في دراسة حديثة للمعهد الأمريكي كارنيغي, تحت عنوان»الإخوان المسلمين ومستقبل الإسلام السياسي في مصر» ، يشير الباحث أشرف الشريف إلى أن الاضطرابات الراهنة في مصر ومن ضمنها حالة الاستقطاب والصراع الاجتماعي والعنف تلقي بظلالها على المشهد السياسي المصري ، وتطرح سؤالا كبير حول قدرة النظام المصري على تحقيق الاستقرار السياسي مع إرادة الإقصاء التي ينهجها النظام المصري تجاه الإسلاميين . تنطلق الدراسة استنادا للديناميكيات الداخلية والخارجية المتغيرة للحركات الإسلامية في أبعادها المحلية والإقليمية إلى خمس سيناريوهات ممكنة لمستقبل الإخوان المسلمين ، والتي سيكون لمساراتها المختلفة تأثير قوي على الإسلام السياسي وقضية الدمقرطة في مصر . السيناريوهات المستقبلية المحتملة 1 - استمر النظام المصري في نهجه والتزامه بالقضاء على الإخوان المسلمين ، وهو في هكذا اختيار يفتقد للموارد الكافية ، في الوقت نفسه الذي يستمر الإخوان المسلمين في نفسه الصمود في مواجهة القمع الموجه ضدهم . 2 -من خلال استمرار الاحتجاجات وتناميها يهتز النظام المصري ويتمكن الإخوان المسلمين من بدعم شعبي يعود بهم للحياة السياسية . 3 -يتفاوض الإخوان مع النظام حول صيغة للعودة للحياة السياسية تكون شبيهة بتلك التي كانت قائمة في عهد مبارك ، تواجد سياسي متحكم فيه وضمن خطوط حمراء يحددها ويتحكم فيها النظام المصري . 4 -يؤدي المسار بالإخوان المسلمين للانقسام إلى جناحين ، جناح معتدل يقيم السياسة التقليدية للإخوان المسلمين على أنها تستند لقدر كبير من المواجهة ، وجناح متشدد يعتبر أن اللحظة الراهنة تنطوي على خطأ إيديولوجي وعلى كثير من التنازلات . 5 .تنتهي جماعة الإخوان المسلمين إلى توقيف احتجاجاتها والانسحاب من النشاط السياسي ، لتتفرغ لإعادة صياغة إيديولوجيتها وإعادة بناء تنظيماتها . *التداعيات على المجتمع المصري تنطلق الدراسة من أن السيناريوهات الخمس ليس بالضرورة هي من سيكون لها اليد العليا على مستقبل الإخوان المسلمين ، إذ تعتبر الدراسة أن الدولة القديمة والإخوان معا ملتزمين أساسا بالسيناريو القائم حاليا ، قائم على ما يلي : نظام يسعى لإنهاء هذه الجماعة ، وجماعة تشتغل على العودة المظفرة للحياة السياسية . إن عدم تحقق السيناريوهين قد يدفع كلا الطرفين لخيارات أخرى من بينها المصالحة ، إلا أنه وحسب الدراسة من المستبعد على المدى القريب أو المتوسط حصول سيناريو المصالحة ، أو سيناريو تفكك الجماعة أو أن تتمتع الجماعة بتجدد في صفوفها . الدراسة تعتبر أن جماعة الإخوان المسلمين أثبتت قدرة هائلة على الصمود أكبر مما كان متوقعا ، وهو ما سيفضي إلى استمرار الإسلام السياسي فاعلا سياسيا أساسيا في مصر ، مما يعني عودة مناخ السياسة والديمقراطية لحقبة ما بعد الإخوان . أما إنهاء السلطوية للدولة القديمة ، وتنمية الاقتصاد وتدشين مسار إصلاح ديني ، بموازاة تبلور حركات ديمقراطية جماهيرية إسلامية وغير إسلامية تتبنى فعليا التعددية ، فلا واحدة من هذه الإمكانيات متوفرة على المدى المنظور ترى الدراسة . لذلك تخلص الدراسة إلى أنه لا أفق منظور لدولة ديمقراطية في مصر ، ما لم تتجه كل من الدولة القديمة والإسلاميون نحو مسار للتغيير السياسي والاجتماعي الديمقراطي ، إلا أن الطرفين لا تتوفر لهما الاستعداد لتدشين هذا المسار والانخراط مع أطراف أخرى فاعلة باعتماد طريقة جديدة في التفكير الديمقراطي ، ومثلما الدولة القديمة مشكلة ، بالقدر ذاته الإسلاميون مشكلة ولا يشكلون جزء من الحل . بعد هذا التقديم تتجه الدراسة للبحث في سؤال عميق وهو هل انتهى الإسلام السياسي في مصر ؟ هل انتهى الإسلام السياسي في مصر ؟ هذا السؤال بدأ يتناوله كثير من الباحثين ، خاصة بعد المصير الدراماتيكي التي عاشته جماعة الإخوان المسلمين بدءا من عام 2013 ، إلى تاريخ 25 ديسمبر حين جرى الإعلان أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية ، لم تفقد الجماعة فقط الرئاسة بل وفقدت حضورا في البرلمان ... وتعرضت لحملة قمع دموية . طيلة هذا المسار الانحداري لجماعة الإخوان المسلمين ، اتسم سلوك الجماعة حسب الدراسة بنوع من ردود الفعل المفتقد للحس الإستراتيجي ، والواقع تقول الدراسة أن الإخوان المسلمين يواجهون تحديا حقيقيا متمثلا في تنامي مطالب الشعب المصري التواق إلى تعددية سياسية حقيقية يشمل الجميع ، ويؤدي إلى مساواة سياسية حقيقية . تخلص الدراسة أن الإخوان المسلمين وطيلة هذا المسار الذي يغطي 3 سنوات بات من غير الواضح إمكانية الحديث عن نجاحهم في هذا المسار ، وأنها حتى وإن بدت اليوم محافظة على تماسكها ، فمن المستبعد في نفس الوقت أن تحافظ على نفس الهدف وعلى تماسك أعضائها وعلى استقطاب عناصر إسلامية جديدة ، بل إن قدرتها على التحكم في المسار الفكري والسياسي وأجندته للاتجاهات الإسلامية يطرح شكوكا بالغة . ما ستتعرض له المنظمات الإسلامية على غرار ما حدث لجماعة الإخوان المسلمين ، لن تتحكم فيه هذه المنظمات ، بل سيكون في ملامحه الكبرى ناتج عن عوامل هيكلية خارج سيطرة هذه المنظمات الإسلامية ، بما في ذلك سياسة الدولة تجاه هذه المنظمات ، ومدى تماسك النظام السياسي والسياقات الإقليمية ، وبالرغم من أن جماعات الإسلام السياسي تعاني اليوم أزمات حادة وحقيقية وعصية على الحل ، فإن مصيرها لم يصل لخواتمه خاصة أنها لا زالت تملك قوة حقيقية . إن مسار ومستقبل هذه الجماعات لا تتحكم فيه فقط تضيف الدراسة عوامل خارجية، بل تتحكم فيه أيضا مدى القدرة وطريقة الاستجابة ورد فعل الإسلاميين، والأهم، خاصة ، مدى قدرتهم على إعادة النظر بشكل جدي في ثقافتهم وإيديولوجيتهم . الدراسة تشير إلى أن مصر تعيش بداية حقبة جديدة في الإسلام السياسي حتى وإن بدا فضفاضا وسائلا إيديولوجيا ، لقد تعرضت الحدود بين المراكز والأطراف للوهن ، والاختلافات داخل الجماعة تتجه أكثر نحو اختلافات مهمة بين الأجيال ، فإذا كان هذا المسار قد يدفع بعض أجنحتها نحو تدشين مسار مراجعة جدية ذاتية وإيديولوجية ، إلا أن الغالبية يتبنون وبازدياد مواقف شعبوية وراديكالية ومتعصبة على يمين الجماعة . جماعة الإخوان منذ إطاحة مرسي ...تحت ضغط متصاعد في 14 من غشت من سنة 2013 قامت قوة الجيش والشرطة بفض اعتصام رابعة العدوية ، اختلفت التقديرات حول عدد القتلى الجرحى ، وزارة الصحة المصرية تحدثت يومها على حوالي 667 قتيلا وحوالي 4400 جريح ، في ما تحدثت منظمة هيومن رايتس ووتش على ما اعتبرته أسوء حادث قتل جماعي في تاريخ مصر الحديث ، وبغض النظر عن هذا الحادث من الزاوية الحقوقية والإنسانية ، فإنه شكل بداية لحملة قمع شرسة تجاه جماعة الإخوان المسلمين . تقول الدراسة عزز عنف النظام المصري والقمع الذي سلط على الإخوان المسلمين الاعتقاد لدى هذه الجماعة بأنهم يخوضون معركة وجود ضد الدولة المصرية العميقة ، وكلما اتسعت دائرة العنف كلما تضاءلت فرص رضوخ هذه الجماعة للدولة القديمة . تقول الدراسة إن صعود الإخوان المسلمين شكل بالنسبة إليهم « نهاية التاريخ « للجماعة ، مما قوى من انفعاليتهم ومن ضمور نفعيتهم وبرغماتيتهم المعروفين بها ، إذ عنت هزيمتهم السياسية سواء من خلال الرفض الشعبي أو القبول بحقائق ونتائج الانقلاب العسكري ، قبولا بنهاية مشروعهم وما اعتبرته الدراسة العودة لسابق عهدهم أيام حسني مبارك تواجد سياسي محسوب ومقدر . إضافة لذلك اعتقد الإخوان كثيرا إمكانية حدوث هبة شعبية شبيهة بما حدث في يناير 2011 ، وهو تقدير جانب الصواب أو هو حسب الدراسة دائما تقدير مبالغ فيه لجهة قدرة هذه الجماعة على التعبئة . أيضا عاد الإخوان للتاريخ وبالضبط لواقعة فبراير 1954 أو ما اصطلح عليه ب « عقدة ذنب عبدا لقادر عودة « ، إذ في ذلك العام أوقف نائب المرشد العام لجماعة الإخوان احتجاجات هؤلاء ، والتي اعتبروها تضييع فرصة تاريخية لتقويض أسس الحكم العسكري في مصر والذي كان بالنسبة إليهم هشا ويسهل إسقاطه ، ولأن النظام يومها شن هجوما عنيفا على الجماعة أشهرا بعد الحادث ، قدروا أنهم لا ينبغي أن يعايشوا ظروفا شبيهة بالماضي ، فلم يكن أمامهم من خيار حسب الدراسة سوى التصعيد أو هكذا اعتقدوا . تقول الدراسة أنه فضلا على أن النظام صنف الجماعة جماعة إرهابية ، واستغل الأوضاع المتردية في صحراء سيناء والهجمات المتوالية التي يشنها إسلاميون متشددون ضد الجيش المصري ، فإنه عمد إلى تجفيف منابع التمويل الذي تدره استثمارات الإخوان ، وجمدت أنشطة أزيد من 1050 جمعية خيرية وصادرت أموالها ، كما شن النظام هجوما على أنشطتهم الدينية وأخضع المساجد للمراقبة ، وسرح المئات من الأئمة التي تربطهم روابط معينة مع الإسلاميين . فضلا عن ذلك تقول الدراسة عمدت عدة دول ومن بينها السعودية والإمارات لاعتبار جماعة الإخوان جماعة إرهابية ، وعمدت إلى تقييد الدعم المحلي إليها ، وبالرغم من أن النظامين السعودي والإماراتي معروفان بدعمهما للنظام المصري ، إلا أن سرعة تأيدهم قرار اعتبار الإخوان جماعة إرهابية ، يعكس التوجس والتخوف ألذي تعيشهم المنطقة من صعود الإسلام السياسي وتعاظم نفوذ جماعة الإخوان المسلمين . تغييرات تنظيمية لدى الإخوان كنتيجة مباشرة للاعتقالات التي مست قيادة الإخوان المسلمين بما فيها مكتب الإرشاد صاحب السلطة العليا في الهرم التنظيمي للإخوان ، ومجلس الشورى الذي يعتبر بمثابة برلمان الجماعة ، ورؤساء المكاتب الإدارية ، كنتيجة مباشرة لذلك تعرضت الروابط التراتبية لتنظيم الإخوان المسلمين إلى كسر ، الشيء الذي منح الهيئات المحلية والقيادات المحلية والشباب دورا متناميا في تنظيم الجماعة ، إذ هم ومعهم الشبكات المحلية من يقودون الاحتجاجات ، مما يجعل التنظيمات الصغيرة هي التكتيكات المفضلة اليوم . تنامي دور النساء ضد الانقلاب بما فيها الأدوار المحرمة أنثويا ، إضافة للأطفال يجري خلق هيئات موازية على أساس قطاعي على شاكلة ، أطباء ضد الانقلاب مهندسون ضد الانقلاب ، طلبة ضد الانقلاب ... وعموما تشير الدراسة إلى أنه جرى تراجع واضح في الطابع المركزي للجماعة ، كما أنه يجري تنظيم التظاهرات بشكل سري تفاديا لاختراق المخبرين الأمنيين . بناء على معطيات مستقاة من مصادر قريبة من الجماعة تتحدث الدراسة على أنه جرى في شهور قليلة قبل ما تعتبره الدراسة انقلابا ، انتخاب مكتب إرشاد مؤقت يجمع بين المنتخبين ومن تبقى من مكتب الإرشاد السابق ممن لم يطلهم الاعتقال ، ويصدر هذا المكتب المؤقت التوجيهات العامة ، فيما تتخذ المكاتب الإدارية المحلية القرارات الفعلية المتعلقة بالتنفيذ ، وهذا نمط لا مركزي يدعمه مكتب الإرشاد المؤقت . إن هذا الشكل اللامركزي في العمل الذي فرض على الجماعة أثبت بعض الفعالية في الأنشطة الدعوية وفي شبكات الإخوان ، وفي تفادي قمع النظام ، غير أن فعاليته في الاحتجاجات تقول الدراسة أصبحت موضع شك ، يثير هذا النمط من التنظيم جدلا لدى المحللين ، في ما إذا كان قد أحدث تحولا حاد في شكل القيادة من الفوق إلى تحت ، وما إذا كان قد مس مبدأ السيطرة التي تميز السلوك التنظيمي للجماعة . إن ما سهل هذا التحول هو وجود نفسها القاعدة في سلوكيات التنظيم لدى الجماعة إبان عهد مبارك ، وهي القاعدة التي تدعو لمركزة صنع القرار ولا مركزية التنفيذ ، وهو ما حد نسبيا من تأثير القمع ، غير أنه وفي نفس الآن تشير الدراسة حد من فعالية الجماعة في تعبئة مواردها الوطنية ، وحد من فعالية الاحتجاجات وطابعها الوطني ، كما أنه يمس تماسك الجماعة ، لأنها لم تعد قادرة على إحداث التنسيق الوطني . وفي ميدان التواصل الاجتماعي تفاوتت معدلات النجاح من منطقة إلى أخرى ومن مجال لأخر ، وهكذا فاللجان السياسية التي عرفت نشاطا بين الفترة الممتدة من 2011 إلى 2013 لم يعد لها وجودا تقريبا في 2014 لأن قطاعات واسعة من المجتمع المصري رفضتها ، كما أن جزء مهم من قاعدة الكوادر الشابة لم تعد تولي أهمية خاصة لمجال السياسة الانتخابية وباتت تزدريها وتشكك في جدواها ، في الوقت نفسه الذي عرفت اللجان التعليمية والدينية نشاطا ملحوظا ، ذلك كما تشير الدراسة أن إعادة إنتاج الطابع الإيديولوجي يشكل دعامة رئيسية في عمل الأخوان المسلمين ، والتربية الدينية حلقة مركزية في هذه العملية . تحولات إيديولوجية إن هذه التغييرات التنظيمية أفضت إلى تحولات إيديولوجية تقول الدراسة ، وأعادت الجماعة إلى الاهتمام أكثر بالمبدأ التقليدي كمصر للهوية . إن جماعة الإخوان المسلمين هي في الأصل جماعة دينية ، يشكل أعضائها وأنصارها أداة سياسية لتحقيق أهداف القيادة في إطار عقيدة شمولية الإسلام ، لقد اهتم الإخوان المسلين بعد الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك أكثر على النشاطات السياسية على حساب الطابع الدعوي ، وهو النشاط الذي فرضته ضرورة كسب أصوات الناخبين ، إلا أن هذا النشاط أضر كثيرا الطابع الإيديولوجي للجماعة . وبعد الإطاحة بمرسي أكدت التطورات هذا المنحى ، إذ ستعود الجماعة لسابق عهدها وللجوهر المبدئي لطابعها كجماعة دعوية في مواجهة تحدي الوجود إلا أن هذا المنحى غير واضح الآن تقول الدراسة ، إذ هل ستسعى الجماعة لإعادة كسب تعاطف ومساندة المجتمع من خلال نموذج تبشر به وتدعو للاقتداء به والقبول بأن تقاد به ؟ أم أنها ستعتبر المجتمع كافرا ولا أمل فيه ، ومن تم ستنعزل عنه وتعتبره لا إسلاميا ؟ هل ستوظف نشاطها الاجتماعي بهدف الوصول للسلطة ؟ أم ستعتبره نشاطا هدفه في ذاته ؟ إن الوجهة التي ستختارها جماعة الإخوان المسلمين في مصر هو ما سيحدد مستقبلها . إن ما يميز جماعة الإخوان المسلمين هي أنها جماعة بطيئة في تحديد إستراتيجيتها ، عكس سرعة تأقلمها التكتيكي ، كما أنها تتخلف في كل ما يتعلق بإعادة النظر في إيديولوجيتها وثقافتها وفكرها ، بل إنه باتت ومنذ الإطاحة بمرسي أكثر غموضا في موقفها من العنف والتسامح مع الأخر ، وأكثر غموضا . في نفس الوقت ، الذي أصبحت أكثر قربا وفي موقع أحسن تجاه جماعات السلفية ، التي لطالما اعتبرتها جماعة دينية مخطئة شرعيا وأكثر تنازلات مبدئية وتعرض القضية الإسلامية لخطر حقيقي ، إن الجماعات السلفية وخاصة منها الحركيين والجهاديين ظلت تحط من سياسيات الإخوان . وبالرغم من أن جماعة الإخوان المسلمين تقول الدراسة تعتبر المجابهة مع النظام حاليا بدون جدوى ، إلا أنها تعتبرها فرصة سانحة لتعزيز وعيها الإيديولوجي وتعزيز تجربتها ، مما سيجعلها أكثر جهوزية للظروف الجديدة التي تعيشها مصر السيسي . سيناريوهات مستقبلية تضع الدراسة الأمريكية لصاحبها الباحث أشرف الشريف ، خمس سيناريوهات ممكنة ومحتملة لمستقبل الإخوان المسلمين في مصر : - سيتمكن النظام من اجتثاثهم . - سيتمكن الإخوان من العودة المظفرة . - سيتصالحون مع النظام . - سيتشردمون لأجنحة متباينة كجزء من حالة السيولة التي تميز الحركية الإسلامية الراهنة . - سيجددون ضمن عملية مراجعة ذاتية شاملة . الاستئصال التام تقول الدراسة أن النظام المصري الحالي ليس لديه اعتراض مبدئي على ضم جماعة الإخوان المسلين إلى خريطة الطريق المصاحبة للانتقال السياسي في مصر ، لكن ضمن شروط أبرزها ، أن يحترم الإخوان المسلمين قواعد اللعبة السياسية من خلال الاعتراف بشرعية النظام القائم ، والكف عن المطالبة بعودة الرئيس مرسي ، والقبول بالعقوبات التي تطال القادة الذين سلكوا أعمال العنف ومسلسل الصراع الأهلي ، كما يتعين على الإخوان أن يقبلوا بالخطط الحمراء التي سطرتها مؤسسة الجيش في مصر ، سواء لجهة الأمن الوطني ، أو الهوية ، أو لجهة الحد من ما تعتبره مؤسسة الجيش الأنشطة الطائفية للجماعة ، و أن تمتنع الجماعة على السعي للهيمنة الانتخابية والسياسية . لقد كان القبول بهذه الشروط ، قبولا بأن تكون جماعة الإخوان شريكا سياسيا صغيرا للمؤسسة العسكرية ، وهو ما اعتبرته الجماعة استسلاما سياسيا غير مبرر ، ومن شانه أن يفقدها تماسكها الداخلي ، الشيء الذي فرض عليها أن تختار المواجهة ، مع نظام يسعى لتدميرها وقطع عنقها . تذهب الدراسة إلى أن فرص نجاح اختيار الاستئصال ضعيفة ، إذ يصعب على النظام قطع الموارد المالية لجماعة عملت لسنوات على تنظيم شبكات علاقات وطنية ومحلية ، هذا عدا قدرتها على العمل في الخفاء وعلى التكيف مع ظروف القمع . لازالت تقول الدراسة بعض النخب المناوئة للإسلاموية تعتبر عبد الفتاح السيسي الرجل القوي ، الذي هو بالنسبة لهؤلاء بمثابة أتاتورك تركيا ، وتعتبر أنه بإمكانه لي عنق الإسلاميين ، وفي غالب الأحيان تعود هذه النخب بذهنها لقترة عبد الناصر الذي قاوم الأخوان المسلمين ، لقد كان عبدالناصر يملك كثيرا من الموارد التي مكنته من إطلاق العديد من المشاريع الكبرى ، كما أن نجاحاته في مقاومة الاستعمار مكنته من إطلاق سلطوية ، إلا أن هزيمة 1967 وتسامح السادات مع الإخوان ، مكنهم من إعادة بناء تنظيميهم وتوسيع جمهوره . إن الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تعانيها مصر اليوم ، قد تعيد الإخوان المسلمين للواجهة رغم أن هذا الاحتمال ضئيل جدا في ظل الاستقطاب الحاد الذي تعرفه مصر راهنا . وعلى العكس ما يعتقد البعض من أن الدولة القديمة ستعيد الديمقراطية بمجرد انتهائها من المواجهة مع الإخوان ، ترى الدراسة أن نظام السيسي أثبت سلطويته ، وأن الاقتصاد لن يتحسن بدون إصلاحات بنيوية عميقة وهو ما يبدو أن لا أحد جاد في هكذا اختيار . العودة المظفرة إنه السيناريو الثاني الذي تضعه هذه الدراسة الأمريكية ، وهو يعني ليس فقط عودة و بقاء الإخوان في المشهد السياسي ، بل عودة مظفرة ، وهذا السيناريو يقتضي تحقق مجموعة من الافتراضات ، منها أن تؤدي احتجاجات الإخوان إلى هز النظام السياسي في مصر ، وأن تحظي الجماعة بتعاطف شعبي كنتيجة لإخفاقات النظام على الصعيد الاقتصادي والسياسي . إن جماعة الإخوان المسلمين دشنت سلسلة من الإجراءات ، ومنها أنها أقدمت على تأسيس إطار تعددي سمي بتحالف دعم الشرعية ، وهو التحالف الذي ابتعد عن الإسلاموية لتتمحور مطالبه على العدالة السياسية والديمقراطية ، وعبر إطلاق سلسلة من المظاهرات ، وعبر تقديم الجماعة على أنها ارتكبت بضع أخطاء, إلا أنها تقدم على أنها مجرد سقطات إجرائية ، غير أن هذه الاحتجاجات سرعان ما عادت للإسلاموية ، كما أن فعالية احتجاجات هذا الإطار تراجعت بسبب عدم قدرة هذا الأخير على جلب الطبقة العاملة ، والأطراف الاقتصادية غير الرسمية ، والفلاحين والطبقة الوسطى غير المؤدلجة . أيضا تشير الدراسة إلى أن السبب العميق لفشل هذا الإطار ولفشل احتجاجاته هو عدم قدرته في موضعة تظلمات الإخوان في إطار أجندة سياسية واضحة وأوسع ، كما أن هذه الاحتجاجات مصاحبة مع أعمال عنف وإرهاب ، ولذلك اعتبرت الجماعة ملومة كنظام في تعثر اقتصاد مصر ، كما أن الجماعة لا تقدم بدائل في حجم تشددها في انتقاد النظام ، وهو ما يزيد من مخاوف الناس من شدة الاحتجاجات ، الواقع تقول الدراسة أن المواطنين قد يفضلون الواقع الحالي على احتجاجات لا تقدم بدائل ولا تفتح أملا . استبعاد مشاركة الإخوان في الانتخابات القادمة هي المرجحة ، وبالتالي الخطة البديلة لقادة الإخوان غير المعتقلين هي تطوير الاحتجاجات في أفق أن تصبح حركة شعبوية سياسية ترفع شعارات العدالة الاجتماعية ، ولكي يتحقق هذا التحول, لا بد للجماعة من موارد فكرية وثقافية وقاعدية قابلة لتبني خطاب إعادة التوزيع ، الشيء الذي تفتقده الجماعة فهي لا تتوفر لا على الإديولوجيا و لا على الموارد ولا على الوسائل . يعاني الإخوان حسب الدراسة من تنافر الاستراتيجيات وهي المخاطر التي تنطوي على فئتين من قادة الإخوان غير المعتقلين : فئة قادة المنفى وهم مختلفون في ما بينهم ويمكن تحديدهم في جناحين : جناح متشدد يصر على معاداة جذرية للنظام إلى حين تقويض الانقلاب ، وهؤلاء يمتلكون نفوذا من خلال تواجدهم واعتمادهم على قناة الجزيرة ، ويهيمنون داخل التحالف ، ولهم تواجد معتبر داخل مكتب الإرشاد المؤقت ، وبالرغم أنهم يدينون العنف رسميا ، إلا أنهم يعولون على إطلاق غضب القواعد في حدود معقولة ، ويعتبرون أنهم بالصمود قد يحظون بدعم خارجي . الجناح الثاني أقل نفوذا وأقل حجما ، يعتبرون أن استغلال تشدد الشباب الإسلاميين للمواجهة الفعالة مع الدولة ينطوي على خطر فقدان السيطرة على هذا الشباب ، ويعتبرون ذلك ضمن خطة حالة الهاوية ، كما يقدرون أن قادة المنفى بعيدين عن حقائق الداخل ، وأن الرهان على إحداث انشقاق داخل المؤسسة العسكرية رهان غير واقعي أو بحسب الدارسة غير حكيم ، وهم ممن يعتقدون أن إعادة مرسي للحكم غير واقعي ، ويشددون على ضرورة نهج أسلوب يضع الإخوان ضمن إطار عام لمعارضة تنشد إصلاحا سياسيا وديمقراطيا ضمن معارضة غير إسلامية ، وبالرغم أن هذا الجناح لم يعبر صراحة لحدود الساعة عن هذا النهج ، فإن الدراسة تؤكد أن بعضهم في ظل شروط معينة قد يدخلون في حوار مع النظام السياسي في مصر . إن الصراعات داخل هذين المجموعتين لا زال متواصلا ، ويأخذ أبعادا في الشجارات الداخلية وفي تبدل التحالفات الداخلية في مركز القرار ، لقد عمل الإخوان للانتفاضة ضد النظام في 6 أكتوبر 2013 وفشلوا ، وخططوا أيضا للانتفاض على النظام في 25 يناير 2014 وفشلوا ، ولقد أدى تراجع النصر الوشيك لخلافات بين المجموعتين ، إذ تصدرت المجموعة الثانية إعلانا من بروكسيل ، لم يضع من ضمن أهدافه عودة مرسي ، ولا شدد على الطابع الإسلامي للمعارضة المصرية ، وهو ما دفع قيادة الداخل في مواجهة ارتباك مناصريها لإصدار بيان أكدت فيه أن الهدف الرئيسي من كل التحركات هو عودة الرئيس مرسي للحكم . *الجماعة في مصر : ينضبط أكثر عناصر الجماعة للقيادة في الداخل والتي تميل أكثر للمواقف الصدامية مع النظام ، ويجري تجاهل قيادة المنفى بهدف التحكم أكثر في نشاط الجماعة في الداخل ، خاصة وأن هذه القيادة تعرف جيدا مزاج شبابها الذين قدموا ثمنا باهظا في مواجهة ما اعتبره استحقاقات ضد الانقلاب ، مما يعني أن المعتدلين داخل هذه الجماعة ملزمين بأن يجادلوا شبان غاضبين بلا جدوى النهج التصادمي وأنه مدمرا ذاتيا ، وأنه ينبغي تبني مقاربات جديدة واقعية لكن بدون أن تبدد التضحيات السابقة ، إلا أن هذا النهج الاعتدالي هامشي وضعيف . إن فرص استمرار الجماعة قائمة لكن بسبب عدة احتمالات من الصعب أن تعود عودة مظفرة ، إذ حتى ولو تمكن قادة الجماعة من تدبير ما مع المؤسسة العسكرية ، فإنهم لن يكونوا قادرين على إقناع جموعها وخاصة منهم الشباب الغاضب ، كما أنهم لن يتمكنوا من استمالة جمهور إسلامي واسع وعلى مخاطبته وضمان جدبه .