مرت 46 سنة على وفاة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي ولا زال هناك حصارا مضروبا على تراثه وتجربته التحررية، ماذا يعني تخليد ذكرى وفاته اليوم؟ ولماذا هناك نوع من الخوف من الأمير حتى وهو ميت؟ في 6 فبراير 1963 انتقل الى عفو الله ورحمته المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي وصادفت هذه الوفاة انتقال السلطة من الملك محمد الخامس الى الحسن الثاني رحمهم الله، وحسب ما نعرفه اليوم أن التيار يمر بقوة ايجابية بين متولي العرش الجديد وبين محمد بن عبد الكريم الخطابي لأسباب كثيرة، قد يتعلق بعضها بصراع الأجيال، وقد يتعلق بعضها الآخر بالسياسات المتبعة لمغرب مابعد الاستقلال، ولنظرة إلى مستقبل المغرب السياسي كذلك، ولذلك حين توفي الأمير الخطابي بالقاهرة لم يكن هناك حماسة قوية لنقل رفاته إلى المغرب للتشريفات اللازمة له، وبالمصلحة الضرورية مع المتعاطفين معه مع رؤيته الوطنية التحريرية والاجتماعية والسياسية في المغرب. أما ما يتعلق بذكرى وفاته فإن هذا التخليد اليوم ليس جديدا فقد كانت هناك جمعيات وفاعلون سياسيون يحيون هذه الذكرى من حين لأخر، وقد بادرت مجموعة البحث محمد عبد الكريم الخطابي ـ كما نعلم ـ الى إحياء هذه الذكرى قبل خمس سنوات هنا بالرباط، كما أن الصحف المغربية لم تخلوا من مقالات بالمناسبة، إلا أن الرسمين والأحزاب السياسية لم يولوا لهذا الموضوع اهتمامهم. والواقع أن هؤلاء لم يهملوا إحياء ذكرى الخطابي فقط، بل أهملوا العشرات من المناسبات الوطنية، ولا يتم التذكير والإحياء إلا لمناسبات معينة ينتسبون إليها أو تنتسب اليهم بمعنى أن لمغاربة لم يصلوا بعد الى اعتبار رموز هذا الوطن رموزا وطنية لكل المغاربة. أما الشق الثاني من سؤالكم، فدعني أقول لك أن هناك من يرجو الآخرة، لكن هناك من اختار الدنيا بما هي جاه وسلطة وربما قمع حتى، وبطبيعة الحال فأن يخاف هؤلاء من الذين رحلوا بعزة وكرامة وأنفة المجاهدين ونصرة للحرية، فهذا وضع معروف في تاريخ المغرب المعاصر، لكن الشعوب قد تضطر أحيانا الى السكوت، لكن وعيها وذاكرتها وتقديرها لرموزها يبقى شعلة وقبسا، لابد أن يضيئ دروب مستقبلها. من خلال خبرتك في التعامل مع تجربة محمد بن الكريم التحررية، ومواقفه السياسية، ما الذي يمنع في نظرك عدم عودة رفاته إلى حد الآن؟ بالتأكيد فإن الذي يخاف من الأمير هو من لا يسمح ولا يريد، بل لا يرغب أن يكون رفاته في وطنه، الذي ضحى بالنفس والنفيس من أجله، لأن وجود الرفات في الوطن قد تقلب عليهم مواجيع ضمائرهم، وتشعرهم بالذنب نحو هذا الرمز الوطني، ونحو أولئك الذين شاطروه دربه ورؤيته السياسية لمستقبل المغرب. ثمة من يرى أن طموحات الأمير السياسية في تأسيس جمهورية مستقلة بالريف، وكذا القول أنه وراء انتفاضة الريف في بداية الاستقلال هي من وراء هذا الجفاء الرسمي للأمير، ما رأيك؟ على الرغم من عدم وجود دليل قاطع من أن عبد الكريم الخطابي كان في نيته تأسيس جمهورية مستقلة بالريف إلا ما كانت تنشره صحف ذلك الزمان حسب أغراضها وأهوائها وايديولوجيتها، فإننا اليوم بعد مرور 88 سنة من الأحداث، نعتقد بذلك وفقا للقواعد العلمية التي تقول بأن الطبيعة لا تقبل الفراغ كما ذهب إلى ذلك الأستاذ علي الادريسي في كتابه ( محمد بن عبد الكريم الخطابي: التاريخ المحاصر)، لكن ما يجب التأكيد عليه أيضا أن الحكومة التي أسسها الخطابي كانت لها وظيفة سياسية مرحلية، ألا وهي التفاوض من أجل تحرير الوطن من الاستعمار، ونحن نميل إلى الرأي الذي يذهب إلى أن الحرب التحريرية الريفية المغربية لم تكن حربا شخصية أو قبلية. أما الأحداث الريفية أو انتفاضة الريف( 1958 - 1959 ) فقد كانت مجرد رد فعل على التصرفات غير الوطنية التي مارستها السلطات الحزبية، والدوائر المخزنية ضد الشمال الذي كان محتلا من قبل اسبانيا، فبعض الزعماء اعتبروا الوحدة الوطنية آنذاك بين الشمال والجنوب مجرد رضوخ شمال المغرب(الخليفية) لجنوب المغرب (السلطاني )، ومما لا نشك فيه أن تلك الأحداث كانت تستوجب استنكار كل الوطنين الغيورين على وحدة بلادهم، وعلى المساوات بين كل المواطنين، فقد لا يكون الأمير الخطابي وراء تلك الأحداث الأليمة، ولكنه كان مستنكرا للبشاعة والقمع الذي سلط على المنطقة بدون مبرر سياسي أو أخلاقي، وكان عبد الكريم الخطابي يعتقد دائما أن السياسة يجب أن تكون في خدمة الشعب وليس العكس، وإذا كان هناك من يخالف هذه الرؤية ويجافي الخطابي بسبب ذلك، فذلك شأنه وللتاريخ حكمه. باحث في التاريخ المعاصر، يحضر الدكتوراه في موضوع البعد العقدي في نتاج محمد بن عبد الكريم الخطابي بجامعة محمد الخامس بالرباط.