"عندما أسمع أن البلطجية ذهبوا ليسيروا فريق الوداد أستغرب كيف جاؤوا إلى الوداد؟ هل عن طريق السيوف أو الحجارة". هذا هو تصريح بنكيران الذي أثار حفيظة جامعة كرة القدم المغربية. رد الفعل الأول جاء على لسان رئيس فريق الوداد الذي اعتبر تلك الأقوال بالأمر الخطير “الذي يمس صورة المغرب الخارجية، إذ أن من سيسمعها سيظن أن المغرب فعلا بلد “بلطجي”، وأن الأمن والاستقرار فيه مُهدّدان بسهولة كبيرة، متأسفا عما جادت به قريحة رئيس الحكومة لكل الرياضيين والوداديين بشكل خاص" مطالبا إياه بتحديد موقفه، وموجها له رسالة مفادها "أن الصراعات السياسية يجب إبعادها عن المنافسة الرياضية بشتى أنواعها". ثم تلى ذلك رد فعل جامعة كرة القدم حيث هدد رئيسها بتوقيف النشاط الكروي قبل ان يتراجع عن ذلك التهديد و يؤكد على "تتبع كل التطورات لاتخاذ كل الإجراءات اللازمة لحفظ كرامة المسيرين و الجماهير الرياضية و إتخاذ القرارات المناسبة إن لاحظت تدخل أي طرف حكومي في الشأن الكروي". ماذا يهمنا من التطرق إلى هذا الحدث؟ هو مناقشة تسخير مؤسسات الدولة لأغراض إنتخابية. تصريحات بنكيران لا تنم عن أي غيرة على فريق الوداد و لكن لسبب واضح هو أن رئيس الفريق ينتمي إلى الحزب الاكثر معارضة له و هو حزب الأصالة و المعاصرة. يخشى بنكيران من أن يستغل هذا الحزب شعبية الفريق و آلياته للأغراض السياسية و خاصة الانتخابية.لكن لم يلبث أن تذكر أن حزبه غارق من رأسه إلى أخمص قدميه في هكذا استغلال للمؤسسات و في مقدمتها مؤسسة الدين، كما كشفت عن الطرق الملتوية التي أوصلت بنكيران و حزبه إلى تجنيد الأتباع و الانقضاض على السلطة و سرقة الحلم الثوري لحركة 20 فبراير. إن الفصل بين الدين والسياسة يعني أولا الكف عن استعمال المساجد لترويج الخطاب الديني - السياسي والزج بدُور العبادة في حملات دعائية وانتخابية، فهناك ظهير ملكي واضح بهذا الخصوص ينص على ضرورة القضاء على استغلال المساجد في الحملات الانتخابية الذي تورط فيه بشكل فج و مبالغ فيه حزب العدالة والتنمية ذو الخلفية الإخوانية. ورغم إعلان هذا الاخير أنه يحترم الفصل بين السياسة والدين وتحييد المساجد فإنه لا يزال ينتهج خطابا دينيا استقطابيا ويستعمل بيوت الله لتعبئة شرائح مهمة من المغاربة، و آخر دليل على ذلك ما نقلته الصحافة مؤخرا عن ممارسات الوزير الرباح في مساجد القنيطرة، ناهيك على أنه يلجأ إلى تحريك حركة التوحيد والإصلاح، ذراعه الدعوية، لخدمة أغراضه التنظمية و الإنتخابية. لا يخفى على أي مطلع على تاريخ و جذور حزب العدالة و التنمية أنه ترعرع في الدعوة و استغلال الدين و أماكن العبادة بما فيها "الكاراجات" أو ما يصطلح عليه "بالرِّيدُوَات" وهي محلات تفتح للصلاة و لكن هدفها الأول هو إستقطاب المصلين. بل أكثر من ذلك، فإن العديد من مسؤوليه كانوا خطباء و أئمة و محدثون في المساجد، كما كان حال رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران الذي اعترف أن التعبئة السياسة هي المستهدفة في كل أنشطته الدينية. مما يجعله اكبر حزب مستغل للمؤسسات الدينية الرسمية و الشعبية و حتى المحظورة (جماعة العدل و الإحسان)، فهو إذن الحزب الذي أتى إلى الحياة السياسية على "ظهر الدين"، إن صح التعبير. ثم أن استغلاله للدين لا يقتصر في استعمال المساجد و "الرِّيدُوَات" بهدف توسيع قواعده الانتخابية، بل تعدى الأمر ذلك إلى كونه يطبق الشريعة الإسلامية بإيعاز وضغط من حركة التوحيد و الإصلاح. فعلى سبيل المثال نورد موقف هذه الحركة المناهض لمصادقة المغرب على الاتفاقيات الدولية المرتبطة بحقوق المرأة، و هو الموقف الذي أثار حفيظة الحركات النسائية في المغرب، إذ احتد الصراع بين الإسلاميين و بعض الناشطات مباشرة بعد قيام الحكومة المغربية بمراسلة الأممالمتحدة تعلن فيها رفع كافة التحفظات على المادة 9 و 16 من الاتفاقية الدولية الخاصة بمحاربة أشكال التمييز ضد المرأة. لقد اعتبر قياديون من حركة التوحيد والإصلاح أن مصادقة الحكومة على بنود هذه الاتفاقية يعتبر "مسًا بالمرجعية الإسلامية، وهو ما سيفسح المجال لتغيير أحكام شرعية قطعية تتعلق بالأسرة والإرث وكذا بالحقوق المكتسبة التي تضمنها مدونة الأسرة للمرأة ولعموم مكونات الأسرة المغربية، مما سيتسبب في إثارة الشارع "، و هذا بدون أدنى شك تلميح مباشر للضغط على الحكومة من أجل افشال هذه الخطوة . لكن الرد النسائي جاء قويا واتهم حزب العدالة والتنمية ب "استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية، و يدعو إلى الفتنة داخل المجتمع و تجييش الشارع عن طريق توظيف الدين." ثم تضخمت المطامح التمكينية لحزب العدالة و التنمية فاحكم قبضته على مفاصل مؤسسة حيوية و شعبية بامتياز وهي مؤسسة التعاون الوطني التي تخضع لوصاية الوزيرة الحقاوي. الأمر واضح: بنكيران يريد أن يجعل من هذه المؤسسة ماكينة للإكتساح الإنتخابي إذ هي المؤسسة الأكثر تمثيلا على المستوى المحلي بأكثر من 70 مندوبية. وهذا ما برر تشبث الوزيرة بسيمة الحقاوي بهذا القطاع وتعيينها لمدير من حزبها يطيع و ينفذ أوامرها. و لا يجب أن ننسى، في ذات السياق، الطريقة التحكمية و الغامضة لمسار المشاورات و الإجراءات التي تُهيِّئ للإنتخابات المقبلة، بما في ذلك أشغال اللجنة المركزية للانتخابات وكل تفريعاتها الجهوية والإقليمية والمحلية التي يظهر أنها تم إخراجها إلى الوجود في ظل غياب القانون و المشاورات اللازمة في هذا الإطار. لقد استغل بنكيران رئاسته للحكومة و استعمل آليا الأغلبية الحكومية "في لحظة تتعلق بوضع قواعد المنافسة التي ستؤطر الانتخابات الجماعية المقبلة، و سير الحكومة في ذلك الاتجاه هو انتكاسة ديمقراطية سواء تعلق الأمر بالشكل أو بالنتائج التي ستترتب عنها"، يقول أحد المهتمين. تلك كانت بعض أشد ذنوب بنكيران للتمكين لحزبه عبر استغلال الدين و مختلف المؤسسات، و عليه فهو قد تَجنَّى على مسارنا الديمقراطي الناشئ و يجدر به أن يستحضر، بالعودة إلى مشكلتهِ مع الوداد البيضاوي، المقولة المشهورة: " مَن بيته مِن زجاج لا يرمي الناس بالحجر".