‘صوتك فرصَتُك لمحاربة الفسَاد والاستبداد'، كان ذَاك الشعار الذِي خاضَ به حزبُ العدالة والتنميَّة أوَّل انتخاباتٍ تشريعيَّة على ضوء دستُور 2011، ونجحَ في الظفر بصدارتهَا التِي أهلتهُ إلى قيادَة ائتلافٍ حكومِي من أربعة أحزاب.. مستكملة اليوم 3 سنوات من "الوجود" الذي أعلن عنه رسميا في 3 يناير 2012. مطلب محاربة الفسَاد الذِي كانَ يجاهر به حراك الشارع المغربِي، عبر خرجات تنسيقيات حركة 20 فبراير، صدَحتْ به حناجرُ المُحتجِّين، ورُفعتْ شعاراتٌ تطالبُ برحِيل بعضٍ من رموزهِ، انعطفَ ليشكلَ عنصرًا بارزًا في برنامج انتخابِي، قدرَ لحملته الفوز، وإنْ اضطرُّوا إلى التحالف معَ منْ كانُوا يرمون به، أيَّام النسخة الأولى للحكُومة، قبل خروج الاستقلاليِّين من الأغلبيَّة. بيدَ أنَّ مضيَّ أعوام ثلاثة منْ اشتغال أوَّل حكُومة يقُودُها إسلاميُّون فِي المغرب، لا يزَال يغذِّي تضاربًا في تقدير ما إذَا كان الفسادُ قدْ تلقَّى ضرباتٍ موجعة، أمْ أنَّ عرابِيه لا يزالُون في مأمنٍ من المتابعة، ولا يضيرهُم أنْ يومأ إليهم، أوْ يجري توظيف مكاسبهم، للاستهلاك الخطَابِي والانتخابِي. أفتاتِي..الحكومة تحاربُ الفسَاد بجديَّة البرلمانيُّ عن حزب العدالة والتنمية، عبد العزيز أفتاتِي، يؤكد تعاطيَ الحكومة بصورةٍ جديَّة مع محاربَة الفسَاد، مستدلًّا بالتفاعل الإيجابِي الذِي صار يقعبُ تقارير المجلس الأعلى للحسابات، ووضع كثير من المفسدِين أيديهم على قلوبهم، في انتظَار أنْ تعلن نتائجهَا. أفتاتِي أردف أنَّ ثمَّة حربًا طاحنة، اليوم، كيْ لا يتمَّ تحديد 22 مؤسسة بين مجالس محليَّة ومؤسسات عموميَّة، حقق المجلس الأعلى للحسابات في اشتغالها، وهو ما يشكلُ مؤشرًا إيجابيًّا، بالموازاة مع النقاش الجارِي بشأن القانون الأساسي للهيئة الوطنيَّة للنزاهة. المتحدث ذاته يرى أنَّ تعديل مرسوم الصفقات على عهد الحكومة ساهم في جعل الطريق سالكة إلى التنافسيَّة "ثمَّة بداية جد حاسمة في محاربة الفساد، بعدمَا كان المسؤُولون يتخذُون مناصبهم، في السابق، مدخلًا إلى الاغتناء في فتراتٍ جد وجيزة، وما عاد ذلك متأتيًا لهم اليوم". وعمَّا إذَا كانت الحكومة قدْ أحجمتْ عنْ محاربة الفساد حتَّى داخل مجلسها، على اعتبار أنَّ وزراء في فريقها، حامتْ حولهم شبهات فسَاد، منْ "شوكولاطة" وغيرها، فجرى غضُّ الطرف كيْ لا يتداعَى البيتُ الحكومي، نفى أفتاتِي أنْ تكون الحكومة متسامحة مع الفساد في سبيل تأمين التحالف. "سيكُون نجاحًا باهرًا لوْ سقطت الحكومة كيْ لا تلزم الصمت أمام الفساد، ما بلغني هو أنَّ الشوكولاتة أديتْ على حساب الوزير، وفي قضيَّة الملعب لا تزالُ التحقيقات جارية..نحنُ لا نقامر، لأنَّ محاربة الفساد برنامج حكومي وإرادة مرحلة، وإنْ ظلَّ المشوشُون مستمرِين في التمويه، رغم أنَّ من بينهم من لا يستطيع حتَّى الإقرار بوجود فارِّين من العدالة". وإزَاء انتقادِ أصوات معارضة حزبَ العدالة والتنمية، ومطالبته بعدم توظيف ملفات الفساد لمآرب سياسيَّة، والاشتغال بجديَّة من خلال تحريك ملفات العدالة، التي يمسكُ بحقيبتها، يعزُو أفتاتِي عدم تحريك متابعاتٍ في بعض حالات الفساد إلى غياب دليلٍ يورطهَا، "في بعض الأحيان يعوزك الدليل، وقدْ اتصلَ بكَ شخصٌ ما ليحدثك عن ملفٍّ من الملفات، كمَا أنَّ منْ يتوفرُون على المعلومة، قدْ يكونون أيضًا ممنْ سبق لهم أنْ استفادُوا فلا يكونُون قادرِين على الحديث جهْرًا، أوْ أنَّ بعض المعطيات تقدم بعدَ فواتِ الأوان". مسكاوِي: حصيلة غير مشجعة واختزالٌ للفساد في "القهوة" رئيس الشبكة المغربيَّة لحماية المَال العام، محمد مسكاوِي، يرى في حديثٍ لهسبريس، وصل إلى الحكومة تحت غطاء شعار محاربة الفساد، الذِي كان إجماعًا وسط الشارع المغربي، بسبب وجود تراكمات خطيرة في البلاد منذُ الاستقلال، علاوةً على اهتمام الدستُور الجديد بالموضوع من خلال ربط المسؤوليَّة بالمحاسبة. بيدَ أنَّ ما قامَتْ به الحكُومة منذُ الثالث من الثالث يناير 2012، الذِي عينَتْ به، يكشفُ عن حصيلة غير مشجعة، يقول المسكاوي، على اعتبار أنَّ الخطة الاستراتيجيَّة المعول عليها لمحاربة الفسَاد، اليوم في المغرب، لا تختلفُ كثيرًا عن الخطَة التي صيغَتْ أيَّام عبَّاس الفاسِي. والإشكال بحسبلمسكاوِي، أنَّ ثمَّة نزوعًا اليوم إلى اختزَال الرشوة والفسَاد في "القهوَة" والدراهم العشرة التِي قدْ يقبضها موظفٌ صغير في إدارةٍ من الإدارات، دون الحديث عن فساد الصفقات الكبرى التي تبددُ فيها الملايير، مثل مقالع الرمال ورخص النقل والصيد في أعالي البحَار. لقدْ كان بوسع الحكُومة أنْ تجني المليارات لوْ أنَّها حركتْ ملفاتٍ راكدَة في المحاكم، يردفُ مسكاوِي، "بعمليَّة حسابيَّة بسيطة، نكتشفُ أنَّ ملفاتٍ تهمُّ 200 مليار درهم، مودعة في الرفُوف دون معالجة، بلْ إنَّ رخص النقل بوحدهَا تضيعُ على الدولة 15 مليَار درهم كانت ستدرُّ مداخِيل ضريبيَّة". ويستدِلُّ المسكاوِي على عدم غياب إجراءات رادعة بالقانون الأساسي الجديد للهيئة الوطنيَّة للنزاهة، الذِي ينكبُّ البرلمان على مناقشته، معتبرًا إيَّاه قانونًا متخلفًا لا ينسجمُ مع روح الاتفاقيَّات الدوليَّة ذات الصِّلة. أمَّا قانُون إبراء الذمَّة الذِي لجأتْ إليه الحكومة لتشجيع مهربِي الأموَال على التصريح بما أخرجُوه نظير تمتيعهم بالعفو، فمدخلٌ إلى الإفلات من العقاب، ومؤشرٌ نفسيُّ يطمئن الفاسدِين ويذرهم لا يخشون الإقدام ثانية على التهريب. "ثمَّ إنَّ الدولة إذَا استعادتْ 15 مليارَ درهمٍ بفضل الإجراء، فإنَّ تقريرًا دوليًّا كشفَ أنَّ عشرة مليارات دُولار هربتْ من المغرب في ظرف عقدٍ من الزمن". ويرْصدُ مسكاوي ثغراتٍ لا تزالُ ماثلة أمام مطمح محاربة الفساد في المغرب، سواء تعلق الأمر بحماية الشهُود والمبلغِين الذين قدْ يجدُون أنفسهم المعاقبِين عوض الضالعِين فِي قضايَا فساد، فيقطعُ الأصبع الذِي يشيرُ إلى مكمن الدَّاء.