يعتبر محمد المسكاوي المنسق الوطني للهيئة الوطنية لحماية المال العام أن الحكومة مطالبة بإعداد مخطط تشريعي يهم حماية المال العام وينطلق من الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، وهذا يقتضي حسب مسكاوي إرادة سياسة قوية لأنه بدون هذه الإرادة لن تنجح الإجراءات التي جاءت في مشاريع القوانين، وإذا كانت هناك إرادة حكومية فستكون إلى جانبها الإرادة الشعبية للمغاربة، ويمكن الحد من الفساد، مضيفا أن «المطلوب من الحكومة أن تترجم القوانين إلى مجموعة من التدابير القانونية سواء المنظومة الموجودة الحالية أو التي سيتم اعتمادها». وأكد مسكاوي في حوار مع «التجديد» أن رئيس الحكومة مطالب اليوم بثورة تشريعية من أجل حماية المال العام، عبر ملاءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، لأن الفساد بالمغرب أصبح متجذرا منذ سنوات، وهناك صعوبة على مستوى محاربته، بحكم وجود مافيات متحكمة في جميع القطاعات والمجالات التي تعرف فسادا. ● ما هو تقييمكم لأداء مؤسسات الحكامة اليوم، وأفق تقدمها في المستقبل؟ ❍ أهم مؤسسة اليوم في المغرب تهتم بالفساد هي الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة التي تعتبر آلية من أليات تطبيق الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد ومع الأسف فقد أنشئت ألية مبتورة خلال الحكومة السابقة التي جعلتها ألية استشارية بدون صلاحيات، وقد طالبنا الحكومة الحالية أن تجعل من أهدافها المستعجلة إعداد القانون التنظيمي الخاص بهذه المؤسسة التي أصبحت دستورية لكن اليوم نلاحظ أن الهيئة هي التي بادرت الى إعداد مسودة مشروع وفتحتها للنقاش. أما المجلس الأعلى للحسابات الذي يعتبر مؤسسة رقابية شبه قضائية لمراقبة المال العام فما زال يحتاج الى توسيع صلاحياته وإمداده بالأطر اللازمة وحذف شرط المتابعات في الأمور الجنائية برسالة من الوكيل العام للمجلس إلى وزير العدل لتصبح المتابعة بشكل عادي بعد النشر بالجريدة الرسمية، الحصيلة الآن أن كل المؤسسات ماتزال تشتغل بنفس الأسلوب السابق مع التأكيد على عدم وجود إرادة سياسية اليوم. أما الأفاق فإن الحكومة مطالبة بإعداد مخطط تشريعي يهم حماية المال العام ينطلق من الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، وهذا يقتضي إرادة سياسة قوية لأنه بدون هذه الإرادة لن تنجح الإجراءات التي جاءت في مشاريع القوانين، وإذا كانت هناك إرادة حكومية فستكون إلى جانبها الإرادة الشعبية للمغاربة، ويمكن الحد من الفساد. والمطلوب من الحكومة أن تترجم القوانين إلى مجموعة من التدابير القانونية سواء المنظومة الموجودة الحالية أو التي سيتم اعتمادها. كما يجب إعادة النظر في مسألة تدبير الصفقات العمومية، فتدبير الصفقات العمومية سواء بالقطاعات الحكومية أو الجماعات المحلية بات يشكل خطورة، وبالتالي يجب أن تفكر الحكومة في صيغة جديدة لقانون الصفقات العمومية، وتفعل عملية الرقابة، وسبق أن طالبت الهيئة بوكالة مستقلة من أجل التصرف في أراضي الدولة سواء الأحباس أو أراضي الجموع أو غيرها لأنه لا يعقل أن تأتي شركات أجنبية وتستفيد من أراضي بأثمنة بخسة وبالمقابل يتم بيعها بأثمنة خيالية، وبخصوص القضاء الذي يسهر على حسن تطبيق القوانين، فإذا لم يتم التسريع من إصلاح القضاء لا يمكن أن تكون هناك نتائج، وستفشل جميع التدابير القانونية والإجرائية. ● هل تتوقعون أن تتمكن هذه الترسانة القانونية سواء تلك التي جاءت بها الحكومة أو البرلمان، والتي تسعى بالأساس إلى توسيع صلاحيات مؤسسات الحكامة من القضاء على الفوضى التي يعرفها المال العام اليوم بالمغرب؟ ❍ ليس هناك أي ترسانة قانونية جاءت بها الحكومة الحالية باستثناء الاستراتجية التي قدمتها لمحاربة الرشوة وهي مستنسخة من الحكومة السابقة وتعطي الانطباع بأن مشكلة المغرب هي الرشوة البسيطة، وبالتالي فرئيس الحكومة مطالب اليوم بثورة تشريعية من أجل حماية المال العام، عبر ملاءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، لأن الفساد بالمغرب أصبح متجذرا منذ سنوات، وهناك صعوبة على مستوى محاربته، بحكم وجود مافيات متحكمة في جميع القطاعات والمجالات التي تعرف فسادا. فعندما نتحدث عن الفساد نتحدث عن أراضي الدولة، وعن الصفقات العمومية ورخص الامتيازات، وفساد القضاء واقتصاد الريع ومظاهر المحسوبية والزبونية وبالتالي فإن هذه المظاهر خلقت طبقتين، طبقة فقيرة جدا، وطبقة أخرى صغيرة ولكنها الأكثر استفادة من خيرات البلد. وحتى الإجراءات الحكومية السابقة فيمكن اعتبارها مجرد إجراءات فولكلورية موجهة للاستهلاك الخارجي من أجل أن يقدم المغرب باعتباره بلدا للإصلاح، ومع هذه الحكومة أتمنى أن تكون الإرادة صادقة وجدية في محاربة الفساد على اعتبار أن هذه الإرادة كانت غائبة في الماضي. ● ما هي التكلفة الاقتصادية التي يدفعها المغرب نتيجة لعدم فعالية مؤسسات الحكامة؟ ❍ بطبيعة الحال التكلفة الاقتصادية كبيرة جدا وهي تنعكس على الأوضاع الاجتماعية وبالعودة الى التكلفة الاقتصادية فمظاهرها اليوم تتجلى بوضوح في الأزمة التي نراها اليوم، وبلغة الأرقام فالملفات الرائجة بالمحاكم اليوم تبلغ 200 مليار درهم، وما تخسره خزينة الدولة سنويا بسبب الرخص 15 ملايير درهم ، التهرب الضريبي يفوت 28 مليار سنتيم شهريا، غياب الشفافية في تدبير الصفقات العمومية يفوت 3 مليون دولار سنويا، إذن نحن أمام أرقام مالية سنوية تقارب في بعض الأحيان مداخل الدول البترولية، وبالمقابل الفقر والحرمان لفئات عريضة من الشعب المغربي. ● وفي نظركم ما هي أبرز العوائق التي تواجه هذه المؤسسات وتحول دون قيامها بدورها حماية للمال العام؟ ❍ المغرب اليوم يحتاج الى الصراحة والوضوح وأجهزة الدولة اليوم لا تتوفر على إرادة حيقيقية لمحاربة الفساد، وهناك مافيات ولوبيات ستحارب اي نية للإصلاح لكن الرهان يبقى على دعم الشعب المغربي الأكيد، والذي يمكنه حسم معركة الفساد بشرط أن تتوفر النية لذلك وساعتها يمكن الحديث عن الترسانة القانونية اللازمة لذلك. هذا دون أن ننسى العائق الأكبر وهو الإفلات من العقاب في مجال الجريمة الاقتصادية ، لأن استمرار سياسة نهب المال العام ومسلسل الفساد الاقتصادي مرتبط بمبدأ اللاعقاب، فالإفلات من العقاب يولد لدى المختلس ولدى المجرم بصفة عامة الاطمئنان إلى الفعل ومعاودته. فالمطلب الأساس هو سن قوانين لا تترك للمختلس أي مفر من العقاب، وكذا ضرورة استرجاع الأموال المنهوبة، ونحن هنا لسنا ضد أو مع اعتقال أحد، بل نحن مع إجبار المختلسين في حال ثبوت اختلاساتهم، على إعادة الأموال المنهوبة إلى الدولة.