طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب    كأس إفريقيا لكرة القدم للسيدات المغرب 2024.. لبؤات الأطلس في المجموعة الأولى مع الكونغو الديمقراطية والسنغال وزامبيا    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين        الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    السجن المحلي بالقنيطرة ينفي تدوينات يدعي أصحابها انتشار الحشرات في صفوف السجناء    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال        مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    الرابور مراد يصدر أغنية جديدة إختار تصويرها في أهم شوارع العرائش    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    تفكيك شبكة تزوير وثائق السيارات بتطوان    زَمَالَة مرتقبة مع رونالدو..النصر السعودي يستهدف نجماً مغربياً    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإخوان المسلمون في مصر ومستقبل الإسلام السياسي
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 11 - 12 - 2014

في دراسة حديثة للمعهد الأمريكي كارنيغي, تحت عنوان»الإخوان المسلمين ومستقبل الإسلام السياسي في مصر» ، يشير الباحث أشرف الشريف إلى أن الاضطرابات الراهنة في مصر ومن ضمنها حالة الاستقطاب والصراع الاجتماعي والعنف تلقي بظلالها على المشهد السياسي المصري ، وتطرح سؤالا كبير حول قدرة النظام المصري على تحقيق الاستقرار السياسي مع إرادة الإقصاء التي ينهجها النظام المصري تجاه الإسلاميين . تنطلق الدراسة استنادا للديناميكيات الداخلية والخارجية المتغيرة للحركات الإسلامية في أبعادها المحلية والإقليمية إلى خمس سيناريوهات ممكنة لمستقبل الإخوان المسلمين ، والتي سيكون لمساراتها المختلفة تأثير قوي على الإسلام السياسي وقضية الدمقرطة في مصر .
السيناريوهات المستقبلية المحتملة
1 - استمر النظام المصري في نهجه والتزامه بالقضاء على الإخوان المسلمين ، وهو في هكذا اختيار يفتقد للموارد الكافية ، في الوقت نفسه الذي يستمر الإخوان المسلمين في نفسه الصمود في مواجهة القمع الموجه ضدهم .
2 -من خلال استمرار الاحتجاجات وتناميها يهتز النظام المصري ويتمكن الإخوان المسلمين من بدعم شعبي يعود بهم للحياة السياسية .
3 -يتفاوض الإخوان مع النظام حول صيغة للعودة للحياة السياسية تكون شبيهة بتلك التي كانت قائمة في عهد مبارك ، تواجد سياسي متحكم فيه وضمن خطوط حمراء يحددها ويتحكم فيها النظام المصري .
4 -يؤدي المسار بالإخوان المسلمين للانقسام إلى جناحين ، جناح معتدل يقيم السياسة التقليدية للإخوان المسلمين على أنها تستند لقدر كبير من المواجهة ، وجناح متشدد يعتبر أن اللحظة الراهنة تنطوي على خطأ إيديولوجي وعلى كثير من التنازلات .
5 .تنتهي جماعة الإخوان المسلمين إلى توقيف احتجاجاتها والانسحاب من النشاط السياسي ، لتتفرغ لإعادة صياغة إيديولوجيتها وإعادة بناء تنظيماتها .
*التداعيات على المجتمع المصري
تنطلق الدراسة من أن السيناريوهات الخمس ليس بالضرورة هي من سيكون لها اليد العليا على مستقبل الإخوان المسلمين ، إذ تعتبر الدراسة أن الدولة القديمة والإخوان معا ملتزمين أساسا بالسيناريو القائم حاليا ، قائم على ما يلي : نظام يسعى لإنهاء هذه الجماعة ، وجماعة تشتغل على العودة المظفرة للحياة السياسية . إن عدم تحقق السيناريوهين قد يدفع كلا الطرفين لخيارات أخرى من بينها المصالحة ، إلا أنه وحسب الدراسة من المستبعد على المدى القريب أو المتوسط حصول سيناريو المصالحة ، أو سيناريو تفكك الجماعة أو أن تتمتع الجماعة بتجدد في صفوفها .
الدراسة تعتبر أن جماعة الإخوان المسلمين أثبتت قدرة هائلة على الصمود أكبر مما كان متوقعا ، وهو ما سيفضي إلى استمرار الإسلام السياسي فاعلا سياسيا أساسيا في مصر ، مما يعني عودة مناخ السياسة والديمقراطية لحقبة ما بعد الإخوان .
أما إنهاء السلطوية للدولة القديمة ، وتنمية الاقتصاد وتدشين مسار إصلاح ديني ، بموازاة تبلور حركات ديمقراطية جماهيرية إسلامية وغير إسلامية تتبنى فعليا التعددية ، فلا واحدة من هذه الإمكانيات متوفرة على المدى المنظور ترى الدراسة .
لذلك تخلص الدراسة إلى أنه لا أفق منظور لدولة ديمقراطية في مصر ، ما لم تتجه كل من الدولة القديمة والإسلاميون نحو مسار للتغيير السياسي والاجتماعي الديمقراطي ، إلا أن الطرفين لا تتوفر لهما الاستعداد لتدشين هذا المسار والانخراط مع أطراف أخرى فاعلة باعتماد طريقة جديدة في التفكير الديمقراطي ، ومثلما الدولة القديمة مشكلة ، بالقدر ذاته الإسلاميون مشكلة ولا يشكلون جزء من الحل .
بعد هذا التقديم تتجه الدراسة للبحث في سؤال عميق وهو هل انتهى الإسلام السياسي في مصر ؟
هل انتهى الإسلام السياسي في مصر ؟
هذا السؤال بدأ يتناوله كثير من الباحثين ، خاصة بعد المصير الدراماتيكي التي عاشته جماعة الإخوان المسلمين بدءا من عام 2013 ، إلى تاريخ 25 ديسمبر حين جرى الإعلان أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية ، لم تفقد الجماعة فقط الرئاسة بل وفقدت حضورا في البرلمان ... وتعرضت لحملة قمع دموية .
طيلة هذا المسار الانحداري لجماعة الإخوان المسلمين ، اتسم سلوك الجماعة حسب الدراسة بنوع من ردود الفعل المفتقد للحس الإستراتيجي ، والواقع تقول الدراسة أن الإخوان المسلمين يواجهون تحديا حقيقيا متمثلا في تنامي مطالب الشعب المصري التواق إلى تعددية سياسية حقيقية يشمل الجميع ، ويؤدي إلى مساواة سياسية حقيقية .
تخلص الدراسة أن الإخوان المسلمين وطيلة هذا المسار الذي يغطي 3 سنوات بات من غير الواضح إمكانية الحديث عن نجاحهم في هذا المسار ، وأنها حتى وإن بدت اليوم محافظة على تماسكها ، فمن المستبعد في نفس الوقت أن تحافظ على نفس الهدف وعلى تماسك أعضائها وعلى استقطاب عناصر إسلامية جديدة ، بل إن قدرتها على التحكم في المسار الفكري والسياسي وأجندته للاتجاهات الإسلامية يطرح شكوكا بالغة .
ما ستتعرض له المنظمات الإسلامية على غرار ما حدث لجماعة الإخوان المسلمين ، لن تتحكم فيه هذه المنظمات ، بل سيكون في ملامحه الكبرى ناتج عن عوامل هيكلية خارج سيطرة هذه المنظمات الإسلامية ، بما في ذلك سياسة الدولة تجاه هذه المنظمات ، ومدى تماسك النظام السياسي والسياقات الإقليمية ، وبالرغم من أن جماعات الإسلام السياسي تعاني اليوم أزمات حادة وحقيقية وعصية على الحل ، فإن مصيرها لم يصل لخواتمه خاصة أنها لا زالت تملك قوة حقيقية . إن مسار ومستقبل هذه الجماعات لا تتحكم فيه فقط تضيف الدراسة عوامل خارجية، بل تتحكم فيه أيضا مدى القدرة وطريقة الاستجابة ورد فعل الإسلاميين، والأهم، خاصة ، مدى قدرتهم على إعادة النظر بشكل جدي في ثقافتهم وإيديولوجيتهم .
الدراسة تشير إلى أن مصر تعيش بداية حقبة جديدة في الإسلام السياسي حتى وإن بدا فضفاضا وسائلا إيديولوجيا ، لقد تعرضت الحدود بين المراكز والأطراف للوهن ، والاختلافات داخل الجماعة تتجه أكثر نحو اختلافات مهمة بين الأجيال ، فإذا كان هذا المسار قد يدفع بعض أجنحتها نحو تدشين مسار مراجعة جدية ذاتية وإيديولوجية ، إلا أن الغالبية يتبنون وبازدياد مواقف شعبوية وراديكالية ومتعصبة على يمين الجماعة .
جماعة الإخوان منذ إطاحة مرسي ...تحت ضغط متصاعد
في 14 من غشت من سنة 2013 قامت قوة الجيش والشرطة بفض اعتصام رابعة العدوية ، اختلفت التقديرات حول عدد القتلى الجرحى ، وزارة الصحة المصرية تحدثت يومها على حوالي 667 قتيلا وحوالي 4400 جريح ، في ما تحدثت منظمة
هيومن رايتس ووتش على ما اعتبرته أسوء حادث قتل جماعي في تاريخ مصر الحديث ، وبغض النظر عن هذا الحادث من الزاوية الحقوقية والإنسانية ، فإنه شكل بداية لحملة قمع شرسة تجاه جماعة الإخوان المسلمين .
تقول الدراسة عزز عنف النظام المصري والقمع الذي سلط على الإخوان المسلمين الاعتقاد لدى هذه الجماعة بأنهم يخوضون معركة وجود ضد الدولة المصرية العميقة ، وكلما اتسعت دائرة العنف كلما تضاءلت فرص رضوخ هذه الجماعة للدولة القديمة .
تقول الدراسة إن صعود الإخوان المسلمين شكل بالنسبة إليهم « نهاية التاريخ « للجماعة ، مما قوى من انفعاليتهم ومن ضمور نفعيتهم وبرغماتيتهم المعروفين بها ، إذ عنت هزيمتهم السياسية سواء من خلال الرفض الشعبي أو القبول بحقائق ونتائج الانقلاب العسكري ، قبولا بنهاية مشروعهم وما اعتبرته الدراسة العودة لسابق عهدهم أيام حسني مبارك تواجد سياسي محسوب ومقدر .
إضافة لذلك اعتقد الإخوان كثيرا إمكانية حدوث هبة شعبية شبيهة بما حدث في يناير 2011 ، وهو تقدير جانب الصواب أو هو حسب الدراسة دائما تقدير مبالغ فيه لجهة قدرة هذه الجماعة على التعبئة . أيضا عاد الإخوان للتاريخ وبالضبط لواقعة فبراير 1954 أو ما اصطلح عليه ب « عقدة ذنب عبدا لقادر عودة « ، إذ في ذلك العام أوقف نائب المرشد العام لجماعة الإخوان احتجاجات هؤلاء ، والتي اعتبروها تضييع فرصة تاريخية لتقويض أسس الحكم العسكري في مصر والذي كان بالنسبة إليهم هشا ويسهل إسقاطه ، ولأن النظام يومها شن هجوما عنيفا على الجماعة أشهرا بعد الحادث ، قدروا أنهم لا ينبغي أن يعايشوا ظروفا شبيهة بالماضي ، فلم يكن أمامهم من خيار حسب الدراسة سوى التصعيد أو هكذا اعتقدوا .
تقول الدراسة أنه فضلا على أن النظام صنف الجماعة جماعة إرهابية ، واستغل الأوضاع المتردية في صحراء سيناء والهجمات المتوالية التي يشنها إسلاميون متشددون ضد الجيش المصري ، فإنه عمد إلى تجفيف منابع التمويل الذي تدره استثمارات الإخوان ، وجمدت أنشطة أزيد من 1050 جمعية خيرية وصادرت أموالها ، كما شن النظام هجوما على أنشطتهم الدينية وأخضع المساجد للمراقبة ، وسرح المئات من الأئمة التي تربطهم روابط معينة مع الإسلاميين . فضلا عن ذلك تقول الدراسة عمدت عدة دول ومن بينها السعودية والإمارات لاعتبار جماعة الإخوان جماعة إرهابية ، وعمدت إلى تقييد الدعم المحلي إليها ، وبالرغم من أن النظامين السعودي والإماراتي معروفان بدعمهما للنظام المصري ، إلا أن سرعة تأيدهم قرار اعتبار الإخوان جماعة إرهابية ، يعكس التوجس والتخوف ألذي تعيشهم المنطقة من صعود الإسلام السياسي وتعاظم نفوذ جماعة الإخوان المسلمين .
تغييرات تنظيمية لدى الإخوان
كنتيجة مباشرة للاعتقالات التي مست قيادة الإخوان المسلمين بما فيها مكتب الإرشاد صاحب السلطة العليا في الهرم التنظيمي للإخوان ، ومجلس الشورى الذي يعتبر بمثابة برلمان الجماعة ، ورؤساء المكاتب الإدارية ، كنتيجة مباشرة لذلك تعرضت الروابط التراتبية لتنظيم الإخوان المسلمين إلى كسر ، الشيء الذي منح الهيئات المحلية والقيادات المحلية والشباب دورا متناميا في تنظيم الجماعة ، إذ هم ومعهم الشبكات المحلية من يقودون الاحتجاجات ، مما يجعل التنظيمات الصغيرة هي التكتيكات المفضلة اليوم .
تنامي دور النساء ضد الانقلاب بما فيها الأدوار المحرمة أنثويا ، إضافة للأطفال يجري خلق هيئات موازية على أساس قطاعي على شاكلة ، أطباء ضد الانقلاب مهندسون ضد الانقلاب ، طلبة ضد الانقلاب ...
وعموما تشير الدراسة إلى أنه جرى تراجع واضح في الطابع المركزي للجماعة ، كما أنه يجري تنظيم التظاهرات بشكل سري تفاديا لاختراق المخبرين الأمنيين .
بناء على معطيات مستقاة من مصادر قريبة من الجماعة تتحدث الدراسة على أنه جرى في شهور قليلة قبل ما تعتبره الدراسة انقلابا ، انتخاب مكتب إرشاد مؤقت يجمع بين المنتخبين ومن تبقى من مكتب الإرشاد السابق ممن لم يطلهم الاعتقال ، ويصدر هذا المكتب المؤقت التوجيهات العامة ، فيما تتخذ المكاتب الإدارية المحلية القرارات الفعلية المتعلقة بالتنفيذ ، وهذا نمط لا مركزي يدعمه مكتب الإرشاد المؤقت .
إن هذا الشكل اللامركزي في العمل الذي فرض على الجماعة أثبت بعض الفعالية في الأنشطة الدعوية وفي شبكات الإخوان ، وفي تفادي قمع النظام ، غير أن فعاليته في الاحتجاجات تقول الدراسة أصبحت موضع شك ، يثير هذا النمط من التنظيم جدلا لدى المحللين ، في ما إذا كان قد أحدث تحولا حاد في شكل القيادة من الفوق إلى تحت ، وما إذا كان قد مس مبدأ السيطرة التي تميز السلوك التنظيمي للجماعة . إن ما سهل هذا التحول هو وجود نفسها القاعدة في سلوكيات التنظيم لدى الجماعة إبان عهد مبارك ، وهي القاعدة التي تدعو لمركزة صنع القرار ولا مركزية التنفيذ ، وهو ما حد نسبيا من تأثير القمع ، غير أنه وفي نفس الآن تشير الدراسة حد من فعالية الجماعة في تعبئة مواردها الوطنية ، وحد من فعالية الاحتجاجات وطابعها الوطني ، كما أنه يمس تماسك الجماعة ، لأنها لم تعد قادرة على إحداث التنسيق الوطني .
وفي ميدان التواصل الاجتماعي تفاوتت معدلات النجاح من منطقة إلى أخرى ومن مجال لأخر ، وهكذا فاللجان السياسية التي عرفت نشاطا بين الفترة الممتدة من 2011 إلى 2013 لم يعد لها وجودا تقريبا في 2014 لأن قطاعات واسعة من المجتمع المصري رفضتها ، كما أن جزء مهم من قاعدة الكوادر الشابة لم تعد تولي أهمية خاصة لمجال السياسة الانتخابية وباتت تزدريها وتشكك في جدواها ، في الوقت نفسه الذي عرفت اللجان التعليمية والدينية نشاطا ملحوظا ، ذلك كما تشير الدراسة أن إعادة إنتاج الطابع الإيديولوجي يشكل دعامة رئيسية في عمل الأخوان المسلمين ، والتربية الدينية حلقة مركزية في هذه العملية .
تحولات إيديولوجية
إن هذه التغييرات التنظيمية أفضت إلى تحولات إيديولوجية تقول الدراسة ، وأعادت الجماعة إلى الاهتمام أكثر بالمبدأ التقليدي كمصر للهوية . إن جماعة الإخوان المسلمين هي في الأصل جماعة دينية ، يشكل أعضائها وأنصارها أداة سياسية لتحقيق أهداف القيادة في إطار عقيدة شمولية الإسلام ، لقد اهتم الإخوان المسلين بعد الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك أكثر على النشاطات السياسية على حساب الطابع الدعوي ، وهو النشاط الذي فرضته ضرورة كسب أصوات الناخبين ، إلا أن هذا النشاط أضر كثيرا الطابع الإيديولوجي للجماعة .
وبعد الإطاحة بمرسي أكدت التطورات هذا المنحى ، إذ ستعود الجماعة لسابق عهدها وللجوهر المبدئي لطابعها كجماعة دعوية في مواجهة تحدي الوجود إلا أن هذا المنحى غير واضح الآن تقول الدراسة ، إذ هل ستسعى الجماعة لإعادة كسب تعاطف ومساندة المجتمع من خلال نموذج تبشر به وتدعو للاقتداء به والقبول بأن تقاد به ؟ أم أنها ستعتبر المجتمع كافرا ولا أمل فيه ، ومن تم ستنعزل عنه وتعتبره لا إسلاميا ؟ هل ستوظف نشاطها الاجتماعي بهدف الوصول للسلطة ؟ أم ستعتبره نشاطا هدفه في ذاته ؟ إن الوجهة التي ستختارها جماعة الإخوان المسلمين في مصر هو ما سيحدد مستقبلها .
إن ما يميز جماعة الإخوان المسلمين هي أنها جماعة بطيئة في تحديد إستراتيجيتها ، عكس سرعة تأقلمها التكتيكي ، كما أنها تتخلف في كل ما يتعلق بإعادة النظر في إيديولوجيتها وثقافتها وفكرها ، بل إنه باتت ومنذ الإطاحة بمرسي أكثر غموضا في موقفها من العنف والتسامح مع الأخر ، وأكثر غموضا . في نفس الوقت ، الذي أصبحت أكثر قربا وفي موقع أحسن تجاه جماعات السلفية ، التي لطالما اعتبرتها جماعة دينية مخطئة شرعيا وأكثر تنازلات مبدئية وتعرض القضية الإسلامية لخطر حقيقي ، إن الجماعات السلفية وخاصة منها الحركيين والجهاديين ظلت تحط من سياسيات الإخوان .
وبالرغم من أن جماعة الإخوان المسلمين تقول الدراسة تعتبر المجابهة مع النظام حاليا بدون جدوى ، إلا أنها تعتبرها فرصة سانحة لتعزيز وعيها الإيديولوجي وتعزيز تجربتها ، مما سيجعلها أكثر جهوزية للظروف الجديدة التي تعيشها مصر السيسي .
سيناريوهات مستقبلية
تضع الدراسة الأمريكية لصاحبها الباحث أشرف الشريف ، خمس سيناريوهات ممكنة ومحتملة لمستقبل الإخوان المسلمين في مصر :
- سيتمكن النظام من اجتثاثهم .
- سيتمكن الإخوان من العودة المظفرة .
- سيتصالحون مع النظام .
- سيتشردمون لأجنحة متباينة كجزء من حالة السيولة التي تميز الحركية الإسلامية الراهنة .
- سيجددون ضمن عملية مراجعة ذاتية شاملة .
الاستئصال التام
تقول الدراسة أن النظام المصري الحالي ليس لديه اعتراض مبدئي على ضم جماعة الإخوان المسلين إلى خريطة الطريق المصاحبة للانتقال السياسي في مصر ، لكن ضمن شروط أبرزها ، أن يحترم الإخوان المسلمين قواعد اللعبة السياسية من خلال الاعتراف بشرعية النظام القائم ، والكف عن المطالبة بعودة الرئيس مرسي ، والقبول بالعقوبات التي تطال القادة الذين سلكوا أعمال العنف ومسلسل الصراع الأهلي ، كما يتعين على الإخوان أن يقبلوا بالخطط الحمراء التي سطرتها مؤسسة الجيش في مصر ، سواء لجهة الأمن الوطني ، أو الهوية ، أو لجهة الحد من ما تعتبره مؤسسة الجيش الأنشطة الطائفية للجماعة ، و أن تمتنع الجماعة على السعي للهيمنة الانتخابية والسياسية .
لقد كان القبول بهذه الشروط ، قبولا بأن تكون جماعة الإخوان شريكا سياسيا صغيرا للمؤسسة العسكرية ، وهو ما اعتبرته الجماعة استسلاما سياسيا غير مبرر ، ومن شانه أن يفقدها تماسكها الداخلي ، الشيء الذي فرض عليها أن تختار المواجهة ، مع نظام يسعى لتدميرها وقطع عنقها .
تذهب الدراسة إلى أن فرص نجاح اختيار الاستئصال ضعيفة ، إذ يصعب على النظام قطع الموارد المالية لجماعة عملت لسنوات على تنظيم شبكات علاقات وطنية ومحلية ، هذا عدا قدرتها على العمل في الخفاء وعلى التكيف مع ظروف القمع .
لازالت تقول الدراسة بعض النخب المناوئة للإسلاموية تعتبر عبد الفتاح السيسي الرجل القوي ، الذي هو بالنسبة لهؤلاء بمثابة أتاتورك تركيا ، وتعتبر أنه بإمكانه لي عنق الإسلاميين ، وفي غالب الأحيان تعود هذه النخب بذهنها لقترة عبد الناصر الذي قاوم الأخوان المسلمين ، لقد كان عبدالناصر يملك كثيرا من الموارد التي مكنته من إطلاق العديد من المشاريع الكبرى ، كما أن نجاحاته في مقاومة الاستعمار مكنته من إطلاق سلطوية ، إلا أن هزيمة 1967 وتسامح السادات مع الإخوان ، مكنهم من إعادة بناء تنظيميهم وتوسيع جمهوره .
إن الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تعانيها مصر اليوم ، قد تعيد الإخوان المسلمين للواجهة رغم أن هذا الاحتمال ضئيل جدا في ظل الاستقطاب الحاد الذي تعرفه مصر راهنا .
وعلى العكس ما يعتقد البعض من أن الدولة القديمة ستعيد الديمقراطية بمجرد انتهائها من المواجهة مع الإخوان ، ترى الدراسة أن نظام السيسي أثبت سلطويته ، وأن الاقتصاد لن يتحسن بدون إصلاحات بنيوية عميقة وهو ما يبدو أن لا أحد جاد في هكذا اختيار .
العودة المظفرة
إنه السيناريو الثاني الذي تضعه هذه الدراسة الأمريكية ، وهو يعني ليس فقط عودة و بقاء الإخوان في المشهد السياسي ، بل عودة مظفرة ، وهذا السيناريو يقتضي تحقق مجموعة من الافتراضات ، منها أن تؤدي احتجاجات الإخوان إلى هز النظام السياسي في مصر ، وأن تحظي الجماعة بتعاطف شعبي كنتيجة لإخفاقات النظام على الصعيد الاقتصادي والسياسي .
إن جماعة الإخوان المسلمين دشنت سلسلة من الإجراءات ، ومنها أنها أقدمت على تأسيس إطار تعددي سمي بتحالف دعم الشرعية ، وهو التحالف الذي ابتعد عن الإسلاموية لتتمحور مطالبه على العدالة السياسية والديمقراطية ، وعبر إطلاق سلسلة من المظاهرات ، وعبر تقديم الجماعة على أنها ارتكبت بضع أخطاء, إلا أنها تقدم على أنها مجرد سقطات إجرائية ، غير أن هذه الاحتجاجات سرعان ما عادت للإسلاموية ، كما أن فعالية احتجاجات هذا الإطار تراجعت بسبب عدم قدرة هذا الأخير على جلب الطبقة العاملة ، والأطراف الاقتصادية غير الرسمية ، والفلاحين والطبقة الوسطى غير المؤدلجة .
أيضا تشير الدراسة إلى أن السبب العميق لفشل هذا الإطار ولفشل احتجاجاته هو عدم قدرته في موضعة تظلمات الإخوان في إطار أجندة سياسية واضحة وأوسع ، كما أن هذه الاحتجاجات مصاحبة مع أعمال عنف وإرهاب ، ولذلك اعتبرت الجماعة ملومة كنظام في تعثر اقتصاد مصر ، كما أن الجماعة لا تقدم بدائل في حجم تشددها في انتقاد النظام ، وهو ما يزيد من مخاوف الناس من شدة الاحتجاجات ، الواقع تقول الدراسة أن المواطنين قد يفضلون الواقع الحالي على احتجاجات لا تقدم بدائل ولا تفتح أملا .
استبعاد مشاركة الإخوان في الانتخابات القادمة هي المرجحة ، وبالتالي الخطة البديلة لقادة الإخوان غير المعتقلين هي تطوير الاحتجاجات في أفق أن تصبح حركة شعبوية سياسية ترفع شعارات العدالة الاجتماعية ، ولكي يتحقق هذا التحول, لا بد للجماعة من موارد فكرية وثقافية وقاعدية قابلة لتبني خطاب إعادة التوزيع ، الشيء الذي تفتقده الجماعة فهي لا تتوفر لا على الإديولوجيا و لا على الموارد ولا على الوسائل .
يعاني الإخوان حسب الدراسة من تنافر الاستراتيجيات وهي المخاطر التي تنطوي على فئتين من قادة الإخوان غير المعتقلين :
فئة قادة المنفى وهم مختلفون في ما بينهم ويمكن تحديدهم في جناحين :
جناح متشدد يصر على معاداة جذرية للنظام إلى حين تقويض الانقلاب ، وهؤلاء يمتلكون نفوذا من خلال تواجدهم واعتمادهم على قناة الجزيرة ، ويهيمنون داخل التحالف ، ولهم تواجد معتبر داخل مكتب الإرشاد المؤقت ، وبالرغم أنهم يدينون العنف رسميا ، إلا أنهم يعولون على إطلاق غضب القواعد في حدود معقولة ، ويعتبرون أنهم بالصمود قد يحظون بدعم خارجي .
الجناح الثاني أقل نفوذا وأقل حجما ، يعتبرون أن استغلال تشدد الشباب الإسلاميين للمواجهة الفعالة مع الدولة ينطوي على خطر فقدان السيطرة على هذا الشباب ، ويعتبرون ذلك ضمن خطة حالة الهاوية ، كما يقدرون أن قادة المنفى بعيدين عن حقائق الداخل ، وأن الرهان على إحداث انشقاق داخل المؤسسة العسكرية رهان غير واقعي أو بحسب الدارسة غير حكيم ، وهم ممن يعتقدون أن إعادة مرسي للحكم غير واقعي ، ويشددون على ضرورة نهج أسلوب يضع الإخوان ضمن إطار عام لمعارضة تنشد إصلاحا سياسيا وديمقراطيا ضمن معارضة غير إسلامية ، وبالرغم أن هذا الجناح لم يعبر صراحة لحدود الساعة عن هذا النهج ، فإن الدراسة تؤكد أن بعضهم في ظل شروط معينة قد يدخلون في حوار مع النظام السياسي في مصر .
إن الصراعات داخل هذين المجموعتين لا زال متواصلا ، ويأخذ أبعادا في الشجارات الداخلية وفي تبدل التحالفات الداخلية في مركز القرار ، لقد عمل الإخوان للانتفاضة ضد النظام في 6 أكتوبر 2013 وفشلوا ، وخططوا أيضا للانتفاض على النظام في 25 يناير 2014 وفشلوا ، ولقد أدى تراجع النصر الوشيك لخلافات بين المجموعتين ، إذ تصدرت المجموعة الثانية إعلانا من بروكسيل ، لم يضع من ضمن أهدافه عودة مرسي ، ولا شدد على الطابع الإسلامي للمعارضة المصرية ، وهو ما دفع قيادة الداخل في مواجهة ارتباك مناصريها لإصدار بيان أكدت فيه أن الهدف الرئيسي من كل التحركات هو عودة الرئيس مرسي للحكم .
*الجماعة في مصر :
ينضبط أكثر عناصر الجماعة للقيادة في الداخل والتي تميل أكثر للمواقف الصدامية مع النظام ، ويجري تجاهل قيادة المنفى بهدف التحكم أكثر في نشاط الجماعة في الداخل ، خاصة وأن هذه القيادة تعرف جيدا مزاج شبابها الذين قدموا ثمنا باهظا في مواجهة ما اعتبره استحقاقات ضد الانقلاب ، مما يعني أن المعتدلين داخل هذه الجماعة ملزمين بأن يجادلوا شبان غاضبين بلا جدوى النهج التصادمي وأنه مدمرا ذاتيا ، وأنه ينبغي تبني مقاربات جديدة واقعية لكن بدون أن تبدد التضحيات السابقة ، إلا أن هذا النهج الاعتدالي هامشي وضعيف .
إن فرص استمرار الجماعة قائمة لكن بسبب عدة احتمالات من الصعب أن تعود عودة مظفرة ، إذ حتى ولو تمكن قادة الجماعة من تدبير ما مع المؤسسة العسكرية ، فإنهم لن يكونوا قادرين على إقناع جموعها وخاصة منهم الشباب الغاضب ، كما أنهم لن يتمكنوا من استمالة جمهور إسلامي واسع وعلى مخاطبته وضمان جدبه .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.