مسار نصر الله نعيم وسط الهجرة خارج المغرب، وإيطاليا تحديدا، تصل عامها ال28.. باصما في ذلك على نجاحات مسترسلة، كانت كبراها مقترنة بتضمين اسمه لائحة المتوصلين لاكتشافات طبيّة غير مسبوقَة على المستوى العالميّ. ينحدر نعيم من أسرة مكّنته من العيش في بيئة سليمة نأت به عن كل الصعوبات التي تؤثر على مسار التمدرس الأساسيّ.. لكنّ المجهود الذي أبان عنه لاحقا، بما تطلبه من تحدّ وإصرار وعصاميَّة، جعله يحقّق حلمه في أن يغدو طبيبا جراحا مرموقا يجوب العالم لمناقشة مختصين بشأن سبل تمكّن البشريّة من عيشة صحيّة أفضل. برشيد والدّار البيضاء ولد نصر الله نعيم ببرشيد، لكنّه انتقل عقبها إلى مدينة الدارالبيضاء التي ترعرع بها.. فكان ولوجه للتمدرس بمؤسسة تابعة للبعثة الفرنسية حاملة لاسم "ألفُونس دُودِي" بالعاصمة الاقتصاديَّة، هذا قبل أن ينتقل إلى التعليم العمومي خلال الطور الإعدادي ثمّ قصده ثانوية محمّد الخامس التي نال بها شهادة باكلوريا علميّة. "السعي صوب الهجرة كان سائدا وسط أبناء جيلي" يقول نصر الله لهسبريس قبل أن يزيد: "إخوتي الذي يكبرونني سنّا، والحاصلون على الباكلوريا قبلي، اختاروا مسارات لهم بالدراسة في مؤسسات فرنسيّة، وقد زرتهم هناك كما زرت أصدقاء لي بإيطاليا، وأمام المقارنة بين الوضعين، في إبّانه، اخترت أن ألتحق بالعاصمة رُومَا بحثا عن مستقبلِي". دراسة الطب تنقل نصر الله نعيم صوب إيطاليا بغرض الالتحاق بكليتها للطبّ وسط رُومَا، وهو ما تحقق له بعد اجتياز امتحان ركّز على ضبط التواصل بالإيطاليّة وكذا معلومات من الثقافة العامّة.. بينما تخرّج منها طبيبا عامّا عند حلول سنة 1992 بكمّ من الطموحات جعلته يتقدّم بطلب ترشيح للتخصص في الجراحَة. تنافس نعيم على مقعد التخصص الوحيد المخصص ل20 متنافسا، فانتزعه بتفوّق ملفت للنظر، لينخرط في مسار تكوينيّ استمرّ خمس سنوات بالتمام والكمال، مع الشروع خلال ذات الفترة في الاشتغال بعدد من المرافق الطبية الخاصة والعامّة كمساعد لأطر صحيّة مختصّة ذات مستويات عليا. صعوبات متجاوزَة يعود ذات الجرّاح المغربي الإيطاليّ إلى ذاكرته، حين لقائه بهسبريس في رُومَا، ليستحضر صعوبات الشروع في مساره ضمن الهجرة التي اختارها عن طواعية بحثا عن مستقبل يحلم به.. ويقول في هذا الصدد: "لم أعاني صعوبات في التواصل مجتمعيا بالإيطاليَة، مستفيدا من توفري المسبق على أصدقاء من البلد حرصوا على مداومة التواصل معي بهذه اللغة منذ تعرفي عليهم قبل الهجرة، لكنّ الامر اختلف حين الشروع في تلقي الدروس بالإيطاليَّة واعتماد كلمات تقنيّة منها.. مساندة زملائي من الطلبة جعلتني أتخطَّى هذا العائق في ظرف وجيز". ويضيف نعيم: "أفلحت في تحقيق اندماج دراسي ومجتمعي بالاستفادة من صغر سني الذي مكّنني من التركيز والقيام بعدد من الأمور في ذات الوقت، مقبلا على الدراسة واكتشاف بيئتي الجديدة وكذا الاشتغال والانفتاح على حزمة تجارب منحتني الكثير من الخبرات التي كنت أفتقدها في حياتي". حرص نصر الله على المزاوجة بين الاشتغال واستمراره في دراسة الطب العام.. حيث تنقل خلال هذه الفترة ما بين العديد من المهن، أبرزها يقترن بالتنظيف وخدمات المطاعم، لأجل توفير موارد مالية تمكّنه من الاستمرار في التحصيل لأجل تحقيق حلمه الرئيس بأن يغدو طبيبا.. هذا قبل أن يلجأ للعمل في قطاع الصحّة حين انخراطه بتكوين التخصص في الجراحة. ويعتبر نعيم، الذي تزوّج من مغربيّة وغدا أبا لمولودين من ذكر وأنثَى، أن تركيبة الهجرة في إيطاليا ساعدته كي يتوفر على دعم محيطه حين الوفود على البلد.. مفصلا ضمن هذه الفكرة بقوله: "كان المهاجرون قليلي العدد بإيطاليا، ويتم النظر إليهم باستغراب وسط هذه البيئة التي لم تعتد تواجد أجانب، من المغرب خصوصا، وسط قاعات التكوينات الأكاديميّة، حيث يتم مواكبة ذلك من لدن الإيطاليّين بإعطاء كل طرق المساعدة التي يحتاجها القادمون نحو مجتمعهم، وهذا ما ساعدني للغاية". كشف علميّ بحلول العام 1997 تخرّج نصر الله نعيم طبيبا جراحا من كلية رُومَا، وقد اقترح عليه من كان يساعدهم مهنيا أن يشتغل بشراكة معهم ضمن مؤسسة صحيّة خاصّة لم يغادرها منذ أن التحق بها قبل 18 عاما من الحين.. فيما مدّد التزاماته المهنيّة صوب عدد من المرافق الطبية الأخرى المتنوعة بين القطاعين الخاص وشبه العموميّ. يعمل ذات المغربي الإيطاليّ بتخصصات طبيّة مختلفة، أبرزها المشاكل الصحيّة التي تقترن بالأضرار الناجمة عن الغدّة الدرقيّة.. وبهذا الانشغال المهنيّ حقق اكتشافا علميا سجل له وجعل أسهمه ترتفع وسط البورصة الدولية للجراحين، فاتحة امامه أبواب العالميّة. رصد نعيم أن التدخلات الطبيّة التي تهمّ أمراض الغدّة الدرقية، حين تضرر عقدة واحدة أو عدّة عقد منها، تستند على لجوء كبير إلى الجراحة من أجل استئصلات، بينما تثبت النتائج النهائية للفحوصات أن نسبة تعادل ال80% لم تكن تستلزم دخول المصابين لقاعات العمليات الجراحيَة بالمرّة. ويقول نصر الله لهسبريس: "طريقة التشخيص الأولي، وهي التي تعتمد على أخذ خلايا لأجل الفحص المخبري، كانت هي مكمن الخلل جراء إيصالها لنتائج غير مفيدة.. ولذلك بحثت في الميدان إلى أن توصلت إلى طريقة، هي اختراع خاص بي، مكّنت من حل الإشكال". تقنية الTCB عرّف نعيم مختصّي العالم بها، حيث تستند على استعمال إبرة خاصّة دقيقة لاخذ نسيج كامل من تركيب الغدّة الدرقية المتأذّية، ونتائج فحصها تتيح نتائج يتم على ضوئها الحسم في وجوب إجراء جراحات من عدمها.. وقد فتح هذا الاكتشاف أمام نصر الله نشر مقالاته العلميّة بعدد من المنابر الدولية المختصّة، كما جعلت دعوات الحضور للمؤتمرات الطبية الجراحيّة تتهاطل عليه.. بينما يبقَى عدد قليل من الأطر الدوليّة هو الضابط لطريقة التعاطي مع الTCB التي تقترن بنصر الله نعيم واجتهاداته. فرح وطموح يقول ذات المغربي الإيطالي إن ما حققه ضمن مساره لا يمكن ان يكون إلاّ مصدر فرح بالغ بالنسبة إليه، خاصّة وأنّه ليس من السهل أن يبصم متأصل من المغرب، عاش الهجرة ويحمل اسم نصر الله، على هذا الموقع المهني المنغمس في تخصص معقّد.. مرجعا ذلك أيضا إلى كونه حقق قبولا عالميا لمجهوده الفكريّ وسط عوالم غربيَّة لا تقبل كثيرا على مساهمات منحدرين من منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط. ويضيف نصر الله نعيم أنه يسعد بمواظبته على المشاركة ضمن كبريات المؤتمرات الطبية العلميّة، خاصة الاحترام البالغ الذي يلقاه وسطها.. كما استرسل: "ما احس به يستحضر أبنائي أيضا، ذلك أني راغب في أن يفخروا بأبيهم وهم يواكبون نجاحاتهم، وأتمنّى أن ينعكس ذلك على شخصياتهم بالخير الوافر". ويطمح ذات الإطار الطبي المتأصل من المغرب والمستقر بروما في أن يستمر بذات النفس ضمن مساره الطبي والعلمي، مع تحقيق تألقات إضافيّة، "أودّ في أن أفيد الناس لأقصى درجة من اكتشافي الذي يعدّ هامّا بفعل إبعاد المرضَى عن الألم والخيارات العلاجية الخاطئة التي لا تواكب حالتهم، وذلك أينما كانوا عبر ربوع العالم، كما أرغب في أن يستمر استثمار اكتشافي لما فيه الخير لعموم الإنسانيّة". المغرب والنصح يعتبر نصر الله نعيم أن المغرب يبقى كل شيء بالنسبة له، تماما كما باقي أفراد أسرته الذين يقترنون بالبلد رغما عن كون زياراتهم له لا تتم إلاّ مرّة واحدة سنويا عند قدوم كل موسم صيف.. ويضيف نعيم: "أروم، بمعية زوجتي، أن أستمر في زرع حب الوطن الأم في نفسي ابننا وبنتنا، وقد أفلحنا في أن نجعل به منزلا يمكنهما من الاستقرار به خلال الوفود عليه، وذلك من أجل التعرف المعمق به وضبط استعمالات العربية إلى جوار باقي اللغات التي يتقنانها". وزيد ذات الإطار المغربي ضمن تواصله مع هسبريس: "قد يكون من الأسهل لنا أن نجول العالم عوضا عن قصد المغرب، وذلك بالنظر إلى الكلفة الكبيرة التي تطلبها تنقلنا المستمر صوب أراضيه، لكنّنا نسمع دوما صوت البلد الأصل ينادينا، وذلك ما يدفعنا نتوجّه صوبه كل صيف، بعيدا عن أي حسابات مادّيّة، فبذلك أجعل أبناي المولودين في إيطاليا يتشبثون بوطنهم الأول أكثر فأكثر". أمّا بخصوص المغاربة الشباب الحالمين بالهجرة لخلق مسارات تروم ملامسة النجاح المرغوب فيه، يعتبر نصر الله نعيم أن إمكانية التوفر على التكوينات الأكاديميّة المتاحة بالمغرب قد يغني عن هذا المسعَى.. ويزيد: "ينبغي التفكير في الأمر جيّدا، مع إمكانية الانخراط ضمن تجارب لاحقة لأجل الرفع من المستويات بناء على تحركات مؤقتة صوب الخارج.. أحبّذ أن يتعرف الشباب المغاربة على ثقافات الغير، تماما كما أرى أن عددا من الدراسات والتكوينات العليا، خاصة على مستوى الطب والهندسة، قد أضحت متوفرة بكفاءة عالية وسط الوطن".