انتهت أحداث العيون الدامية و هدأت العاصفة... ضمدت الجراح وراح الناس لحال سبيلهم... عادت الحياة لطبيعتها، ثم جاءت ساعة الحساب، ليتبين لكل طرف متورط ما كسب و ما اكتسب. طبعا لا بد أن يكون الحصاد مكسب أو خسارة، حسب الطرق التي انتهجتها أطراف القضية... إذ منهم من كان شاطرا و منهم من كان غبيا. و على كل حال فقد جاء الحصاد على قدر نية كل طرف، فهوى من هوى و سما من سما: طلع الدجالون بخفي حنين... خسر المفلسون مزيدا من الجهد و المال.. و كسب الصادقون ثمار صدقهم. هذه هي نتيجة كل معركة يتبارز فيها خصمان، واحد على حق و آخر يحاول الوقوف في وجه الحق. الواقف على الحق يستوجب على الأحرار الوقوف لجانبه و الإشادة بخصاله، أما الواقف في وجه الحق فيستوجب النصيحة، وتبيان ذنبه و جرمه. سأحاول عبر هذا الحصاد، الوقوف على الأهم من نتائجه، و الآثار السلبية أو الإيجابية المترتبة عن ذلك، بالنسبة لمختلف الأطراف التي كان لها دور في الأحداث الدامية. بالنسبة للطرف الإسباني: رغم النيات المبيتة للعديد من الأطراف التي يتشكل منها المشهد السياسي الإسباني، تجاه المملكة المغربية، لأسباب تاريخية و اقتصادية و ثقافية معروفة، و رغم الدور الكبير الذي لعبه الإعلام الإسباني في تشويه حقائق ما وقع في العيون، و محاولته التأثير في الراي العام الإسباني و الأروربي من جهة، وزرعه الفتنة بين الصحراويين من جهة أخرى، عبر نشره لمجموعة من الصور و الأرقام و التقارير المغلوطة و الكاذبة ، فإن نفس الإعلام المنجر وراء الأحقاد تارة، و القابض للثمن مسبقا من أجل ذلك تارة أخرى، لم يجد بدا من الكشف عن مصادره حين تبين للعالم زيف الإدعاءات و خساسة المؤامرة. لقد اعترفت كل المنابر الإعلامية الإسبانية بخطئها ، ولكنها حملت المسؤولية لجهة تدعم البوليساريو إذ هي التي زودتها بتلك الصور و الأرقام و التقارير. لن يختلف اثنان طبعا عن هوية الجهة التي تدعم البوليساريو، وجعلت من قضيته الخاسرة، القضية الإستراتيجية الأولى للبلد. حصاد الطرف الإسباني كان مشينا، سواء على الصعيد الداخلي حيث تعرض لأنتقاذات شديدة من طرف العديد من الجمعيات المدنية، وكذلك من طرف الحكومة الإسبانية التي أعلنت أن العلاقات الإسبانية المغربية إستراتيجية و لا يمكنها التأثر بادعاءات لم تثبت حقيقتها. أما الجهاز الرسمي للمخابرات الإسبانية(CNI) فقد كذب بدوره كل تلك الإدعاءات، عبر تقرير أصدره، ونشرت بعض فقراته نفس الصحف المتورطة، بحيث جاءت معطياته مطابقة لتلك التي أصدرتها الحكومة المغربية. و أيضا على المستوى الدولي حيث تعرض لإدانة الفدرالية الدولية للصحفيين، التي اعتبرت أن ما قامت به بعض المنابر الإعلامية الإسبانية مشينا ، و مسيئا لمهنة الصحافة التي تستوجب الحياد و الأمانة في نقل الخبر. وقال ايدين وايت، أمين عام الفيدرالية الدولية للصحفيين :"إننا نرحب بالاعتذار السريع الذي قدمته وسائل الإعلام الإسبانية التي نشرت الصورة الزائفة، ولكن على هذا الحادث أن يعمل كمنبه للصحفيين من مخاطر نشر معلومات مغلوطة حول الأزمة في الصحراء الغربية. إن الوضع الحالي يتطلب اتخاذ كل التدابير للتحقق من صحة المعلومات ومصادرها". كما أعربت أيضا المنظمة الحقوقية الدولية هيومن رايتس ووتش عن إدانتها للشائعات الكاذبة حول تعرض العشرات من المدنيين للقتل و الاضطهاد، مذكرة بالنتائج الوخيمة التي تنتج عن نشر الأخبار الزائفة، مشيرة إلى أن أحداث العيون الدامية جاءت نتيجة لتلك الأخبار المفتقدة لكل مصداقية. وكان مدير "هيومن رايتس ووتش" المكلف بحالات الطوارئ بيتر بوكايرت، قد أكد بشكل قاطع، في مقابلة مع القناة التلفزية الإسبانية العمومية، عقب خمسة أيام قضاها في مدينة العيون، أنه "حتى الآن ليس لدينا أي دليل على أن عدد الوفيات مرتفع كما تدعي (البوليساريو)، لقد تمكنا من تأكيد وفاة شخصين من بين المدنيين، ولم نصادف أي عائلات تبحث عن مفقودين، ولهذا لدينا شكوك حول هذه الحصيلة ولا نعرف من أين تم استقاء هذه المعطيات". بالنسبة للطرف الجزائري+ بوليساريو: بالنسبة لهذين الطرفين، فإن النتائج كانت وخيمة، وستتمخض عنها حتما وضعية جديدة تختلف كثيرا عن سابقاتها. لقد تبين للعالم دموية تنظيم البوليساريو، الذي ترك بصمات لا تختلف عن التنظيمات الإرهابية التي تنشط في الجزائر و داخل دول الساحل، فطريقة الذبح التي تعرض لها بعض أفراد القوات النظامية المغربية، و استباحة حرمة الأموات، هي نفس الطريقة التي ذبح بها أفراد القوات النظامية الموريتانية، و الجزائرية وكذلك الأطفال و الشيوخ و النساء أثناء العشرية السوداء. لقد خسرت البوليساريو الكثير مما دأبت مند سنين على صنعه داخل المجتمع الإسباني من تعاطف و دعم من طرف بعض الجمعيات و الأحزاب. و هكذا فقد عبر زعيم الحزب الشعبي الإسباني عن صدمته من عمليات التدليس و التزوير الذي تورطت فيه بعض الأطراف الإسبانية من طرف البوليساريو و من يقف وراءها، قائلا بأن القضية الصحراوية لا تخدم بمثل هذه الطريقة. أما الحزب الاشتراكي فقد صرح أحد زعماءه بأن البوليساريو لم يعد لها أية مصداقية داخل إسبانيا و خارجها. إن تشابك الأجندات لدى النظام الجزائري و تنظيم البوليساريو، جعل القضية الصحراوية التي يدعمها هذا النظام، تنهار في جزء كبير منها وقد يصعب ترميمها مستقبلا. إن تورط قصر المرادية في أحداث العيون، بما لا يدع مجالا للشك، وعلى جميع الأصعدة، جعله يدفع بالأزمة بقوة و في كل الاتجاهات، كالمقامر الذي يدفع بكل ما يملك في لعبة واحدة: فقد كان يسعى عبر هذه العملية التي تم التخطيط لها بكل إحكام مند شهور عديدة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف،آملا أن تكون الضربة القاضية لغريمه على الجانب الآخر من حدودنا الغربية. و قد تجلت تلك الأهداف على الخصوص فيما يلي: • ضرب العلاقات الإسبانية المغربية عبر توريط الصحافة الإسبانية و كسب الدعم الرسمي الإسباني للأطروحة الجزائرية. • ضرب العلاقات المغربية مع الإتحاد الأوروبي ونسف الوضع المتقدم الذي حصل عليه المغرب في علاقته السياسية و الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي و الذي تنظر إليه الجزائر بالكثير من عدم الرضا. • خلق داخل مخيم" كديم إزيك" شبه سلطة موالية للبوليساريو تحظى بحماية دولية، تتم بعدها المطالبة بنقل مخيمات تندوف و الجمهورية الوهمية إلى داخل التراب المغربي. و هكذا تتخلص الجزائر من جمهورية مقامة على ترابها، و لا تعرف كيف يمكن التخلص منها إن استمرت الرياح في الهبوب بما لا تشتهيه سفينة قصر المرادية. لقد تجلت هذه الخطة من خلال الضغط الجزائري على مفاوضي الجبهة أثناء اللقاء الغير الرسمي الذي جمع مؤخرا الوفود المفاوضة تحت إشراف المبعوث الاممي للصحراء، بحيث قد طلبت من وفد الجبهة الامتناع عن دخول قاعة المفاوضات لغاية أن تتم إدانة الجانب المغربي و اعتبار مخيم "كديم إزيك" محمية أممية، غير أن المنتظم الدولي رفض تلك الضغوطات و اعتبرها إعاقة للمفاوضات. حاولت الجزائر أيضا مع اللقاء الإخباري لمجلس الأمن الدولي المنعقد بموجب القرار 1920، و الذي يدعوا لجلسة إخبارية بعد كل زيارة للمبعوث الأممي للمنطقة، و بعد كل لقاء تفاوضي غير رسمي بين أطراف القضية. حاولت الجزائر عبر ممثل أوغندا في المجلس، طلب إرسال لجنة تحقيق دولية للعيون، غير أن طلبها قوبل بالرفض من طرف باقي أعضاء المجلس، معتبرين الكلمة التي ألقاها رئيس المجلس ، ممثل بريطانيا قد قدمت كل التفاصيل، خاصة و أن تقرير ممثل المينورسو و كذا التقارير الإستخبارلاتية للدول الكبرى الدائمة العضوية قد برأت ساحة المغاربة من كل تلك الاتهامات الزائفة، و أعطت تفاصيل دقيقة عن الأطراف التي تقف وراء تلك المأساة. و من أجل در الرماد في العيون، و الاستمرار في تزوير الحقائق أعلنت البوليساريو و من وراءها نظامنا الفاشل طبعا، على أن فرنسا كانت قد هددت باستعمال حق الفيتو في وجه أي قرار يدين المغرب و بأن جلسة مجلس الأمن كانت قد عقدت خصيصا للنظر في أحداث العيون و إدانة الغريم. و لم تفوت تلك الأبواق الدعائية الفرصة للتهديد بالعودة إلى حمل السلاح من جديد، حيث قال محمد عبد العزيز أن الجبهة ( أي الجزائر) لها الكثير من الأسلحة المتطورة. إن تفكير النظام الجزائري في مصالحه الذاتية قبل أي شيء، دفعه لاستعمال كل الوسائل المشروعة و غير المشروعة من اجل تحقيق الهدف، الأمر الذي جعله يستعمل سلاحا ارتد بكل قوة إلى صدره ونسف معه كل ما بناه طيلة 35 سنة و هي عمر الصراع. لن يغفر العالم للجزائر و حلفاءها تقديم حجج و براهين مزورة من أجل استغفال الرأي العام العالمي، و المتاجرة بمآسي ضحايا الإجرام، و بالشهداء من أطفال فلسطين وتقديمهم للعالم على أنهم ضحايا إرهاب النظام المغربي. كما لن يغفر العالم أيضا للجزائر إدعاءها الكاذب أيضا طول عمر الصراع بأنها ليست طرفا في الصراع، الأمر الذي تنفيه حالة الثعلب الجزائري الذي أخرج من جحره خائبا و عاريا. بالنسبة للطرف المغربي: لقد أبان هذا الطرف عن مهنية عالية أثناء إدارته للأزمة و طريقة التعامل معها بحيث لم يترك لعدوه أية ثغرة ينفذ منها. كانت الحملات الجزائرية عبر المحافل الدولية و المنابر الإعلامية حربا حقوقية، رغم أن الجزائر غير مؤهلة للخوض في موضوع حقوق الإنسان، و قد استطاع الطرف المغربي أن يجرها لمستنقع أسقط عنها كل الأقنعة ، وكشفها و هي متلبسة بجرائم خطيرة ضد الإنسانية لا يماثلها غير الجرائم التي مورست و لا زالت تمارس في حق الشعبين الجزائري و الفلسطيني. *كاتب جزائري