أصدرت وزارتا الداخلية و العدل و الحريات مؤخرا بلاغا مشتركا تحذر فيه من استعمال بطائق الشرف لأغراض غير مشروعة تحت طائلة الابتزاز كما توعدت طابعيها و حامليها بالمتابعة القضائية لما اعتبره البلاغ عملا غير مشروع و تصرفا مخالفا للقانون. قرار مثل هذا لا نملك إلا أن نشيد به - رغم مؤاخذاتنا الكثيرة عليه - و لو أنه جاء متأخرا جدا. بالفعل قامت السلطات المعنية بمداهمة إحدى المطابع المتخصصة في طبع و نسخ هذه البطائق و صادرت العديد منها. لكن، هل بلاغ يكتسي صفة الإخبار و طابع المحدودية في الزمان، كفيل بالوقوف في وجه مثل هذه التصرفات التي تعمل على تكريس الميز العرقي داخل المجتمع ؟ و هل هكذا بلاغ يشكل آلية قانونية ناجعة للتصدي للشخصيات "الشريفة" التي تعودت على قضاء مآربها و تحقيق مصالحها و الحصول على امتيازات بفضل هذه البطاقة "السحرية" ،خصوصا و أن بعض جمعيات و رابطات الشرفاء لم تُخْفِ امتعاضها منه و تَشَبَّثَتْ ب"حقها" في تسليم بطائق الشرف، بل ذهبت إلى حد مقارنتها بتلك التي تصدرها النقابات و الهيآت المهنية و المدنية. كان الأجدر بالحكومة أن تصدر قانونا واضحا يجرم كل حامل لبطاقة أو شارة النسب الشريف كيفما استعملها و أينما استخدمها سواء لغرض شخصي أو غيره، و أن يحدد القانون بصريح العبارة العقوبات و الغرامات التي تطال المخالفين. فالوثائق الرسمية المعتمدة في قضاء الأغراض الإدارية و نحوها مكفولة و محددة بموجب القانون، لذا فإن أي استعمال لبطاقة الشرف هذه لن يكون إلا بدافع الابتزاز أو النصب و الاحتيال و لا مجال لأي تأويل آخر لاستعمالها. كان حَريّا بالإدارة أن تعمم البلاغ على كافة المصالح و الإدارات بما في ذلك شرطة و درك المرور و حثهم على تسجيل مخالفات لمن يضعون تلك البطاقة على الزجاجة الأمامية لسياراتهم إسوة بقرار وجوب خلو لوائح الترقيم من أي رمز أو شعار أو كتابة من غير أرقام التسجيل. لو كانت الدولة جادة حقا في القطع مع هذه الممارسات الشنيعة المبنية على أساس تفاضلي عرقي و التي تسيء كثيرا لصورة المغرب لاتخذت قرارا حازما بإلغاء البطائق و الشارات الخاصة بالنسب الشريف حتى و لو كانت حقيقية و صادرة عن نقيب زاوية الشرفاء و ليس فقط في حالة طبعها أو تزويرها أو استعمالها لأغراض شخصية. قمة الاستبلاد و الاستغباء و الاستقواء و الشعور بالمهانة حين تقرأ، و الغصة تخنقك، على بطاقة من يَدَّعون الشرف مثل هذه العبارة الشاردة التي تعكس النفسية المهزوزة و المريضة لأصحابها :" يجب احترام و تقدير حامل هذه الشارة أو البطاقة" و كأن باقي الأنام رعاع و شرذمة يقبعون في الدرك الأسفل من المجتمع لا وزن لهم و لا قيمة و لا ضَيْرَ إن تَمّ تجاهلهم أو معاملتهم بفظاظة و عنف و قلة أدب. كيف يستقيم أن نميز بين أبناء الوطن الواحد و نمنح الحظوة لفئة منهم على أساس النسب و الانتماء العرقي في ظل دستور يضمن المساواة بين الجميع و ينزع صفة القداسة عن شخص الملك نفسه. و أكثر ما يثير الدهشة و يكشف عن النية الابتزازية لأدعياء الشرف هو الزج بإمارة المؤمنين في موضوع وجوب التقدير و الاحترام بادعائهم أن صاحب الجلالة يأمر بذلك كما هو مدون في العديد من هذه البطائق. قد نَتَفَهَّمُ الإبقاء على دور نقيب الزاوية في منح شهادة الانتساب للطائفة حتى يتسنى للمنتمين إليها الحصول على نصيبهم من كعكة الهدايا و الهبات و الإكراميات التي تتكرم بها الدولة عليهم و لكن، لا أن تكون شهادة تزكية للتفاخر و التطاول و الابتزاز و الامتياز و العمل غير المشروع، فهذه سلوكات غير مقبولة عقلا و شرعا و عرفا و قانونا. يبدو لي أن هذا البلاغ ما هو إلا إجراء لَحْظيّ و انعكاسي لذرّ الرماد في العيون سِيَّما و أنه جاء في خضم النقاش الدائر حول حذف ألقاب "مولاي" و "للا". فقد تقدم الفريق الاشتراكي بمقترح قانون يخص تعديل المادتين 20 و 21 من قانون الحالة المدنية يهم حذف الألقاب التي تتصدر الأسماء الشخصية و التي تحيل على النسب الشريف. لكن هذا المقترح عارضته القوى التقليدية و العتيقة داخل الحكومة بالوقوف ضده و من المعارضة بعدم حضورها خلال جلسة التصويت عليه في لجنة العدل و التشريع و حقوق الانسان. وحَسْبُنا هذه الواقعة مؤشرا على أن الدولة ليست لها الإرادة الكافية لقطع الطريق على مستغلي سلالة الأشراف و المنتسبين إليهم لأنها قد تستعملهم و تسخرهم لخدمة بعض من أجنداتها، كما يؤكد بالملموس أننا لازلنا على بعد مسافات ضوئية من إقرار مبدأ المساواة و التعامل مع المواطنين على أساس المواطنة الصادقة لا على أساس العرق و النسب الشريف.