حقوق الملكية الفكرية، تجارة عالمية بامتياز: حيث لولا أن لتجارة الحقوق الفكرية الاقتصادية دورا هاما وأساسيا في التنمية الفكرية وتنشيط الحركة التجارية والاقتصادية، لما تمت العناية بها، ولما كانت معركة الملكية الفكرية الأدبية والعلمية والفنية حامية الوطيس، داخل المنظمات العالمية المختصة، بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا. وهي المعركة التي يقودها ديبلوماسيون ووزراء من الولاياتالمتحدةالأمريكية، خبراء في شتى فروع الملكية الفكرية، بدعم من "المقاولات العابرة للقارات" (المنظرين والمشرعين الحقيقيين ل"عولمة التجارة" و"الاستثناء الثقافي/الانساني"): « Dans l'ombre, les lobbyistes des entreprises transnationales (ETN), présents depuis longtemps auprès des négociateurs officiels, se frottent les mains : avec l'OMC ils disposent enfin de l'instrument idéal pour parfaire la mondialisation et imposer de nouvelles règles - les leurs - à toutes les activités humaines, désormais définies comme objets de "commerce”» (Susan George - Le Monde Diplomatique - Nov. 1999 )بينما غاب عنها عدد من الدول الأوروبية التي ليس لها سفراء لدى المنظمة العالمية للتجارة... « Plusieurs pays européens n'ont toujours pas d'ambassadeur auprès de l'OMC, et ils se plaignent d'avoir souvent fait des concessions sans rien obtenir en retour...» (Susan George - Le Monde Diplomatique - Nov. 1999 ) أما الوزراء والسفراء والوفود العربية المصحوبة بأشباه الخبراء..فلا حضور ولا اهتمام لهم الا ببحيرة "لاك ليمان"...ولا المام ولا علاقة لهم ب"حق المؤلف المعاصر"، مثلهم في ذلك مثل سائر البشر... « Et les pays du Sud dans tout cela ? Certains ambassadeurs et “experts” préfèrent rester à l'ombre … au bord du lac Léman …La plupart des pays ont une mission diplomatique à Genève - avec parfois à sa tête un ambassadeur spécial… Quelquefois des experts sont envoyés directement par les administrations nationales pour exposer les vues de leur gouvernement sur certaines questions…» (Le Matin du Sahara du 17-3-1994) مما أفرز بعض المصطلحات الجديدة، منها ظاهرة "العولمة"/الشبح، و"النظام العالمي الجديد"/المصطلح و"الأنسنة"/الرمز و"الاستثناء الثقافي"/اللغز... والتي ما زالت تستعصي على الفهم... وما زالت التصريحات والكتابات تتناول شرح وتحليل "اتفاقية الجات" أو "العولمة" و"آثارها على الثقافة". وما أكثر الأسئلة التي تدور كلها حول "الاستثناء الثقافي" و"الغزو الثقافي" و"الخصوصية الثقافية" أو "الهوية الوطنية"، وتستأثر باهتمام كبار المسؤولين والمثقفين والأساتذة الجامعيين والباحثين في هذا المجال. والتي نراها لا تزال معلقة. مما يدل على أن الإجابات لم تكن شافية. ولا تزال المشكلة هي المشكلة، والمعركة هي المعركة، والمواجهة هي المواجهة والحرب هي الحرب (مستمرة الى حد الآن) بين الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، بزعامة فرنسا. وهي الحرب التي انتهت معركتها الأولى في دجنبر من عام 1993 بهزيمة استراتيجية للاتحاد برءاسة فرنسا (مصدر حقوق الانسان والحقوق الثقافية) وقعت محاولة إخفائها من خلال مهلة قدمت على أنها "انتصار"، وتتمثل في اعتماد فرنسا مبدأ "الاستثناء الثقافي" تعبيرا عن رفضه القبول بالمطالب الأمريكية العديدة. الدول العربية الاسلامية: هزيمة تاريخية استراتيجية...لا ملكية فكرية؛ ولا حقوق ثقافية ونحن من جانبنا، وبحكم اختصاصنا واهتمامنا البالغ بتتبع ورصد ما ينشر في الإعلام الدولي عامة، والفرنسي والأمريكي بصفة خاصة، وفي مجال اختصاصنا على وجه التخصيص، وتوخيا للحقيقة التي تمليها الأمانة العلمية والخبرة الموضوعية، نبادر إلى القول إن "التفاوض التجاري" أو المباحثات التجارية، في إطار المنظمة العالمية للتجارة، لم تكن لها أية علاقة بأي ثقافة من الثقافات...وهو ما صرح به جاك فالنتي المسؤول عن جمعية السينما الأمريكية التي تجسد الدفاع عن مصالح هوليوود. وقد جاء فيه قوله : "الواقع أن عرض بروكسيل الأخير مثير للشفقة ومهين ومشحون بالألفاظ التي لا تعني شيئا.. إن هذا التفاوض لم تكن له أية علاقة بالثقافة... والحقيقة المحزنة أن أوروبا أدارت ظهرها للمستقبل"، مضيفا "ان أي اتفاق حول الملكية الفكرية في إطار المنظمة العالمية للتجارة إلا ويجب حصره في الحقوق الاقتصادية، وأي إدخال لحقوق أخرى (ثقافيىة انسانية/أخلاقية) في المنظمة العالمية للتجارة إلا وستكون له عواقب وخيمة على مبادلاتنا التجارية": « Tout accord sur la propriété intellectuelle dans le cadre du GATT doit être limité à des droits économiques…», écrivait Jack Valenti dans le Daily Variety en 1991. وهو ما يعني باختصار شديد أن الدول العربية الاسلامية صادقت (وما زالت تصادق) ضمن عدة اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف، على أشباح ومصطلحات ورموز وألغاز تحيل جميعها على الجوانب السلبية والمسيئة ل"الثقافة" (الدينية، التاريخية، الحضارية، الانسانية والأخلاقية). وهو ما تعهدت به الحكومات العربية الاسلامية، والتزمت بتطبيق أحكامه وفرض احترامه... - فهل تمت قراءة الاتفاقيات العالمية والمعاهدات الدولية بعيون خبيرة اسلامية ؟ "الاستثناء الثقافي": استثناء "الثقافة الاسلامية" من التجارة العالمية:[2] فلا غرو اذن أن تجيئ التشريعات الوطنية العربية الاسلامية شاملة لحماية كل المصنفات (الأخلاقية واللاأخلاقية)، بما فيها فنون الرسم والكتابات والأفلام المسيئة للرسل والأنبياء والأديان والكتب السماوية...وليس أمام هذه البلدان (طبقا للقانون) الا حماية حرية التعبير "التجاري الفكري" الأدبي والفني: "كيفما كانت قيمته أو الغرض منه أو طريقة أو كيفية التعبير عنه".. وهذه "الحماية لا ترتبط بنوع التعبير ولا بشكله ولا بنوعية المصنف وهدفه". (القوانين العربية)وليس لوزير الاتصال (قانونيا) أي حق في "المنع"... ولا اجتهاد مع نص قانوني صريح وواضح "يخول للمؤلف الحق المطلق في القيام بالمنع أو الترخيص أو التصرف في مصنفه واستعماله والانتفاع به والاذن في استعماله أو الانتفاع به كلا أو بعضا". (القوانين العربية)وزير الاتصال المغربي: انقلاب على القانون، وحرب معلنة على دول العالم التجاريفهل وعى وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، بأن لا يمكن له اليوم (قانونيا) منع دخول الجرائد أو النشرات الدورية أو غير الدورية (المشمولة بالحماية القانونية) الى المغرب..؟ مما قد يسيئ الى صورة المملكة المغربية ويعرضها لعقوبات دولية قاسية. حيث لا يخفى ان القانون المتعلق بحقوق المؤلف واضح وضوح الشمس، ينص على "ان مؤلف المصنف (مالك الجريدة و/أو الرسام هو الذي ) يمتلك الحق في: أن يعترض على كل تحريف أو بتر أو أي تغيير لمصنفه أو كل مس به من شأنه أن يلحق ضررا بشرفه أو بسمعته". (القانون المغربي)كما لا يخفى أن القانون المغربي (كباقي القوانين الوطنية) ينص على: "ان مقتضيات أي معاهدة دولية متعلقة بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة والتي تكون المملكة المغربية قد صادقت عليها، تعتبر قابلة للتطبيق على الحالات المنصوص عليها في هذا القانون. وفي حالة وجود تعارض بين مقتضيات هذا القانون ومقتضيات معاهدة دولية صادقت عليها المملكة المغربية، تطبق مقتضيات المعاهدة الدولية". - فهل تمت قراءة القانون المغربي بعيون خبيرة وطنية ؟ - فماذا اذن لو أن "أصحاب الحقوق" قرروا اللجوء الى المنظمات العالمية والأممية المختصة، والمحاكم الدولية الخاصة، للمطالبة بحقوقهم المخولة لهم أصلا وشرعا، وتعويضهم عن الخسارة التي تكون قد لحقت بتجاراتهم ومنتوجاتهم واستثماراتهم..؟ - وماذا لو أن الدول المعنية بقرار المنع المغربي قررت من جانبها قطع علاقاتها التجارية مع المغرب، أو على أقل تقدير، منع دخول المنتوجات والسلع، ذات العلامة التجارية المغربية، الى بلدانها ؟ ألا يعد قرار الحكومة ومقرر وزير الاتصال المغربي بمثابة انقلاب على "المرجعية الاقتصادية" و"الأخلاقية" كذلك، واعلان حرب تجارية مكشوفة على بلدان العالم الفكري التجاري ؟ - ألا يشكل ذلك تهديدا "للنظام الاقتصادي العالمي الجديد"...وتكبيلا للتجارة العالمية التي لا تستفيد منها شيئا البلدان العربية الاسلامية ؟ [email protected] الهوامش: [1]- مقتطفات من موسوعتنا الشاملة (لا رغبة لنا في نشرها أو الافصاح عنها الآن... ) [2]- ضمن أعمالنا الأول والثالث و الرابع