في هذا المقال، يقوم الكاتب كريس إليوت، المكلّف بالتواصل مع قراء جريدة ''الغارديان'' البريطانية، بالتفصيل في قضية استخدام الجريدة للصور التي استُعملت من قبل أسبوعية ''شارلي إيبدو'' الساخرة والتي نتجت عنها العملية الإرهابية الأخيرة بباريس. كما يتطرق كريس إليوت في جزء مهم من المقال، إلى جو الاختلاف الذي ساد داخل طاقم ''الغارديان'' بخصوص هذه القضية، متحدثا في نفس الصدد عن دواعي النشر في بعض الحالات، وأسباب الامتناع عنه في حالات أخرى، مثلما حدث عند التداول بشأن الرسوم التي أنجزها فريق ''شارلي إيبدو'' الناجي من الاعتداء. وهذا هو نص المقال مترجماً: ''لم ننشر أبداً الصور المسيئة للنبي محمد التي نشرتها المجلة قبل حدوث جريمة القتل في مكاتبها، لكننا أظهرنا الغلاف الذي نشرته بعد ذلك في عددها التي تجاوزت مبيعاته ثلاثة مليون نسخة. أعتقد أننا فعلنا الأمر الصحيح''، بهذه العبارة الواثقة، والتي تعلن بصراحة عن موقف ''الغارديان''، استهل كريس مقاله. وقد شرح الكاتب أطوار حدوث ذلك بقوله: ''اتخذنا قرارين اثنين يتعلقان بتغطية ''الغارديان'' لعمليات القتل التي جرت أولاهما في مكتب مجلة ''شارلي إيبدو'' والثانية في السوبر ماركت اليهودي في باريس. القرار الأول مضمونه يُلزمنا بعدم إعادة نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد، وهي التي نشرت في الأسبوعية وتسببت في مقتل صحفييها، والقرار الثاني يقضي بإظهار غلاف الأسبوعية الذي تم نشره بعد ذلك، حيث ظهرت صورة للنبي محمد مرة أخرى''. القراران قسما القراء حسب كريس لفئتين، فئة معارضة عبّر عنها أحد المعلقين قائلاً: "كان قرار النشر خاطئا تماما، إذ لن يفعل شيئا سوى أن المزيد من الإهانة والضيق وزيادة التوتر في الوضع المتفجر، بالفعل عار عليكم. " من جهة أخرى، يؤكد كريس أنه قد وجد من بين القراء من وافق على هذا القرار، لكنه قال إنه يجب عليهم نشر الصورة لأكثر من مرة، وهذا هو تعليقه: "لقد طبعتم غلاف مجلة ''شارلي إيبدو'' بحجم طابع بريدي وأرفقتموه بتعليق، لكن في مواد أخرى، تصفون الغطاء دون أن تظهروه، يا للعار، هذا من وجهة نظري تشجيع منكم لقاتلي زملائكم ". آراء فريق الغارديان أيضا مقسمة حسب معطيات كريس التي اعتمدها في كتابته للمقال، فقد أضاف: ''من بين 24 شخصا ممّن استجابوا لسؤالي حول الموضوع عبر البريد الإلكتروني، أظهر فرز الأصوات أن معظمهم يعتقد أننا قد فعلنا الصواب، ويأتي ذلك بعد نقاش حاد وقوي بين المحرّرين ومختلف العاملين في الجريدة''. ففي نقاش دار بين طاقم ''الغارديان'' في اجتماع هيئة التحرير الصباحي، الذي استمر ساعة وحضره نحو 100 من العاملين، أكد الكاتب أنهم قد خرجوا ''بقرار عدم نشر أي من الرسوم السابقة ل ''شارلي إيبدو'' التي تسخر من النبي محمد (ص)، وتم إيضاح ذلك في افتتاحية نُشرت في التاسع من يناير، رغم ما أسماه الكاتب ب"الاستفزاز الذي مورس على الجريدة من طرف وسائل الإعلام الاجتماعية". عند العلم بأعمال القتل، اعتقد كريس ب ''أنه كان على صحيفة ''الغارديان'' أن تأخذ الوقت للتوقف والتأمل، فكان قرار الامتناع عن إعادة النشر يتفق مع قرار الصحيفة قبل عقد من الزمن تقريبا، حيث امتنعت عن إعادة نشر الرسوم الدانمركية المثيرة للجدل وفقا لمبادئ الصحيفة'' يقول الكاتب. ولفت كريس انتباه القراء إلى كون ''الغارديان'' قد نشرت في خضم كل هذا ''مقالات سعت للفصل بين أفعال الإرهابيين مرتكبي الجريمة وبين المسلمين المتضررين من نشر صور النبي محمد''. غير أن قرار نشر الصورة التي ظهرت في عدد "شارلي إيبدو" ما بعد جريمة القتل، كان "قراراً مختلفاً، لأن نشر هذه الرسوم سيكون عنصرا أساسيا في رواية القصة''، حسب الكاتب. وقد ذكر كريس، أن مدير النشر قال: "شعرنا أنه يمكن احتواء الصورة ضمن هامش الصفحة، لذلك قمنا بنشر تغريدة، ليس من أجل لفت الانتباه إلى الصورة، بل من أجل تبيان كون أن هناك فرق بين عرض شيء في سياق معين، وبين فعل ذلك بدون مناسبة''. وأورد كريس رأي أحد الزملاء الذين لم يؤيدوا قرار ''الجارديان'' بعدم نشر الرسوم السابقة، عندما قال:" يجب أن نوضح أنه هناك درجة من الحساسية الثقافية والدينية التي تعتبر نشر صور للنبي من قبل معظم المسلمين إهانة، لكنهم لا يقبلون أنه سبب كاف لعدم استخدام الصور، لأن ''الغارديان في نهاية المطاف، جريدة علمانية لا تأخذ مسافة من رجال الدين". ومع ذلك، فالتعامل مع غلاف العدد الأخير من جريدة ''شارلي إيبدو'' كان مختلفا، إذ قال الكاتب إن "طاقمها عاد بتحد في وجه القتلة هذه المرة، وكان الرسم الكاريكاتوري عودة تصالحية، فقد صوروا النبي يسيل الدموع من عينه، ليكون الرسم بذلك أقل الرسومات هجومية''. المحررون ب ''الغارديان'' لا ينوون استخدام هذه الرسوم مستقبلاً، إذ "لن يكون هناك مبرر لذلك بعد الآن، أي لنشر صور للنبي محمد في صحيفة ''الغارديان''، التي تبرعت ب 100 دولار للمساعدة في تأمين مستقبل 'شارلي إيبدو' ". وقد ختم كريس مقاله بقوله: ''أنا أدرك أن الكثير من المسلمين، بعضهم من الأصدقاء والزملاء، سيكون قد استاء من استخدام الجارديان لتلك الصورة، وأنا آسف لذلك. لكن ومع ذلك، أعتقد أن الحجة التعويضية هي أنه في هذه المناسبة، صورة الغلاف كانت لها قيمة خبرية هامة ومشروعة''.