رفع الناقمون على عثمان بن عفان شعارا خطيرا ضده: «بدّلتَ وغيّرتَ» (أنساب الأشراف، ص59)، وطعنوا فيه بالخروج عن العهد الذي قطعه على نفسه عند استخلافه للنبي، والزوغان عن نهج أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب. ولم يكن القول بتبديل كلام لله وتغييرسنة النبي محمد هما الاتهامان الوحيدان الذين قادا الجموع إلى «الثورة» عليه وخلع بيعته وقتله والتمثيل بجثته، كما تذكر بعض الروايات. فكما أسلفنا، إن أبا ذر الغفاري، الذي امتلأ غيظا من التدبير المالي لعثمان، ظل يمشى في الأسواق مرددا قوله: «وبشر الكافرين بعذاب أليم»، وهذا اتهام صريح بالكفر للخليفة ولولاته من بني أمية في الأقاليم، مما جر عليه عقاب النفي إلى الشام ثم إلى الربذة التي مات فيها. وليس أبو ذر الغفاري هو الصحابي الوحيد الذي حصلت له مواجهة ساخنة بينه وبين الخليفة عثمان، إذ يذكر الرواة أن عبد لله بن مسعود، الذي كان خازن بيت مال الكوفة سنة 29ه، قد طالب عامل الكوفة بإرجاع مال كان قد اقترضه من بيت المال، فكتب العامل لعثمان في الموضع، فما كان من الخليفة سوى أن كتب لعبد الله مخاطبا إياه «إنما أنت خازن لنا». فغضب ابن مسعود كون عثمان حطّ من قيمته وكرامته، وكونه كان يعتقد أنه خازنا للمسلمين وليس للخليفة، فاستقال من منصبه. إلا أنه بقي في الكوفة يعلم الناس الإسلام وكان يدرج في تعليمه نقدا مبطنا لعثمان، متهما إياه باختلاق البدع بين المسلمين، فاستدعاه عثمان وأنزل به عقابا شديدا مدّعيا أن ابن مسعود كان يروّج فكرة تحليل دمه (البلاذري، أنساب الأشراف، ج5، ص36). وينقل الرواة، أيضا، أن الصحابي عمّار بن ياسر قال لعثمان «والله إن جوار السباع لأحب إلي من جوارك». ومن ذلك أن عمارا تمسك حتى آخر رمق بموقفه العدائي من عثمان، وبقي كذلك، وقد روى الواقدي أن عثمان حين ضيق عليه الثوار الخناق في طلبه ليردهم عنه فأبى، وقال «والله لا أردهم عنه أبدا». ومن ذلك أيضا أن قال لمعاوية: «أبا القتل تخوفني؟ والله يا بني أمية لا تسبوني ونقول أحسنتهم». ويروى أن عثمان اجترأ عليه فضربه حتى غشي عليه، وهذا ما ينقله البلاذري في (أنساب الأشراف) حين أرجع سبب الضرب هو اعتراض عمار على سوء تصرف عثمان ببيت المال. بينما يذهب ابن أعثم الكوفي، صاحب «كتاب الفتوح»، إلى أن السبب يعود إلى اجتماع نفر من أصحاب النبي الذين كتبوا كتابا وذكروا فيه كل حدث أحدثه عثمان منذ يوم ولي الكتابة إلى ذلك اليوم. وقد حمل عمار ذلك الكتاب وانطلق به إلى عثمان، وكانت النتيجة أن عثمان غضب غضبا شديدا، «فأمر غلمانه، فضربوه ضربا شديدا حتى وقع لجنبه، ثم تقدم إليه عثمان فوطئ بطنه ومذاكيره، حتى غشي عليه وأصابه الفتق، فسقط لما به لا يعقل من أمر شيئا» ويروي اليعقوبي أن عليا في دفاعه عن عمار بن ياسر قال لعثمان: « .. وأما قولك إني أفسدهم عليك، فوالله ما يفسدهم عليك إلا نفسك، لأنهم يرون ما ينكروه فلا يسعهم إلا تغيير ما يرون». ويتضح من هذه الرويات أن عثمان «تطاول على هيبة الصحابة وحصانتهم. صحيح أنه لم يجرؤ على النيل من صحابة مثل عليّ وطلحة والزبير، وأنه اختار صحابة أقل قيمة، إلا أنّ أثر ذلك كان كبيرا على عموم الناس باعتباره شكل أفعال ظلم وجور تتنافى وتقاليد الإسلام» (هشام جعيط، الفتنة، ط5، ص89). ومن المؤاخذات الكثيرة على عثمان «إفشاؤه العمل والولايات في أهله وبني عمه من بني أمية، وتهميشه للمهاجرين والأنصار لا يستعملهم على شيء ولا يستشيرهم واستغنى برأيه عن رأيهم». فقد عيّن أخاه من أمه، الوليد بن عقبة، عاملا على الكوفة، بدلا من سعد بن أبي وقاص (أنساب الأشراف، ص29) والحال أنّ الوليد كان مؤمنا متأخرا، وواحدا ممّن أسماهم النبيّ الطلقاء الذين غُلبوا عُفي عنهم بعد الاستيلاء على مكة. كان هذا التعيين ذا وقع سيّء على أهل الكوفة كما يقول البلاذري في أنساب الأشراف، ذلك أنه صلى بهم الصبح، وهو أمير عليها (الكوفة)، سكران أربع ركعات، ثم قال لهم: إن شئتم زدتكم» ، كما ذكر ابن قتيبة في كتابه «الإمامة والسياسة». كما عين بعد ذلك بعام، سنة 25ه، عبد الله بن سعد بن أبي السرح، كاتب الوحي الذي ارتد عن الإسلام، وقد أسلفنا ذكره. وتروي الروايات أن عثمان اقتطع لمروان بن الحكم، ابن عمه الشقيق، خمس الغنائم التي تم حصل عليها المقاتلون المسلمون من غزوهم لإفريقية، وكان من المفترض أن تذهب تلك الغنائم لبيت مال المسلمين. كما أنه عين سنة 29ه عبد الله بن عامر عاملا على البصرة، بدلا من أبي موسى الأشعري. فضلا عن ذلك، جاء في كتاب نفر من الصحابة إلى عثمان أنه أسرف، حتى بنى بيتا من الحجر والخشب الثمين، وكوّن لنفسه قطعانا وأملاكا في المدينة، حتى إن المسعودي في كتابه مروج الذهب يقول بأنّ ثروته وصلت إلى 150000 دينار ومليون درهم. وعند وفاته وجد مبلغ 35مليون ونصف المليون درهم لدى خازنه ولم يعرف إن كان المبلغ أموالا خاصة، وهذا قليل الاحتمال، أم أموالا عامة (الفتنة، ص71). كما أنه أغدق على أفراد عائلته بالهدايا والعطايا، فقد أعطى لعمه الحكم ثلاثمئة ألف درهم. وأعطى الحارث بن الحكم 300000 ألف درهم وزيد بن ثابت 100000 ألف درهم. وهو نفسه استدان من بيت المال 500000 وتأخّر أو امتنع عن تسديده (هشام جعيط، الفتنة، ص73).