أعتذر بداية لاستعمال صفتَي :"مغربي" و"جزائري" اللتان تحيلان على تمييز لم يعد له مكان في وقت يفترض فيه أن لا مستقبل أمام الكيانات الصغيرة بعدما تبخر حلم الوحدة العربية وحلم الوحدة المغاربية. وواقع التشرذم العربي -ونحن جزء منه في المنطقة المغاربية- يبرر هذا الاستعمال بل ويحفز ربما على الإصرار عليه. لقد كتب الزميل توفيق رباحي الصحفي الجزائري المعروف المقيم في لندن، والذي يصنف على أنه من المعارضين لنظام بلاده، مقالا تحت عنوان :"حرب العيون التلفزيونية: لماذا فشل الإعلام المغربي " وهو مقال ظاهره التعليق على تعاطي الإعلام العمومي المغربي مع أحداث العيون، وباطنه تجديد التذكير بأن الشيء الوحيد الذي يجمع عليه الجزائريون بكل مللهم ونحلهم هو العداء للمغرب.. آسف لهذه الصراحة الجارحة ولكنها الحقيقة.. لو أن الزميل المحترم اكتفى بالحديث عن تخلف التلفزيون المغربي، لبصمنا بأيدينا وأرجلنا على ما قاله..لأنه في هذا المجال "كلنا في الهم شرق"..فالإعلام العمومي لا وجود له في الدول العربية إذا تعاطينا معه بمفهوم المرفق العام الذي يقدم خدمة عمومية موضوعية ومتجردة، بل كل ما هنالك "إعلام حكومي" مهمته التطبيل والتزمير والتزوير وتشكيك المشاهد حتى في نفسه ومحيطه وواقعه.. غير أن بعض الجمل الاعتراضية التي تم إقحامها إقحاما -غير بريء على ما يبدو في المقال المشار إليه- تؤكد ملاحظة تستحق الوقوف عندها بشكل يتعدى ما كتبه الزميل رباحي إلى ما هو أعم، أي إلى التعاطي الجزائري بشكل عام مع الجار الغربي.. خاصة عندما ختم مقال بجملة .." سقى الله أيام الحسن الثاني..".. فالتلفزة المغربية منطقيا، وككل التلفزيونات العربية، موجهة للداخل، ولا يمكن أن تكون أداة للاختراق على مستوى أوسع، إقليمياً فأحرى دوليا، وهذه حقيقة بديهية لا تستحق التوقف عندها... فالأهم هنا الحديث عما اعتبره الزميل رباحي مجرد عنوان ل"الإخفاقات الاستخباراتية والدبلوماسية المغربية، الكثيرة والمتكررة في السنوات الأخيرة في موضوع الصحراء"..وهو افتراض يدفع إلى طرح سؤال من قبيل :إذا كان المغرب قد أخفق .. فمن المستفيد من هذه الإخفاقات؟ بكل أسف، الجواب الوحيد الممكن لهذا السؤال هو :إسبانياوالجزائر.. إسبانيا؟..معقول..بسبب سبتة ومليلية..والمنافسة الفلاحية والموقف من الوضع المتقدم لدى الاتحاد الأوروبي.. إضافة إلى إرث التاريخ المثقل بالدم.. وغير ذلك من الأسباب التي ليس هذا مجال تفصيلها.. والجزائر؟..هنا ألف سؤال.. أن يرسم وزير الخارجية الجزائري للطاقم الديبلوماسي العامل في مختلف بقاع العالم خريطة طريق تجعل قضية "الصحراء" أولى الأولويات بعيدا جداً قبل قضية فلسطين..وقبل الاستثمار واستقطاب رؤوس الأموال..وقبل استيراد التكنولوجيا والبحث عن أسواق جديدة، وتوقيع اتفاقيات شراكة وتبادل حر في عز الأزمة الاقتصادية.. هذا سؤال... أن ينخرط الإعلام الجزائري بكل مشاربه في حملة تضليلية شعواء لا يمكن تفسيرها بأي حال ..فيتحدث الجميع عن مئات القتلى والجرحى وآلاف المعتقلين..على خلفية أحداث العيون..(تذكروا توابيت شهداء الجزائر في ستاد القاهرة)..بل إن بعض الصحف "المستقلة" التي افتخر الزميل رباحي بأن واحدة منها تبيع أكثر مما تبيعه اليوميات المغربية بعربيها وفرنسيها مجتمعة..استعملت مصطلحات من قبيل "التطهير العرقي" و"الإبادة الجماعية"..وهي "انفرادات"، ترسم مئات من علامات الاستفهام...الإعلام الإسباني اعتذر على مضض..بينما الإعلام الجزائري مازال مصراً على قتلاه وجرحاه ومختطفيه..بل إن التلفزة العمومية هناك تضع هذه الافتراءات مباشرة بعد الأنشطة الرئاسية من باب الأهمية طبعاً، وقبل كل قضايا الأمة التي ندبت الجزائر نفسها للدفاع عنها.. هذا سؤال.. على ذكر الصحف "المستقلة" التي تبيع الحقيقة وتشتري التضليل..حبذا لو تفضل الزميل رباحي بإطلاعنا على الوصفة السحرية التي تجعل هذه الصحف تضبط توازناتها المالية وهي التي تبيع النسخة الواحدة -أكثر من 24 صفحة- بعشرة دنانير (درهم ونصف) ..وفي سوق إشهارية فقيرة بما أن جريدتي الخبر والشروق اليومي خاليتان تماما من الإعلانات.. فمن يدفع الفرق؟..وكيف تحافظ هذه الصحف على "استقلاليتها" واستمراريتها..؟ وهل هناك صناديق سوداء خلف الشعارات البراقة؟.. أم هو نجاح متأخر لنظرية "يابان إفريقيا"؟.. هذا سؤال.. بررت بعض وسائل الإعلام الإسبانية تمريرها للصور المزيفة بعدم توفرها على مبعوثين بعين المكان..وهو عذر أقبح من الزلة نفسها..وهو ما تساوق معه الزميل رباحي الذي توقع أن يرى صورا حية من عين المكان، ومراسلين من قنوات دولية وهم يغطون "الحرب الأهلية"..حتى يطمئن قلبه على "الشعب الصحراوي".. باستثناء الجزائروإسبانيا -ولحاجة في نفس يعقوب طبعاً- لا أحد في العالم اهتم أو يمكن أن يهتم بمطالبة جزء من ساكنة مدينة مغربية ببطائق الإنعاش الوطني أو ببقع أرضية صالحة للبناء.. ما يعرفه الجميع، أن مدينة العيون تتوفر على كافة المنافذ التيكنولوجية المتطورة من الهواتف المحمولة المجهزة بأحدث الكاميرات، وعلى شبكة أنترنيت ذات صبيب عالي.. وقد استعرض "المفسدون في الأرض" الكثير مما حققوه من دمار وخراب في شوارع العيون التي "استرجعوها" يوما أو بعض يوم على شبكة الويب..ولكن كاميراتهم لم تنقل - لسوء حظ الملفقين والأفاقين- صورة لجريح أو قتيل من "مئات الجرحى والقتلى" الذين مازالوا حاضرين لحد الآن ضمن النشرات الإخبارية للتلفزيون الجزائري.. هذا سؤال.. شخصيا كتبت قبل أسابيع أن المغرب يخوض حروب الألفية الثالثة بأسلحة الحرب العالمية الأولى في المجال الإعلامي، وكلنا هنا نعلم أن التلفزة أصبحت عبئا على كثير من قضايانا المصيرية..لكن -ومن باب المهنية والموضوعية- لماذا سكت الجميع عن الكلام المباح ولم نسمع تعليقاً على مشهد التبول على جثث رجال القوة العمومية..بل لماذا ابتلع الزميل رباحي وغيره ألسنتهم أمام مشهد الذبح على الطريقة "الزرقاوية"؟.. السبب ربما هو أن الصور لم تكن ممهورة بتوقيع قناة الجزيرة أو قاعدة المغرب أو المشرق..وكأن صور الأجهزة الأمنية التي لم يشكك في مصداقيتها لا خبراء مجلس الأمن ولا نواب البرلمان الأوروبي لم تستحق من جيراننا مجرد إلقاء نظرة.. هذا سؤال.. لا يمكن لأي صحافي أن يبرر منع زميل له من العمل بكل حرية في أي زمان أو مكان أو ظروف.. لكن حين يصبح الصحفي طرفا في النزاع، ويكون كل همه هو تشويه الحقائق، فلابد أن يعامل على أساس أنه في الخندق المقابل..وقد بينت فضيحة الصور الملفقة إلى أين يمكن أن يصل الأمر ببعض "الزملاء" حين يصابون بفيروس التحامل الأعمى والمجاني..ومن يصدق أن الترسانة الإعلامية الإسبانية يمكن أن يتم تضليلها بهذه البساطة؟ ومن يصدق أن وسائل إعلامية في بلد ديموقراطي أوروبي يمكن أن تضع نفسها رهينة في يد مجموعة من الأفاقين؟ وماذا ترك الإعلام الإسباني للإعلام الجزائري في هذا الباب؟.. هذا سؤال.. في كثير من الأحيان أتساءل كيف أن جيراننا في الجزائر يمكنهم أن يختلفوا على أي شيء وكل شيء ماعدا الموقف المعادي للمغرب؟ الجواب يكمن ربما في كون كثير من الذين عبروا عن موقف مغاير كان مصيرهم السجن (عباسي مدني)، أو المنفى (حسين آيت أحمد) أو حتى التصفية الجسدية (محمد بوضياف..). وربما يكمن في"نكتة" تقول إنه تمت دعوة شخصين اثنين من كل العرقيات، وأنه بعد إجراء القرعة بينهما، مُنح الأول منهما حق تقديم طلب، لكن على أساس أن مواطنه سيحصل على ضعف ما طلبه هو.. فاختار المشاركون من كل العرقيات المال والجاه السلطة وكل نعم الدنيا...ماعدا أخونا العربي..فقد اختار أن تفقأ له عين لكي تفقأ عينا شريكه في المسابقة.. سؤال أخير..هل هناك جزائري واحد يعرف الرقم التقريبي لما أنفقته الجزائر على مدى 35 سنة ل"تحرير الصحراء من الاحتلال المغربي"..؟ إذا صح أنه يناهز 200 مليار دولار، لا حاجة للتساؤل عن علاقة ذلك بانعدام الحليب مثلا في الأسواق المحلية الجزائرية منذ أسابيع؟ ..وسقى الله -فعلا وحقا- أيام الحسن الثاني.. [email protected]