ارتبط الحديث عن التوبة في كل الديانات السماوية بارتكاب المعاصي والآثام والذنوب، وإن اختلفت أساليب التكفير عنها بين الفقهاء والمراجع الدينية لتلك الديانات، لكن كيف نفسر توظيف هذا المصطلح ذو الحمولة الدينية في الحياة السياسية المصرية خصوصا أنه اقترن غالبا بالخطايا في تقييم السلوك السياسي للأفراد والجماعات بدل استخدام مصطلحات ذات طبيعة قانونية أو إدارية أو سياسية كالمساءلة والمحاسبة والمراقبة والتقييم والتحقيق أو المتابعة القضائية و المحاكمة أو حتى مصطلحات علمية تنتمي لحقل علم الاجتماع السياسي( منهج المسح الاجتماعي،دراسة السلوك السياسي...)، فهل يعني هذا أن الخلفية والتنشئة الدينية للمجتمع المصري متداخلة ومتجذرة إلى درجة لا يمكن فصلها عن الحياة السياسية، لذلك كيف يمكن تصور فصل الديني عن السياسي على مستوى الخطاب إذا كانت الوسائل التي يتم استدعائها والاستئناس بها من أجل تقييم السلوك السياسي للأفراد والجماعات تنتمي للحقل الديني حتى من طرف من ينادون بأطروحة فصل الديني عن السياسي، ومن تم كيف يمكن أن نجد مظاهر الاختلاف بين مواطنين أرادوا أن يترجموا ردة فعلهم على استبداد وظلم النظام الحاكم باستخدام شعارات سياسية دينية فيعترض على سلوكهم و بين إعلامي أو كاتب ذو توجه علماني يتحدث عن خطايا جماعة الإخوان المسلمين وبعض قياداتها بل يوظف على امتداد مقالاته حزمة من المفاهيم والسياقات الدينية إلى درجة التعسف في استحضار النص الديني، والأصل أن الأفكار ليست مقدسة ولكل الحق في التمحيص و النقاش الفكري لكن بماذا نفسر توظيف النص الديني من أجل الانتصار لفكرة ما أو تبرير تصور ما وإن كان يحمل بعض جوانب الصواب ومنع الآخر الذي يخالفه في القناعات أو الإيديولوجيا من توظيف النص الديني من أجل الانتصار لأفكاره. الأمثلة التي نسوقها متعددة ونكتفي بما ورد في جريدة الحياة المصرية حيث كتب صلاح سالم تحت عنوان: الإخوان المسلمون والخطيئة السياسية الأولى حيث يقول:» يمكن للمتابع للشأن المصري أن يلامس ملامح ما يمكن تسميته خطيئة سياسية أصلية في السلوك العام لجماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة ترتكبها باسم الإسلام. فكما أن آدم أتيحت له فرصة الأكل من ثمار الجنة عدا واحدة، فإن الإخوان المسلمين وجدوا أنفسهم، بعد 25 كانون الثاني يناير 2011، في قلب المشهد السياسي المصري، فأتيح لهم لعب دور رمانة الميزان، القادرة على ضبط إيقاع حركة النظام السياسي، إذ كانوا يستطيعون الميل إلى أي من الجهات، والتحالف مع شتى التيارات، فإذا بهم يتركون الجميع من خلفهم ينتظرون، فيما هم يتوجهون نحو السلفيين، الذين يمثلون، في المشهد السياسي المصري، بتزمتهم وتناقض رؤاهم مع روح العصر، ما مثلته الشجرة المحرمة في حدائق الجنة الواسعة « . كما أورد علي الصراف في نص إلكتروني تحت عنوان : خيول الظلام قطر والإخوان والشرق الأوسط الجديد، لماذا نعتبر الخلط بين الدين والسياسة خطيئة وخطر؟ حيث يقول: »لقد أثبتت كل التجارب الإنسانية أن إقحام الدين في السياسة ينطوي على مخاطر ومحاذير وأضرار ، والأضرار تقع على الدين أولا ، وعلى المجتمع ، فالمعروف أن الدين له في نفوس المتدينين من مسلمين ومسيحيين ويهود أو أي ديانة أخرى له وثيق وعميق بالعواطف والأخلاق والضمير ... الخ ، ودائمًا كلمة الدين تسبق ما عداها من الكلمات الأخرى ، وأن الذي يتحدث باسم الدين يعطي نفسه فرصة وأولوية على الآخرين لأنه يتخفى وراء الدين لتحقيق مكاسب سياسية دنيوية من الوصول إلى السلطة وحكم البلاد، وبنظرة فاحصة سوف نجد أن هناك اختلافًا كبيرًا جدًا بين السياسة والدين ، بحيث يكون الدمج بينهما مؤديًا في النهاية إلى إلْصاق عيوب السياسة بالدين ، فالسياسة لها عيوب وأخطار ومحاذير ، بدءًا من النظرية الميكيافلية التي قوامها أن الغاية تبرر الوسيلة ، وانتهاءً بكل صور وأساليب السياسة ومناوراتها ، وهذا كله يتعارض مع القيم الدينية ، فالسياسة مناورة ، والدين قيم ، والسياسة يباح فيها الكذب بوصفه نوعًا من المناورة ، بينما الدين قوامه القيم التي يتقدمها الصدق ، فالصدق في الدين واجب ، ( سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيكون المؤمن بخيلاً ؟ قال : نعم . أيكون المؤمن جبانًا ؟ قال : نعم . أيكون المؤمن كذابًا ؟ قال : لا ) وهذا تصديق للآية الكريمة ( إنَّما يفتري الكذبَ الذين لا يؤمنون ) « رغم تحفظنا على ما ورد بهذه الفقرات الأخيرة من تعسف ومغالطات إلا أننا نتساءل: لماذا يستنكر على الدين أن يكون له تأثير عميق مادام هو منظومة قيم -على حد قول صاحب هذا المقالة- على حقل السياسة الذي يتعارض مع هذه المنظومة لأنه موصوف بالمناورة والبراغماتية والكذب فنؤسس للتقاطع الإيجابي بدل التعارض، أولا يمكن أن تخلص منظومة القيم التي يحملها الإسلام حقل السياسة من أساليب التحايل والمناورة ليحل محلها الصدق في القول والمعاملة هل من الصعب أن يتمثل السياسيون منظومة القيم التي يحملها الإسلام في سلوكهم السياسي( كالصدق والنزاهة والشفافية ...) والتي ولا شك هي قيم مشتركة مع النظام الديمقراطي نفسه بل ويجمع عليها كل العقلاء، وكيف ينصب الكاتب نفسه مدافعا عن الدين وعن المجتمع فيصور للمتلقي ما يشاء من أفكار صحيحة ومغلوطة من قبيل القول أن من مبادئ الديمقراطية الفصل بين الدين والعمل السياسي دون مراعاة للسياقات الفكرية والأسس النظرية لكل مفهوم، ويخلق الاعتقاد أنه يخشى على الدين من أن تلتصق به عيوب السياسة ويستنكر على آخرين الحديث باسم الدين، فهل هو حقا الخوف من ان تلتصق عيوب السياسة بالدين أم الخوف من أن تلتصق فضائل الدين وقيمه بالسياسة؟ . هذه التساؤلات تعيد إلى الأذهان جدلية الأخلاق والسياسة التي لسنا بصدد مناقشتها من خلال هذه النافذة، لكن ما يمكن قوله في هذا الإطار أن هذا المجال انشغل بالبحث والتأمل فيه العديد من المفكرين والباحثين وحتى الممارسين للفعل السياسي وقدموا للإنسانية نتاجا فكريا وتطبيقات تعددت ملامحها وتباينت، ولم يكن فقط مرتبطا بإنهاء سلطة الكنيسة وأفول الدولة الثيوقراطية في الغرب أو بسقوط الخلافة الإسلامية في تركيا أو ظهور الأحزاب المسيحية الديمقراطية في أوربا الغربية أو بصعود الإسلاميين إلى السلطة، لكن يشتد النقاش والجدال حول جدلية الدين والسياسة كلما اقترب الإسلاميون من السلطة وكأنها منطقة محرمة، وتزداد حمى الحديث عن تيار الإسلام السياسي وعن المرجعية الدينية والدولة المدنية كلما صعد الإسلاميون إلى الحكم عن طريق صناديق الاقتراع، و الحديث عن الإسلاميين والخطايا السياسية يجسده البعض في توظيف الإسلاميين للدين وفي طمعهم الأعمى من أجل الوصول إلى السلطة، وكأنه ليس من صميم وجود الأحزاب السياسية الوصول إلى الحكم وتداول السلطة وفق ما هو متعارف عليه في النظام الديمقراطي، لكن الذي يبعث على التساؤل هو إذا ما صمم الإسلاميون على أن يكون للأحزاب التي يؤسسونها خلفية دينية فإنهم يتهمون بكونهم سيدنسون الدين، وإن اجتهد البعض منهم في تقديم تصور خاص عن الممارسة السياسية يرمى بتهمة التقية وإن كان لهذا المفهوم دلالات مختلفة سواء عند علماء السنة أو الشيعة، وهناك من يربط خطايا جماعة الإخوان المسلمين في تعاملهم البراغماتي مع الديمقراطية أو في تعاملهم الضيق مع بعض الأطياف السياسية داخل المجتمع المصري، أوفي عدم امتلاكهم لمشروع مجتمعي و برنامج سياسي واضح المعالم، ونعتقد أن تلك زوايا ينبغي تسليط الضوء عليها ومناقشتها، فإن كان ثمة مؤاخذات على السلوك السياسي لهذا التنظيم فمن الطبيعي أن تكون موضوعا للنقاش العمومي والتشريح المجتمعي، وإن كان هناك مناطق ضبابية فينبغي كشفها بعيدا عن التشنج الإيديولوجي أو الإقصاء الفكري والتضليل الإعلامي، وعن ماكينة السلطة الاستئصالية، وكل التنظيمات السياسية عبر التاريخ على اختلاف مرجعياتها قد تحمل جوانب مكشوفة وشفافة وقد تحمل جوانب ضبابية وأحيانا معتمة وقد تتحول في لحظة سياسية تاريخية معينة ولأسباب معينة إلى مناطق سوداوية، وقد تتجلى الحقيقة نسبيا أو على الأقل يتمكن الفكر الحر الممحص من تحليل وتفسير وفك المفردات المؤدية إلى الحقيقة، لكن لا أحد يملك الحقيقة المطلقة، كما أن رمي الغير بالعدمية أو إقصائه فكريا ومجتمعيا لن يفلح في إخفاء الحقيقة وتحوير اتجاهات شرائح من المجتمع لوقت طويل لأن الواقع متحرك ولا أحد يملك مفاتيح خزائنه، لكن نعتقد أن مباحث مختلفة تستحق تعميق الدراسة بشأنها عند الحديث عن الإسلاميين وعلاقتهم بالسلطة والديمقراطية والدين والتشريع و منظومة القوانين، فالأمر لا يتوقف عند مسألة إثارة تخليق السياسة والحياة العامة لأنها مطلب مشترك بين كل الديمقراطيين والعقلاء، لكن جوهر الجدال وأحيانا الصراع مع الإسلاميين ليس بمصر فقط بل في كل العالم العربي والإسلامي، هي ماذا لو أصر الإسلاميون عند وصولهم إلى الحكم عن طريق النظام الديمقراطي على تحكيم الشريعة الإسلامية وجعلها مصدرا وحيدا للتشريع وإنتاج القوانين؟ لكن سواء اعترف مخالفوهم أو أنكروا فإن لهم قاعدة جماهيرية ولسنا بصدد مناقشة هل هي واسعة أم لا، وهل هي حركة واعية أم حركة خاضعة للاستقطاب والتعبئة والحشد، فقد تطالب شريحة مجتمعية في مصر بجعل الشريعة بعيدا عن مجالات السياسة أو إبعاد الدين عن مفاصل الاقتصاد والسياسة وحصره في زوايا ضيقة، وقد حصل هذا، وإذا قلنا أن ذلك من حقهم وأن هذا ما يقره النظام الديمقراطي، أليس من حق القاعدة الجماهيرية لتنظيم الإخوان المسلمين إذا ما توسعت وشكلت الأغلبية برفع مطالبها المجتمعية وان تطالب مثلا بتطبيق الشريعة أو جعلها مصدرا أساسيا للتشريع القانوني؟ ألا يسمح النظام الديمقراطي بذلك وبالقدر الذي يدعو فيه إلى حماية حقوق الأقليات إذا ما افترضنا أنهم أقلية، يقر فيه بحقوق الأغلبية؟ لكن لا شك أن المخالفين لهم يحملون بعض التخوفات وهي مشروعة وهي الخوف من أن يتحول هذا التنظيم السياسي الذي سيحكم الشريعة الإسلامية إلى نظام ثيوقراطي أو سلطوي شمولي، لكن تلك مسألة مرفوضة سواء صدرت عن الإسلاميين أو غير الإسلاميين، لكن ماذا سنفعل بمبدأ الأغلبية في النظام الديمقراطي، أم أن الحل هو الإنقلاب على هذه القواعد الجماهيرية الشعبية نفسها -إن نجحت في أن تصير أغلبية أو تسير في هذا الاتجاه- ووصفها بأنها مدجنة مغسولة الدماغ ومغرر بها...، أم سيكون الحل بتخليصها من مضلليها ولما لا تطهيرها جماعيا، أولا يمكن اللجوء إلى التصالح والتوافق المجتمعي والسياسي، وهل الحل لضمان مدنية الدولة هو إقرار دستور ينص على علمانية الدولة بالأساس؟ أم بتوقيع تيار الإسلام السياسي الذي ينطلق من المرجعية الإسلامية التزاما كتابيا بأنه لن يطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية وأنه سيسهر على التمكين للحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية إذا ما وصل إلى السلطة؟ وهل الشريعة الإسلامية أساسا تتعارض مع هذه الحقوق...؟ أسئلة كثيرة تستحق الإجابة في إطلالة مقبلة، لكي نعود إلى إثارة الازدواجية في التعاطي مع المكون الديني، فمنع تنظيم الإخوان المسلمين من توظيفه على مستوى الخطاب السياسي ولجوء المخالفين لهم إلى ذلك من سلطة و مؤسسات دينية وعلمانيين ودعاة اللادينية بالتحديد بشكل مكثف سواء عن طريق التوظيف أو الاستثمار السياسي أمر يستدعي وقفة تأمل، خصوصا أن هذه التمظهرات التي تعكس النظرة المتوترة والمتشنجة مع المكون الديني ومع تيار الإسلام السياسي ليست جديدة ولا ناشئة عن ممارسة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة للسلطة تحديدا بل هي متجددة تذهب إلى حد توظيفه من أجل تصفية الخصوم الفكريين، ونستحضر وفي سياق لكن يؤدي إلى نفس الخلاصات، كيف استطاع القصر في عهد الملك فؤاد أن يدفع العلماء إلى تنصيبه خليفة على المسلمين، وينعى عليهم التواكل في هذا السبيل، لذلك تم تحريك القوى والأوساط الدينية ضد الشيخ علي عبد الرازق وكتابه: الإسلام وأصول الحكم، حيث لم يخضع الأمر للمحاججة النظرية والنقاش الفكري الرزين، وهذا ما مارسه عدد من العلماء الأجلاء على حد ما أورده الدكتور محمد عمارة في كتابه "الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق:دراسة ووثائق"، وإنما الذي حدث حسب قوله، هو فعل العرش وذات الجالس عليه، و تخطي الصراع الفكري، حيث لم يتم النظر إلى كتاب علي عبد الرازق كاجتهاد فكري يجوز عليه الخطأ والصواب، وإنما نظر إليه "كعمل مشين" يوجب المحاكمة الدينية والحكم على صاحبه بالحرمان من الانتساب إلى الأزهر، بل وتجريده تقريبا من حقوق المواطن المصري التي كفلها الدستور المصري. وانعقدت هيئة كبار العلماء لتحاكم الشيخ علي عبد الرازق بموجب المادة 101 من قانون الأزهر رقم 10 الذي أصدره الخديوي عباس حلمي الثاني سنة 1911م ليخضع بواسطته تمرد الأزهريين وثورتهم على استسلامه لسلطات الاحتلال. استطاع الملك فؤاد أن يستصدر من "هيئة كبار العلماء" حكما لم يسبق لهيئة علمية إسلامية أن أصدرت مثله- على الأقل في تاريخنا الحديث- وان يضع هذا الحكم في يد وزراء"حزب الاتحاد" الذين نفذوه على أشلاء الائتلاف الوزاري وذلك عندما انعقد( المجلس المخصوص) بوزارة الحقانية بالنيابة، في 17 شتنبر 1925، وقرر تنفيذ حكم هيئة كبار العلماء الذي" ليس لأية سلطة قضائية أن تلغيه، أو أن تبحث عن صحته، وبما أنه على فرض وقوع خطأ في التطبيق القانوني، فليس من اختصاص أي سلطة أخرى أن تنظر فيه...، وبذلك قرر المجلس بإجماع الآراء إثبات فصل الشيخ علي عبد الرازق من وظيفته.... وقد ذهب الدكتور عمارة إلى اعتبار أن القصر هو المسؤول عن جر بعض رجالات الأزهر إلى منزلق غريب عليهم وعلى الإسلام، بدليل أن ما صنعوه مع الشيخ علي عبد الرازق لم يتكرر مرة أخرى، ولم يحدث قبل ولا من بعد، بل ورجع عنه الأزهر فيما بعد بسنوات عندما أعاد إلى الرجل مؤهله العلمي وأدخله ثانية في زمرة العلماء. لكن مع الأسف قد تكرر ذلك حيث نزع عن العديد من علماء الأزهر صفتهم العالمية وجردوا من المواطنة لمواقفهم المعارضة للسلطة الحالية، كما تورط الأزهر كمؤسسة دينية جامعة لكل المسلمين في مصر لتصفية جماعة من المسلمين و في تنفيذ أجندة سياسية، وقد استدعى من أجل ذلك رزنامة من الوسائط الدينية والسياسية ( الموقف السياسي، الفتوى، التحفيز والتحريض...). كما سعت السلطة المنقلبة الحاكمة حاليا إلى نصب محاكم للعقاب الجماعي مرة ومرة توزيع صكوك الغفران كما كانت تفعل الكنيسة عبر تسويق ما يسمى باستمارات التوبة، ولا يمكن تبرير ذلك بإنقاذ الشباب المغرر بهم المتعاطفين مع تنظيم الإخوان المسلمين وبالتالي الإفراج عنهم وإدماجهم في المجتمع، كما أن ذلك يتجاوز التوغل في لعبة السلطة القذرة عبر شق صفوف التنظيم، كما أن ذلك لا يمكن أن يرقى إلى مستوى المراجعات الفكرية ولو بالصيغة التي اتخذتها خلال السبعينات مع جماعة الجهاد، ونطرح تساؤلا ملحا: كيف لنا أن نتصور أن ينطلق الفكر ويراجع الذات وهو يقبع في ظلمة السجون ومحاصر وتحت التعذيب، وأن يتخذ موقفا محددا؟؟ وهل المعتقدات والتصورات هشة وغير متوازنة إلى الدرجة التي يسهل اختراقها والتنازل عنها؟ المراجعات الفكرية مسألة ملحة سواء كان حركة ذاتية داخلية تصحيحية أو من الخارج من أجل إنضاج وترشيد الفعل السياسي، ولست أجد أقوى تعبيرا عن ذلك مما كتبه علاء سعد حميده عضو رابطة الدب الإسلامي، خصوصا أنه بدوره وظف مفهوم التوبة للحديث عن المراجعات الفكرية، حيث يقول : "إن صناعة هذه المنطقة والرؤية الضبابية لكثير من القضايا الشرعية والقضايا المعاصرة تمثل خطورة حقيقية على مستقبل الأفراد والتنظيم معا.. ولاشك أنني في إطار هذه المراجعات التي أدعو فيها للتوبة من المفاهيم والتصورات الخاطئة، لا أقصد- والله تعالى حسبي- أن أقف خصما لهذا التنظيم الدعوي أو ذاك.. فإن هي إلا تذكرة ينتفع بها المؤمنون إن شاء الله، ولذا أنصح نفسي وإخواني قبل التشمير عن سواعد الرد والنفي أن يسأل كل فرد نفسه عن مثيلات الأمثلة التي ضربتها وأخواتها.. وأختم حديث المصارحة في هذه المسألة، بأن الخطاب الإخواني العام يدعو إلى الانفتاح على مختلف الآراء.. وأنا أصدق هذا الخطاب العام، فلجأت إلى طلب نشر مراجعاتي هذه في الموقع الرسمي للجماعة ليكون أكثر قبولا لدى القارئ، وأقل غضاضة في النفوس، مع قدرة الموقع على التعقيب على ما ذكرت والاعتراض على بعضه أو كله.. ولم يصلني رد إلى الآن ونحن بصدد الحلقة السابعة للدراسة، غير أنني بطبعي أميز بين القاعدة الفكرية وبين القائمين على العمل، فالبشر - وأنا منهم- خطاؤون.. ملتمس ما أمكنني التماسه من الأعذار، وإنما ذكرت الواقعة للاستفادة القصوى من عملية المصارحة مهما كانت شاقة على النفس.." يتبع في الإطلالة المقبلة