تعمل المقاولات البسيطة والمتعددة الجنسيات على التحكم في التكاليف، خاصة منها الجبائية، على اعتبار أن ضبط الجباية عامل أساسي من أجل ضمان مردودية عالية وتنافسية قوية. ففي خضم سوق عالمية يغلب عليها الطابع التنافسي الذي لا يزداد إلا حدة، تتفاعل المقاولات مع هذا المعطى، ليس فقط على المستوى الوطني، بل أصبحت تنظم نفسها بشكل فعال وشبه دائم في إطار عالمي، لذلك نجدها قد أعدت استراتيجيات جديدة تتعلق بتوزيع أرباحها المحصل عليها على مستوى عدة دول. من جهة أخرى، أعادت أكثر من دولة النظر في استراتيجياتها التنظيمية والجبائية اتجاه المقاولات ومختلف الفاعلين الاقتصاديين. وهكذا أصبحت الإدارة الضريبية في العديد من الدول أكثر مهنية، حيث اعتمدت معايير مالية وقانونية وجبائية جديدة، إذ أن عددا مهما من الدول، بحثا منها على تمويل سياستها العمومية واستراتيجياتها الإقتصادية والضريبية، قد إعتمدت أنظمة جبائية على أساس معايير ومواصفات مرجعية، يمكن توزيعها ضمن مقاربتين متناقضتين: مقاربة المساهمة الإجبارية la contribution- obligation ومقاربة التبادل- الشراكة partenariat- échange . ومن أجل التعرف بشكل واضح على مختلف الإستراتيجيات والتطبيقات الجبائية المعتمدة من طرف مختلف هذه الدول، أصبح من اللازم، الوقوف عند التوجهات الجديدة العالمية التي أصبحت تؤطر عمل المقاولات والإدارات الضريبية. إن كون النظام الجبائي المغربي يتسم بعجز في الجاذبية وتعتريه العديد من الإستثناءات الجبائية، يجعل من التدابير التي نهدف من خلالها إلى تشجيع الإستثمار وجلب المستثمر الأجنبي دون فعالية ونتائجها كثيرا ما تكون ضعيفة. ويتجلى ذلك واضحا بالنسبة للإستثمارات الخارجية بالمغرب التي غالبا ما تكون نتائجها هزيلة بالمقارنة مع الإمكانيات الكبيرة التي تخصص لها. فبالإضافة إلى المجهودات التي تضطلع بها وزارة الصناعة والتجارة والإستثماروالإقتصاد الرقمي، في تشجيع الإستثمار الداخلي بالمغرب، يبذل العديد من المتدخلين جهودا كبيرة تسير في نفس الإتجاه، ويتعلق الأمر ب: - اللجنة بين الوزارية للإستثمارات التابعة لرئاسة الحكومة، - اللجنة الوطنية لبيئة الأعمال، المحدثة في شتنبر 2009 والتابعة لوزارة الشؤون العامة والحكامة، - الوكالة الوطنية لتنمية الإستثمارات المحدثة سنة 2009 على شكل مؤسسة عمومية، - صندوق تشجيع الإستثمار الذي يهدف إلى تمويل العمليات التي تتحمل الدولة من خلالها النفقات الناجمة عن الإمتيازات الممنوحة للإستثمارات. لقد مكنت المجهودات المشتركة لمجموع هذه المؤسسات من جلب ما يقارب 3.3 مليار دولار أمريكي كاستثمارات أجنبية، وهي لا تمثل سوى 0.23 % من مجموع التدفقات المالية العالمية لسنة 2013. تهدف هذه الدراسة، إلى تقديم عناصر التحليل ووسائل التدخل، التي بموجبها تحدد الجاذبية المالية والقانونية والجبائية للدولة الإطار القانوني الذي يؤدي إلى تبسيط المساطر الإدارية والتخفيف من العبء الضريبي عبر إعفاءات هادفة وتخفيض المعدل العادي للضريبة على الشركات، وتحويله إلى ضريبة تخص المجموعة. كما أن هذا البناء يمكن تدعيمه بتوسيع القاعدة الجبائية من خلال فرض الضريبة على مجموعة من السلع أو الخدمات التي ظهرت في إطار العولمة، كالأصول غير المادية actifs incorporelsللشركات الأوروبية،والتي يفوق حجمها 3500 مليار أورو، وما يعادل أكثر من %60 من القيمة المالية لهذه الشركات بالنسبة لآخر الدراسات لسنة 2013، والمنتوجات المشتقة،les produits dérivés التي بلغ حجمها 710 مليار دولار(710.633 مليون دولار) لسنة 2013 ما يشكل 9.6% عدد مرات الناتج العالمي الخام لسنة 2013، وكذا المخططات التحفيزية les managements pakages. من أجل جاذبية مالية وقانونية وجبائية أفضل: لقد حظي موضوع الجاذبية الإقتصادية والجبائية بالمغرب باهتمام وتفكير سياسي واقتصادي عميق خلال السنوات الأخيرة، إلا أن اعتماده ظل جزئيا، لكن الموقع الجيواستراتيجي المتميز الذي يتوفر عليه المغرب، يمكنه من إعادة النظر في إطاره المؤسساتي بهدف إنعاش المقاولة والحس المقاولاتي. وفي هذا الإطار، اعترف البنك الدولي، بشكل ضمني، بكون المغرب يتوفر على مؤهلات وازنة تعطي انطباعا جيدا بخصوص وضعه الإقتصادي، وتوفره على نظرة إيجابية لدى المؤسسات الدولية لتنقيط المخاطر notation de risque، وأقر باستقراره السياسي والإجتماعي، إلا أنه رغم ذلك، تعتريه اختلالات وإكراهات كبيرة على مستوى الضغط الضريبي المرتفع تجاه المقاولات. كما أن تقرير المجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي لسنة 2012، قد أقر كذلك، بأن دور الدولة بالمغرب لازال تقليديا بسبب غياب الإستقلالية لدى فئة من المستثمرين الوطنيين الخواص، وكذلك بسبب أدوات التمويل تنظيم اقتصاد السوق، التي هي في طور البناء. وبذلك فإن الإقتصاد الوطني المغربي يبقى مرتبطا بشكل قوي بقرارات واختيارات الدولة التي لازالت تعتبر أول مشغل، أول مستثمر، أول مستهلك في الإقتصاد الوطني. ولمواجهة هذا الوضع، يجب اعتماد العديد من التدابير الإجرائية على المستوى المالي والقانوني والجبائي. فهناك عدة عوامل يمكن اعتمادها من أجل تغيير عجز الجاذبية الجبائية للمغرب، من خلال اعتماد مجموعة من الإصلاحات التي لها تأثير مباشر على تحسين التنافسة القانونية والمالية والجبائية، لذا عند الشروع في أي إصلاح، يجب العمل على: - إشاعة ثقافة المقاولة والحس المقاولاتي، - الإنفتاح الإقتصادي للدولة على بقية العالم، - إعداد إطار تنظيمي مؤطر يضمن رؤية واضحة ومستقرة لفائدة المقاولات، - ملائمة التنظيم المالي والقانوني والجبائي للمنتوجات والوسائل الماليةالجديدة، - تسهيل النصوص القانونية والجبائية التي تؤطر النزاعات، من خلال المساطر التصالحية بالمحاكم، - المرونة في العمل، - تكوين وجلب الكفاءات القادرة على امتصاص التحولات الإقتصادية. وتعتبر الضريبة على الشركات من بين أهم الإجراءات الضريبية التحفيزية المعمول بها على المستوى الدولي من أجل جذب المقاولات الأجنبية. وبهذا الخصوص، فإن النسب العادية للضريبة على الشركات المطبقة في دول منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية تتراوح مابين 24% و 35%، بينما في دول الإتحاد الأوروبي تتراوح مابين 12% و35%. وفي المغرب، أوصى المجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي في تقريره لسنة 2012 باعتماد معامل تدريجي بالنسبة للضريبة على الشركات مابين 15%و 40 % حسب النتائج الجبائية المحصل عليها وحسب بعض الطرق المعتمدة، علما أن المدونة العامة للضرائب بالمغرب تحدد المعدل العادي للضريبة على الشركات في 30%، وبعض المعدلات النوعية في %8 و10%، إضافة إلى العديد من الإعفاءات الجزئية والكلية المرتبطة برقم المعاملات المحققة في مجال التصدير. ويمكن للمغرب أن يعطي إشارات إيجابية من خلال تحديد النسبة العادية للضريبة على الشركات في مستوى 12%، خاصة وأنه يتوفر على مؤهلات اقتصادية تسمح له باعتماد هذه النسبة لكل المقاولات. إن نسبة 30% المطبقة حاليا كضريبة على ربح الشركات تعادل 43 مليار درهم (حوالي 5 مليار أورو) لسنة 2013، حيث بلغ الناتج الداخلي الخام 873 مليار درهم ( حوالي 90 مليار أورو)، مما يشكل نسبة 5% من المعامل: الضريبة على الشركات / الناتج الداخلي الخام. لكن حسب ما يظهر، أن هذا المقترح يبقى بعيد التحقق بالنظر للوضعية المالية للدولة، وكذلك بالنظر للنسبة المطبقة حاليا 30%، إلا أنه وبالرغم من ذلك فإن تحليل معامل الضريبة على الشركات /الناتج الداخلي الخام بالمغرب للفترة الممتدة ما بين 2010 و2014، يظهر أن هذا المعامل قد استقر في مستوى5 %خلال نفس الفترة مقارنة مع المعدل العام للضغط الضريبي الذي وصل إلى 20% خلال نفس الفترة. غير أن تطبيق المعدل الإفتراضي 12% يمكن أن يؤدي إلى رفع مداخيل الضريبة على الشركات من 190 مليار درهم ( على أساس تطبيق المعدل الحالي لهذه الضريبة 30%) إلى 406 مليار درهم خلال الفترة الفاصلة ما بين سنة 2015 و سنة 2018، مما سينجم عنه ربح 216 مليار درهم إضافية، وذلك بالرغم من تطبيق الإعفاء الجزئي للقطاع الأولي ( الفلاحة والصيد البحري). وللخروج من هذه الإكراهات يقترح تفعيل الآليات التالية: - جعل خلق المقاولة بالمغرب إجراء بسيط، - إقتراح إطار قانوني مرن يهدف إلى جذب المقاولات العالمية، - تحديد معدل ضريبي قار بالنسبة للشركات في حدود12 % - إحداث نظام الإعفاء الشامل لفائدة المقاولات star-up - تقوية القدرات المالية للمقاولات الصغرى والمتوسطة عبر الخصم من الفوائد الوهمية Intérêts notionnels - إحداث نظام المشاركة بالإعفاء participation exemption - إحداث إجراءات ضريبية أكثر فاعلية بالنسبة لتمويل العجوزات، - إحداث نظام جبائي مغربي موحد من أجل الإندماج الضريبي intégration fiscale - جعل عملية الإستشارات والأحكام الإدارية أكثر ديمقراطية ruling - اقتراح إجراءات تؤدي إلى الإختراع وتحديد الأصول غير المادية les actifs incorporels - إحداث إطار مالي وقانوني يلائم المنتوجات المشتقة les produits dérivés - إحداث إطار قانوني وجبائي ملائم ومؤمن لفائدة المخططات التحفيزيةles managements pakages - إحداث إطار خاص بالأطر غير المقيمة، - تحديد إطار جبائي جذاب يتلائم مع التمويل الإسلامي، - تفعيل محفزات تكميلية من أجل تدعيم الجاذبية المالية والقانونية والضريبية للمغرب. وفي الأخير، تجدر الإشارة، إلى أنه لا يجب في إطار هذه الإستراتيجية البناءة النظر إلى أن هذه المقترحات سوف تؤدي إلى التقليل من هامش السلطة الإدارية للدولة، بل ستعمل على خلق جو من الثقة التي ستؤدي لامحالة إلى طفرة اقتصادية للبلاد. *أستاذ باحث بمركز البحوث الأوروبية في مجال التمويل والإدارة بجامعة باريس دوفين مستشار مالي ومحقق بمديرية التحقيقات الوطنية والدولية بوزارة الاقتصاد والمالية بفرنسا