هو نموذج لتطوّر تمّ ما بين فضاءات مدينتي المحمّديّة والدّار البيضاء، بالمغرب، وحاضرة بريتشيَا ومحيطها، بإيطاليا.. إذ هو سعيد مجيدلي الذي ينحدر من أسرة بسيطَة لازم عيشها "مدينَة الورُود" قبل أن تكبر طموحاته باقتران مع عالمَي التصوير الصحفيّ وإعداد البرامج التلفزيَّة. في ربيعه ال41، يمزج سعيد بين إدراك طرق اشتغال الأنظمة المعلوماتيّة بالقنوات التلفزيّة وكذا استعمالات كاميرات الفيديو والتوضيب الرقميّ، زيادَة على مواجهة المتلقين للمنتوجات التلفزيَّة بباحات مخصّصة لتجاذب الأفكار والبحث عن بدائل.. جاعلا من اسمه مرادفا لمغربيّ حلم، وما يزال كذلك، بأن يطور قدراته في مجال التواصل التلفزيوني.. فكان له جزء غير يسير مما أراده. مع "دُوزِيم" ينحدر سعيد مجيدلي من مدينة المحمّديّة التي رأى بها النور سنة 1974، وبمدارسها تلقَّى تكوينه ضمن الأطوار الأساسيّة، وصولا إلى نيل باكلوريا علميَّة.. وقد قصد على الفور فضاء التكوين المهني من أجل نيل دبلوم تقني يهم معلوميات التدبير، ثم حضي بفرصة شغل وسط إحدى الشركات الخدماتيّة بمجال التسيير. خاض مجيدلي، عقب ذلك، عملا وسط القناة الثانية المغربيّة "دُوزِيم"، وسط فريق النظام المعلوماتيّ، فاستمرّ ضمنه لسنتين اثنتين قبل أن يقرّر تركه، رادّا ذلك لإطار اشتغاله الذي كان مستندا إلى عقدة تقديم خدمات، بعيدا عن الانتماء لشركَة "صُوريَاد" والترسيم بالمؤسسة التلفزيّة المستقرّة مركزيا بالدار البيضاء. إلى إيطاليَا استثمر سعيد ضمن إرادته في تطوير وضعه الاجتماعي والمهني من أجل البحث عن آفاق أرحب له وسط أوروبا، فما كان له إلاّ أن قرر قصد إيطاليا بفعل درايته المسبقة بلغة البلد وثقافته استنادا لمطالعته عددا من الكتب المتحدّثة عن ذات الدولة بالإيطاليّة.. فشرع بمراسلة قنوات تلفزيَة عدّة لأجل نيل فرصة عمل. لاقَت إحدى طلبات مجيدلي القبول من لدن إدارة قناة تلفزيَة جهويَة يتواجد مقرها بمدِينَة برِيتشيَا، شمال إيطاليا، فما كان له إلاّ أن شدّ الرحال صوبها عام 2007، وبعد شهرين اثنين من حلوله بها شرع في الاشتغال بذات التخصص الذي كان يقترن به أداؤه حين مكوثه بقناة "عين السبع" في الدّار البيضاء. بداية سلسة يقول سعيد، ضمن لقاء جمعه بهسبريس في مستقرّه بديار المهجر، إنّ تمكّنه من التواصل باللغة الإيطاليَّة، الذي كان هواية قبل أن يغدو جزء من حياته الشخصية والمهنيَة، قد سهّل عليه الانتقال ما بين البيئة المغربيّة وبديلتها بدولة الاستقبال التي قصدها.. وعلّق على ذلك وهو يزيد: "كأنّ القدر قد أراد تيسير الأمور أمامي، فأعدّني بإتقان هذا اللسان منذ أيام الشباب الأولى". من جهة أخرى يقرّ مجيدلي أن وطء الغربة كان أثقل ما رزح تحته خلال الأسابيع الاولى من استقراره ببرِيتشيَا قادما إليها من المحمّديّة، وذلك بفعل افتقاد الجوّ الأسريّ وأواصر العلاقات الأسريّة، زيادة على الوصال مع ثلّة الأحباب والأصدقاء.. وأردف: "بتوالي الأيّام تخطّيت ذلك بتحقيق اندماج مجتمعيّ كامل، وقد تقبّلت نتائج قراري لكوني قد اقتنعت به قبل تفعيله". كما يعتبر سعيد أن شروعه في الاشتغال بعد فترة استئناس لم تدم غير شهرين اثنين، وبدأه في تلقي مرتبه كاملا منذ التحاقه الفعليّ بعمله الجديد، قد مكّنه من حصانة ضدّ المتاعب المالية التي تذكي حدّة تجارب الهجرة.. ويزيد: "لم أعش أي معاناة في إيطاليا، وهذا أمر شجّعني على التركيز في عملي". تشجيعات مهنيّة أفلح ذات المغربيّ من التحرّك بعيدا عن مجال الأنظمة المعلوماتية للقناة التي شغّلته بشمال إيطاليا، مستفيدا في ذلك من تشجيعات الإدارة التي آمنت بقدرته على تحقيق مبتغياته في العمل الميداني المقترن بالصوت والصورة.. فغدا سعيد مصورا بالكاميرا قبل أن ينفتح على التوضيب السمعي البصريّ. "لاقيت تشجيعا كبيرا من مدير القناة التلفزية التي أشتغل بها، فتمكّنت من تكوين ضمن التصوير وآخر بالمُونتَاج.. وشرعت بأولى التغطيات على أرض الواقع من وسط أنشطة تهمّ الجاليَة المغربيَة، خاصة تواصلها مع مسؤولين رسميّين وآخرين حزبيّين يفدون عليها من المغرب، زيادة على المواعيد التي تلمّها بتحركات مفعّلة من لدن القنصليات والسفارة المغربيّة بإيطاليَا" يورد مجيدلي. ويسترسل ذات المغربي ضمن حديثه لهسبريس بالقول: "عملي وسط شؤون الجالية المغربية المستقرّة ببرِيتشيَا والنواحي مكنني من توفيق سنده الأساس وجدانيّ.. ذلك أنّي آمنت بكون المواد المنجزة من لدني لفائدة القناة تمكّن الإيطاليّين من التعرف على المغرب والمغاربة بشكل جيّد، كما أن ذات العمل يمنح المهاجرين من أبناء وطني مساحة إعلاميَّة تبرز مجهوداتهم وأفكارهم وانشغالاتهم وحلولا يقترحونها لمشاكلهم". مجيدلي، وهو المتزوّج والأب لطفلتين، امتدّ تجاوب التلفزيون الجهوي المشغل له مع طموحاته إلى الموافقة على تخصيص مساحة لمجهوده ضمن برمجة البث لأجل إعداد وتقديم منتوج تلفزي ناطق بالعربيّة وينفتح على الثقافة المغربية والمغاربيَّة بالنقاش وعرض قضايا الفكر والثقافة.. ويورد سعيد بشأن ذلك: "هو عمل يروم التطبيع مع الاختلاف بمنح المنحدرين من تجارب الهجرة، كيفما كانت صورها، مساحات للتعبير والاعتناء بقضاياهم". عصارة تجربة يرَى سعيد مجيدلي أن ارتباط الشباب المغاربة الحالمين بالهجرة بخوض تجارب غير مدروسَة يعدّ مغامرة غير محسوبة العواقب.. ويقول ضمن توصية لهذه الفئة إن وقع الأزمة الاقتصادية قد غيّر واقع الهجرة صوب أوروبا عموما ونحو إيطاليا بوجه التحديد. ويضيف سعيد، مناشدا المصرّين من الشبان والشابات المغاربة على الاغتراب لتحقيق أحلامهم وتصوراتهم الخاصة، أن الاستعداد لهذه المرحلة الحياتيَة الهامَّة ينبغي أن يتواجد بزمن غير يسير عن توقيت الأجرأة.. وزاد: "ينبغي ضبط لغة البلد المضيف قبل كل شيء، ذلك أن تيسير التواصل يمكّن من فتح الآفاق أمام الوافدين على المجتمعات الجديدة، وبذلك يندمجون بالبيئة المستقبلة بسلاسة ويحضون بفرص دراسة وعمل تغني عن الانخراط في المغامرات".