«شرفاء» تحولوا من لعب أدوار دينية إلى النصب والابتزاز وطرد النحس الوصول إليه لم يكن بالأمر اليسير، أخبرته عند اتصالي به هاتفيا أنني من طرف سيدة جربت "بركته" والتي غيرت مجرى حياتها نحو الأفضل، فحددت موعدا للقائه، لم يشأ أن يضرب لنا موعدا في المساء بحجة أن الناس والمريدين يزورونه نهارا، مخاطبا إياي بصرامة وعصبية "يلا بغيتي شغلك خصك تجي في الصباح" بعد أن أعطاني إشارات من شأنها أن توصلني إلى مقر زاويته، إنه شخص يدعي أنه "نقيب للشرفاء الأدارسة" كما هو مدون في "بطاقة زيارة" التي يمنحها لكل من طلبها، تحمل صورته واسمه ورقم صندوقه البريدي، غير أن عمله لا يخرج عن إبطال السحر وطرد النحس وجلب الحبيب. بضواحي مدينة القنيطرة بحثت رفقة مرافقتي عن مقر «الفيلا» التي تقع قرب إحدى شركات العقار، بعد أن سألنا الكثير من الأشخاص عثرنا على الشارع وهناك سألنا عن «زاوية الشريف» فتم إرشادنا إلى الطريق المؤدي إليها. من أجل التأكد بأننا أمام الباب المقصود سألنا شابا يهم بإقفال مرآب فيلا محاذية « من فضلك هل هذه زاوية فلان؟ فرمقنا بارتياب وأجاب بأنه لا يعرف وانصرف، فكان واضحا من خلال إجابته عدم رضا الجار عن السؤال والسائلين. ينفتح باب الزوار من مرآب الفيلا، تبدو للوهلة الأولى وكأنك ستلج مسجدا، زرابي وأعلام وآيات قرآنية وأثاث منظم، «الصالة» الأولى تأخذك إلى «صالة» أخرى أقل بهرجة، بزرابي خضراء ومصاحف وأعلام, وقبل ولوج هذه «الصالة» عليك أن تخلع حذاءك وتظهر قليلا من الرهبة والخشوع للمكان، ثم «صالة « ثانية بها مكتب أنيق وضعت عليه كتب في الفقه والدين وقطع ديكور وأشكال هندسية تحمل آيات قرآنية. جلس إلى مكتبه وطلب فورا اسمي واسم الوالدة بعد أن سأل بضع أسئلة عرف من خلالها أن «زهري معكس» ولاحظ لي مع الرجال ولا زواج في الأفق… خط بضع كلمات على ورقة وقال مؤكدا ما قلناه: بأني «معكسة» ولاشيء ينجح معي وهناك «رياح» تعاكسني ولا أكاد أفرح بالشيء حتى أفقده، ولأزيل من طريقي وحياتي كل هذا، أحتاج فقط أن أدفع له 1500 درهما ليحضر لي «تباطيل» لفك السحر وجلب الحظ والقبول. سألته مرافقتي كيف؟: أجابها بعصبية معلنا بإشارة من يديه أن الاستشارة انتهت وما لديه قاله، ألم تسمعيني وأنا أتكلم؟؟ فتلقى 100 درهم عن كل «قراءة حظ» في وقت لم يتجاوز 10 دقائق. لم يكن الوقت يسمح بأن أسبر أغوار هذا الشريف فقررت المراوغة قليلا لأكسب مزيدا من الوقت وسألته: لدي صديقة مريضة بالسرطان وبثر ثدياها وحالتها النفسية سيئة جربت الرقية الشرعية مرات لكن وضعها النفسي من سيء إلى أسوأ، فهل من حل؟ أجاب الشريف ساخرا، مثلها ماذا ستفعل له الرقية الشرعية؟ لاشيء، يفضل أن تأتين بها «ويكون خير». بالكاد أتم الجملة ووقف معلنا انتهاء الزيارة بعد أن ذكرنا بصفقة «1500» درهم، فكان السؤال حول إمكانية خفض الثمن نظرا لظروفي المادية الصعبة، إلا أنه رفض نقاش الأمر وهو يرشدنا في الوقت نفسه إلى الباب من أجل المغادرة. لائحة النقباء قصة هذا «الشريف» واحدة من بين قضايا النصب والاحتيال والاتجار بالنسب الشريف وبالاتجار في البطائق، والتي كانت وراء إصدار بلاغ وزارة الداخلية ووزارة العدل حول منع بطائق الشرفاء التي تحمل عبارات طلب التوقير والاحترام لحامليها والتي تتضمن رموزا وطنية. «نقيب الشرفاء الأدارسة» كما يدعي في البطاقة التي يوزعها على زواره، تخالف ما كتب في لوحة داخل زاويته»نقيب الشرفاء الأدارسة بجهة الغرب الشراردة ابن حسن»، والحال أنه ليس بنقيب لأنه عندما عدنا إلى لائحة النقباء التي تعود لسنة 2007 والموجودة على بعض المواقع الإلكترونية لم نعثر على أي أثر لاسمه. لا يحق لأحد أن يحمل لقب «نقيب» دون أن يكون معنيا بظهير ملكي، ولوضع حد لانتحال صفة نقيب يتعين نشر لائحة جديدة للنقباء بعد تحيينها، لأنه لحد الآن توجد لائحة 2007، حسب علمنا، لأننا لم نستطع أثناء إنجازنا هذا التحقيق الحصول على لائحة رسمية رغم الاتصالات التي أجريناها مع عدد من المهتمين. أهمية نشر اللائحة تكمن في أنها ستضع حدا لكل منتحلي صفة النقيب الذي له الحق وحده في منح شهادة «الانتساب لآل البيت» وفق منشور وزارة العدل رقم 963، فصفة النقيب لا تخول لصاحبها مخالفة القانون ولا الحصول على امتيازات، يقول أحد الشرفاء، لأن هناك نقباء لا يستفيدون من أي امتياز، في حين هناك آخرون لديهم بعض الامتيازات، شأنهم في ذلك شأن عدد من المواطنين. لم يكن تشابه بطائق «الشرفاء» مع بطائق بعض موظفي الدولة هو الذي وراء بلاغ الداخلية ووزارة العدل، فلو كان الأمر كذلك لتم تعميم الأمر على جميع الجمعيات والبطائق المخططة باللونين الأحمر والأخضر، بل الأمر يتعدى ذلك، وأن الهدف هو ما تضمنه البلاغ في شقه الثاني عندما تحدث عن أن الأوامر أعطيت للولاة والعمال والوكلاء العامين للملك ووكلاء الملك قصد «التصدي لمرتكبي هذه الأفعال، سواء منهم الذين يشرفون على تسليم هذه البطائق من أجل ابتزاز المواطنين، أو لحامليها الذين يحاولون استغلالها لقضاء أغراضهم الشخصية». هذه الظواهر لم تكن وليدة اللحظة بل تعود إلى عقود من الزمن، وهو ما يدل عليه منشور وزارة العدل رقم 963 والذي يتحدث عن أن «بعض الخواص يحاولون بشتى الوسائل إثبات انتمائهم للنسب الشريف مستظهرين تارة بشهادات لفيفية بواسطة العدول وتارة بواسطة وثائق تسلم لهم من أشخاص عديمي الصلاحية يترأسون هيئات أطلقوا عليها اسم رابطة الشرفاء، مع أن أمر إثبات النسب الشريف مخول لنقباء الأشراف بالمملكة من علويين وأدارسة وغيرهم بمقتضى ظهائر مولوية شريفة»، وفق ما جاء في المنشور. كانت وقتها تعليمات ملكية سنة 1984 من أجل وضع حد للسعي لاكتساب لقب «الشرفاء» فتم تحديثها ودراسة ملفاتهم من قبل وزارة الداخلية ونشرت أسماؤهم ومقر سكناهم وأرقام الظهائر المعنيين بها، كما يتضمن المنشور نموذج الشهادات التي يتعين ملؤها. تنويه ببلاغ الحكومة بعد صدور بلاغ الحكومة في هذه القضية والذي أكدت فيه «بعض الهيآت والأشخاص الذين يلجؤون إلى طبع وتوزيع بطائق تحت تسمية «بطاقة خاصة بالشرفاء» تحمل صورة للمنتسبين، مخططة باللونين الأحمر والأخضر، ومختومة ببعض الرموز المشابهة للبطائق المهنية المخصصة للموظفين العموميين»، سارع عدد من الجمعيات التابعة للشرفاء إلى إصدار بلاغات تعبر من خلالها عن الارتياح من القرار المتخذ من أجل وضع حد للذين يسترزقون بالنسب ويبدعون في شتى أنواع وأشكال النصب والاحتيال، والاعتماد على عبارات توحي بأن كل حامل لبطاقة النسب الشريف هو خارج القانون، فضلا عن كونها كانت بمثابة «البعبع» التي يواجه بها عدد من «الشرفاء» خصومهم، كما كانوا يضعونها على واجهات السيارات ليواجهوا بها رجال الأمن من أجل التخلص من أداء غرامة المخالفات المرورية، وكذا ادعاء القرب من القصر الملكي. سيدي وهبي جيدة، رئيس الرابطة الوطنية للشرفاء الأدارسة بالمغرب، فرع باريس، أكد ل»المساء» أن هناك فعلا من يستغل بطاقة الشرفاء من أجل القيام بممارسات لا قانونية، موضحا أنهم ينشطون في إطار جمعية مرخص لها بفرنسا وتقوم بأنشطة دينية مختلفة. بعد صدور بلاغ الحكومة المحذر من التزوير والتلاعب الذي تعرفه هذه البطائق، لم تعد تمنح الرابطة البطائق التي تتضمن خطوطا حمراء وخضراء، يقول جيدة ل»المساء»، بالرغم من أن بطائق الانخراط الخاصة بهم ليس بها ما يجيز خرق القانون فهي تحمل عبارة «شريف صحيح النسب يجب احترام وتقدير حامل هذه البطاقة في إطار القانون»، يقول جيدة الذي يوضح أن «هناك بطائق الانخراط تمنح للمنخرطين الشرفاء ومحبيهم ومنخرطين عاديين «، كما أن الأنشطة التي يقيمونها تمول بتبرعات المنخرطين، وأن قيمة الانخراط لا تتعدى 300 درهم سنويا. وبدورها قامت الرابطة الوطنية للشرفاء البقاليين التي كانت تمنح تلك البطائق بإصدار بلاغ تؤكد فيه أن بطاقة الانخراط في الرابطة أصبحت لاغية وباطلة، وإنه يتوجب على كل من سبق أن تسلمها أن يرجعها قصد إتلافها وتسليمه بطاقة أخرى وفق النموذج الجديد. صور الأسرة الملكية لا تقتصر مضامين بطاقة «الشرفاء» على الخط الأحمر والأخضر، بل إن هناك بطاقات تستعمل فيها الرموز الوطنية، فحسب منشور لوزير العدل الذي وجهه إلى الوكلاء العامين لدى محاكم الاستئناف ووكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية، فإن مصطفى الرميد وزير العدل والحريات أكد أنه أثار انتباهه «لجوء بعض الأشخاص إلى صنع بطاقات منسوبة لجهات غير رسمية تستعمل فيها الألوان والرموز الوطنية مثل صور جلالة الملك وبعض أعضاء الأسرة الملكية أو تحمل خطين مائلين باللونين الأحمر والأخضر، مما يحدث التباسا لدى الجمهور حول انتمائهم لمؤسسات وجهات رسمية، كما أن بعض هذه البطائق تتضمن أمرا باحترام وتوقير حاملها»، يقول الرميد الذي طلب من النيابة العامة «الأمر بإجراء أبحاث حول هذه البطائق ومتابعة حامليها وصانعيها والجهات التي تسلمها خلافا للقانون وحجزها وتقديم الملتمسات للمحاكم من أجل إيقاع العقوبات في حقهم مع التماس مصادرة أو إتلاف تلك البطائق». إذا كانت هناك بطائق للشرفاء تحمل خطوطا مشابهة لبطائق موظفين عموميين أو تحمل الرموز الوطنية فإن هناك بطائق أخرى للشرفاء لا تتشابه مع هذا النوع من البطائق ومنها تلك الخاصة برابطة الشرفاء الحسنيين والحسينيين لجهة مكناس تافيلالت، حيث أكد مولاي علي العابد رئيس الرابطة المذكورة أن بطائق انخراطهم تحمل رمز الكعبة، موضحا، في تصريح ل»المساء» أنهم ضد أي استغلال لهذا النوع من البطائق. وأكد العابد أنهم سبق أن نبهوا في عدة مراسلات إلى الاتجار والنصب والاحتيال باسم الشرفاء، موضحا أنه بعد صدور بلاغ الحكومة أصدروا بيانا عبروا فيه عن استعدادهم للتعبئة من أجل شرح مضامينه للمنتسبين للرابطة، كما أبرزوا أن الرابطة «تعمل منذ نشأتها على إصلاح ذات البين سواء بالنسبة الأشخاص أو الجماعات، وعلى إحياء الزوايا والمواسم الدينية والأعياد، وعلى تقوية التلاحم بين شرائح المجتمع في إطار قانوني لخدمة المصلحة السامية للوطن وترسيخ الديمقراطية والاستقرار تحت ظل العرش العلوي المجيد». أمام المحاكم تنوعت وتعددت أساليب النصب والاحتيال باسم «الشرفاء»، وهو ما أثار احتجاج عدد من الشرفاء الذين سارعوا للتنديد بهذه السلوكات والممارسات التي لا تمت للشرفاء بصلة، وهو ما كان محط بيانات ومراسلات استنكارية من لدن عدد من جمعيات الشرفاء التي بعثوا بها إلى الجهات المسؤولية من أجل المطالبة بإيقاف نزيف هذه الظواهر التي راح ضحيتها عدد من المواطنين، لدرجة أن ناشطة جمعوية وسياسية باعت بطاقة انخراط لإحدى السيدات بمبلغ 4000 درهم، وملفها حاليا بين يدي العدالة، ووفق مصدر مطلع على تفاصيل الملف، فإن هذه «الشريفة» في محاولة منها للتملص من التهم الموجهة لها، أصبحت تدعي أنها مختلة عقليا ولديها شواهد طبية تثبت ذلك. هناك ملفات أخرى معروضة على القضاء وأخرى في طور التحقيق، ومنها من بت فيها القضاء ومنها شبكة كانت تنشط في مدن الشمال، تم تفكيكها وحوكم أعضاؤها بابتدائية العرائش بالحبس، وذلك على خلفية شكاية تقدم بها حسن بنيونس، رئيس رابطة الشرفاء الأدارسة بإقليم العرائش، الذي أكد ذلك في رسالة وجهها إلى العديد من المنابر الإعلامية، حيث قال إنه منذ سنة 2006 وهو يطالب بشن الحرب ضد مزوري بطائق الشرفاء والمتاجرين فيها، الذين استغلوا الإقبال الكبير على شرائها لاستخدامها في قضاء أغراض شخصية، واستعمالها في النصب والاحتيال على المواطنين، وكذا ابتزاز بعض المسؤولين. محاربة مزوري البطائق والنصب باسم الشرفاء دفعت عددا من الشباب إلى إنشاء صفحة على الفايسبوك ضد «الشرفاء» تدعو إلى إلغاء هذا النوع من البطائق، حيث كتب أحدهم تدوينة قال فيها « إذا كانت بطاقة الشرفاء المغاربة تحمل عبارة « يجب احترام وتوقير هذه الشارة « فلا شك أن كل إنسان سواء كان شريفا أم لا يجب أن يحظى بالاحترام والتوقير، فكلنا أبناء آدم عليه السلام وإن كنا قد أهملنا حقوق الإنسان فلا يجب أن نتناسى كلام حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: « لا فرق بين عربي وعجمي ولا أبيض وأسود إلا بالتقوى» لذا وجب علينا رد الاعتبار لأنفسنا والمطالبة بإلغاء العمل بهذه البطاقة العنصرية التي تعتبر إهانة لكرامة كل مواطن مغربي» بطائق محجوزة سيدي محمد بوشمي، الرئيس العام لهيئة الشباب الأشراف والوطنيين، والذي يقطن ببوفكران ضواحي مكناس، ما زال موضوع متابعة بعدما جرى حجز أختامه وبطائق عضويته، وفق ما أكده ل»المساء» بعد أن سألناه عن خلفيات التحقيق معه من قبل الدرك الملكي، حيث سرد قصته قائلا» متابعتنا جاءت وفقا لوشاية مجهولة أرسلت للسيد وكيل جلالة الملك بمكناس مفادها أنني من تجار المخدرات بحماية الدرك الملكي لمدينة بوفكران، وهي وشاية أخذت بعين الاعتبار لتباشر عناصر القيادة العليا للدرك الملكي بالرباط بحثها العميق من خلال تفتيش مقر عملي وسكناي للمرة الأولى». عناصر الدرك الملكي بمكناس باشرت مرة ثانية تفتيش منزل بوشمي بشكل مباغت، «غير أنهم «لم يجدوا شيئا سوى أختامي الخاصة بهيئة الشباب الأشراف والوطنيين وبطاقات نسبي الشريف ومختلف بطاقات عضويتي برابطة الأشراف بالمملكة المغربية الشريفة»، يقول الرئيس العام لهيئة الشباب الأشراف والوطنيين، الذي أكد أنه تم التحقيق معه لساعات عدة وتم إطلاق سراحه وينتظر أن تقول العدالة كلمتها. المحجوزات كانت بطائق الشرفاء الخاصة به وأختامه الشخصية التي تهم رئاسته لهيئة الشباب الأشراف والوطنيين، يقول بوشمي، هذه الهيئة التي حصلت على وصل نهائي من وزارة الداخلية بقانون أساسي، ويتم الإخبار بأنشطتها على المستوى الوطني. إحصاء شامل للشرفاء بوشمي حاصل على تزكية وإجازة للبحث في الأنساب الشريفة من لدن نقيب الشرفاء الأدارسة الأمغاريين سيدي محمد لمغاري، والمعين بظهير ملكي، والتي تتوفر «المساء» على نسخة منها، قال إن قرار وزارة الداخلية ووزارة العدل «قرار حكيم جاء نتيجة بحث معمق حول الموضوع ، وقد سمعناه من دواليب الإدارة قبل أن يعلن عنه رسميا في وسائل الإعلام البصرية والسمعية بخصوص إعادة هيكلة حقل الشرفاء وما يقتضيه ذلك من معاقبة كل الدخلاء عن النسب الشريف من أشخاص وهيئات غير قانونية ورسمية اتخذت من ميدان الشرفاء مذهبا للنصب والاحتيال والابتزاز وقضاء مآرب شخصية وخرق للقانون بالتخفي وراء حجاب الشرفاء» ومع تزايد أعداد الشرفاء وتوسع فروعهم وتكوينهم لشريحة مافتئ دورها يتعزز في المجتمع المغربي، كان لزاما على الدولة المغربية أن تعيد تأطير هذا المجال وفق ما تقتضيه الأعراف المسنونة والقواعد المرسومة من تطهير النسب الشريف من كل المزورين والمدنسين له مفاخرة وادعاء في خرق القانون وابتزاز المواطنين، يقول بوشمي « فلم تأبى وزارة الداخلية إلا أن تضع حلا لهذه الخروقات الناجمة عن سوء استخدام بطاقات الأشراف بالمغرب سواء منها الحقيقية أو المزورة، وهي خطوة دأب عليها ملوك الدولة العلوية الشريفة عبر التاريخ على إعادة تأطير هذا المجال وإحصاء شامل للشرفاء بالمغرب وضبط وهيكلة حقلهم والحفاظ على رمزيتهم ومكانتهم الاجتماعية بمنطق لا يخالف المساواة بين الجميع في إطار دولة الحق والقانون.» إلغاء مؤسسة النقيب بلاغ الحكومة في الموضوع جعل أصواتا تنادي بالتخلص من هذه الصفات وإلغاء مؤسسة النقيب، وهو ما ذهب إليه عبد المالك زعزاع، محامي وحقوقي، حيث قال، في تصريح ل»المساء» إن التوجه العالمي لحقوق الإنسان يقتضي التخلص من هذه الصفات التي تميز الناس بعضها عن بعض رغم أن دستور 2011 جعل الناس سواسية، علما أن هناك من يستغل نسبه في النصب على المواطنين والعمل بطرق غير مشروعة». لقد كان لمؤسسة النقيب اعتبارات دينية وسياسية في ما مضى، لكن حاليا لم يعد لهذه الصفات ضرورة في إطار دولة الحق والقانون، يقول زعزاع، الذي دعا إلى إلغاء هذه البطائق التي تميز بين الناس بسبب النسب، في الوقت الذي ألغى فيه المشرع المهنة من بطاقة التعريف الوطنية توخيا لعدم التمييز بين المواطنين أمام جهات قضائية وإدارية. ومن أجل وضع حد لهذه الظاهرة التي يستغلها البعض من أجل النصب والاحتيال وكذا التمييز بين المواطنين والذي يعاقب عليه القانون، ينبغي أن يصدر قانون يعيد النظر في مؤسسة الشرفاء والنقباء، يقول زعزاع وارتباطا بالدعوة إلى إلغاء هذه الأنساب والأوصاف، فقد سبق للفريق الاشتراكي بمجلس النواب أن تقدم بمقترح قانون يقضي بعدم تقييد الأسماء في الحالة المدنية المقترنة باسم «للا» و»سيدي» وذلك في إطار تعديل يهم تسجيل الأسماء باللغة الأمازيغية، غير أن هذا المقترح تم رفضه من قبل فرق الأغلبية التي صوتت ضده وهو ما أثار حفيظة عبد الهادي خيرات، عضو الفريق الاشتراكي، خلال لقاء لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة بمجلس النواب نهاية شهر يناير الماضي، والذي اعتبر أن هذا سيعيد المغرب إلى عهد العبودية، رغم أن محمد حصاد وزير الداخلية، أكد أنه عمليا أعطيت أوامر لضباط الحالة المدنية بعدم تضمين وصف «للا وسيدي» ضمن الأسماء، كما أن حيز بطاقة التعريف الوطنية لم يعد يسمح بذلك. وإذا كانت ألقاب «للا وسيدي» لم يعد العمل بها، فإن تغيير الاسم العائلي ما زال مفتوحا أمام الشرفاء، إذ أن المادة 20 من القانون المتعلق بالحالة المدنية يمنح الحق لهم في تغيير أسمائهم العائلية، حيث ينص على أنه «إذا كان الاسم العائلي المختار اسما شريفا وجب إثباته بشهادة يسلمها نقيب الشرفاء المختص، أو شهادة عدلية لفيفية إذا لم يوجد للشرفاء المنتمي لهم طالب الاسم نقيب»، ويصبح هذا الاسم بعد أن يكتسي صبغة نهائية وفقا للشروط المحددة في نص تنظيمي، يصبح لازما لصاحبه ولأعقابه من بعده، ولا يمكنه تغييره بعد ذلك إذا أذن له بموجب مرسوم. النسب تراث وأعراف مطالب إلغاء هذه الصفات ليس بالأمر السهل أو الهين، سيما وأنه سيجد معارضة من لدن الشرفاء على اعتبار أن هذا تراث وتقليد يجب صيانته وحمايته ولا يمكن بأي حال القضاء عليه بمبرر أن هناك من يستغل هذه الصفات والألقاب، كما أن ملف الشرفاء بنيوي ومعقد لعلاقته بإمارة المؤمنين علاوة على الجانب السياسي والدبلوماسي، فهناك علاقة للشرفاء المغاربة بنظرائهم بعدد من الدول مثل السعودية والأردن وفلسطين وقطر وليبيا، علاوة على أن هناك شرفاء في الصحراء كانت لهم أدوار وطنية عبر التاريخ. محمد أمين علوي، أستاذ باحث ونائب رئيس الجمعية المغربية لعلم الأنساب بفرع مكناس، يؤكد أن الإسلام يحث على حفظ الأنساب ولا يمكن أن ينزع النسب عن أهله وهناك أمريكيون يجتهدون من أجل التقصي في أنسابهم والوصول إلى حقيقتها، لذلك فإنه آن الأوان لإحياء مؤسسة النقيب وتجديد تعيينات النقباء التي لا ينبغي أن تكون على أساس التقدم في السن أو ما شابه ذلك، بل استنادا إلى معايير مغايرة منها أنه لا بد أن يكون النقيب شخص لديه ثقافة وملم بتاريخ المغرب وعلم الأنساب». ويرى الأستاذ الباحث أن النقيب لا يمكن أن يمنح النسب وهو لا علم له بعلم الأنساب، موضحا أن بلاغ الداخلية ووزارة العدل جاء من أجل وضع حد للتسيب على آل البيت الذي لم يكن جديدا بل إن الذين يدعون انتماءهم للشرفاء كانوا على مر الزمان وكان الملوك يأمرون بالتحقيق في الأنساب. الحفاظ على مؤسسة النقيب والتحقيق في الانتماء للشرفاء لا يعني، حسب أمين علوي، أن «الشريف» فوق القانون الذي يساوي بين المغاربة، كما أنه لا ينبغي استغلال هذه الصفة لأغراض دنيوية، لأن «الشريف الحقيقي هو الذي يحترم القانون ولا يشهد شهادة الزور ولا يترامى على أملاك الناس ولا يأكل أموال الناس بالباطل ولا يتعاطى المحرمات والموبقات»، وفق قول نائب رئيس الجمعية المغربية لعلم الأنساب بفرع مكناس. 3أسئ لة ل: محمد السلواني * بطاقة « روابط الشرفاء» كباقي بطائق العضوية في الجمعيات – ما هو تعليقكم على قرار الوزارة بمنع بطائق الشرفاء ؟ 1- أولا رابطة شرفاء الأدارسة وأبناء عمومتهم جمعية وطنية ثقافية واجتماعية وعلمية مستقلة تأسست بطريقة قانونية وتتوفر على وصل نهائي في إطار ظهير الحريات العامة، وتتكون من مجموعة من الأشراف الأدارسة أحفاد المولى إدريس بن إدريس مؤسسة دولة الشرفاء بالمغرب، أهدافها العامة ربط أواصر التعارف والتضامن بين عموم الأدارسة والأشراف، والعمل على تكوين قاعدة علمية وثقافية لأسرة الأدارسة، كما أن الرابطة تمنح بطاقة العضوية في الرابطة كجمعية، ولا تمنح بطائق النسب الشريف، بطائق وشواهد النسب الشريف يمنحها السادة النقباء طبقا لظهائر تعينهم كما هو مقرر في منشور وزارة العدل عدد 963. أما بخصوص القرار، فهو لم يأتي بجديد، فكما هو معلوم أن جرائم النصب والاحتيال جرائم يعاقب مرتكبها كيفما كانت صفته، وبالتالي فإن من يشتغل في إطار القانون غير مخاطب بهذا القرار، فكل من النقيب المعين بظهير ملكي شريف يحدد اختصاصاته، والروابط التي تشتغل في إطار قانون الحريات العامة في صالحهم هذا القرار، حيث أن إعمال هذا القرار من شأنه محاصرة حالات النصب والاحتيال التي تستغل بطائق عضوية مزورة لأغراض غير قانونية تسيء للروابط والمؤسسات القانونية. 2- ما هي برأيكم الدوافع التي أدت إلى هذا القرار؟ ليس لنا أي علم بدوافع هذا القرار، لكن نعتقد أنه جاء للتذكير بمقتضيات قانونية كانت موجودة، وأشار إلى منع بعض البطائق التي تشابه البطائق المهنية لموظفي الدولة، سيما تلك المخطوطة بخطين أحمر وأخضر، رغم أن هنالك أسئلة تطرح حول بعض البطائق التي تصدرها بعض الجمعيات والمؤسسات غير الحكومية والمخطوطة بخطين أحمر وأخضر مثل الجمعيات الرياضية وجمعيات القنص وغيرها، هل هذه البطائق مخاطبة بهذا القرار أم لا، مع العلم أنه لا يوجد أي نص قانوني يمنع ذلك. 3-هناك من أنشأ صفحة منذ سنة 2011 تدعو إلى التصدي لعدد من الظواهر التي يتم فيها الاتجار بالبطائق، ألا تعتبرون أن قرار الحكومة القاضي بإلغاء هذه البطائق جاء متأخرا؟ لقد سبق لنا مند مدة وقبل 2011 أن نبهنا لذلك عدة مرات، وكنا من الذين حاربوا كل أشكال النصب والاحتيال باسم الشرفاء عن طريق البلاغات والتصريحات الصحفية كلما سنحت لنا الفرصة لذلك، ويمكن مراجعة تصريحاتنا السابقة في وسائل الإعلام بهذا الخصوص. كما أن الرابطة تتواصل مع جميع المؤسسات ذات الاهتمام المشترك من أجل التصدي لكل سلوك يضر بسمعة السادة الأشراف، كما أننا كنا ننصح أي متضرر من سلوك أي شخص يقوم بأساليب النصب والاحتيال باسم الشرفاء أن يلجأ إلى القضاء. أما بخصوص تأخر القرار، فإننا نعتقد أن الأمر غير مرتبط بقرارات ولكن يحتاج إلى تصحيح تمثلات شعبية ثقافية عميقة، تأسست على مغالطات مثل أن بطاقة العضوية في روابط الشرفاء تمنح لصاحبها امتيازات، وأن هذه البطائق وسيلة للريع، وصاحبها يجب أن يحترم ويقدر، لكن الحقيقة أن بطاقة الانخراط في روابط الشرفاء كباقي بطائق العضوية في الجمعيات، لا تمنح لصاحبها أي ريع أو امتيار، ولمحاربة هذه المغالطات يجب أن تكون لنا قناعة مفادها أن المواطن المغربي يجب أن يحترم ويقدر من طرف جميع المؤسسات والأشخاص دون الحاجة إلى توصية، يكفي أنه مواطن مغربي، هذه طريقة من بين أهم وسائل محاربة تلك التمثلات السلبية حول بطائق العضوية في الروابط. وفي الأخير، نقول إننا في الوقت الذي نتمنى فيه عزم الدولة محاربة النصب والاحتيال باسم الشرفاء، نتمنى أن لا يتم استغلال هذا القرار بشطط في حق جمعيات نزيهة وتشتغل في إطار القوانين الجاري بها العمل، كما نتمنى التنبيه إلى عدم استغلال هذا القرار للإساءة للشرفاء آل البيت من الأدارسة والعلويين وباقي شرفاء الزوايا الوطنية: شرفاء الزاوية الناصرية وشرفاء الزاوية التيجانية وشرفاء الزاوية البودشيشية شرفاء الزاوية الريسونية وغيرهم ممن أبلى البلاء الحسن لخدمة هذا الوطن كباقى المواطنين المغاربة، فالإساءة للشرفاء المغاربة هي تنكر للتاريخ وللوطن. * رئيس رابطة شرفاء الأدارسة وأبناء عمومتهم