1) "إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون" (يوسف 40). 2) "إنا أنزلنا الثوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشونِ ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم لما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"..(المائدة 44).. -------------------------------- "كيف يأمر الله بالعدل، من دون أن يأمر بحكم الأغلبية؟ كيف تصبح الدعوة إلى "حكم الله" فريضة مادام الحكم نفسه في يد شخص أو عائلة أو طائفة أو حزب؟ كيف يكلف الله الإنسان أن يكون "مسؤولا عما كسبت يداه من دون أن يوفر له الوسيلة الشرعية لحمل هذه المسؤولية؟..الإجابة الأولى: إن الأمر لا يحتاج أصلا إلى إجابة لأن الله لا يبالي بأهل الدنيا ولا يهمه منهم سوى أن يؤدوا له الفرائض شاكرين وساجدين وصائمين وساكتين إلى أن يموتوا ويدخلوا الجنة. وخلال هذه الرحلة الطويلة إلى العالم الآخر لا يملك المواطن ثمة ما يفعله لضمان مصيره ومصير عياله سوى أن يظل تحت رحمة أهل الحل والعقد من محترفي السياسة ورجال الدين ورؤساء القبائل..." إسلام ضد الإسلام. الصادق النيهوم. ص 13. -------------------------------- عندما انطلقت الدعوة إثر نزول (بداية) سورة العلق على رسول الله (ص) في غار حراء، وبعد أن صدقته عائشة، ثم أبو بكر وعلي بن أبي طالب، كان على الرسول أن يضمن السرية ويلتزم الحيطة والدهاء لكي تمر الدعوة بخير ولهذا لم يمر وقت طويل قبل أن يجد المسلمون الأوائل مخبأ لهم في دار "الأرقم بن الأرقم"، وكان المسلمون الأوائل من مستضعفي القوم الذين دخلوا إلى الإسلام بعد أن توسموا في الدعوة الجديدة شيئا من الإنصاف لهم أمام سادتهم المتجبرين، وأعتقد أنه لا حاجة بي إلى ضرب الأمثلة أو إعادة سرد الوقائع كما شاهدناها جميعا مرارا وتكرارا في فلم الرسالة الشهير.. المشكلة الوحيدة، أن فلم الرسالة وكتب السيرة التي تعودت الحديث عن "تاريخ الملائكة" لم يخبرنا أي منها عن ماهية تلك الأشياء التي وقعت بعيد وفاة الرسول (ص) انطلاقا بحروب الردة، إلى يومنا هذا، مرورا بزمن الفتنة الكبرى الذي يبقى لوحده شاهدا حيا على كل ما ندعيه هنا في هذا المقال... أما المشكلة الأكبر التي لا تتطرق إليها هذه السير النقية الطاهرة فهي حقيقة الأمر على أرض الواقع وحقيقة دور كل من "الغنيمة والقبيلة" في كل الأحداث التي تلت الدعوة وانتقال الأمر من مكة إلى المدينة إلى أن أصبحت لنا دولتان عظمتان في صدر الإسلام كل واحدة منهما تنتمي إلى عصبية قبلية من داخل قريش نفسها.. آل أمية، وآل العباس... أو الدولة الأموية، وبعدها، الدولة العباسية، وهو ما يفيد بشكل لا لبس فيه إلى حقيقة لم تعد خافية على الكثيرين مفادها أن معظم مسلمي الرعيل الاول لم يكونوا ملائكة بل كانوا أصحاب مصالح قبلية لعبت فيها الغنيمة دورا كبيرا في اعتناق الإسلام ومواصلة اعتناقه، ولمن أراد تفصيلا أكبر فليرجع إلى الجزء الثالث من رباعية "نقد العقل العربي" للراحل محمد عابد الجابري، والمعنون ب "العقل السياسي العربي".. كانت العقيدة هي آخر شيء يحرك مسلمي الرعيل الأول لأن العقيدة لم تكن إلا أداة للحصول على "غنيمة" أكبر، وسيطرة أكبر للقبيلة وفق عصبية تمكن الإسلام من تقويض بنيتها على عهد الرسول (ص) ولكنه أصبح لها وسيلة مقدسة بعد وفاته مباشرة وفي كل مراحل "التاريخ الإسلامي التي تلت"...نعم... كان الإسلام هو السبب في خلق "دولة مدنية على عهد الرسول (ص) " (بعد أن تمكن من تطويع القبائل ونفي الفرقة والعصبية بينهم وتوحيدهم تحت راية واحدة هي "الإسلام")..ولكنه (الدين) كان السبب في خلق سلسلة من الديكتاتوريات البغيضة في تاريخ الإسلام حيث أصبح الدين وسيلة لحكم العامة وقمعهم وإسكات أصواتهم... بعد وفاة الرسول (ص) لم تعد هناك حرمة لأحكام الإسلام اللطيف الهادئ الذي يردد البراهين الدالة عليه يوميا العشرات منا كلما اتهم أحدهم الإسلام بالوقوف وراء الإرهاب.. لم تعد هناك حرمة لمن كانوا قريبين من الرسول أو من قال فيهم الرسول كلاما ينزههم عن كل إذلال يفترض أنه قد يلحق بهم بعد وفاته... تذكروا كيف قتل عثمان بن عفان وهو يقرأ المصحف، وتذكروا كيف ضرب عثمان بن عفان أبي ذر الغفاري ونفاه خارج المدينة، وكيف فعل بابن مسعود الذي كان أمينا على بيت مال المسلمين وأراد من الخليفة مطالبة ابن عمه مروان بن الحكم باسترجاع أموال استلفها من بيت مال المسلمين (ويرفض إرجاعها حتى قال له عثمان "مالك وبن عمنا، أنت خازن عندنا (أي عند بني أمية))، وتذكروا كيف أُحرق محمد بن أبي بكر على يد عمرو بن العاص (وكلاهما صحابيان جليلان) داخل جوف حمار ميت، وتذكروا كيف كاد علي (أول من آمن من الصبية وبن عم الرسول) وعائشة أم المؤمنين (وابنة أول خليفة للمسلمين وأحب أزواج النبي إلى قلبه) أن يقتلا بعضهما البعض لولا هزيمة عائشة وشهامة علي بن أبي طالب، ثم تذكروا كيف قتل "آل علي بن أبي طالب" على أيدي بني أمية (وتحديدا اليزيد من معاوية بن أبي سفيان) وكيف لعب هذا الأخير برأس الحسين حين جلبوه إليه بعد واقعة كربلاء الشهيرة... تذكروا كل هذا، واسألوا أنفسكم سؤالا واحدا... لماذا يقتتل أقرب الناس إلى الرسول ويفتك بعضهم ببعض بعد وفاته؟ ما هدفهم، وفيما كانت معركتهم؟ هل كانت من أجل الدين؟... طبعا لا... لقد كانت من أجل السلطة.. المنصب.. النفوذ.. المال.. المصلحة... إنها السياسة يا سادة.. إنها السياسة...وإن كان أقرب الناس إلى الرسول وأزواجه وبنو عمومته وصحابته ورعيله الأول قد اقتتلوا هكذا من أجل مصالح من صميم الدنيا؟ فكيف لنا أن نثق فيمن لا صلة قرابة مباشرة تجمعهم بالرسول وهم يقولون لنا أننا نريد تطبيق شرع الله"؟... تطبقونه على من؟ ومن أجل من؟...وكيف تطبقونه دون أن تفسدكم السياسة والمصلحة وقد أفسدت أهل الرسول (ص) وصحابته وأقرب المقربين إليه ومن والاهم؟... هنا المشكلة..هنا تقول لكم العلمانية: "إن الدين كعنصر هام جدا في نسيج المجتمع يحوز قداسة كبيرة في الأذهان (خصوصا مجتمعاتنا المتخلفة) ولهذا لا يجب استعماله لتبرير الأفعال السياسية بإضفاء الصبغة الشرعية عليها لأن نظام الحكم في هذه الحالة يكون ثيوقراطيا دينيا متسلطا يخضع ويسير بأهواء الحاكم (وليس الله)، والحكم هنا يكون ديكتاتوريا بالضرورة.. لقد فهمت العلمانية أنه لا أحد يمتلك القدرة على "الحكم بما أنزل الله" لأنه بالنهاية بشر يؤثر مصالحه الخاصة حتى لو تعارضت مع الدين، بل إنه يأمر الفقهاء الذين يريدون الجزرة ويخشون العصا بتوفيق حكمه مع صريح الدين أو تأويله، وكذلك يفعلون..هذا ما تعلمته العلمانية من تاريخ البشرية ككل مسلمين ومسيحيين ويهودا وغيرهم، ولهذا تقول باستحالة وجود من بوسعه القوم بالنيابة عن الله وتطبيق شريعته فيكون الحاكم بهذا المعنى السخيف للحاكمية الإلهية (كما ابتدعه الإسلام السياسي) يشغل منصب "نائب الله"..وهو المصطلح الذي أترك لكم حرية البحث عن الطريقة المثلى لاستساغته....(لاحظوا معي مدى قرابة مفهوم الحاكمية الإلهية كما ابتدعها الإسلام السياسي، ومفهوم "الحق الإلهي" كما ساد في العالم المسيحي حتى لا يقولن أحد بعد هذا أنه لا وجود ل"إكليروس" في الإسلام)... هنا نتكلم عن مفهوم "الحاكمية الإلهية" التي تعبر بشكل صريح عن مقولة "الإسلام دين ودولة"، وهو مفهوم مبتدع في الإسلام إذ أنه لا وجود للفظ "حاكمية" بطول القرآن والسنة وعرضهما...(ولو مرة واحدة)... وهي كلمة استخرجها الإسلام السياسي من الآيات الواردة في بداية هذا المقال...وقد أعطى لها الزخم والفعالية والمشروعية المسؤول الثاني عن الإرهاب في العالم الإسلامي خلال العصور الراهنة الكاتب "سيد قطب" (إلى جانب جمال البنا طبعا) و(قبلهما أستاذهما الكبير ابن تيمية نجم عصور الظلام بامتياز والمعلم الأكبر للإرهاب)... "حكم الله" كما يرد في الآيتين (وغيرهما) لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بما يسمونه "شرع الله"...بل هما آيتان نزلتا في اليهود ولعل السياق واضح جدا من خلال الآية الثانية الواردة في سورة المائدة...ومعظم المفسرين حصروها في هذا المنحى اللهم ممن وسعها لتشمل أهل الكتاب جميعا بحكم آيات أخرى، أما من أولها تأويلا عاما فلم يكن أبرزهم سوى "بن حذيفة" و"محمد أبو جعفر بن جرير" وأوردا من أجل ذلك أحاديث ضعيفة لم ترد في الصحيحين... لو كان الله أراد التأسيس لدولة ولمنهاج في السياسة لأورد في قرآنه الكريم أو لأوحى إلى نبيه من الفكر ما يوحي له بالتأسيس لنظام حكم في الإسلام.. وحين أتكلم عن نظام الحكم في الإسلام فأنا أتكلم عن آلية اختيار الحاكم.. وكيفية تدبيره لشؤون حكمه بعيدا عن ذلك المفهوم المطاط الذي يكرره الجميع بخصوص مفهوم أو مبدأ الشورى... أتكلم عن آليات تسيير دولة من ألفها إلى يائها وحتى لا يتوه منا الموضوع دعونا في مسألة آلية اختيار الحاكم التي لا يوجد في الإسلام لا آية ولا حديث ولا تقليد من السنة واحد يشير إلى اعتماد الدين لهذه الآلية دون الأخرى...فأبو بكر الصديق صعد إلى الحكم بعد أن كانت الحرب تقع تحت سقيفة بني ساعدة بين المهاجرين والأنصار، ولولا أنهم توافقوا على اعتبار مسألة اختيار النبي له لإمامتهم في الصلاة بمثابة استخلاف له لكان للإسلام تاريخ آخر تماما غير الذي نعرفه اليوم...أما عمر فقد تم اختياره أميرا للمؤمنين بطريقة أخرى تماما لأنه لم يكن إماما بالبيعة بعد الخلاف بل عُهِدَ إليه من طرف أبي بكر ، بمعنى أن أبا بكر أنابه عنه فوافقه عليه الصحابة الذين اجتمعوا حول سريره إبان مرضه، وقد أراد بعض أهل السنة والجماعة الاستناد إلى هذا الأمر للقول بأن المعيار هنا هو "إمامة الصلاة" باعتبار أبي بكر ناب عن الرسول فيها وأوكل الخلافة، وباعتبار عمر ناب عن أبي بكر فأوصى له هذا الأخير بالخلافة وأضافوا إليها شرطين أساسيين هما "الدفاع عن ديار المسلمين (ولو بالهجوم) وتوزيع الغنائم بالعدل القرآني المعروف...(بين قوسين لو أخذنا بهذه الثوابت الثلاث واعتبرناها اجتهادا من الفقهاء (لا يملك صفة الإلزامية الشرعية بالمناسبة) نأخذ به، فهل يمكن تطبيق هذا الأمر في زماننا هذا واتخاذ هذه المعايير أساسا لاختيار الحكام؟..أعتقد أن الجواب واضح تماما)... عثمان بن عفان تم اختياره بطريقة أخرى تماما فعمر لم يعهد له كما فعل معه أبو بكر، ولكنه ابتدع طريقة جديدة حيث جمع ستا من الصحابة المقربين وأوكل إليهم اختيار أمير لهم في غضون ثلاثة أيام بعد مشاورة الناس وهو ما تم بالنهاية لعثمان بن عفان الذي كان له منافس قوي حينها هو "علي بن أبي طالب" إلى درجة أن الواحد منهما أوصى بالآخر حين سألهما عبد الرحمان بن عوف عن رأيهما...ثم حدثت الفتنة الكبرى بعد ذلك بحوالي اثنتا عشرة سنة وثار أهل الامصار على تجبر ولاة عثمان الذين كان يختارهم من بني أمية دونا عن غيرهم (تذكروا العصبية القبلية هنا ورديفتها الغنيمة ثم فكروا في العقيدة)..ومادام علي بن أبي طالب واحدا من أبرز المعارضين لحكم عثمان رغم كونه ظل محافظا عما عرف عنه من حكمة حتى في عز الفتنة، فإن كل الثوار ارتأوه الحاكم العادل للقيام بشؤون المسلمين وعلى ذلك الأساس نصبوه خليفة للمسلمين لتبدأ المعارك الكبرى في تاريخ الإسلام من أجل الحصول على "منصب الحكم" (وليس من أجل إعلاء كلمة الله العليا) وكانت البداية، كما تعلمون بين عائشة وطلحة والزبير من جهة وعلي بن أبي طالب من جهة أخرى، أما معاوية فقد كان ذكيا واتخذ الحياد حتى ينتصر أحد الفريقين، فلما انتصر علي ناصبه الحرب وانطلقت الحروب بين "بني أمية" و"بني هاشم"..حرب قبلية سياسية بامتياز ولا علاقة لها بالدين لا من قريب ولا من بعيد رغم أن توظيف الدين لم يتوقف فيها والدليل على ذلك عدد الأحاديث الواردة في أفضال المنتمين إلى أحد الفريقين لتعزيز أحقيته بالحرب والخلافة في نظر العامة من الناس.. وفي هذا كان واضعو الاحاديث وفقهاء الدين بارعون حقا في تلفيق ما يناسب من الأحاديث لابتداع قاعدة دينية ما لعمل سياسي ما... وقع التحكيم وتمكن بن العاص من خداع أبي موسى الأشعري وتم التحكيم لمعاوية بن أبي سفيان فاضطر علي بن أبي طالب إلى الخضوع لنتائج التحكيم وتسليم الامر لمعاوية وهو ما لم ترض عنه جماعة من المسلمين الذين كفروا كلا من معاوية وعلي بن أبي طالب وعرفوا لاحقا باسم الخوارج ليؤدي ذلك إلى فصول جديدة قتل فيها العديد من أبناء الصحابة بطريقة وحشية بلغت حد حرق محمد بن أبي بكر (أحد قتلة عثمان بن عفان) في جوف حمار بمصر..وقتل فيها طبعا علي بن أبي طالب نفسه ليقوم له من الشيعة ما أدى اليوم إلى وجود "إسلام آخر" اسمه الإسلام الشيعي... بالله عليكم؟ هل هذا دين أم...................سياسة؟ لقد خاضت عائشة ومن معها من الصحابة حربها ضد علي بن أبي طالب بدعوى الانتقام لدم عثمان ولم يكن هناك دين في المسألة، بل حتى الانتقام كان تبريرا لطمع سياسي استولى على أم المؤمنين ومعها كبار الصحابة وفي مقدمتهم طلحة والزبير (وهما مبشران بالجنة كما تعلمون)...ثم قاتل معاوية علي لأنه كان يريد الانتقام لبني أمية وليس للإسلام ولا الدين، وحين كان يلعن علي بن أبي طالب في مساجد دمشق ويقتل كل من يرفض أن يلعنه لم يكن للإسلام والدين علاقة بالأمر، وفي كل الحروب التي حدثت بسبب السياسة كانت المصلحة والقبيلة والغنيمة هي التي تقود النفوس وليس الدين..السياسة فقط، أعزائي القراء، هي التي جعلت مبشرين بالجنة يحملون السلاح على بعضهم البعض...(ولكن أن تفكروا في التناقض الفاضح بين أن تكون مبشرا بالجنة وأن تسعى في قتل مبشر آخر من الجنة وتتساءلوا عن كيفية صحة هذه المعادلة في الآخرة)... لا يمكن لله أن يحكم..لأن زمن النبوة انتهى ولا يملك أي كان أن يدعي وجود علاقة مباشرة له مع الله يبث له من خلالها أحكامه وقوانينه وطرق تسيير دولته..وكما يقول سيد القمني، المفكر العلماني المعروف، "أعيدوا زمن النبي وأنا أقبل أن تطبق علينا الشريعة".... ذلك أن الذي سيطبقها في هذه الحالة سيكون النبي نفسه، أما ما دونه فلا ثقة فيهم لأنهم سيغلبون أحكامهم على أحكام الله وسيحكمون باسمه فقط كي نصمت نحن ولا نناقش فالأمر يتعلق بحكم الله في النهاية... لقد جربت البشرية كل الذين حكموا باسم الله أو نيابة عنه وفهمت البشرية أن إدخال الدين في السياسة يعني حكما شموليا ديكتاتوريا وحاكما متسلطا متجبرا يحوم حوله "إكليروس" يبحثون له عن السند لمشروعية حكمه أمام الناس ويقمع الناس بمحاكم تفتيشهم وقد يقتلهم أو يسجنهم أو يعذبهم متى شاء باسم المنافحة عن الدين.. العلمانية يا سادة، ليست إنتاجا إوربيا أو غربيا كما يفهم البعض ويتهمونا بعبادة الغرب والحلم بجنان خلده والعمالة له.. العلمانية عصارة الفكر الإنساني ككل وخلاصة البشرية التي خرجت بها من "قرون ساد فيها الحكم الديني واستعبدت باسمه واسم الله رقاب البشر"..العلمانية ثمرة حضارية أنتجتها البشرية جمعاء وسبقتنا أوربا إلى "تطبيقها"... والعلمانية بالنهاية ليست واحدة كما يتخيل البعض وليست وحيا منزلا أو فكرا جامدا، بل هي كينونة تتطور وطريقة تنفيذها في هذه الدولة لا تقتضي تطبيقها بنفس الحذافير في دولة أخرى... أما كيف يمكن للعلمانية أن تكون هي الحل، وكيف أربط بين العلمانية والتقدم، وأعتبرها حلا سحريا إن شئتم.. وكيف نبدأ لتطبيق هذا من "علمنة المدرسة العمومية أولا"... فهذا ما أجيب عنه في الجزء الرابع والأخير من هذا المقال.. فكروا..رجاء...فكروا فقط.