومن أراد أن يعمل لآخرته فالمساجد مفتوحة أمامه، ومن أراد أن يكون على دين آخر فذاك شأنه، ومن أراد أن لا يكون له أي دين فتلك حياته الخاصة، لا أحد يحاسب الآخر ولا أحد يمارس الرقابة الأخلاقية على الآخرين والقانون هو الحكم بين الجميع والوطن هو المرجع الأوحد أما علاقة الفرد بالله فتلك مسألة لا دخل لأحد فيها لأن هناك آخرة يتم الحساب فيها...
هذا ملخص شامل لفكرة متشعبة جدا أعود إليها بالتفصيل والتمثيل في مقالات قادمة.. وحتى أختم هذه الرباعية أضع أمامكم اجتهادا متواضعا أسميته "الوصايا العشر للعلمانية" أخذته من مشروع "كتاب" أعمل عليه عنوانه "المانيفيستو العلماني"...وإلى مقال قادم.
1) أيتها الدولة، كوني حيادا وسندا لكل معتقد بغض النظر عن طبيعته..
2) أيتها الدولة لا تحاربي الدين، ولا تهضمي حق أحد في ممارسة شعيرته وإن كان في خزينتك شيء من أجل الدعم، فافعلي مشكورة، فالروح في المواطن أمر هام للدولة.
3) أيتها الدولة، أصلحي منظومة التعليم، واجعلي دراسة الدين اختياريا لا إجباريا، ولتصب مقرراتك وتكوينات طواقمك في هذا الاتجاه...
4) أيتها الدولة. تذكري، أنت لا دين لك..قد يكون للمسؤولين بداخلك دين من الأديان ومعتقد من المعتقدات ولكنه يقع منه من صميم شخصه، لا من صميم عمله.
5) أيتها الدولة، أنت دولة، ولست قومية أو دينية، بل أنت مدنية، وانت الفيصل والحكم، والضامن للحقوق، لا الغاصب لها والفعالة في الاقتصاد، لا المسيطر في المجتمع والمعتقد.
6) أيها المواطن...لا حق لك في القيام بدور حماية الرب الذي تعبده.. لك الحق فقط في الدفاع عن مصالحك في الدنيا لأن مصالحك في الآخرة شأن خاص بك وبربك.
7) أيها المواطن، أنت مواطن.. ولست فردا في قبيلة أو دين، أو جماعة، أو عصبية ما، وعصبيتك الوحيدة هي الإنسان، ثم "الوطن".
8) أيها المواطن، مارس شعائرك كما تشاء فكل دور العبادة مفتوحة في وجهك وكل أنشطتك ممولة من طرف الدولة أو في جزء منها، وكل الحماية مكفولة لك بصفتك إنسانا أولا، ومواطنا ثانيا.. ولا دخل لك لأحد في عقيدتك ولا دخل لك في عقيدة أحد.
9) أيها المواطن، عقيدتك مقدسة.. ولكن لا تنسى أن قداستها جزء من معتقدك وليس قانونا ينطلي على الآخرين، فالعقيدة اختيار.
10) أيها المواطن، أنت كائن حر..وحريتك مكفولة اعتقادا وسلوكا وممارسة، اللهم ما أخل منها بمبدأ من مبادئ حقوق الإنسان المكفولة.. فذلك يعتبر خروجا عن "الإنسانية"، وفيه تطبق أحكام إنسانية محضة تقبل آخر ما استجد كل مرة في سنن العقوبات، ثم الإصلاح...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.