نظم مركز مغارب للاجتماع الإنساني الذي يرأسه الدكتور مصطفى المرابط، المدير السابق لمركز الجزيرة للدراسات الإستراتيجية، اللقاء الثالث من لقاءات مغارب حول موضوع النخب الثقافية والحراك العربي . حيث حضرت وجوه أكاديمية وسياسية وطلبة باحثون. شهد اللقاء الثقافي، والذي احتضنه مقر المركز بالرباط ليلة الأربعاء، مشاركة كل من المصطفى المرابط ومحمد جبرون من جامعة عبد الملك السعدي وصاحب كتاب «مفهوم الدولة الإسلامية» والكاتب الإعلامي إدريس الكنبوري، صاحب كتاب « شيوعيون في ثوب إسلامي ». جبرون دافع عن أطروحة «غربة النخبة الثقافية» إزاء ما يجري في المحيط العربي، وقال إن « هناك سوء فهم كبير وليس هناك تجاوب بين الشباب على الخصوص والمثقف » . هذه القطيعة، يشير المحاضر، أنها ليست وليدة الظرف الراهن وإنما « تمتد لأعماق بنية تشكل هذا المثقف الذي من سمته الغربة عن المحيط وتحفظه عما يجري في الشارع » مستندا في معرض كلامه إلى كتابات السابقين من أمثال العروي و أزمة المثقف في الوطن العربي و الدكتور علي حرب في أوهام النخبة و إدوارد سعيد من خلال المثقف و السلطة. وفي محاولة لإعادة بناء فهم هذه العلاقة المتأزمة بين المثقف ومحيطه يرى المحاضر أن القصة تعود إلى بداية القرن التاسع عشر مؤكدا أن المفهوم نفسه مقتبس من الغرب وهو بذلك يحمل ما حملته المفاهيم التي انتقلت من هناك وعلى الخصوص ما سماها ب «صدمة الحداثة وتبيئة الأفكار في العالم العربي ». وأشار إلى كون المثقف في أوربا «لم يخرج من رحم الكنيسة و إنما هو واحد من إفرازات النهضة الأوربية وهو بذلك ينتسب إلى فئة المتعلمين الجدد المستندين إلى سلطة العقل والمتمردين عن سلطة الكنيسة » مضيفا في ذات السياق إلى كون « صفة المثقف كانت سبة و تشنيعا لا صفة مدح في بيئة الولادة». وبالعودة للمحيط العربي يجد المحاضر نفسه أمام أطروحتين اثنتين: فإما أن نعتبر الفقيه ضمن نخبة المثقفين وبذلك نكون أمام تاريخية تعود إلى العصر الوسيط أو نقتصر في اعتبار المثقف ضمن حدود غير المنتمين للخطاب الديني و نكون أمام إسقاط لعصر النهضة الأوربي على المفهوم. ذهب الدكتور محمد جبرون إلى التفريق بين تقنين المعرفة والمثقف باعتباره المنشغل بالرأي العام و هموم الناس من خلال الإنتاج الرمزي لكنه أقر أن المثقف فشل في بناء علاقة مع الجماهير التي نزلت إلى الشوارع مما دفعها أي النخبة إلى التحفظ أحيانا والتشكيك في الشرعية الثورية لما وقع. من جهته توقف مصطفى المرابط عند الهاجس الذي سكن المثقف العربي، والمتمثل في دعوى انسجامية ما يحمله من قيم مع ما أفرزه الشارع بعفوية من شعارات ومطالب، مفسرا ذلك في وجود نوعين من العلاقة: الأولى ميزتها الانفصالية التي تطبع علاقة بعض النخب مع الجماهير، وأما الثانية وهي التي عبر عنها بالمثقف الداعم الذي آمن بأن عجلة الإصلاح لابد أن تمر عبر الإيمان بحق الشعوب في التعبير والتغيير. وأضاف المرابط إلى أنه من حسنات ما سمي الربيع العربي هو أنه كشف عما كان يخفيه الاستبداد في العالم العربي، وقال: « اليوم أصبحت لدينا نظرة أكثر موضوعية للعالم العربي » موضحا العلاقة بين « العجز عن معالجة التحديات وتطور الايدولوجيا التي حلت محل التفكير » ملفتا النظر كيف فشلت النخب عندما انتقلت من المقاومة إلى البناء، مع تركيزه على الدعوة إلى مسألة الفهم والتفكيك فيما يقع حاليا، « لكي نفهم ونفكك ما يقع لابد أن نكون أولا ملتصقين بالناس قريبين من الواقع الشيء الذي ينتفي في كثير من الأحيان في المثقف و هو الأمر الذي تأسست عليه أزمة تسييس المثقف الذي لم يعد يرى التغيير إلا من خلال الدولة » يقول المرابط. أما إدريس الكنبوري فقد اختار أن يستهل مداخلته بسؤال مركزي في التداول العربي الذي تلا ما يسمى بالحراك العربي الراهن، وتساءل الباحث بالقول: « هل خان المثقف الجماهير ». في معرض جوابه عن هذا السؤال المحوري تطرق الكنبوري إلى الالتباس التاريخي في تحديد مفهومية المثقف وتطور اهتمامات أسئلته. ذاهبا إلى كون أسئلة اليوم هي نفسها التي طرحها الكواكبي ومحمد عبده وقبلهم الغزالي وغيرهم قبل مائة عام. الباحث في الشأن الديني تطرق للعلاقة بين المثقف والسلطة التي غالبا ما كانت عدائية مشاغبة. عكس ما ذهب إليه مصطفى المعتصم، الأمين العام للبديل الحضاري، من كون « بعض رواد الثقافة الفرنسية تربوا واشتغلوا في حضن القصر كفلتير و غيره ». دافع الكنبوري عن أطروحة جبرون التي تذهب إلى أن النخبة تعيش غربة مجتمعية وتفكر عكس المواطن فهي في نظره « تنشغل بمشاريع وهموم لم تنبثق من الداخل و مجيء الربيع كان صدمة لها من خلال فرضه لسؤال النخبة وموضوع المطالب الجماهيرية ». مستثنيا في ذلك المثقف الإسلامي المنخرط في التنظيمات والأحزاب كفاعل شبه أحادي الذي بدوره لم يكن يتوقع ما سماه الكنبوري الهبة (بتشديد الباء) بدل الثورة. ليخلص الكنبوري إلى كون المثقف لم يشتغل على الشعارات التي حملها رجل الشارع، ذاك المنتفض الذي لم يكن يملك مشروعا واضحا و مفاهيم ثابتة. المعتصم أقر بأن « النخب اليوم ملزمة أن تجلس لتتدارس الواقع بعيدا عن المقاربات الانتمائية الضيقة وأن المرحلة تقتضي توافقات تاريخية وإلا فان الموجة الثانية للجماهير قادمة لامحالة وبشكل أعمق في نظره » على حد قول الأمين العام لحزب البديل الحضاري المنحل.