قراءة في أحداث باريس بعد أن هدأت عاصفة الهجوم على الجريدة الفرنسية، ومرت مسيرة التضامن مع الضحايا لا بد من قراءة في الأحداث،وربط بعضها ببعض بنوع من الهدوء والموضوعية، والتساؤل عن حيثيات هذا الحادث وسياقاته التاريخية . لقد وقعت الواقعة في غمرة مجموعة من الأحداث المتتالية: - أصبحت الحرب مصيرا محتوما على العالم العربي والإسلامي، وانتشر الاقتتال الطائفي والقبلي في كل من العراق وسوريا واليمن، وليبيا . وعودتنا وسائل الإعلام الغربية على أن نبلع أعداد القتلى والمعطوبين والمشردين، ولتطبعنا لم نعد نهتم بأرقام الضحايا أو نتذكر حضارة العراق والشام العظيمة، بل لا نذكر إلا داعش . - لقد فقد الفلسطينيون الأمل في إقامة دولتهم المستقلة،والتجئوا إلى المنظمات الدولية لإدانة إسرائيل عن جرائمها ضد الإنسانية، بعد أن عجزت الدول "الحرة "والمدافعة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان عن كبح جماحها، بل إنها تساندها في كل عدوان على الشعب الفلسطيني الأعزل، وتعزز رفضها للمواثيق الدولية بحق الفيتو في مجلس الأمن. في غمرة هذه الوقائع لا بد من طرح التساؤلات التالية: - من وراء تلطيخ مبادئ الإسلام السمحة بالإرهاب ومعاداة الآخرين ؟ - نحن المسلمين نؤمن و نقدس جميع الأنبياء والرسل وتربينا منذ الصغر أن نقول: سيدنا موسى وسيدنا عيسى،وسيدنا محمد، ولماذا لا يحترم الآخرون نبينا ؟ - إذا كان المسلمون جميعهم اليوم يدينون العنف والإرهاب بكل ألوانه وأشكاله،فلابد من إدانة العنف والإرهاب الفكري والعنصري الذي يمارسه الغرب ضد هذه الشعوب .ولعل الخاسر الأكبر هم المسلمون ،وبالتالي لا يمكن أن تصدر عن أي مسلم عاقل، والذي لا يومن حتى يحب لغيره ما يحبه لنفسه،لا يمكن أن تصدر منه هذه الأفعال. - هل من حق المنادين بالحرية والديمقراطية أن ينتهكوا حرمة المسلمين بالتهكم على الرسول محمد "ص" وهو الذي كرس رسالته من أجل السلام والمحبة والمساواة التي لا تفرق بين الناس ولو اختلفت ألسنتهم وألوانهم و اثنياتهم إلا بالتقوى ؟ - هل يحق لجريدة أن تستغل حرية التعبير لتقوم بعملية تجريح قاسية في الذات الإسلامية،وتمس مقدسات ما يزيد على مليار من البشر؟ وما دمنا في فرنسا بلد فكر التنوير أذكر هنا بمقولة الفيلسوف جون بول سارتر الذي ربط الحرية بالالتزام، وقال : "إن حرية الفرد تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين" لماذا العودة إلى استنساخ الرسوم اليوم بعد أن أدركوا ما أججته من مواجهات عنيفة منذ مدة عندما سبقتهم إلى ذلك إحدى الجرائد الدانمركية؟ ألا يحق لنا أن نتساءل عن الأسباب الموضوعية الكامنة وراء هذه الحوادث، ومن المستفيد منها ؟ هناك بعض التحليلات الغربية تتحدث عن الحركات الصهيونية المتعصبة التي تتحكم في الإعلام والاقتصاد هي من تكون وراء هذه العمليات ،حتى وان كان الغلاة من المسلمين كأفراد هم من ينفذها.والأغرب من ذلك ان هذه الحركات هي من يجعل المحرقة اليهودية مقدسة لا يمكن الطعن فيها او تكذيبها،فكيف يسمحون لجرائدهم ومنشوراتهم بالطعن في مقدسات المسلمين؟ ولنا في المفكر الفرنسي روجي كارودي العبرة كيف حورب عندما نشر كتابه عن الأساطير الإسرائيلية. لقد فشل الغرب في إدماج هؤلاء الشباب الأوربيين من الأجيال اللاحقة من أبناء السواعد الآتية من المستعمرات والتي كان لها الفضل في أعادة بناء أوربا بعد الحربين العالميتين.ذلك لأن الدراسة العلمية لهذه الظاهرة تبين بوضوح وجلاء الأسباب الكامنة وراء تعاطي فئة الشباب للعنف والإرهاب،والذي لم يسلم منه أي مجتمع يهوديا كان أم مسيحيا أم مسلما. وان أي تحريف لهذه الأسباب هو من باب الاستغلال السياسي والعنصري ضد المجتمعات التي قدمت وما تزال إلى الغرب أدوات الحضارة والرقي،من علوم،ومواد أولية،وموارد البشرية،وأسواق استهلاكية. هل الدول التي تدعي الحرية والديمقراطية تقيم الدنيا ولا تقعدها عندما يلحق الضرر بأحد رعاياها، ولا تبدي بالا ولو فنيت الشعوب الأخرى؟ ولا أدل على ذلك أن ضحايا الإرهاب والحروب كثر، وأغلبيتهم في المجتمعات الإسلامية،وكأنها الجرذان التي تقضي. فيوميا تتناقل وكالات الإعلام أعدادا كبيرة من القتلى بفلسطين والعراق واليمن وليبيا،ومؤخرا لبنان ،وبسوريا يموت الأطفال والنساء بردا وجوعا و الغرب الإنساني ،الحر، والديمقراطي لا يحرك ساكنا. ومن خلال المتابعة لمسيرة باريس يتبين ان الناس جميعا من كل الديانات والجنسيات قد ّأدانوا ورفضوا هذه الأعمال الإجرامية،لكن منا نحن -معشر المسلمين- من ينساق دون تبصر ليصبح أكثر شوفينية من الغرب نفسه، يتهافت على ادعاءات وسائل الإعلام الغربية وكأنها وحي يوحى.كما أن بعض الفئات استغلت الحادث كل لغايته،فالسياسيون تسابقوا لاستثمار نتائجه الانتخابية، والمتعصبون من أجل إظهار كراهيتهم للآخرين،وآخرون منهم كانت فرصتهم لتقديم الولاء والإخلاص لأهل العصبية اليهودية أو بعبارة أخرى للحركة الصهيونية المتحكمة في الإعلام والاقتصاد والسياسة بالعالم الغربي. إن الحوار يكون بالتي هي أحسن ، وبالعقل يكون الدفاع عن المبادئ الإنسانية التي لا تختلف حولها الأديان ولا الفلسفات ولا القوانين الوضعية ،وألا يؤدي ذلك إلى التفريط في هويتنا إرضاء وتمسحا بالآخرين... ولا تتبعوا الذين يكيلون بمكيالين،أولائك الذين يقولون حلال علي حرام على الآخرين. لأن الغلو ظاهرة سلبية عرفتها كل الأديان، عانت منها وما تزال كل المجتمعات. نحن ضد الإرهاب والتطرف بكل إشكاله وأطيافه.... ولسنا "شارلي إبدو" ... وهنيئا لنا بموقف المغرب المشرف لكل العرب والمسلمين....