أخيرا، وبعد 35 سنة من النضال والكفاح، استطاعت الجزائر "الشقيقة" (من شقيقة الرأس طبعا) أن تحقق انتصارا باهرا على المغرب، انتصارا يقربها جزئيا من الحلم الكبير، حلم تقزيم المغرب ومسخه كائنا ضعيفا عاجزا عن التشويش على الهيمنة الجزائرية مستقبلا. نحن من جهتنا نهنئ أبطال هذا الفتح العظيم، الأخ الجنرال القائد الأعلى للجيش الجزائري (الذي لا يزال يسمى جيش التحرير، ماذا يحرر؟ الله أعلم) والأخ الجنرال رئيس المخابرات، والأخ العقيد المكلف بالبروباغاندا، وأخيرا الأخ رئيس الجمهورية الجزائرية الشعبية الديموقراطية الاشتراكية، هؤلاء الأبطال العظام الذين حملوا رسالة "نبيلة" تتلخص في معاداة كل ما هو مغربي، يستحقون حقا الإجلال والتكبير. لهذا نطلب من سعادتهم جعل يوم العيون هذا عيدا وطنيا جديدا تحتفل به الأمة الجزائرية قاطبة، فهو لا يقل أهمية عن 4 جويلية المقدس. لكن السؤال المطروح على أصحاب السعادة والفخامة، لماذا كل هذا التأخر؟ لماذا انتظرتم كل هذه السنوات الطوال؟ ما الذي كان منعكم من إحراق العيون سنة 76 أو 80 أو 83 أو 90 أو 2000 أو...؟ إذا لم تستطيعوا أن تجيبوا سأتولى الإجابة بالنيابة عنكم، إذا سمحت سعادتكم. عسكريا لم تحققوا شيئا يذكر، رغم السلاح والمال والدعم الدبلوماسي والإيديولوجي، أزهقتم كثيرا من الأرواح المغربية لكن جمهوريتكم المختبرية لم تتبوأ أي احترام في العالم. كلابكم المسعورة سقطت أسنانها ابتداء من منتصف الثمانينيات، وتوقفت عن العض نهائيا سنة 1991، وبقي نباحها فقط يسمع إلى اليوم. أما المغرب فقد استفاد من هذه المحنة الطويلة عسكريا، لا سياسيا ودبلوماسيا. ولو كانت الحرب بيننا وبين الصحراويين دون تدخلكم لكانوا حتما انتصروا عن طريق دعم الضمير العالمي، لأن الدول الكبري "لا ترضع إصبعها" لتصدق أنكم فعلا تناضلون من أجل مغرب الشعوب وتقرير المصير. بعد زمن طويل أفقتم من نومكم وعرفتم أن النضال الداخلي أكثر جدوى من تضييع ملايير الدولارات في السلاح وشراء الذمم، فكان أن خططتم لزرع الفتنة بين صحراويي الداخل، ولم تنجحوا، لأن الزمن القديم كان صعبا عليكم، لا أحد كان يستطيع رفع أصبعه أمام الحسن الثاني، فوقفتم تنتظرون كالذئاب الشرسة تبدل الأحوال لتقتنصوا الفرصة المواتية. فكيف إذن تحقق انتصاركم المفاجئ؟ هناك ثغرتان كبيرتان دخلتم منها كما دخل الشيطان عبر لسان أفعى، الثغرة الأولى، لا يد لنا فيها وإنما هي متعلقة بالظروف الدولية الجديدة وبالاتجاه الذي سار فيه المغرب، حين وضع نفسه في سكة المعايير الدولية لحقوق الإنسان وحرية التعبير ودولة الحق والقانون، بمعنى أن زمن الاغتيالات والاختطاف والاعتقال التعسفي والمحاكمات الصورية ولى (في المغرب وليس عندكم) وهو ما أسعفكم على تنفيذ مخططاتكم الموضوعة في الثلاجة. الثغرة الثانية نحن المغاربة مسؤولون عنها، لأننا وضعنا الثقة في كل الصحراويين وعاملناهم أحسن مما نعامل به أنفسنا ونسينا الحيطة والحذر، وكان علينا أن نثق فقط في الصحراويين الوحدويين أو المقتنعين بالحكم الذاتي أو على الأقل ، الصحراويين الواقفين على الحياد. لقد بالغنا في التوقير والتكريم ناسين قول المتنبي: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا للأسف لم يكن كل الصحراويين كرماء، كانت فئة منهم يحتقروننا ويزدروننا ويكسرون كل يد امتدت إليهم بجميل، وبقدر ما كان التذليل كبيرا كانت شراستهم أقوى، ووجدوا الجرأة ليعبروا عن ذلك جهارا في مدننا وجامعاتنا خارج الصحراء متيقنين أنهم محميون بقانون خفي، معصومون من السلطات الأمنية والقضائية وحتى من رد فعل الشارع، فتمادوا يجسون رد فعل السلطات التي كانت في دار غفلون. ثم وقعت الواقعة، أمام أنظارنا ونحن ننظر ببلاهة إلى ما يقع، فماذا حصل؟ تمت عودة الصحراويين بشكل لم يسبق له نظير، أكثر من 1600 في ستة أشهر، بينما هذا العدد لم يكن في زمن صدق العودة يتحقق سوى على مدى أربع أو خمس سنوات، وتبين أن العودة كانت مبرمجة من طرفكم أيها العباقرة، وكان من الأجدر وضع العائدين تحت المراقبة مدة سنة على الأقل. ثم جعلتم بعض عملائكم يخرجون مشاهد سينمائية أمام كاميرات الصحافة العالمية مثل التامك ومن معه وأميناتو وغيرهم، ثم أخرجتم مسرحية النزوح الجماعي للغاضبين على الأوضاع الاجتماعية، والتي كانت في حقيقتها مؤامرة محبوكة تبتدئ بالمطالب الاجتماعية لتتحول إلى أعمال شغب متخلفة أساءت للصحراويين أكثر مما أحسنت لهم، وقد قتل أعوان السلطة لأنهم لم يكونوا مسلحين بأسلحة نارية ولأن عددهم لم يكن ملائما لحجم البربرية التي واجهتم أو لأنهم تلقوا تعليمات بعدم إطلاق الرصاص، مما جعل كفة عملائكم ترجح لتحققوا هذا "الانتصار الكبير" الآن، خسرنا معركة ولم نخسر الحرب، والمطلوب اليوم هو تغيير سياسة "الفشوش"، ووضع كل المغاربة تحت طائلة القانون، وتغيير طريقة الاستباق الأمني، واعتبار العمالة والجاسوسية الأداة الوحيدة التي يتسرب منها أعداؤنا ويجب قطع دابرها، وأن لا أحد يستطيع الإفلات من العقاب بقوة القانون لا الممارسات القديمة، لأننا يمكن أن نحفظ أمننا دون خرق للقانون ولا للحقوق، فالحفاظ على الصحراء بعيدة عن المطامع الجزائرية لا يتم بإعطاء الخد الثاني بعد أن يصفع خدنا الأول. ولا نزال إلى اليوم نرى السلطات في البلدان الديموقراطية تحفظ أمنها بحزم وصرامة دون أن يتعارض ذلك مع الحق، وهو ما لا نفعله نحن، أما أسطوانة الخصوصيات الصحراوية فهي لسان الأفعى الذي تسرب منه الجزائريون إلى الصحراء، فهل نلدغ من الجحر مرتين؟