إسلام ضد القرآن.. (توطئة "إن أعداء الإسلام من ملاحدة ومبشرين ومستشرقين اتخذوا من النسخ في الشريعة الإسلامية أسلحة مسمومة طعنوا بها في صدر الدين الحنيف ونالوا من قدسية القرآن الكريم وقد أحكموا شراك شبهاتهم واجتهدوا في ترويج مطاعنهم حتى سحروا عقول بعض المنتسبين إلى العلم والدين من المسلمين فجحدوا وقوع النسخ وهو واقع وأمعنوا في هذا الجحود الذي ركبوا له أخشن المراكب من تمحلات ساقطة وتأويلات غير سائغة" (مناهل العرفان في تفسير القرآن للشيخ الزرقاني)... فهل يعقل أن من يقول بأن القرآن محكم وليس ينسخ بعضه بعضا لفظا وحكما هو الذي يسيء إلى القرآن أم من يقول بالنسخ هو الذي يفعل؟..."... "جمال البنا"... "جناية قبيلة حدثنا")..... بعد وفاة الرسول (ص) اجتمع الأنصار والمهاجرون تحت سقيفة بني ساعدة..وكاد أمر خلافة النبي أن يتطور إلى حرب بين الأنصار والمهاجرين ...لولا أن الاتفاق تم ل"أبي بكر الصديق" لأنه كان إمام االصلاة في المسجد النبوي إبان مرض الرسول (ص)... دعونا نمر من أزمنة الرسول (ص) ولنمر أيضا من زمن أبي بكر وحقيقة حروب الردة وما تبعها من ولاية عمر بن الخطاب لأمر المسلمين ودعونا نهمل الطريقة التي انتخب بها "المسلمون حاكمهم" والتي اختلفت من أبي بكر لعمر ومن بعده عثمان ثم علي بن أبي طالب.. دعونا نضرب عن كل هذا صفحا ونبدأ من حيث اندلعت المشكلة التي لا يملك أي منا إنكارها وهي ذاتها المتعلقة بزمن الفتنة التي كان المتسبب فيها "عثمان بن عفان"، ثالث الخلفاء، وواحد من العشرة المبشرين بالجنة... فلننطلق من هنا.. فهنا وفي هذه المرحلة تحديدا بدأت المشكلة بين "الإسلام" و"المسلمين" لأن عثمان وحسب كل ما اجتمع عليه كتاب السيرة باتفاق كان أول الذين حاولوا استغلال السياسة من أجل محاباة الأقارب ولهذه الأسباب تحديدا ثارت عليه الأقاليم جميعها من مصر إلى العراق (باستثناء الشام حيث كان معاوية بن أبي سفيان، قريب عثمان من بني أمية ونصيره في حروب المستقبل (باسم ثوم يأكله المؤمنون على ساحات الوغى)... فلننطلق من تلك الحكايات المتناسلة في كتب السيرة والتي أسست لحكم ثيوقراطي" عبر عنه الخليفة الثالث للمسلمين بقوله في خضم الثورة ضده "لا أنزع قميصا ألبسنيه الله".. النتيجة أن عثمان بن عفان قتل من طرف عبد الرحمان بن أبي بكر (وأصحابه) من متمردي مصر... لتبدأ بعدها مرحلة لا علاقة لها بإسلام المدينة ولتبدأ معها مرحلة سياسية محضة تستمد شرعيتها من الدين لكي تستولي على المعارضين وتمارس فيهم التنكيل والقمع والقتل أيضا...(وكل ذلك باسم الدين وبتأويل من نصوصه)... بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه قامت القائمة ولم تقعد فالمسلمون لم يكونوا مسلمين فقط.. بل كانوا من قبائل ونحل وأهواء وضروب عديدة وكانت عادات "القبلية" و"العائلية" هي الأكثر ترسخا في النسيج الإسلامي خصوصا أن الوحي انقطع ولم يعد هناك من سبيل لإثبات قضية ما غير التمسك بعروة الإسلام الوثقى مهما كانت هوية هذه العروة الوثقى ومهما كانت ملحميتها ومهما كانت أحقيتها، لأن الأهم في نهاية المطاف هو إثبات الأحقية بالحكم من وجهة نظرية سياسية وبدفوعات دينية محضة... بعد مقتل عثمان تحالفت عائشة رضي الله عنها مع الزبير وطلحة وهما من كبار الصحابة كما نعرف جميعا، ودخل الكل في حرب اتخذ منها "المرجئة" (لأسباب دينية) ومعاوية بن أبي سفيان (والي عثمان على الشام) (لأسباب سياسية يتبين تفصيل أدق في حيثياتها في الجزء الثالث من هذا المقال) موقف الحياد...وكانت الموقعة الأولى الشهيرة هي موقعة الجمل حين هزم جيش علي بن أبي طالب (أول من آمن من الصبية وبن عم الرسول (ص)) جيش "عائشة" رضي الله عنها (أم المؤمنين وأقرب أزواج الرسول إلى قلبه وابنة أول خليفة للمسلمين أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه) ومعها الزبير بن العوام وطلحة بن الزبير، وهما من الصحابة الكرام... وبعدها وقعت معركة صفين والتي مات فيها حوالي 70 ألف مسلم.. وهي التي انتهت بواقعة النصب الشهيرة المشهورة بواقعة التحكيم والتي تمكن فيها عمرو بن العاص بدهائه من هزيمة أبي موسى الأشعري وبالتالي تفويض الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان، وهي الواقعة التي أدت إلى خروج الخوارج وظهور "الشيعة" في تاريخ الإسلام كما نعلم جميعا (ولا شك)... في هذه اللحظة التاريخية الفاصلة التي انتقل فيها الحكم من المدينة إلى دمشق ومن مهد النبوة الأولى إلى "الملك العضوض" في بني أمية بدأت أولى إرهاصات "الإسلام السياسي" تتشكل وبدأ الحديث ولو بشكل مستتر قوامه الدين والقرآن وما سيتم تأليفه من السنة يسعى لكي يوافق أهواء الطبقة السياسية وهي نفس الفترة التي تشكلت فيها المذاهب الكبرى التي تحكمنا اليوم والتي تمنعنا عن الاجتهاد وتكاد تلزمنا بتقديس معظم الذين كتبوا في الدين وألفوا فيه.. هنا بدأ الإسلام السياسي وهنا بدأ التبرير للحاكم الأموي لكي يتمكن من مشروعية مقبولة لحكمه الديكتاتوري بما انتهى إلى علم الفقهاء المتواطئين من أحاديث تم وضعها خصيصا من أجل تبرير حكمه (انظر الجزء الثالث من هذا المقال)... هنا تحديدا لم يتورع فقهاء دولة بني أمية في النفخ في سلطة الحديث على حساب القرآن نفسه، وقد بلغ بهم الغلو إلى وضع أحاديث تلغي أحكاما بالقرآن أو تستأنفها على أقل تقدير.. وبنهاية الامر لم يكن هناك من وسيلة أخرى أمام المواطن العادي في ذلك الزمان إلا القبول بأحاديث أهل العلم وقبول ما يضعونه ضد القرآن في تلك الأزمنة مادام الرسول (ص) قريبا في الزمان منهم وبما قد يكفل لهم ويصح قبوله من وضع لكل ما يرد عنه من استكمالات وإضافات لأحاديث الدين العابرة... إليكم مجموع الأحاديث التي تنسخ القرآن حسب ادعاء أهل العلم وحسب المراجع المذكورة بتأليفهم: أولا: السنة تنسخ القرآن 1) عن بن عمر أنه قال: لا يقولن أحدكم أخذت القرآن كله وما يدريه ما كله قد ذهب منه قرآن كثير ولكن ليقل أخذت منه ما ظهر" فضائل القرآن..للإمام أبي عبيد القاسم بن سلام ص 320... 2) "وقد أخرج بن الضريس من حديث بن عمر (رضي الله عنهما) أنه كان يكره أن يقول الرجل :"قرأت القرآن له" ويقول : "إن منه قرآنا قد رفع وليس في شيء من ذلك ما يعارض حديث الباب لأن جميع ذلك مما نسخت تلاوته في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ووجب الحكم به"...فتح الباري..جزء 11 ص 253... 3) رواه الحافظ السيوطي في "الدر المنثور" الجزء الخامس، ص 179: " بقوله "أخرج عبد الرزاق في المصنف، والطيالسي، وسعيد بن منصور، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند، وبن منيع والنسائي، والدار قطني في الأفراد، وابن المنذر، وبن الأنباري في المصاحف،والحاكم،...قال: قال لي أبي بن كعب،كيف تقرأ سورة الأحزاب؟ أو كم تعدها؟" قلت 73 آية، فقال أبي: قد رأيتها وإنها لتعادل سورة البقرة وأكثر من سورة البقرة وقد قرأنا فيها : "الشيخ والشيخة إذا زنيا، فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم" فرفع منها ما رفع"... وفي الصفحة الموالية من نفس المرجع نجد : "عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن الرسول (ص) مائتي آية، فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلا ما هو عليه الآن" أي 73 آية... 4) وفي نفس الصفحة يروي السيوطي عن البخاري في التأريخ ل"حذيفة" أن "حذيفة قال "قرأت سورة الأحزاب على النبي (ص) فنسيت منها سبعين آية ما وجدتها"... 5) "روى مالك ابن أنس عن سعيد بن المسيب عن عمر قوله: إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل: لا نجد حدين في كتاب الله فقد رجم رسول الله (ص) ورجمنا، والذي نفسي بيده : لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها "الشيخ والشيخة فارجموهما البتة"..فإنا قد قرأناها"...الموطأ الجزء 2 ص 824... 6) "أول من جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد... وعمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها لأنه كان وحده"...الإتقان في علوم القرآن.. ص 206... 7) "عن عائشة قالت: نزلت آية الرجم وإرضاع الكبير عشرا،ولقد كانت في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله (ص) وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها"...سنن بن ماجة الجزء الأول الصفحة 625... 8) "عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال: ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله "أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم" ولكنها أسقطت من القرآن... ونفس القول روي عن بن عباس بنفس المرجع (وما أدراك ما بن عباس)...وكانت هذه تسمى "آية الرغبة" وقد أسقطت من مصاحف عثمان... 9) "روى الحافظ جلال الدين السيوطي عن السور بن مخرمة ما نصه : قال عمر (بن الخطاب) لعبد الرحمان بن عوف: "ألم تجد فيما أنزل علينا أن "جاهدوا ما جاهدتم أول مرة" ؟ فأنا لا أجدها. قال (أي عبد الرحمان بن عوف) قد أسقطت فيما أسقط من القرآن"...الإتقان.. الجزء 3 الصفحة 84 طبعا هنا سيكون من الجيد جدا أن نتكلم عن المصاحف المختلفة والتي كانت عائشة رضي الله عنها تتحوز منها نصيبا كما كانت حفصة تفعل وكما ان عثمان بن عفان يفعل وبالنهاية سادت مصاحف عثمان وهو ما ستكون لنا بخصوصه عودة في مقالة قادمة ريثما يكتمل البحث بشأنها).... ما يهمنا هنا هو أن نقول أن السياسة طغت على الدين ولازالت وستظل كذلك والسلطة لا تكون للفقه والشريعة والحكم على الإطلاق، بل تكون لتأويلها بما وافق ويوافق أهواء الحاكم...أي أن الفقهاء كانوا على الدوام مستعدين لخدمة السلطان حتى لو اقتضى الأمر وضع الأحاديث التي توافق طريقتهم في الحكم وتثبتها وهو ما سيكون لنا فيه قول في الجزء الثالث من هذا المقال حين نتكلم عن الفرق الإسلامية وعلاقتها بالسلطة الحاكمة إبان عهد بني أمية على وجه الخصوص وهو العهد الذي بنيت فيه أساطير وأساطين دين جديدا أطلقوا عليه الإسلام وما هو من إسلام القرآن والنبوة في شيء لأنه إسلام خضع لسلطة السياسة غصبا... حين كان كتاب السيرة ينقلون هذا التشكيك الصريح في "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" ويقولون على ألسنة الرعيل الأول وفي مقدمتهم ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب أن القرآن حفظ "مبتورا" وحين يسندون إلى عائشة أحاديث عن "داجن" أكلت آيات من القرآن الكريم فلم تحفظ في مصاحف عثمان ولا مصاحفها الملحقة وحين يستبد الوضع في الأحاديث بالفقهاء خدمة للبلاط الأموي (وبعده العباسي ولو بشكل أقل وقعا كما سنرى في مقالات قادمة)...فإننا لا نملك إلا أن نؤكد الدعوة إلى مراجعة شاملة لنصوص التراث كما قلنا (به) منذ أول مقال لنا على هسبرس... الغريب في الأمر أن كبارا كالشافعي وأبي حنيفة ورغم وضعهم لمعايير وشروط صارمة في قبول الأحاديث إلى أنهم استسهلوا الوضع عندما قالوا كأن الحديث مهما ان إسناده ومهما كان ضعفه فهو يعتد به مادامت "الأمة تلقته بغير نكير منها أو طعن فيه" ليشمل الحكم "أحاديث نسخ القرآن" و"الإخبار بالمغيبات" و"أحاديث فضل الآيات" وغيرها مما يناقض جوهر سلامة الدين من التحريف والوضع...بل إن بن حنبل قال أن "الحديث الضعيف أحب إلى من القياس"... وهو ما يفسر كون أحمد بن حنبل كان يحفظ (بادعاءه) مليون حديث عن الرسول (فكيف يعقل أن الرسول (ص) حدث بمليون حديث خلال عشرين سنة وينيف من النبوة؟... الطامة الكبرى أن كبار رواة الحديث اعتمدوا على رواة بعينهم لا يمكن أبدا الوثوق بمصداقيتهم واتخذوهم من بين صحاح "الصحابة" الذين يروى عنهم حديث رسول الله (ص) بكل أمانة رغم سيرهم المغرقة في "الدموية والإجرام" ومن بين هؤلاء أذكر "حريز بن عثمان" الذي ثبت عنه أنه كان يلعن عليا في صلواته الخمس كل يوم سبعين مرة على عهد "معاوية بن أبي سفيان" والذي أخذ عنه رواة الأحاديث الصحاح، غير مسلم، وروى عنه البخاري نفسه حديثين اثنين...وهناك يسار بن سبع أبو الغادية الجهني الذي قتل عمار بن ياسر والذي كان يتفاخر بذلك كلما أعلن دخوله على معاوية بن أبي سفيان والذي، هو نفسه، اعتبره أحمد بن حنبل من مسانيد الصحابة وروى عنه عدة روايات، ناهيك عن 'بسر بن أرطأة" الذي ذبح فلذتي كبد عبيد الله بن العباس (بن عم رسول الله (ص)) في أحد مساجد صنعاء وهو الامر الذي أصاب أمهما بالجنون، وهو الذي اعتبره كل من أحمد بن حنبل والترمذي والنسائي وبن حبان وأبي داوود من "الصحابة الرواة"... على عهد بني أمية لم يكن من المهم أبدا أن يتم النظر في تاريخ الرواة بقدر ما كانت لهم أهمية ل"الملك العضوض" وكان وضع الأحاديث حرفة ذكية يتم بها استجداء رضى أولياء الأمور الواجب طاعتهم وتجنب غضبهم وجورهم...وبهذا المبرر طعنت أحاديث الوضع السياسي في القرآن نفسه وفي شخصية الرسول أيضا (كما سنرى في الجزء الثالث).... الأكيد هنا أن "معاوية بن أبي سفيان" ومن تبعه من بني أمية لم يكن يستأثر بالحكم لبني أمية وحسب (باسم الإسلام) بل كان يعبر عن انتقام لثأر قديم تملك بني أمية إزاء "الأوس والخزرج" (الأنصار) الذي هزموا ونكلوا بكبار قريش خلال معركة بدر والذين استحوذوا على كل شيء بعد أن أوكل لهم جزء من فخد قريش الملك متمثلا في أجداد الرسول صلى الله عليه وسلم.... (دعونا هنا لا ننسى ظروف نزول الإسلام في قريش)... هنا نتوقف بهذا المقال عند نهاية جزءه الثاني والذي كان محوره ذكر ما تسرب إلى الإسلام من "إسلام آخر" عن طريق وضع الأحاديث لأهداف سياسية طالت القرآن نفسه.. ولأكن صريحا حين أقول أني أهملت أحاديث كثيرة ومرويات عديدة لم يتسع لها المجال لعلي أوجز قدر الإمكان، أما ما كان من "أسباب تحريف الإسلام" كما ذكرنا فتلك قصة الجزء الثالث والأخير من هذا المقال.. حينها سنتكلم عن الفرق بين "إسلام المدينة" و"ّإسلام الامبراطورية" من وجهة نظر براغماتية لعلنا نفهم هذا الإسلام الذي قام من بين ظهرانينا ذات زمن لكي يغتال إسلاما آخر ولكي يسود ويتسيد عقولا أصبح أصحابها عبيدا لأيدولوجيات سياسية جاهزة... كانت، ولا تزال، مجرد ماض انتهى. ألقاكم في الجزء الثالث...