قضية محمد بن عبد الكريم الخطابي قضية أجيال ... بقلم : محمد لمقدم ( طالب باحث ) لم تكن وثبة الخطابي، طارئة أو عارضة، كما أنها لم تكن ردة فعل لظروف الإستعمار و الوضع الإجتماعي، و إنما هي نقطة إنطلاق تاريخي، من تلك الإنطلاقات الإسلامية الخالدة التي تنمو في ظل القران و هدي الإيمان قوامها تحرير العالم الإسلامي من المغرب إلى الهند و لا ينكرها و يتنكر لها إلا منكر أو جاحد ... و لقد دل التاريخ أن الرجل من أصدق الناس قولا، و أكثرهم وطنية، و أرقاهم خلقا، و أبصرهم بوسائل الإستعمار، و أنه كان الإقدار على مواجهته ... فالخطابي كان لأمة – بالتعبير القراني الأصيل – و حركة تغييرية إصلاحية و طاقة سياسية، و مدرسة عسكرية، إذا أحسننا الإستفادة من تجربته يمكن أن تعود بالخير العميم علينا . و قد إعتمدت في هذا اللقاء و الحوار التركيبي على كتاب ” مراكشي في مصر ” لمحمد الأممي ( مطبعة مهدية، 1957، تطوان المغرب ). مع تصرف كبير في النصوص و لكن بدون أن تأثير شخصي . و هذا المقال عبارة عن مناسبة ممتعة – من نسج الخيال – حصلت فيها على زيارة البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي في اَخر عمره. و لقد إجتمع في هذا اللقاء التركيبي تجربة القائد العسكري، و المصلح الإجتماعي، و المثال الخلقي، و الزعيم الروحي، مع حيوية شاب، فإلى أي مدى يمكن لشببابنا و هم أمل المستقبل الإفادة من تجربة هذا البطل، حتى يكونوا أحفاداً حقيقيين لاسلافهم، و يكونوا خير خلف لخير سلف ؟؟. هو الاًن امامي طافح الوجه بالجدة و النشاط بارق العينين مما ينبئ عن فكر و قاد و نشاط جم بل إن جلد بشرته الدال على الحيوية ليفضل لوننا – نحن شباب اليوم – الحائل المنهوك قبل الأوان . و تعرف كل واحد منا على الأخر. و ابتدأ الحديث، و شيئاً فشيئا تطور إلى حديث فيه أخذ و رد، و الواقع أن موضوعات هذا اللقاء كانت تتصل بالسياسة العامة و الخاصة للمغرب و بسياسة العرب و المسلمين نجاه الغرب ثم عن الشؤون الدينية و توجيه الشباب . و أنا كنت أريد أن يعرف كل شيء ثم لم أتذكر كيف تسرب حتى سألته عن إتجاهاتنا السياسية و من الأول و التالي، فأجاب قائلا : أن المغرب لا يكتمل في كيانه إلا يوم يتحد الجميع و هنا أخذ يسرد ما لاقاه منهم جميعاً مما أدى حسب قوله إلى الكذب عليه و أخذ صور بحضرته لادعاء الإتفاق معهم و كونه يعمل و إياهم في صعيد واحد و من أنه يؤيدهم فيما يفعلون . و يصمت قليلاً لينفجر انفجار المجروح المكلوم و كيف أنهم افسدوا عليه عمله في الريف، ذلك العمل الذي كان يريد – حسب قوله – تحرير البلاد من اَخر جندي أجنبي . حتى إذا وصل إلى منتصف الموضوع هاج لأنهم أوقفوا هذه الثورة في وقت كان فيه الفرنسيون في أشد حاجة للراحة، و نفض اليد من واجهة مغربية للتفرغ لواجهات أخرى . و هو لا يكتفي بهذا بل يصف العمل بكونه جريمة جعلت الإستقلال غير حقيقي . و في هذا الصدد ذكر أن الفرنسيين أتوه ساعة غياب الملك في منفاه و أرادوا مفاتحته في المغرب وحده فأجابهم قائلا : ” لا أفهم شيئاً يقال له المغرب، و إنما أفهم المذاكرة أن تكون على أساس الشمال الإفريقي كله ” فقالوا له مالك و للجزائر و تونس ؟ فرد عليهم إنكم لما قاتلتمونا حاربتمونا بالتونسيين و الجزائريين، و هنا فتح في حديثه قوساً ليقول : إلتفيت بهذه الحجة و لم أشر إلى أنهم إخواننا في الدين حتى لا أنبههم إلى أفكار إسلامية و حتى لا يستغلوا هذه النقطة بالذات في كسب الرأي العام الدولي المسيحي ضدنا عندما يصفوننا بالعصبية لأن هذا الرأي العام المسيحي ضدهم ما دامت المسألة مسألة إستعمار أما إذا تعدته إلى الدين الإسلامي و الإتحاد العربي فشيء اَخر و القضية ترجع معكوسة ... ” ثم قال ... يجب على كل متحدث مع الغربيين/ المسيحيين أن يدخل هذا في حسابه و لا أن يفشي مقاصده الإسلامية الخفية و لذا فإنني لم أجب بأن الجزائريين و التونسيين مثلاً إخوان لنا في الدين و اللغة . و إنما خاطبتهم بلغة العسكريين من أنهم يحاربوننا بالمجاورين لنا و من أن إحتلال الجزائر كانت بداية إحتلال لمجموع الشمال الإفريقي، إذ بالدخول للجزائر وقع التسرب إلينا، ثم أضاف : و على غثر جوابي هذا ذهبوا و أعدوا مؤتمر إيكس ليبان و استدعوا إليه من شاءوا و أغطوا فيه ما أرادوا دون أن تثار مسألة الجيش . و هنا قاطعته : بأن الإتفاقية المباشرة يعتبرونها مكسبا نلناهن فعاد البطل المجاهد لتأكيد يقينه من أن الفرنسيين لا يخرجون إلا بالقوة و العنف بل و بالطرد، و قد كنا على وشك ذلك لولا حادث ةو فعلة إيقاف ثورة الناظور و تيزي وسلي، و المسؤول في هذا أولئك ! لأن الشعب كان مستعدا و الفرد يكافح بإيمانه أكثر من سلاحه و الشعب في حاجة إلى من يأخذ بيده و ينمي فيه حماسه و شعوره . و هنا أخذت دوري في الكلام و المناقشة، لأقول شيئاً كان يختلج في صدري و أعده مهما في معرفة رأي البطل فيه، و هو كون المغرب سيتخبط في أزمة غقتصادية خانقة، و أن رؤوس الأموال ستنسحب مع كل شركة فرنسية أو غربية أو كل مستثمر أجنبي يغادر المغرب، و أن العمال العاطلين سيتكاثر عددهم، إذا ما قمنا بطرد الفرنسيين، صحيح أن هذا غستعمار من نوع اَخرَ ( إستعمار غير مباشر) ، و لكن لا نستطيع في هذه المرحلة بالخصوص تطبيق هذه النقطة، فكل محاولة و كل حساب لخطة ما يجب أن يدخل فيه هذا الجانب الإقتصادي في الحالة المغربية الحالية . و بالطبع لم يستطع أن يوافق على هذا و لا أن يحسب له حسابا، و هنا إنساق في ذكرياته و كيف أن الثورة الريفية قامت من لاشيء، و يرد كيف أن ” أول معركة قامت بيننا و بينهم و كانت بداية نصر مسترسل مات فيها أربعة لا غير منا، و منهم أكثر من مائتين أي من الإسبانيين، و غنمنا الأسلحة و الذخائر الحربية التي إكتسبنا بها إنتصارات جديدة . كان الواحد منا يصبر على الجوع و بلغ الحال أن كان المجاهدون يأكلون الارز مقليا و هو الذي غنموه ضمن أسلاب الأعداء، و إذن فليس هناك أي حساب مادي يدخل في الإعتبار عندما يكون الإيمان مسيطراً على القلوب و يكون اليقين جازماً بالنصر، و الحمد لله لقد كان هذا الإيمان و كان هذا الإعتقاد في رجال الثورة الريفية . فالمسألة مسألة إيمان و يقين لا مسألة إقتصاد أو غيره و لا يجب أن نحسب للمعتدي المحتل أكثر مما هو عليه في الواقع . و بهذا إختتمت هذه الجلسة الرائعة المفيدة التي أعتقد أني وفقت فيها خير توفيق، و الله من وراء القصد .