في ندْوةٍ بعنوان "حقوق الإنسان في المغرب أيّة حصيلة؟ قراءات متفرّقة"، لمّتْ مسؤولين حكوميين ومسؤولي مؤّسسات رسميّة معنيّة بحقوق الإنسان، ورؤساء جمعيات ومنظمّاتٍ حقوقية، بسَط الطّرفان، كلّ من جهته، وجْهة نظره حوْلَ حصيلة المغرب في مجال حقوق الإنسان، وتفاوتت المواقف بيْنَ طرَفٍ رأى أنّ الحصيلة إيجابية، وطرف رأى أنّ ما تحقّق غيرُ كافٍ، وطرفٍ داعٍ إلى بذْل مزيد من الجهود لتطوير وضعية حقوق الإنسان في المغرب. وزيرُ العدل والحرّيات مصطفى الرّميد، وإن اعترف أنّ وتيرة تراكم الإنجازات في مجال حقوق الإنسان قد تكون بطيئة، إلا أنّه دافعَ، خلال الندوة التي نظمها منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، عمّا تحقّق خلال الثلاث سنوات الأولى من ولاية الحكومة الحالية التي يقودها حزب العدالة والتنمية، وقال إنّ ما راكمه المغربُ في هذا المجال عرفَ دفعة تصاعديّة مع مجيء حكومة التناوب التوافقي سنة 1998، واستمرّت وتيرتها في ارتفاع، من خلال تطوير التشريعات مع مجيء الملك محمد السادس، "خاصّة في المراحل الأولى من الحكم". غيْرَ أنّ أحمد الهايج، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، كانَ له رأي مخالف لما ذهبَ إليه وزير العدل والحريات، الذي استعرَض عددا من مقتضيات المسطرة الجنائية التي أحالتها الوزارة على الأمانة العامّة للحكومة، واعتبرها "ثورة هادئة على درب الحقوق والحريات"، وقال الهايج إنّ المشكل في المغرب لا يتعلّق بوجود نصوص قانونية وتشريعات من عدمه، معتبرا أنّ النصوص القانونية لا تكفي لتكون ضمانة لحماية الحقوق والحريات، وتابع قائلا "بالإضافة إلى الانتهاكات الموجودة على مستوى النص التشريعي هناك انتهاكات على أرض الواقع". وعلّق الهايج على كلام وزير العدل والحريات بالقول إنّ ما تمّ صياغته من قوانين "لا يعكس ولا يستجيب للخصاص المهول الذي نعاني منه في هذا البلد"، وانتقد الهايج الحكومة على عدم سعيها إلى مُلاءمة القوانين من روح دستور 2011 "رغم نواقصه"، واتّهم الدّولة "بانتهاك سيادة القانون والتعسّف على الحقوق دون أن تجد من يردعها وكأنّها تقول إنّ كلّ الضمانات الموجودة لا يمكن أن تكون ضمانة لممارسة الحقوق والحرّيات". وردّ وزير العدل والحريّات على الهايج مُبْديا اتفاقه على أنّ النصوص وحدها لا تكفي، واستدرك متسائلا "لكنْ، ألا تروْن أن ليْس مطلوبا أن ننجز نصوصا جديدة؟"، وطالبَ وزير العدْل والحُرّيات جمعيات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية أنّ تأخذ بعيْن الاعتبار أنّ تحقيق معادلةِ اعتماد المقاربة التشاركية في إعداد مشاريع القوانين، والتّسريع بتفعيلها في الآن نفسه، يظلّ صعْبَ المنال، لاعتبار أنّ إشراك المجتمع المدني في إعداد مشاريع القوانين يستهلك كثيرا من الوقت، وهو ما يؤخّر تفعيلها. وتحدّث المحجوب الهيبة، المندوب الوزاري لحقوق الإنسان عن الاتفاقيات الدوليّة لحقوق الإنسان التي وقع عليها المغرب، والتي تُلزمه بتقديم تقريريْن سنويين، وهو ما يطرح إشكالية توفير الإمكانيات اللازمة لذلك، من موارد بشرية، لتقديم التقارير بشكل دوريّ؛ وتكميلا لما قال وزير العدل والحرّيات، من أنّ مشروع قانون المسطرة الجنائية المُحال على الأمانة العامّة للحكومة جاء بنصوص تعزّز حماية الحقوق والحريات، قال الهيبة إنّ المنظومة الجنائية كانتْ منفّرة، باعتبار أنّ هناك من كان يرى فيها منظومة زجرية تتنافى مع حقوق الإنسان، وهناك اليوم مسار لتغيير هذه النظرة. من جانبه قال الحبيب بلكوش، رئيس مركز حقوق الإنسان والديمقراطية، حين حديثه عن عمل المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، إنّ السؤال المطروح هو ما مدى توفّر الدولة على إستراتيجية واضحة في مجال حقوق الإنسان، وما مدى توفّر سياسية عموميّة بهذا الخصوص، ومدَى التنسيق بين المندوبية وباقي القطاعات المعنيّة، وتابع أنّ ثمّة حاجةً إلى خُطّة وطنيّة في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي تتمّ مناقشتها منذ سنوات، لرسم خريطة لسياسة عمومية تكون مدخلا لقياس مدى التقدّم أو التراجع في مجال حقوق الإنسان. محمد النشناش، رئيس المنظمة المغربيّة لحقوق الإنسان، وإنْ ثمّن عمل المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، وقال إنّ هناك "بعض الجهات التي تنتقص من قيمة العمل الذي تقوم به المندوبية، وتُحدث نوعا من الارتباك"، إلّا أنّه انتقد عدم مصادقة المغرب على المحكمة الجنائية الدولية، قائلا "لم تعدْ هناك حاجة إلى الانتظار، وعدم المصادقة غير مُبرّر". وناقش المحاضرون في الندوة موضوع "حقوق الإنسان في المغرب أيّة حصيلة؟ قراءات متفرقة"، انطلاقا من ثلاث زوايا، الأولى تتعلّق بماذا تحقّق من التشريعات منذ دستور 2011 ومدى جودتها، وتقييم ورصْد دور المجلس الوطني لحقوق الإنسان والإشكالات المتعلقة بدوره كمؤسسة وطنية بعد دستور 2011، والتزامات المغرب في مجال حقوق الإنسان ومدى تنفيذها؛ وقال عبد العالي حامي الدّين، رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، إنّ التركيز على هذه المحاور الثلاثة أمْلتْه استحالةُ الإحاطة بكلّ جوانب موضوع حقوق الإنسان في ندوة واحدة. وأضاف حامي الدّين أنّ ثمّة حاجةً إلى نظرة متوازنة تثمّن ما تحقّق وتقف عند الاختلالات الموجودة بحياد وموضوعية في ظلّ وجود تفاوت بيْن الآراء، داعيا إلى نزع فتيل التوتّر "وإزالة كل ما من شأنه أن يشوّش على ما نراكمه في مجال حقوق الإنسان على الأرض"، وزاد قائلا "لكن مع ذلك ينبغي أن نسجّل أن حقوق الإنسان أصبحت اللغة المشتركة بين الإنسانية جمعاء، وعلينا أن ننخرط فيها في المغرب بإيجاب تامّ في تناغم مع مُعطياتنا المحلية". واعتبر حامي الدين أنّ "المُنحى العام يسير في خط تصاعدي رغم بعض الارتدادات"، فيما أبْدى وزير العدل والحرّيات مصطفى الرميد تفاؤلا كبيرا إزاء المسقبل، قائلا "إنّ المستقبل في مجال حقوق الإنسان واعد وهذا وعْد صادق".