إن انتخاب أعضاء مجالس الجهات، بالاقتراع العام المباشر، لأول مرة بالمغرب، سيجعل منه اقتراعا إضافيا إلى جانب انتخاب أعضاء مجالس الجماعات. وفي هذا الصدد، ينبغي الإشارة إلى أنه في كلتا العمليتين، سيصوت الناخبون والناخبات بعلامتين: اللائحة العامة، واللائحة المخصصة للنساء، مما سيضعهم أمام عدة خيارات. لذلك، فإنه من الضروري فتح نقاش عمومي قصد عقلنة عملية التصويت وتبسيطها، وفي نفس الوقت جعلها فعالة وقادرة على إفراز نتائج متجانسة. وسأعالج هنا تباعا كيف يُمكن أن تمر عملية التصويت في حالة اعتماد اقتراعين منفصلين عن بعضهما البعض (المحور الأول)، ثم حالة اعتماد اقتراع واحد (المحور الثاني)، مع تحليل النتائج المترتبة عن كل أسلوب. اقتراعان منفصلان تتمثل الطريقة الطبيعية والعادية في إجراء انتخاب أعضاء مجالس الجهات، في تاريخ منفصل عن تاريخ انتخاب أعضاء مجالس الجماعات. وهكذا، يتوجه الناخبون والناخبات مرتين إلى صناديق الاقتراع وفي تاريخين منفصلين. ففي الاقتراع الخاص بالجهات يتم التصويت على صعيد الدوائر الانتخابية، والتي هي العمالات والأقاليم وعمالات المقاطعات، بعلامتين: علامة بخصوص اللائحة العامة، وعلامة بخصوص اللائحة المخصصة للنساء والتي تمثل ثلث الأعضاء الذين سيتم انتخابهم في كل دائرة. وفي الاقتراع الخاص بالجماعات، يتم التصويت بعلامتين: علامة تخص اللائحة العامة، وعلامة تخص اللائحة المخصصة للنساء في إطار الدوائر الانتخابية الإضافية. إن هذه الطريقة، سهلة وواضحة، إلا أنه مع ذلك، تترتب عنها بعض الإشكالات التي ينبغي الوقوف عندها. أولا: هل سيتم تسبيق انتخاب مجالس الجهات أو مجالس الجماعات؟ فرغم أن هذا السؤال قد يبدو عاديا، فإنه يُمكن أن تترتب عن نتائج ذات عمق سياسي. فمعرفة نتائج الاقتراع الأول، ستكون بمثابة مؤشر على نتائج الاقتراع الموالي، وهو ما سيؤدي إلى إما إلى تكريسها في حالة تشبث الأغلبية بتصويتها، وإما إلى تغييرها بتغير التصويت في الاقتراع الموالي، فالهيئة الناخبة حرة في اختياراتها. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن هذه الطريقة لا تخدم عملية توسيع النُخب السياسية المحلية لأنها ستكون فقط وسيلة يستعملها "الفاشلون" في الاقتراع الأول لمعاودة الترشيح مرة ثانية. ثانيا: هل سيكون هذا الأسلوب عاملا في صالح المشاركة المكثفة أم سيدفع الهيئة الناخبة إلى عدم الاكتراث بالاقتراع الذي سيكون في المرتبة الثانية؟ إن الإجابة غير مؤكدة، لكن تنامي ظاهرة العزوف يبين أن العزوف سيكون أكبر إذا توالت الانتخابات، كما أن هذا الأمر رهين بمدى قدرة اللوائح المتنافسة في كل اقتراع، ومن وراءها الأحزاب السياسية، على تعبئة الهيئة الناخبة واقناعها بالمشاركة في انتخابين متتاليين. ثالثا: ما مدى تأثير هذا الأسلوب على المسلسل الانتخابي؟ من هذه الزاوية، يُمكن القول على أن اقتراعين منفصلين يضران بشكل مباشر بالمسلسل الانتخابي، خاصة أن الرهان الأكبر هو أن يكون للمغرب مجلس مستشارين جديد قبل افتتاح السنة التشريعية في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر. رابعا: هل يستطيع المغرب تحمل التكاليف المالية و"الأمنية" لاقتراعين منفصلين، لكل منهما ترتيباته الخاصة وحملته الانتخابية الخاصة؟ طبعا، الأمر فيه بعض الصعوبات، لكن المواقف السابقة من نظام الدورتين باعتباره مكلفا ومرهقا، مؤشر على أن هذا الأسلوب غير ملاءم. اقتراعان في نفس اليوم يتمثل هذا الأسلوب، وهو المرجح، في إجراء انتخاب أعضاء مجالس الجهات وأعضاء مجالس الجماعات في نفس اليوم. وهو أسلوب يتفادى كل سلبيات الأسلوب السابق، بل إنه سيكون وسيلة لتوسيع النخب السياسية المحلية من خلال منع الترشح في لائحة الجهات ولائحة الجماعات. أما من ناحية تقنية التصويت، فإننا سنكون أمام احتمالين: الاحتمال الأول: اقتراع بورقتين منفصلتين في هذه الحالة، يُقدم للناخب ورقتين منفصلتين، بحيث أن التصويت يتم في الورقة المخصصة للجهات من خلال علامتين (اللائحة العامة، واللائحة المخصصة للنساء)، ثم التصويت مرة ثانية في الورقة المخصصة للجماعات من خلال علامتين أيضا (اللائحة العامة، واللائحة الخاصة بالدوائر الإضافية للنساء). وطبعا سيتم جمع أوراق التصويت في صندوقين منفصلين قصد تسهيل عمليات الفرز وإحصاء الأصوات وإعلان النتائج. إلا أن هذا الأسلوب، رغم أهميته، لا يتماشى مع واقع الهيئة الناخبة من زاوية انتشار الأمية التي تجعل من الصعب على الناخب أو الناخبة العادييْن تمييز أوراق التصويت، وبالتالي التصويت على اللائحة المناسبة في المجلس المناسب. وأعتقد أنه في حالة اعتماد هذه الأسلوب، فإنه ينبغي العمل على إزالة التمييز بين الرجال والنساء، من خلال اعتماد التصويت بعلامة واحدة يتم احتسابها للائحة العامة وللائحة المخصصة للنساء. فمن خلال هذه الطريقة سيتم تكريس الانسجام المطلوب في كل عملية تصويت. فما معنى أن يتم التصويت على اللائحة العامة لتوجه سياسي معين، وعلى اللائحة المخصصة للنساء من توجه سياسي آخر. حقيقة، أن هذا خاضع للسلطة التقديرية للناخب أو الناخبة، لكن إذا أردنا فعلا أن نكرس مبدأ التصويت السياسي فيجب إلغاء هذا التمييز. وفي هذه الحالة فإن التصويت سيتم بعلامة واحدة لمجالس الجهات، ويتم احتسابها صوتيْن: واحد للائحة العامة، والآخر للائحة المخصصة للنساء. ونفس الشيء بالنسبة لمجالس الجماعات. الاحتمال الثاني: اقتراع بورقة واحدة أعتقد أن هذا هو الحل الأمثل، ذلك أن الهيئة الناخبة ستختار بتصويت واحد، وبعلامة واحدة، لائحةً معينة، وستفوز هذه اللائحة مباشرة بأربعة أصوات: اللائحة العامة لجهة، اللائحة الخاصة بالنساء في الجهة، اللائحة العامة للجماعة، واللائحة الخاصة بالدوائر الإضافية للنساء. وهكذا، سيتم تكريس مبدأ التصويت السياسي على البرامج والأحزاب أكثر من التصويت على الأشخاص. إن هذا الأسلوب يُعتبر بمثابة تحد جديد للأحزاب السياسية المغربي، وسيُمكن المغرب من مشهد سياسي منسجم، وسيُفرز مجالس متجانسة فيما بينها. فمن غير المعقول أن يكون حزب معين ضمن الأغلبية على مستوى الجهة وضمن المعارضة على مستوى الجماعة أو العكس، فالتجارب السابقة بينت أنه في هذه الحالات سيغلب التصارع السياسي على مصلحة السكان. إن أسلوب التصويت الواحد، سيؤدي إلى إفراز أغلبيات واضحة، ويبقى فقط أن تتحمل الأحزاب السياسية مسؤوليتها لأنه أيضا سيُقصي أحزاب عديدة من التسيير على مستوى الجهة والجماعة. *أستاذ باحث بكلية الحقوق بوجدة