شكّل كامل ملامح شخصيّته بالمغرب.. وبالوطن راكم مدارك التعلّم إضافة لقسط وافر من مساره الحياتيّ.. كل ذلك قبل شدّ الرحال صوب الديار الإيطاليّة، وتحديدا نحو مدينة طُورِينُو المتموقعة بالحيز الشمال من البلد.. إنّه عبد المجيد الفرجي الذي تنخرط في تجربة هجرة بلغت عامها السادس في مطاردة عشق فنّ السينمَا. نشأة.. تاريخ وفنّ يعدّ عبد المجيد الفرجي واحدا من مواليد ال 23 يونيو 1979 بمدينة الرباط، بنما شرع في تلقي أولى دروسه بمؤسسة المغرب العربي قبل الانتقال صوب مؤسستين أخريَين هما إعدادية ابن بطوطة وثانوية ابن خلدون، وصولا إلى جامعة محمّد الخامس التي تخرّج منها مجازا في شعبة التاريخ. وما يزال الشاب البالغ ربيعه ال36 يحتفظ بجل الذكريات التي تقترن بمرحلة الطفولة التي قاسَى فيها من تأثير الهجرة وهي تنقل والده البنّاء صوب ليبيا، حيث يقرّ عبد المجيد أن لجوءه إلى التعابير الفنيّة المختلفة، بتشجيع من المحيطين به، قد جعله يفرغ قسطا كبيرا من انفعالاته بطرق أثرت على نفسيته لجعلها سليمة. فلاَش بَاك يتذكّر الفرجي عامه الدراسي الأول، وهو ابن ال6 سنوات، بإقدام الأستاذ "السِّي علي" على تجنب معاقبة التلاميذ عن سوء التصرّف الذي يصدر عنهم من حين لأخر، وكيف أن ذات الإطار التربوي يعوض ذلك بمطالبة المتمدرسين بمساهمة فنيّة لأجل التصالح.. "منذ تلك اللحظات واللعب أضحى يهمني توفره وسط الحصص الدراسية، وهو ما أثر فيّ خلال باقي السنوات اللاحقة بالرغم من كون اهتماماتي الفنية لاقاها بعض أساتذتي بإبداء الانزعاج" يقول عبد المجيد الفرجي لهسبريس. ويتذكر عبد المجيد أيضا عددا من المحطات الواسمة لتشكيل شخصيته ضمن مراحل العمر الموالية للطفولة، ومنها اكتشاف أستاذته لجمالية صوته في تجويد الآيات القرأنية حين دراسته بالسنة الرابعة من التعليم الابتدائي، وإقدامه على الرسم بطريقة نهمة عقب تشجيعه على ذلك من لدن أستاذ له بالفصل الخامس، حتّى أنه فاز بمسابقة رسم نظّمت على مستوى القسم وشارك ضمنها ب15 لوحة أنتجها خلال أسام العطلة الربيعيّة.. ويقول في هذا الصدد: "إنها أبرز محددات انطلاقتي لاشتغال على الصورة، وإن كانت وقتها ثابتة فهي الآن متحركة". طفولة الفرجي وسمت بعدد من المحطات الإضافية التي وطّدت علاقته بالفنّ، من بينها إنتاج قصّة مصوّرة بشاركة صديق له.. لكن أبرزها تبقى مقترنة بولوج فضاء دار الشباب لمدينة تمارة، بتأطير من نشطاء حموه من الانحراف، ليتعرف على أشكال التنشيط التي تفعّل بين جدرانها.. ويقول عبد المجيد ضمن تعداد ذات المحطّات الواسمة لمساره صوب ما صار عليه: "بإعدادية ابن بطوطة، ضمن فضاء الفصل بين تمارةوالرباط، شرعت بدراسة التربية التشكيلية لأعرف بعضا من تقنيات الرسم، وأخذت أيضا في كتابة الشعر، حتّى أني كنت أنسخ ما كتبت على شرائط أرسلها بريديا نحو والدي المستقر بالمهجر". ويواصل ذات المتحدّث: "في ثانوية ابن خلدون أشرفت على مجلة حائطية بعد أن أنشأتها وسط رعاية واهتمام إدارة المؤسسة، حيث خصصت لها فضاء نشر ومكتبا للاشتغال.. وهي مبادرة جاءت استمرارا لتجربة تعاون مع مجلة العندليب وكذا إذاعات الصغار.. فقد كنت أهتمّ دوما بما له علاقة الإعلام، حتّى أني افترقت عن تلاميذ فصلي ذات خرجة دراسية وبقيت ملازما لفريق تلفزي لأرى كيفية اشتغاله على روبورتاج، وحين عُرض برزت ضمنه، وقد صرت مشهورا في محيطي بالرغم من معاقبتي على أيدي أستاذي عن تصرفي غير المسؤول.. وفي ثانوية ابن رشد أسست إذاعة مدرسية بمعية أصدقاء، وقد كان لها صدى طيب إلى درجة انتقال التجربة صوب ثانويات أخرى". عوالم الصحافة انخرط عبد المجيد الفرجي مبكرا في عدد من تجارب إعلام القرب، خاصة على مستوى المؤسسات التعليمية ودار الشباب التي اعتاد الوفود عليها والمشاركة ضمن أنشطتها، حيث كان ذلك بتركيز بدئي على مواد الرياضة قبل أن ينتقل تدريجيا نحو الفن والثقافة ثمّ السياسة. وقد شرع عبد المجيد في الإطلالة على قرائه بمواضيع تنشر له، في إطار التعاون، على عدد من صفحات الجرائد الوطنية المتخصصة في الرياضة، وبعدها تطور الأمر انطلاقا من دخوله مرحلة الدراسة الجامعيّة، فأضحَى يكتب بعدد من المنابر الصحفيّة أبرزها الميثاق والعَلم والسياسة الجديدة والنشرة والاختيار الجديد والصحيفة.. حيث كان أول ما نشر له عبارة عن كَاريكَاتِير قبل أن ينتقل إلى التحرير بتركيز على المواضيع الاجتماعيّة. "بعد الانتهاء من الدراسة الجامعية في شعبة التاريخ، كانت رسالتها عبارة عن تطرق للصحافة الحزبية ببحث في تاريخ اليهود المغاربة من خلال جريدة العلم، شرعت ضمن تجربة مع ذات الجريدة بمعية الاستاذ محمد العربي المساري، وذلك وسط لجنة الإعلام لحزب الاستقلال حيث كنت أتكلف بالمقلات الافتتاحية، وأذكر مرّة أني تطرقت للهجرة من خلال وثائق وجهها إليّ وطلب مني إعداد مادّة انطلاقا منها" يورد عبد المجيد لهسبريس، ويزيد: "اشتغالي على الهجرة استمر بمواد أخرى، كما أني انتقلت صوب لجنة الجالية من نفس الجريدة، وذلك كمقرر لها، وبذلك كان احتكاكي بالمهاجرين وقضاياهم عبر استقبلات لهم وإنجاز دراسات ورصد أخبار، خاصة ما يتعلق بمغاربة إسبانيا". وقت الهجرة يقر عبد المجيد أن فكرة الرحيل صوب الخارج لم تكن تعنّ على باله جراء ألم الهجرة الناجم عن تجربة أبيه الذي عاد إلى أرض الوطن.. ولذلك حصر الفرجي كل أحلامه بالتراب الوطني.. حتّى جاءت سنة 2003 التي عرفت احتضان المغرب للمؤتمر الدولي للشباب بفضاء المركب الدولي للطفولة والشباب ببوزنيقة، حينها كان ذات الشاب وسط المنظّمين للتظاهرة، فأخذ يتساءل عن سبب عدم تحركه لرؤية العالم في الوقت الذي يحرص عدد كبير من ساكنة المعمور على قصد بلده للتعرف عليها وأناسها. استغرق عبد المجيد وقتا في التفكير قبل أن يحسم في الأمر بالإيجاب حين تواجده وسط دورة تكوين صحفي احتضنتها سوريا، فما كان منه إلاّ أن أعدّ ما يلزمه من ترتيبات قبل أن يقدّم طلبا للحصول على تأشيرة دراسة من سفارة إيطاليا، لكنّه نال رفضا يصرّح بخصوصه وهو يورد: "لقد أثر في هذا التعاطي بسوء كبير حتى أنّي شعرت بخدش لكرامتي، فما كان منّي إلا أن وجهت المال الذي كنت قد حضرته للانتقال صوب الخارج في إنشاء جريدة جهوية، حملت اسم العاصمة، واستمرت لعامين في إصدارها، حتى أن أخر أعدادها قد كان عام 2006 بملف خاص عن الهجرة". بحلول العام 2009 أخذت فكرة حزم الرحال تعاود الورود على بال عبد المجيد، لكنّه استغرق وقتا أطول في التفكير ما بين الإقدام عليها أو قبول عرض عمل من بين تلك التي قدّمت له من مؤسسات صحفيّة مغربيّة.. فجاء القرار إيجابيا قبل 3 أيّام من التنفيذ.. ويقول بخصوص ذلك: "أقدمت على الهجرة من أجل تطوير ذاتي ومراكمة خبرات أوجّهها صوب بلدي وأناسه من أجل خدمتهم وفقا لقناعاتي. صوتا وصورة التحق الفرجي بمدينة طورينُو الإيطاليّة وأفلح في ولوج شعبة علوم الاتصال من أجل التخصص بدراسة المجال السمعي البصري عموما والسينما بوجه خاص، وقد استمرّ ذلك ل4 سنوات قبل أن يتخرّج عبد المجيد مجازا طامحا في استكمال المشوار بتعمق ضمن التكوين الأكاديمي العالي بذات التخصص المنغمس في الفنّ السابع. ووازت دراسة الفرجي للفن السينمائي اشتغالات عدّة، من بينها برنامج إذاعي يبث أثيريا على مستوى طورينُو والنواحي باللغة العربيّة، حيث اختار له اسم "بزّاف" من أجل إثارة الجدل بخصوص عدد من المواضيع المختلفة، كما بصم على أول شريط سينمائي قصير له بعنوان "صدَى" وهو يتطرق لثورات منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط وصداها لدى دول الغرب. عبد المجيد تواجد كفاعل مفصلي بعدد من الأشرطة الوثائقية الموقعة جماعيا، وذلك ضمن إطار اشتغال ال"بِيكُولُو تشِينِمَا طُورينُو"، أو "الشاشة السينمائيّة الصغيرة بطورينُو"، وهي بتوجيه من الأخوين جيَانْلُوكَا ومَاسِيمِيليَانُو دِي سِيريُو المتوّجين عام 2011 بالجائزة الكبرى لمهرجان مراكش للفيلم الدولي.. كما أن الفرجي ينخرط ضمن أوراش للكتابة الخاصّة تنتج نصوصا لم يعمد إلى نشرها بعد، وهو يقول إنّ صدورها سيكون قريبا ضمن كتاب مكتمل. "أعمل على منتوج فيلمي وثائقي مطول يحمل توقيعي الفردي، رغم أن طريقة اشتغالي تهتم أساسا بالتواجد مع الآخرين بحثا عن أكبر قوة للأفكار، حيث سيكون بعنوان أنا وأخي وبتوجيه آخر من الأخوين دِي سِيريُو.. بينما إنتاج هذا المشروع الوثائقي سيكون بتمويل يوفر بطريقة جديدة وهو يلجأ إلى حملة تبرعات تلمّها حملة دوليّة". بالأهداف.. ينطلق عبد المجيد الفرجي من تجربته الذاتيّة وهو يؤكّد بأنه يؤيّد كل الساعين إلى تحقيق ذواتهم وسط أي بيئة تواجدوا ضمنها، سواء كانوا متأصلين بها أو وافدين عليها في إطار مشاريع هجرة أقدموا على أجرأتها لسبب أو لآخر. ويقول ذات الشاب المغربي في هذا السياق: "أي إنسان له الحق في السفر والهجرة، تماما كما له أن يعمل على تحقيق أهدافه وأحلامه"، ويضيف ضمن لقائه بهسبريس وسط طُورِينُو: "من لا يملك هدفا سيضيع.. لذلك ينبغي تحديد هذه الأهداف وأيضا العمل على تجديدها وسط مسار الهجرة،.. كما أن الالتزام بالصدق والأمانة والصبر سيجعل حاملهم يصل إلى مبتغاه، وستعمل العدالة الإنسانية على إنصافه".