إهداء: مونية بلماحي في توهجها النضالي من اجل الوطن خارج الوطن.. لم يعد يخفى على احد أن ظاهرة ثقافة الكراهية في العالم العربي والإسلامي على حد سواء أصبح لها مع الأسف الشديد جذور راسخة بل أكاد اجزم أنها غدت فردا في العشيرة، في الوقت الذي نرى فيه بقية لعالم يسير نحو القطبية وتوحيد أركانها ومقوماتها، سعيا منها تذويب كل الترسبات الماضوية التي لم تعد ذات جدوى في عصر العولمة. ولعل هذه الظاهرة الإنسانية الدخيلة، أصبحت أكثر من أي وقت مضى تتطلب منا قراءة عميقة لمعرفة مكمن العوامل والأسباب التي رسخت هذه الثقافة، ومحاولة إيجاد السبل المناسبة لتجاوز التأثيرات السلبية والمدمرة لهذه الظاهرة، أو بالأحرى محاولة ضبط آلياتها التي حتما ستعمل على التقليل من حدوثها وبروزها في الفضاء العربي والإسلامي؛ علما أن هذه الطاهرة الساعية إلى الكراهية والعداء والعداوة بين بني الوطن العربي والإسلامي، لا ننكر أنها ظاهرة إنسانية بشكل عام تشترك فيها عوامل عدة، موضوعية وذاتية، داخلية وخارجية، في بروز حالة العداء والعداوة بين الإنسان وأخيه الإنسان. وفي هذا الإطار بالذات، ارتأينا خلق نوع من الحوار الوازن بين بني الوطن الواحد سعيا منا إلى إرساء ثقافة الحوار، والتسامح، وحقوق الإنسان في فضائنا الاجتماعي العربي والاسلامي ولما لا الإنساني ككل. وسنحاول من خلال هذا الحوار المفترض، تفكيك هذه الظاهرة، ومعرفة الأسباب المباشرة وغير المباشرة لحدوثها، وما هي الكيفية أو الآليات المناسبة للتقليل منها. بكل تأكيد أنه من الطبيعي أن يقود الاختلاف الأيدلوجي أو السياسي إلى نوع من التجاذب والتصلب لكن دون استحضار العداوة والكراهية. وكما يجب السعي إلى البحث هل هناك عوامل وأسباب تحول الاختلافات بكل مستوياتها إلى مصدر من مصادر العداوة والكراهية، ونحن نستشرف وقتا لا يرحم نزلت علينا فيه العولمة بثقلها لتجعلنا أمام أمرين أحلاهما مر: إما أن نكون أو لا نكون. إننا بحاجة ماسة اليوم، إلى قراءة هذا الواقع، وإزالة كل ظواهر الكراهية والعداوة من فضائنا الوطني والقطري والأممي والدولي. أكيد حينما تسود ظاهرة العداء في واقعنا العربي والإسلامي فلا داعي للغرابة بل الغرابة أن لا تسود، والحال أننا تعودنا مع الأسف الشديد أن الأخطار الحقيقية تتلاحق علينا وتأتي على اليابس والأخر ونحن من يتحمل تبعاتها لأننا الأمة الوحيدة التي لا تستوعب الدروس والعبر من التاريخ البعيد ولا القريب، ربما لأن ذاكرتنا قصيرة؛ مما يجعل الأحوال لا يمكن أن تستقر عندنا على حال، والأوضاع تزداد تعقدا وانفلاتا، وأصبحنا نحتضن ثقافة دخيلة علينا، تدفعنا إلى ممارسة الكراهية ضد بعضنا البعض لا لشيء إلا أننا لا نقبل الاختلاف الذي غالبا ما يبدو لنا مغايرا لتصوراتنا وقناعاتنا، وكل ما تناقض واختلف معنا فهو ضدنا على حد قول السياسة الأمريكية الفجة إبان الحرب الخليجية والأفغانية.. مما يجعل هذه الثقافة بتأثيراتها وانعكاساتها، قادرة على شحن النفوس بشكل سلبي ضد الآخر المختلف والمغاير لنا.. ولعل هذا السلوك الغريب عن واقعنا، مع حضوره العدواني في نفس الوقت هو في حقيقة الأمر حالة نفسية سلبية ضد الآخر إلى درجة تعمل على نفيه ورفضه في وجوده ونفسه، أو في موقعه ومنصبه، أو في مصالحه وعلاقاته، وتتهافت بشكل من الأشكال نحوه بحافز عدواني – تدميري غير مسبوق. ومن يحاول دراسة هذه الظاهرة الفريدة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية يرى مما لا جدال فيه أن ثمة علاقة جد قريبة بين الثقافة التي تؤسس لترسيخ الإكراه والإلغاء والنفي، والسلوك العدواني تجاه الآخر. حيث إن الثقافة الأنانية التي تنطلق من الأنا البغيضة والجديرة بالبغض لا ترى في حقيقة الأمر إلا ذاتها، وتحاول ما استطاعت إليه سبيلا إلغاء ما عداها، ولعمري إنها عملية استهلالية لميلاد السلوك العدواني الذي لا يرى إلا قناعاته ومصالحه، ويسعى بشكل هستيري إلى تدمير الآخر بمستويات متعددة. لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون ثقافة الكراهية بدون أسباب ولا دوافع حين يتعلق الأمر بتفاعل الإنسان علائقيا في أحضان مجتمعه، بل ومن الأكيد أن لهذه الكراهية والعدوانية دوافع شتى لكن حضور ما هو إيديولوجي وسياسي يمثل ركيزة دالة وذات وزن كبير في هذا المجال.. ناهيك على حضور السلوك العدواني بكل مستوياته، والذي يستهدف أولا وأخيرا تدمير الآخر وإلغاء علاقة السبب بالنتيجة. ومن المسلمات أن لا تنتج عن كل هذا إلا ثقافة الكراهية، والبغضاء، والإلغاء، عوض واقع المحبة، والألفة، والتسامح، مما يجعلنا نرى بين الإنسان والإنسان، وبين المجتمع والمجتمع، وبين الدول والقارات، حضور العدوان، وثقافة الكراهية بكل صورها البشعة، ومستوياتها اللانسانية المنحطة والتي لا ترقى حتى إلى ما هو بهائمي وبدائي؛ وهذا حال أمتنا العربية والإسلامية مع الأسف الشديد..المغرب الجزائر؛ مصر الجزائر؛سوريا لبنان؛ العراق السعودية، العراق وإيران...نماذج لا تحتاج إلى تحليل. فظاهرة السلوك العدواني في علم النفس لا تعدو أن تكون عبارة عن فكرة في العقل مبطنة، وغريزة في النفس، وممارسة تدميرية، وغاية في الواقع والموقف. مما يجعنا نراها ثابتة ومتواجدة بقوة في العالم العربي والإسلامي المعاصرين، يعيش تبعيتها السلبية المواطن العربي في خضم محن لا تنتهي قمة وقاعدة وفي أبشع صور ومستويات متعددة غياب الديمقراطية نموذجا ⁄ حيث يتبادر للعيان حضور الأفكار والأيديولوجيات التي تلغي الآخر المختلف والمغاير لمواقف الأنظمة المستبدة والمتسلطة، إلى درجة تستطيع أن تلغي بجرة قلم حقوقه ولا تعترف بها رغم ما تنص عليه المواثيق الدولية من حقوق الإنسان والمواطنة، هذا ما أوصلنا في آخر المطاف إلى انتشار ظاهرة العنف والتطرف والإرهاب التي أصبحت تخيف العالم، وتجعلنا في مصاف صانعي الإرهاب بامتياز، بل في كثير من الأحيان لا يسلم الدين الإسلامي من انتقادات بشعة على اعتبار أنه يشجع في نصوصه على الإرهاب مع العلم أنه بريء من كل هذا لو كان منتقدوه يتدبروه ويتدارسوه بعمق ليتجلى لهم الفرق بين الإسلام وبين من يدعي الإسلام، وأصبحنا في كل هذا نعاقب بذنب لم نرتكبه باعتبارنا مسلمين. وكل هذا يتطلب منا عدم معالجة خلافاتها مع الآخرين عن طريق استخدام القوة العارية؛ وحسم اختلافاتها عن طريق ممارسة القهر والعنف؛ بدعوى أننا ظلما من قبل الغرب الجاهل لمبادئنا الإسلامية، والحال أن معالجة كل هذه السلبيات يجب أن تنطلق من أنفسنا نحن الذين لم يحسنوا إعادة تربية من خرجوا من تلابيبنا جهلة لدينهم ومبادئهم لاعتبارات وافدة علينا عبر الطائفية، والمذهبية التي لا تسعى إلا لطمس حقائق ديننا لذي يحمل في طياته ما لا تحمله المواثيق الدولية. وحين نعمق النظر في المشروعات السياسية التي حاولت التغلغل في عالمنا الإسلامي بعيدا عن حضور شتى الأيدلوجيات وما تحمله من شعارات ظرفية استجابة لما كان سائدا في العالم ككل من إيديولوجيات شرطية، قادتنا هذه المشروعات دون أن ندري أو كنا ندري بشكل من الأشكال إلى مقولة: انقلب السحر على الساحر، حيث تحول كل شيء إلى مصدر من مصادر العدوان والعنف في الواقع الاجتماعي والسياسي. وتبين ما لا يدعو إلى الشك أن كل المشروعات الأيديولوجية والسياسية التي لا تحمل موقفاً حضارياً وتعددياً مع الآخر المختلف والمغاير، فإنها ساهمت بشكل أو بآخر في نشوء ظاهرة العدوان والعنف والتطرف، لأن الذي يرفض الآخر على مستوى الشعور والفكر، هو الذي يؤسس للحرب وممارسة العنف تجاهه في الواقع الخارجي. ويجب الاعتراف في النطاق بالذات أن الوسيلة الحقيقية والناجعة لعلاج ظاهرة العنف والعدوان في العالم العربي والإسلامي والحال أنهما يمثلان موضوع نقاشنا على الأقل دون التطرق إلى باقي العالم؛ في إعادة النظر في مسألة تأسيس العلاقة والموقف من الآخر المختلف والمغاير، علما أن الأنا البغيضة والجديرة بالبغض لا مكان لها في مجال السياسة لأنها ليس بمقدورها وحدها القبض على كل الحقيقة على اعتبار أن الحقيقة نسبية، والآخر لا يمثل في الآن ذاته الشر والباطل بصفة مطلقة.. والعمل على ترسيخ هذه الحقيقة، هو الذي سيجعلنا فرادى وجماعات وأحزاب وحكومات من سيزيل من نفوسنا وعقولنا كل الترسبات النظرية والنفسية لمعاداة الآخر باعتباره مخالفاً لنا في الأيديولوجية، أو الموقف الثقافي، أو السياسي على حد سواء. علما أن الآخر هو المرآة الحقيقية لذواتنا شئنا أم أبينا، ومن أراد أن يكتشف ذاته ويتعرف على خباياها، فما عليه إلا أن يتواصل مع الآخر ما دام يمثل مرآته التي يكتشف بها ومن خلالها حقيقة وصواب أفكاره أو العكس، وكذا علل تصوراته أو نضجها ونجاعتها. والإلحاح على قضية إعادة التفكير في تأسيس العلاقة بين الذات والآخر على أسس الاعتراف اللامشروط بالتعددية وكذا الاعتراف بحق الاختلاف ونسبية الحقيقة، هو السبيل الوحيد والأوحد الذي سيقصي بصفة جذرية من ذواتنا المريضة، وفضاءاتنا الاجتماعية المتعفن الكثير من موجبات العدوان على الآخرين. ولعل من يدعي أن الاختلاف الأيديولوجي أو السياسي أو الثقافي، هو أصل متاعب انتهاك حقوق الآخرين فهو واهم إن لم نقل جاهل لمفهوم الاختلاف في هذه المجالات بالضبط، ولعل العكس هو عين الصواب تماماً، حيث إن الاختلاف بكل مستوياته وتنوعاته، هو من ينبغي أن يقود إلى التواصل، والتعارف، ومعرفة الآخرين على مختلف مستوياتهم الفكرية، والسياسية، والاجتماعية، والدينية، والاقتصادية.. إذ يقول تبارك وتعالى: « يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير» (الحجرات 13).. وكل من يسعى عن قصد أو عن غير قصد إلى إلغاء الخصوصيات والميزات لا يمكن له الادعاء على أنه يمتلك نهجاً واقعياً وبيداغوجية في الانخراط في الواقع، على اعتبار أن عملية الإقصاء في هذا الصدد بالذات من كائن من كان لا يغير شيئاً من المسألة في طبيعتها الذاتية، أو من تأثيراتها الموضوعية، باعتبار أن هذه الأشياء تمثل في عمقها بعداً في الذات التي هي مصدر هذه الثقافة التي تنزع نحو العدوانية وزرع ثقافة الكراهية، وبكل تأكيد لا تمثل مجرد حالة عابرة على الهامش كما يعتقد بعض من يمارسون عوض السياسة السياسوية الظرفية، ولعل مسالة لعلاقات الجزائرية المغربية خير دليل على ما قلناه، ما دام واقع الحال يعكس بقوة واقع خبايا من في نفوسهم مرض الأنا البغيضة والجديرة بالبغض، دونما حاجة لتحليل نفسي حين تنطق النفس عن ذاتها سرا وعلانية، سياسة، ومنهجا، وتناقضا في دلالات الخطابات المزدوجة التي لا تنطلي على أحد، وفي هذا الصدد، فإن المرء لا يفهم كيف يمكن أن يبنى الاتحاد المغاربي رغم كل المشاكل العالقة سيما حين ينادي طرف دون الآخر بتفعيل البنود المتفق عليها في مستويات عدة، وفي الوقت ذاته يعرقل الطرف الثاني كل المشروع وبكل تعنت مجاني لأنه في الأصل لا يهمه تفعيل المشروع بقدر ما يهمه تعطيل كل شيء ليضمن لنفسه نوعا من الهيمنة الإقليمية الواهية، وضمان التدخل في مصائر الآخرين لنسيان بل تناسي سياسة داخلية مصيرها على كف عفريت..ولعل من يتدبر القرآن يقف عند أفق انتظار كونية، ورؤية قرآنية ثاقبة تؤكد بوضوح على ضرورة أن تحرك الخصوصية في دائرتها الداخلية في الجانب الايجابي الذي يدفع الإنسان للتفاعل عاطفياً وعملياً مع الذين يشاركونه هذه الخصوصية في القضايا المشتركة.. وكما يلح على التعارف باعتبارها غاية إنسانية من أجل إغناء التجربة الحية المنفتحة على المعرفة المتنوعة، والتجربة المختلفة للوصول إلى النتائج الإيجابية في مستوى التكامل الإنساني. ومما لا شك فيه أن لأمر يصير أخطر كلما حضر الصراع النابع من اختلاف الناس في مواقع الفكر إلى جانب اختلاف المواقع في الحياة الخاصة والعامة، حيث تتأجج المشاعر، وتتعقد المواقف إلى درجة لا يمكن التحكم فيها، فيتحول الاختلاف الذي تولدت عنه مواقف غير مسبوقة إلى إشكاليات خطيرة على مستوى العلاقات الإنسانية في المجتمع، حيث يتطور كل شيء بين عشية وضحاها إلى صدامات قد تأتي على الأخضر واليابس، وحتما ستجعل التواصل مستحيلا بين مكونات المجتمع، والمتمثلة أساسا في العنصر البشري الذي هو أساس كل شيء.. وحين تنفلت منا كل الأشياء، سيكون المآل السقوط حتما في عقدة الذنب، وللتبرير غير المبرر في هذا الإطار نستحضر وبشكل لا إرادي أسلوب الخطيئة الذي يشعل فتيل إثارة الانفعال الذي يقود حتما إلى ميلاد الحقد، والعداوة، والحروب الكلامية غير المسؤولية، وكثيرا ما تصير الأمور إلى حد اتخاذ مواقف تنجم عنها القطيعة، والصراعات التي لا تخدم مصالح أحد، بقدر ما تعرقل مسيرة التطور الطبيعي للأشياء، وذلك حال المغرب مع الجزائر باعتبارهما النموذجين اللذين يندى لهما الجبين. وهكذا يغيب أسلوب العقل والتبصر والمعاملة الحسنة الذي من المفروض أن يكون هو السائد من أجل تحريك الموقف والرؤية على أساس استحضار الموضوعية في تناول اختلافاتنا الفكرية، ومواقعنا، ومواقفنا، ومحاولة الوقوف الواعي عند العناصر والأفكار الداخلية والخارجية التي غالبا ما تعمل على تضييق الهوة بين هذه المواقف أو تلك، أو بالأحرى تعمل على إقصائها وتغييبها جملة وتفصيلا، ولا تحاول البتة أن تعمل من أجل توحيد العقول والقلوب على قاعدة فكرية وحياتية واحدة، وهذا لا يتطلب أكثر من تداول الأمور بالكلمة الطيبة، والنظرة الثاقبة، والموقف الموضوعي الذي يشتغل بقاعدة: لا إفراط ولا تفريط، إلى جانب التصالح مع لذات كي يتم التصالح مع الآخر وذلك عن طريق المصافحة والالتفاف حول المشاعر السلبية بالمشاعر الإيجابية التي يختزنها الفكر والواقع. أكيد أن تحقيق كل هذا ليس بالسهل اليسير لأنه يحتاج إلى التغلب على الذات التي غالبا ما تنزع إلى العدوانية المجانية، وكما يتطلب من الفرد جهود نفسية وعقلية وفكرية وعلمية كبيرة، ولحال أن الأمر يتعلق أساسا بمجاهدة كل هذه القوة التي تسير الإنسان في مسيرته الحياتية، خصوصا داخل مؤسسات تتطلب التداول والتواصل رغم حضور كل الاختلافات السالفة الذكر. وعلى الفرد في ذات الآن أن يعمل على تجاوز الكثير من الضغوط الداخلية والخارجية التي غالبا ما تنزع به إلى الاستسلام إزاء الأحاسيس المفرطة في الانفعالية والعدوانية. وباعتبارنا من الذين يحملون رسالة قوامها إنارة الطريق لكل من سقط، أو هو على وشك السقوط في هذه المعضلة التي أصبحت مع الأسف الشديد تتجاوز الفردانية، متخطية الحواجز نحو المجتمع، بل انسحبت على السياسات الوطنية والقطرية والدولية، فاغتالت مفهوم السياسة، واستحضرت عوضها السياسوية، فأتاحت مجال زرع ثقافة الكراهية في مجتمعنا وفضائنا الوطني الكبير، أنه أصبح من اللازم علينا العمل على إعادة الاعتبار إلى الآخر في الوجود والمواقف وأفق انتظار، بغية إتاحة الفرصة للجميع من أجل صياغة العلاقة بين الذات والآخر، وبين مكونات المجتمع، وتعبيرات الوطن المتعددة على أسس الاعتراف بحق الآخر في التعبير عن وجوده وأفكاره، بعيداً عن ضغوط الإكراه وموجبات النفي والإلغاء السائدين؛ ومحاولة الدفع إلى استنزاف المسار التنموي للوطن بأكمله في زمن نعاين فيه كيف تتوحد فيه الشعوب والأمم أقطابا وتكتلات. أما آن الأوان لنتعلم أن الاختلاف مهما كان، وكيف ما كان؟ لا يمكن بحال من الأحوال أن يظل بوابة مشرعة على الحقد والعدوانية وممارسة العنف الرمزي والمادي، بقد ما يجب أن يكون ترسيخا لسلوك حضاري يجدد الوعي والمعرفة بالآخر؛ ذلك الوعي المنشود والقادر على إزالة وتطهير أنفسنا من براثين الأمراض المستفحلة، والمولدة للأحقاد فينا ومنا مجموعة من المخاوف التي لا مبرر لها، والتي تسوغ لنا معاداة المختلفين معنا؟. إننا اليوم وأكثر من أي وقت مضى، وفي خضم التحولات التي يعيشها العالم في شتى الميادين، في أشد الحاجة إلى ثقافة تقودنا إلى مد الجسور مع المختلفين معنا، وتقليص هوة الاختلاف، وإلى ثقافة التعارف والتواصل والبحث على صيغ التفاهم والحوار الجاد والفعال، وتشبثنا بقيم الإنسان وحقوقه، واحترامها في أبهى صورها حتى يتسنى لنا التصالح مع الذات ومع الآخر بشكل منطقي تام. وكذا التشبث بروح المبادرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، تلك التي تسعى إلى محو ما يعكر صفو بعضنا البعض، ويجذر أواصر التلاحم والمحبة والايخاء، ويحقق في آخر المطاف مفهوم التعايش والسلم الأهلي.. الذي طالما حلمنا به صغارا وحملناه هما ونحن كبارا..