العودة المظفرة إنه السيناريو الثاني الذي تضعه هذه الدراسة الأمريكية ، وهو يعني ليس فقط عودة و بقاء الإخوان في المشهد السياسي ، بل عودة مظفرة ، وهذا السيناريو يقتضي تحقق مجموعة من الافتراضات ، منها أن تؤدي احتجاجات الإخوان إلى هز النظام السياسي في مصر ، وأن تحظي الجماعة بتعاطف شعبي كنتيجة لإخفاقات النظام على الصعيد الاقتصادي والسياسي . إن جماعة الإخوان المسلمين دشنت سلسلة من الإجراءات ، ومنها أنها أقدمت على تأسيس إطار تعددي سمي بتحالف دعم الشرعية ، وهو التحالف الذي ابتعد عن الإسلاموية لتتمحور مطالبه على العدالة السياسية والديمقراطية ، وعبر إطلاق سلسلة من المظاهرات ، وعبر تقديم الجماعة على أنها ارتكبت بضع أخطاء, إلا أنها تقدم على أنها مجرد سقطات إجرائية ، غير أن هذه الاحتجاجات سرعان ما عادت للإسلاموية ، كما أن فعالية احتجاجات هذا الإطار تراجعت بسبب عدم قدرة هذا الأخير على جلب الطبقة العاملة ، والأطراف الاقتصادية غير الرسمية ، والفلاحين والطبقة الوسطى غير المؤدلجة . أيضا تشير الدراسة إلى أن السبب العميق لفشل هذا الإطار ولفشل احتجاجاته هو عدم قدرته في موضعة تظلمات الإخوان في إطار أجندة سياسية واضحة وأوسع ، كما أن هذه الاحتجاجات مصاحبة مع أعمال عنف وإرهاب ، ولذلك اعتبرت الجماعة ملومة كنظام في تعثر اقتصاد مصر ، كما أن الجماعة لا تقدم بدائل في حجم تشددها في انتقاد النظام ، وهو ما يزيد من مخاوف الناس من شدة الاحتجاجات ، الواقع تقول الدراسة أن المواطنين قد يفضلون الواقع الحالي على احتجاجات لا تقدم بدائل ولا تفتح أملا . استبعاد مشاركة الإخوان في الانتخابات القادمة هي المرجحة ، وبالتالي الخطة البديلة لقادة الإخوان غير المعتقلين هي تطوير الاحتجاجات في أفق أن تصبح حركة شعبوية سياسية ترفع شعارات العدالة الاجتماعية ، ولكي يتحقق هذا التحول, لا بد للجماعة من موارد فكرية وثقافية وقاعدية قابلة لتبني خطاب إعادة التوزيع ، الشيء الذي تفتقده الجماعة فهي لا تتوفر لا على الإديولوجيا و لا على الموارد ولا على الوسائل . يعاني الإخوان حسب الدراسة من تنافر الاستراتيجيات وهي المخاطر التي تنطوي على فئتين من قادة الإخوان غير المعتقلين : فئة قادة المنفى وهم مختلفون في ما بينهم ويمكن تحديدهم في جناحين : جناح متشدد يصر على معاداة جذرية للنظام إلى حين تقويض الانقلاب ، وهؤلاء يمتلكون نفوذا من خلال تواجدهم واعتمادهم على قناة الجزيرة ، ويهيمنون داخل التحالف ، ولهم تواجد معتبر داخل مكتب الإرشاد المؤقت ، وبالرغم أنهم يدينون العنف رسميا ، إلا أنهم يعولون على إطلاق غضب القواعد في حدود معقولة ، ويعتبرون أنهم بالصمود قد يحظون بدعم خارجي . الجناح الثاني أقل نفوذا وأقل حجما ، يعتبرون أن استغلال تشدد الشباب الإسلاميين للمواجهة الفعالة مع الدولة ينطوي على خطر فقدان السيطرة على هذا الشباب ، ويعتبرون ذلك ضمن خطة حالة الهاوية ، كما يقدرون أن قادة المنفى بعيدين عن حقائق الداخل ، وأن الرهان على إحداث انشقاق داخل المؤسسة العسكرية رهان غير واقعي أو بحسب الدارسة غير حكيم ، وهم ممن يعتقدون أن إعادة مرسي للحكم غير واقعي ، ويشددون على ضرورة نهج أسلوب يضع الإخوان ضمن إطار عام لمعارضة تنشد إصلاحا سياسيا وديمقراطيا ضمن معارضة غير إسلامية ، وبالرغم أن هذا الجناح لم يعبر صراحة لحدود الساعة عن هذا النهج ، فإن الدراسة تؤكد أن بعضهم في ظل شروط معينة قد يدخلون في حوار مع النظام السياسي في مصر . إن الصراعات داخل هذين المجموعتين لا زال متواصلا ، ويأخذ أبعادا في الشجارات الداخلية وفي تبدل التحالفات الداخلية في مركز القرار ، لقد عمل الإخوان للانتفاضة ضد النظام في 6 أكتوبر 2013 وفشلوا ، وخططوا أيضا للانتفاض على النظام في 25 يناير 2014 وفشلوا ، ولقد أدى تراجع النصر الوشيك لخلافات بين المجموعتين ، إذ تصدرت المجموعة الثانية إعلانا من بروكسيل ، لم يضع من ضمن أهدافه عودة مرسي ، ولا شدد على الطابع الإسلامي للمعارضة المصرية ، وهو ما دفع قيادة الداخل في مواجهة ارتباك مناصريها لإصدار بيان أكدت فيه أن الهدف الرئيسي من كل التحركات هو عودة الرئيس مرسي للحكم . *الجماعة في مصر : ينضبط أكثر عناصر الجماعة للقيادة في الداخل والتي تميل أكثر للمواقف الصدامية مع النظام ، ويجري تجاهل قيادة المنفى بهدف التحكم أكثر في نشاط الجماعة في الداخل ، خاصة وأن هذه القيادة تعرف جيدا مزاج شبابها الذين قدموا ثمنا باهظا في مواجهة ما اعتبره استحقاقات ضد الانقلاب ، مما يعني أن المعتدلين داخل هذه الجماعة ملزمين بأن يجادلوا شبان غاضبين بلا جدوى النهج التصادمي وأنه مدمرا ذاتيا ، وأنه ينبغي تبني مقاربات جديدة واقعية لكن بدون أن تبدد التضحيات السابقة ، إلا أن هذا النهج الاعتدالي هامشي وضعيف . إن فرص استمرار الجماعة قائمة لكن بسبب عدة احتمالات من الصعب أن تعود عودة مظفرة ، إذ حتى ولو تمكن قادة الجماعة من تدبير ما مع المؤسسة العسكرية ، فإنهم لن يكونوا قادرين على إقناع جموعها وخاصة منهم الشباب الغاضب ، كما أنهم لن يتمكنوا من استمالة جمهور إسلامي واسع وعلى مخاطبته وضمان جدبه . المصالحة مع النظام أما في ما يخص السيناريو الثالث ضمن الخمس السيناريوهات التي وضعتها الدراسة ، فهو التصالح مع النظام ، وهو الذي يعني في نهاية المطاف العودة للصيغة التي كانت معتمدة في ظل نظام مبارك ، أي الإدماج السياسي المحدود والمتحكم فيه . إن هذا السيناريو حسب الدراسة سيكون أفضل بالنسبة للدولة القديمة وبالنسبة للإخوان ، إذ سيضمن هذا السيناريو للدولة القديمة التخلص من عبء مواجهة مفتوحة مع جماعة الإخوان المسلمين ، وسيمكنها من التخلص من تكتيكات مكلفة وقاسية تجاههم ، كما سيمنح الجماعة إمكانية لاستعادة حريتها وممتلكاتها ، وسيوقف الدعاية الإعلامية ضدها ، كما سيمنح التنظيم بعض من حيويته ويجنبه قمع أنشطته ، وقد تصبح المشاركة السياسية للجماعة قابلة للتداول . إن احتمالات عودة المصالحة يمكن أيضا قياس احتمالاتها بما يميز المؤسسة العسكرية في مصر ، فهذه الأخيرة تتميز باستمرار وفائها لبرغامتية الإيديولوجية ، وباستخدامها للدين وما تعتبره الدراسة تلاعبها بالسياسات الدينية ، إذ الدولة نفسها التي قمعت جماعة الإخوان هي نفسها الدولة التي شجعت جماعات إسلامية أخرى ، وأقامت علاقة مع حزب النور السلفي . إن نظام السيسي لم يخرج على استخدامات الدين في عدة مجالات ، بل إنه لم يتوان في توظيفه بما يحد وينزع الشرعية على جماعة الإخوان في ما اعتبره الدين الإسلامي الحقيقي للدولة .إن معاداة النظام لجماعة الإخوان المسلمين ليس عداء إيديولوجي ولذلك يبقى احتمال توظيف الدين واردا حتى في مجال المصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين . تقول الدراسة إن احتمال المصالحة بين الدولة القديمة وجماعة الإخوان المسلمين احتمال ضعيف لحد الساعة للأسباب التالية : 1 . لقد بدل كلا الطرفين مجهودا جبارا لشيطنة الآخر، الشيء الذي يترتب عليه أن جماعة الإخوان ستجد صعوبة في إقناع مناصريها بالتخلي عن الانتقام ، للذين قتلوا على يده .إذ سعي كهذا قد يدفع الشباب الغاضبين إلى تبني نموذج إسلام الدولة الموجود الآن في سورياوالعراق ، والتخلي النهائي عن النشاط السلمي وعن الانتخابات والتوجه لحمل السلاح في حرب مدمرة ضد الدولة ومؤسساتها ، وهذا ببساطة النقيض المباشر للمصالحة . في حين قد يؤدي سعي النظام للمصالحة لتقويض كل ما بناه هذا النظام من مصداقية في مواجهة الإخوان ، والذي عبأ له ماكينة إعلامية ودعائية ضخمة ، إضافة لوجود عداء كبير للإخوان خاصة في صفوف الشرطة والقضاء . 2 . لجعل المصالحة ذات جاذبية تقول الدراسة لدى أعضاء الجماعة ، لا بد أن تضمن هذه المصالحة حصة من البرلمان وحصة من الحكومة ، وهذا الاختيار مستبعد من طرف الجيش لأنه ينطوي على خطر تحدي بنية السلطة القائمة ، تماما كما حدث في تجربة تركيا مع حزب العدالة والتنمية والذي تمكن بالتدريج من إزالة احتكار وهيمنة العسكر على الحياة السياسية التركية ، إن الجيش المصري تزداد شكوكه في هذا الاتجاه ، خاصة أنه شعر أن الإخوان المسلمين استعملوا أو حاولوا استعمال نفوذهم الانتخابي لتحدي هيمنة ونفوذ الدولة القديمة . 3 . المصالحة تعني حسب الدراسة تخلي العديد من القادة عن مواقعهم ، إذ ثبت من خلال التجربة أنهم كانوا حريصين على ضمان مصالحهم من خلال ضمان استمرار الوضع الراهن ، وهو ما يعني ضرورة تخلي كثير من جنرالات الجيش عن مواقعهم بما فيهم السيسي ، وبما فيهم المرشد العام للإخوان المسلمين وبعض أعضاء مكتب الإرشاد ، وهذه الخطوة غير واردة حاليا ، إذ لا شيء مشجع في تخلي القادة من كلا الطرفين عن مواقعهم. 4 . وله علاقة بالسياق الإقليمي ، إن أي مصالحة للنظام مع جماعة الإخوان المسلمين قد تعني فقدان الدعم من طرف كل من السعودية والإمارات المناهضتين للإسلاميين المتشددين ، وهو الدعم الذي يحتاجه نظام مصر ، يضاف إلى ذلك الوضع المترتب عن أوضاع كل من ليبيا وسورياوالعراق واليمن وهي الأوضاع التي قوت من شوكة المتطرفين الإسلاميين ، الذي عزز من عزيمة المناهضين لهذا التمدد لجماعات الإسلام السياسي المتشدد بزعامة السعودية . كما أنه ومع حالة الاستقطاب التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط حول القضايا المتصلة بالإسلام السياسي وصراع السنة والشيعة ، فإن المصالحة في مصر ترتبط بنتائج هذا الاستقطاب ، بما فيه أن يوظف الإخوان هذا الصعود لمزيد من الضغط على النظام المصري . تنطلق الدراسة من واقعتي كل من صعود جماعة الإسلام السياسي بليبيا وصمود حماس في حرب غزة الأخيرة ، للتأكيد على تزايد قوة المتشددين ، يضاف إليها احتمال خوض السيسي مغامرة عسكرية بليبيا لمواجهة التهديدات الإسلامية للتأكيد على ضآلة المصالحة مع الإخوان ، في نفس الآن الذي يوجد فيه احتمال أن تضغط أمريكا على السعودية للقبول بدور ما للإخوان في مواجهة داعش ، باعتبار أن أمريكا ترى في الأخوان قوة سنية معتدلة قد تحد من نفوذ دولة الإسلام ، وفي المحصلة تتعدد الاحتمالات في هذا المجال ، لكن يبقى أن الاستقطاب الإقليمي بمنطقة الشرق الأوسط معقد وينطوي على عدة احتمالات ، كما أنه عامل حاسم ومؤثر في أي مسار مصالحة بين الإخوان والدولة القديمة في مصر. وفي جميع الأحوال وحتى وإن تغيرت الظروف لصالح مصالحة ، فإن كوادر وأطر وقواعد الجماعة تتجه أكثر فأكثر نحو التطرف مما يصعب احتمالات التحكم في اتجاهاتها ، كما أن عوامل عدة تمنع عودة صريحة لسلطوية مبارك ، التي وحدها تستطيع التحكم في مسار الإخوان وضبط إيقاع تحركهم والأهم ضبط جماعة موحدة . التفكّك إلى فصائل متباينة أما السيناريو الرابع ، فينطوي على احتمال وجود جزأين رئيسيين حاسمين داخل الجماعة جزء معتدل يقيم سياسة الإخوان الحالية على أنها قائمة على كثير من المواجهة ، وجزء آخر من المتشددين وهم يرون أن السياسة نفسها قائمة على كثير من التنازلات وتمس كثيرا بالإيديولوجية ، وكلا الجزأين سيتمكنان من استقطاب أعضاء من الجماعة في الداخل كما في المنفى . احتمال تصاعد قوة المعتدلين سيتحقق ، لو قرر النظام تقديم تنازلات للجناح المعتدل الذي قد يستقر رأيه على الاندماج وفق الخطوط التي سيحددها النظام ، وهي الخطوط التي ستكون أكثر قسوة من تلك التي كانت في عهد مبارك ، وإذا ما قبل هؤلاء المعتدلين ذلك فسيكونون أقرب إلى المحافظين الديمقراطيين ما بعد إسلاميين ، سيشاركون في الحياة السياسية الوطنية ، في حين سيجنح المتشددون لخيارات شبيهة بخيارات المتشددين من السوريين . *المعتدلون قد يتشكل في ظل الظروف الحالية داخل الجماعة فصيل أكثر اعتدالا ، يشكل الإسلام بالنسبة إليه إطار مبادئ عامة ، بدلا من السياسات القائمة على الهوية ، سيركز على العدالة والتنمية والحكومية الجيدة والخدمات المجتمعية ، قد يتخلى عن هدف ضرورة عودة مرسي ، وسيشكل هذا الاحتمال إذا تحقق دعم مسار تشكل يمين وسطي محافظ ، ككيان سياسي مؤسستي قادر على التعبير عن مطالب اقتصادية واجتماعية . في هكذا سياق قد تشكل التجربة التركية نبراسا لهذا الفصيل ، لكن هذا الاحتمال مقيد بخاصيات تميز تجربة الإسلاميين في تركيا ، إذ تشكل هذا الإسلام السياسي في تركيا أساسا من الحركات الصوفية الاجتماعية التعليمية ، وهذه الحركات كانت تنتقل في دعمها للأحزاب الإسلامية وفق ما تراه مناسبا ، في حين أسا س تشكل الإخوان المسلمين كان هو التنظيم نفسه ، ولذلك سيواجه المعتدلون بهذه الحقيقة أنهم سيكونون ملزمون بالبدء من الصفر ، وستكون أمامهم صعوبة كسب تعاطف القواعد ، ولذلك احتمال تشكل مثل هكذا فصيل سيبقى محدودا . المعتدلون داخل الجماعة بضع أفراد لا تأثير لديهم على التنظيم ، إذ بدءا من 2010 تمكن المتشددون من الهيمنة على التنظيم ، وعلى عكس ما يروج أنهم يحظون بدعم كبار السن ، المتشددون حسب الدراسة يكسبون تعاطف مختلف الأعمار بما فيهم قاعدة الشباب . لو أن الجماعة كانت تجربتها في الحكم طويلة لكان من الممكن تبلور فصائل متعددة داخلها قائمة على اختلاف المصالح والطبقات ، ومرتكزة على وجهات نظر سياسية مختلفة . الانقلاب الذي حدث تقول الدراسة رسخ مظلومية الجماعة ، ووحدها وأبعد عنها الانشقاق ، وأبعدها أيضا عن احتمال أن تجري مراجعة ذاتية أو نقد ذاتي . بعد عام على إبعاد الجماعة من السلطة لم يتمكن المعتدلون من أن يشكلوا تحديا للمتشددين . *المتشددون إن فشل تجربة الإخوان في الحكم قوى من الجناح المتشدد ، ودفع غالبية قواعد الجماعة إلى العقيدة الإخوانية المتزمتة ومنظرها سيد قطب ، الأوساط القريبة من الجماعة تؤكد أن شبابها ليسوا إيديولوجيين ، بل متشبعين بغريزة الانتقام ، وهذه الروح الانتقامية من النظام تدفعهم أكثر للنرجسية وللشعور بأنهم في المكان الصحيح ، وتقوي من نزعة الانفصال عن المجتمع وهذا من نتاج النظرة القطبية . إن سيد قطب الذي أعدمه نظام جمال عبد الناصر ، كان يرى أن الإسلام نظرة شاملة كلية إما تقبل ككل أو لا تقبل ، وجادل هذا الأخير في استحالة أن يندمج الإسلام ضمن إيديولوجيات أخرى ، واعتبر أن الدولة الإسلامية هي حاملة الإيديولوجية الإسلامية ، وبتأثير ضمني من النزعة الرومانسية الألمانية ، والمفاهيم ذات الطبيعة الماركسية اللينينة تبنى قطب مفهوم قيادة الطليعة الثورية ، التي استبدلها بمفهوم « الجيل القرآني الفريد « نخبة مفروض ذاتيا انعزالها عن المجتمع ، وتعمل على الإطاحة بنظام غير إسلامي ، وهو ما يفرض بناء تنظيم سري ، تنظيم قائم على رفض أي اختلاف أو تعددية سياسية . منذ أواخر الستينات تقول الدراسة عبرت الجماعة أنها لا تعتبر أفكار سيد قطب أفكارا رسمية للجماعة ، ومنذ 1994 عبرت الجماعة أنها قائمة على أساس نضال سياسي سلمي. غير أن بعض قادتها الأساسيين كانوا أعضاء في المجموعة السرية للجماعة التي سبق وأسسها سيد قطب في سنة 1965 ، فضلا عن ذلك بقي أعضاء قياديين أساسيين في الجماعة يدينون بأفكار قطب في تمسكهم بالسرية وبأولوية التنظيم والطاعة والولاء للجماعة واعتبار الإخوان هم من يمثلون الدين الصحيح . إن هذا حسب الدراسة هو ما يفسر عودة الكثير اليوم في صفوف الجماعة للقطبية ، إن هؤلاء يعتبرون أن مواجهة ومقاومة اعتداءات النظام خير من عدم المقاومة ، وبالرغم أن القطبية لا تدعو صراحة للنضال المسلح ، إلا أن تحديها لما تعتبره نظاما غير إسلامي جعلها دائما في مواجهة تصعيدية صدامية مع النظام . لقد شكلت أحداث رابعة العدوية والكيفية التي جرى بها تفريق المعتصمين إلى ارتفاع منسوب العنف والتطرف ، على كل من الإخوان وعلى الشباب الإسلامي من خارج الجماعة ، وتصنف الدراسة الإسلاميين الراديكاليين ضمن ثلاثة مجموعات : إسلاميو رابعة ، الجهاديون والقطبيون ، والشباب السلفيون الغاضبون . 1 . إسلاميو رابعة : تعتبر الدراسة هذه المجموعة الأكثر نفوذا وحجما ، استفادت من تنامي الشعبوية الإسلامية منذ انتفاضة 2011 ، تنتصر الدراسة لتسميتهم بإسلاميي رابعة عوضا عن التسمية التي يطلقها عليهم العديد من المراقبين « الإسلاميون الثوريون « للتأكيد على التأثير الكبير الذي أحدثته فك اعتصام رابعة ، نشطت هذه المجموعة طيلة الثلاث سنوات الأخيرة في احتجاجات الشارع المصري ، لم ينجحوا في بلورة حركتهم وتحركهم في خلق بنية جماعية موحدة خاصة بهم ، بل نجحوا في التأثير على المجموعات الأخرى لاعتماد خطاب شعبوي إسلامي . لا يعتبر هؤلاء الشباب مرسي حاكما إسلاميا ، إلا أنهم يعتبرونه أكثر تسامحا مع الإسلاميين ، وأقل عدائية ضد الإسلام من السيسي ، ويعتقدون أن إسقاط نظام مرسي بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية جزء من العداء للإسلام ، ويعتبرون أن تنازلات الإخوان للعلمانيين سبب في فشلهم ، كما يعتبرون أن طريق الديمقراطية لن ينجح لبلورة مشروع إسلامي ، وأن إقامة حكم إسلامي يجب أن يكون هو الهدف النهائي لنهضة إسلامية ثورية سياسية واجتماعية . تشدد هذه الجماعة على ضرورة تفكيك بنية ومؤسسات الدولة القديمة ، كما يؤكدون وبشكل كبير على أن الصراع في جوهره صراع بين المؤمنين وغير المؤمنين المدعمين من جهات خارجية ، كما يؤكدون على استحالة المصالحة واستحالة تبني حلول وسطى ، وأنه لا يمكن القبول بالأخر إلا على أرضية الهيمنة الإسلامية المنتظرة . يعتر هؤلاء أن الولاء لوطن مصر ولاء وهمي ويؤكدون على الوعي الإسلامي الثوري العابر للأوطان ، وهم من رفضوا استخراج بطائقهم الوطنية تحديا رمزيا للدولة الكافرة ، وهي الخطوة التي مارسها حتى بعض أعضاء جماعة الإخوان بالرغم مما تنطوي عليه من أبعاد تكفيرية . لا تنبذ هذه المجموعة العنف بشكل حازم، وتعتبر كل الوسائل ممكنة عدا طلقات الرصاص. كما ترى أن تطبيق الشريعة هو الهدف الأسمى وتدعو إلى تبلور تيار إسلامي عام عابر للأوطان. وإلا أن يتحقق ذلك لا بديل عن دعم جماعة الإخوان ، ومن خلال هذا النشاط يسعون لبناء منظمة سرية واستقطاب قادة وكوادر ... ينظر هؤلاء الشباب لثورتهم المعلنة على أنها رد على ثورة العلمانيين في يناير 2011 وبالنسبة إليهم لم ينجح الخيار الثوري ، لأن المجتمع لا يزال يتعايش مع ظلم النظام ومع الدعاية المناهضة للإسلاميين ، والخيار السليم بالنسبة لإسلاميي رابعة هو شن ثورة جزئية ضد مصالح الدولة في مجالات محددة كالجيش والأمن والإعلام والقضاء ، تخلص الدراسة أن خطاب هؤلاء بعيد جدا على الواقع . .2 الجهاديون والقطبيون : يؤمن الجهاديون القطبيون استحالة تغيير النظام من الداخل ، ويعتبرون الديمقراطية تتنافى تماما مع الإسلام ، وأن الإسلاميين سيظلون مستبعدين من السياق الديمقراطي ، تؤكد الدراسة أن هؤلاء يعتبرون أن القادة الإسلاميون أخطئوا حين ظنوا أنهم يمكن أسلمة المجتمع المصري بالديمقراطية ، ويقيمون خطوة الإخوان في سعيهم للسلطة عن طريق الديمقراطية, إنها خطوة تصالحية جدا، يتبني الجهاديون القطبيون قضية ما يسمونه النضال الجهادي ، وحملوا السلاح ضد الدولة ، وبالرغم من أعدادهم القليلة إلا أنهم تمكنوا خاصة بعد الانقلاب من إحداث تأثير إيديولوجي بليغ على خطاب الإسلاميين ، وعلى صعيد الإيديولوجية تركوا الباب مفتوحا تقول الدراسة أمام جميع الخيارات بما فيها أساسا النزعات التكفيرية والتمردية . 3. الشباب السلفيون الغاضبون: إيديولوجيا ، هذه المجموعة لا تتبنى أي من القطبية ولا الجهادية ولا تؤمن بالتكفيرية ، وتظل مخلصة للسلفية ، بعد أحداث رابعة حدث في صفوفها تعاطفا كبيرا مع جماعة الإخوان ، غير أن الاتجاه العام داخلها يميل أكثر نحو مغادرة السياسة ، ويظهر ذلك من خلال استنكافها التام في الآونة الأخيرة عن المشاركة في الاحتجاجات . *نظرة جماعة الإخوان المسلمين : لا زال الإخوان المسلمين يتبنون أسلمة المجتمع عن طريق صناديق الاقتراع ، بالرغم مما أدت إليهم تجربتهم في الحكم ، ويشعر قادة الإخوان أن الظروف لا تسعفهم اليوم في هكذا اختيار ، وهو بذلك قد ينضمون لجماعة شباب الإسلام الثوريين في مواجهة عدوهم المشترك الدولة القديمة ، إلا أن تتيح لهم الظروف العودة للمسار التشاركي التقليدي حسب الدراسة . إن هذا التوازن الهش الذي توجد عليه اليوم جماعة الإخوان يلقي بظلاله على قادة الجماعة ويطرح عليهم تحدي قدرتهم على الاستمرار ، بالرغم من قناعة هؤلاء بقوة تنظيمهم وقدرتهم ، على تمرير قراراتهم وانضباط قواعدهم ، إلا أن قوة التجاذب داخل جماعات الإسلام السياسي خاصة الراديكالي منه ، وصعوبة تمرير مصالحة مع النظام دون القصاص لضحايا الإسلام السياسي ، قد يجعلها غير قادرة على التحكم في كل أجندات الإسلام السياسي وتوجيهها ، خاصة وأن كثيرون منهم فقدوا قناعتهم بأن مسار العملية الديمقراطية يؤدي إلى أسلمة المجتمع . كما أنه ومع تزايد العنف والتطرف داخل الجماعات الإسلامية الراديكالية ، تصر قيادة الإخوان أن تقدم نفسها ضحية ، وتبعد عن نفسها في كل حين تهمة استعمال العنف ، بغية كسب الرأي العام المحلي والدولي ، إلا أنه من الصعب تأكيد أو نفي وجود تنسيق لوجستي محلي بين شباب الإخوان وجماعات الإسلام الراديكالي ، بسبب سهولة التنقل بين التنظيمات التي توفره الهياكل التنظيمية المرنة لجماعة الإخوان المسلمين . التجديد والمراجعة الذاتية قد تنتهي الجماعة إلى الإقرار أن الاحتجاجات فشلت في تحقيق مراميها ، وقد تنسحب من السياسة وفي نفس الآن تحافظ على هدف إبقاء أعضائها خاصة منهم الشباب وطموح تجديد نفسها ، غير أن مثل هذا الاختيار يصطدم كما تقول الدراسة بخطر استمرار رسالة الإخوان الإيديولوجية ممثلة في أفكار سيد قطب وحسن ألبنا ، وهي الأفكار التي تعتبر جماعة الإخوان ورسالتها رسالة ربانية ، وأن دعوتها الناس للمشاركة في الانتخابات هي فقط لدعم سياسي للإخوان للاستيلاء على الحكم في إطار دعم مشروع إسلامي شمولي ، وتمكين مجتمعي لهم . ترى الدراسة أن السيناريو الرابع يلقي تحديا حقيقيا على جماعة الإخوان المسلمين ، ذلك أن التجديد والمراجعة الذاتية صارت ضرورة قصوى ، خاصة مع صعود الدولة الإسلامية - داعش - ، وبالرغم أن الجماعة قد تعتبر الدولة ذات نهج لا يأخذ بعين الاعتبار الشروط والظروف القائمة ، أو حتى أنها دولة مخطئة دينيا ، إلا أن اشتراكهم معا فيما يعتبروه إحياء للدين ودعوة لصحوة دينية ، وعودة لنمط الخلافة الإسلامية ، وهي الدعوة التي جرى تبنيها بدعاوي عاطفية ، غير مبالية بتبدل العصر وتغييره ، وبدون أي اجتهاد ، أو نقد للتراث الإسلامي أو تجديد فيه على أسس إصلاحية وتجديدية . ترى الدراسة أن الجماعة وبغية تجديد نفسها وفق هذا السيناريو، لا مفر من أن تدخل سبات سياسي ، وأن تركز على الأنشطة الاجتماعية والثقافية والتربوية والدينية ، كما أن نشاطها السياسي متى وجد عليه أن يكون في حدوده الدنيا ، وأن ينزع للتعاون مع القوى الوسطية والصديقة ، بهدف إعادة الرضا الثقافي والاجتماعي على التوجه الإسلاموية . إن نجاح هذا السيناريو حسب الدراسة رهين بتسامح النظام السياسي ، ورهين أيضا باستعداد الإخوان لفتح مسار تجديد ، وهو الاحتمال غير وارد الآن بحكم حجم الاستثمار الذي بدل فيه وجرى فيه تراكما . الإسلام السياسي والديمقراطية في مصر يحتل موضوع دور الدين في الشرق الأوسط حيزا مهما في المناقشات ، ويعتبر غالبية الإسلاميين أن السيادة للشعب والديمقراطية تنسف أسس الحاكمية التي تعني حكم الله. وبينما يقبل آخرون الديمقراطية, فإنهم يفعلون ذلك باعتبارها رديفا للشورى الإسلامية ، يؤمنون بها وفق شروط منها أن لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية ، يؤمنون بها أساسا كإجراءات ، بينما يجري تقييدها في كل ما له علاقة بمجال الحريات ، والتي يلزمون فيها أي الحريات أن تقيد بآراء فقهية أو سلطوية . إن الإخوان المسلمين هم من هؤلاء ، إن هيمنة النظام النيولبرالي تقول الدراسة ، أدى إلى الترويج للديمقراطية كإجراءات ، خارج أي مضامين اجتماعية واقتصادية تقدمية وتشاركية ، أي قبول بشكل غير ليبرالي لنظام من الديمقراطية الانتخابية يهيمن فيها الإسلاميون ، أي الإقرار بمشروعية المطالبات الهوياتية ، باعتبارها تستند لثقافة وخصوصيات المجتمعات الإسلامية . الأحداث التي وقعت في مصر بين 2011 و2013 حسب الدراسة أفشلت هذه المقاربة ، وأظهرت أن السكان يفضلون سلطوية غير إسلامية ، على هيمنة الإسلام السياسي ، إن مصر تفتقد إلى اتجاه محافظ وسطي قادر على إدماج الإسلام مع الحداثة ، إن الإخوان المسلمين أضاعوا هذا الاختيار ، لقد كان أمام الإسلاميين فرصة في إعادة تشكيل مفهوم الديمقراطية باعتبارها مطلبا متأصلا في المجتمع وليس فقط سلعة مستوردة من الغرب ، وبدل الاشتغال على نوعية الديمقراطية التي تراعي تقاليد الإسلام ، كان عليهم استغلال قوتهم للعمل على نفاد فكرة الديمقراطية داخل عامة الناس ، كان بإمكان الإسلاميين في مصر المحافظة على قناعتهم الدينية المتجدرة ، ولكن في نفس الآن العمل على تفسير تعاليم الدين بما يتماشى وتوجه الديمقراطية التعددية والتشاركية ، وبما يؤدي في نهاية المطاف لفصل الدين عن الدولة ، إنها المهمة الصعبة حسب الدراسة والتي تتطلب فقها متجددا ، وتتطلب قراءات متعددة لكتب الدين ، وتتطلب خروجا عن ما يعتبره الفيلسوف السياسي جون زولز « الإجماع المتداخل « بكونه أساس الديمقراطية في مجتمع متعدد ثقافيا ، لقد حاجج رولز في حالة مجتمعات من هذه الخاصية بضرورة تفادي الحوار الإيديولوجي والتركيز على الحوار العقلاني والمنطقي ، حوار يكون مقبولا من طرف الجميع يصل بهم لنتائج مشتركة بالرغم من اختلافاتهم الإيديولوجية . الدراسة ترى العكس, ترى أن الإسلاميين وغير الإسلاميين وبناء على مشتركات سياسية ، ملزمون بإجراء مفاوضات معقدة وصعبة ، ومساومة ديمقراطية ، ,وإعادة تفسير الدين ، وفتح مسار مراجعات فكرية جذرية ، والعمل على إعادة بناء دور وموقف الدين من المعايير التي ينبغي أن تتوفر في نظام سياسي ، وفي علاقة الدين بالدولة ، إن المهمة المنسية في مصر حسب الدراسة هي إغفال النضال الديمقراطي المصري الجواب على ما السبيل لوضع جملة من القواعد والأسس لتشكل نظام سياسي تنافسي ، مبني على قواعد توافقية بين كل المكونات الإيديولوجية والسياسية ، والتي تعمل على التنافس على موقع سياسي وهي متخطية إرثا من الشك والقطيعة في ما بينها . تقول الدراسة أنه من الصعب تصور مسار كهذا وما ستكون عليه وضعية الحركات الديمقراطية إسلامية أو غير إسلامية ، خاصة مع تزايد الشكوك حول السجل الديمقراطي لحزب العدالة والتنمية في تركيا ، لقد أتثبت الوقائع الملموسة الحاجة لإصلاحات فكرية أوسع ضمن الإسلام السياسي أساسا حول علاقة الدين والدولة ، حول الاستشهاد بنصوص الدين في خطابات الأحزاب الديمقراطية الإسلامية حسب الدراسة ، هناك حاجة لاستمرار إعلاء هذه الحركات لقيم الإسلام ، لكن فقط ضمن مفاهيم وتقاليد وطنية ملهمة للناس ، لكن لا مجال أن تفرضها الدولة.من الضروري أن تفصل جماعات الإسلام السياسي بين الدعاوي والسياسي ، ومن الضروري أن تنتهي علاقات الفروع المحلية بفروع في الخارج ، بعبارة أوضح حسب الدراسة يمكن تبلور حركة إسلامية ديمقراطية شبيهة بحركة الديمقراطية المسيحية ، أي حركة محافظة ثقافيا تتنافس على السلطة ضمن قواعد ديمقراطية متوافق عليها . تقول الدراسة أنه لا يتوفر لمصر اليوم إسلاميون معتدلون ، وحتى تجربة حزب مصر القوية وهو حزب وسطي لم يتمكن من إحراز تقدم ، ولم يتمكن من بلورة إيديولوجية خاصة به .أما ما يمكن اعتباره نماذج ملهمة في تجربة الإسلام السياسي ، كتجربة حزب العدالة التركية والتجربة التونسية فقد نشأت في ظل تنافسية قوية للعلمانيين ومع وجود أحزاب قوية ، في حين أن التجربة المغربية كانت محكومة لحد كبير مع تواجد نظام ملكي قادر في كل حين على تحديد قواعد التعددية السياسية والدينية ، أما مصر فلقد ظلت جماعة الإخوان مهووسة دائما بخطر اقتلاع وجودي ، وأقصى ما بلورته كاجتهاد هو بدايات فصل الدعوة عن السياسة وبدون نجاح ، كان إرث الإخوان ثقيلا لدرجة أنها لم ترض أبدا أن تكون مكونا ضمن مكونات سياسية أخرى . لم تعد جماعة الإخوان المسلمين بتلك القوة التي كانت عليها قبل عزل مرسي ، لكنها لا زالت قوة مهمة ، سيظل حلم الكثير من الإسلاميين بإنشاء نظام إسلامي سياسي واجتماعي قائما ، لكن اليوم التحدي هو ما إذا كان هذا النظام سيحظى بقبول وإعجاب شرائح واسعة من المجتمع المصري ، وسيصبح هذا الاختيار رهين بمدى استعداد وقدرة قادة الإسلام السياسي على إجراء تحول سيضطرون له ، وسط مناخ عدائي أكبر من ذلك الذي كان في فترة السبعينات حتى التسعينات ، حين تمكن هذا الفصيل من بلوغ قوة معتبرة سياسيا واجتماعيا . لا شيء يوحي بمسار التحول داخل هذا الإسلام السياسي ، لقد ترتب على معارضة الدولة للإسلاميين ، وتنامي الرفض الاجتماعي لمشروعهم ، ازدياد منسوب التعنت داخلهم ، وكرس وجهات الانقسام أكثر منه مسار التعددية ، ومن دون رؤى واستراتيجيات وتوجيهات إرشادية لن يحدث التغيير داخل الحركة الإسلامية ، بل سيظل مؤشر الهبوط والصعود هو السائد . بالنظر لاستمرار النهج السلطوي في مصر ، وبالنظر لما تعتبره الدراسة فراغا إيديولوجيا وسياسيا ، لا شيء يبشر أن مصر ستدخل عهد الديمقراطية ، ولا شيء يبشر أن الإسلام السياسي سيدشن مسار تفكير سليم ، لا يمكن أن تبرر الدولة السلطوية في مصر قمعها إلا من خلال قمع إسلام سياسي مدان ، ولا يمكن لقادة الإسلام السياسي أن يبرروا الثمن الباهظ لخياراتها أمام جمهور أنهك ، إلا بخطاب ديني . مع أن الجماعة عانت جمود حقيقيا في القيادة والتنظيم وأيضا في الإيديولوجيا ، إلا أنها أظهرت صمودا لم يكن متوقعا وحافظت عموما على قوة تؤهلها لدخول تجارب انتخابية وبقوة ، إلا أن الجديد اليوم أنها تواجه منافسة إسلامية شديدة في وجه اختيارها ، حتى وهي لا زالت قادرة على إقناع أعضائها بالخيار الانتخابي لأسلمة المجتمع . لا زال السلوك الغالب والمهيمن في تصرف الإسلاميين في مصر تفادي المواجهة العنيفة مع الدولة لأسباب حسب الدراسة إما تعود لافتقاره الإمكانات لهكذا اختيار ، أو لوجود مصلحة لهم في المشاركة في المجال الاجتماعي ، غير أن لا شيء يضمن استمرار هذا الموقف بسبب تداعيات إقليمية وبسبب جمود محلي ، صحيح أن الإخوان يعتبرون تطرف داعش مقزز ومنفر ، إلا أنه في الجانب الأخر يبرز للإسلاميين المتشددين أنه النموذج الواحد اليوم الذي يراكم ويقدم انتصارات ، في الوقت ذاته الذي يراكم النموذج الكلاسيكي الداعي للتدرج لدى الإخوان الانكسارات ، الشيء الذي قد يدفع اليائسين إلى ركوب تجربة الجهاديين في العراقوسوريا وليبيا ، فبالرغم من أن الإخوان عموما حافظوا على التنظيم إلا أنهم فقدوا علة وجودهم التدرج في أسلمة المجتمع . سيبقى على العموم الإسلاميون حسب الدراسة قوة سياسية في المشهد السياسي في مصر على المدى المنظور أو بصيغة الدراسة المستقبل القريب ، إلا أنه لا يد عليا على أي من السيناريوهات الخمس على مستقبل الإخوان ، إذ كلا الطرفين ملتزمين لحد الساعة بنجاح السيناريو الأول والثاني ، نظام سياسي يجتث ويقتلع الإخوان من الساحة ، وإخوان يعودون عودة مظفرة للحياة السياسية ، عدم واقعية كلا السيناريوَهين ، قد يدفع الطرفين لخيارات أخرى ، خاصة ، منها خيار المصالحة ، الذي إن لم يجر تبنيه من الطرفين ، تبقى خيارات « المصالحة ، الانقسام ، التجديد « مستبعدة . في الوقت الذي يمكن أن تشكل عودة الإسلاميين للحكم نظرة غير واقعية ، تشكل فكرة أن الإسلام السياسي بات ينتمي للماضي فكرة غير واقعية أيضا . إذ ما لم تتبلور حركات ديمقراطية إسلامية أو غير إسلامية قوية وذات نفوذ شعبي ، وما لم تجر إصلاحات سياسية وتنموية عميقة ، وما لم توضع بدائل ديمقراطية تشاركية ، ما لم تنته السلطوية والديكتاتورية ، لن تتبلور سياسات ما بعد إخوانية . إن الصراع الاجتماعي والاضطرابات التي تعيشها مصر أبرزت بجلاء أن كل من السلطوية ، والإخوان المسلمين لا رغبة لهم في إشراك قوى أخرى ، عجز النظام السياسي على جلب الاستقرار ، وعجز الإسلام السياسي على الإدماج ، التقت مصالحهما على نفس الاختيار ، وبدل أن يكون الإسلاميون جزء من الحل أصبحوا جزءا من المشكلة.