لم يكن من المنتظر أن تعرف سنة 2011 أي انتخابات تشريعية، حيث كان من المقرر أن تنتهي ولاية البرلمان في تلك الفترة خلال أكتوبر 2012، غير أن الاحتجاجات التي عرفها الشارع المغربي، والمطالب التي عبّرت عنها حركة 20 فبراير من حلٍ للبرلمان وإجراء انتخابات سابقة لأوانها وإحداث تغيير عميق في السلطة السياسية، جعلت المؤسسة الملكية تتفاعل مع بعض من هذه المطالب، وتقرّر في الخطاب الملكي ليوم التاسع من مارس 2011، الإعلان عن انتخابات مبكرة يوم 25 نونبر. واعْتُبرت هذه الانتخابات من الآليات التي فكرت فيها الدولة لأجل امتصاص الغضب الشعبي، خاصة مع الدستور الجديد الذي يمنح الحزب الذي تزعم نتائج الانتخابات الحق في رئاسة الحكومة، كما يقدم كذلك ضمانات بصلاحيات أوسع لها. لذلك كان إجراء الانتخابات، ثم فوز حزب العدالة والتنمية فيها، وهو الذي لم يسبق له أن شارك في أي ائتلاف حكومي، من العوامل التي أدت ب"الربيع المغربي" إلى سلك منحى مغاير لما وقع في بلدان بالمنطقة. غير أن تصدّر حزب العدالة والتنمية للانتخابات عبر فوزه ب 107 مقعداً برلمانيا لم يأتِ بسهولة، فإن كان الحزب لم يتأسس إلا بعد زواج سياسي وقع بين حركة دعوية وحزب آخر هو الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية سنة 1996، فإنه يمتلك مساراً مطولاً من العمل الدعوي ومن المعاناة في الرغبة إلى التحوّل إلى العمل السياسي. الانطلاقة الأولى ل"العدالة والتنمية" كانت من الشبيبة الإسلامية بزعامة عبد الكريم مطيع سنوات السبعينيات، هذا التنظيم كان يضم في ذلك الوقت مجموعة من القياديين المعروفين حالياً في حزب المصباح، منهم عبد الإله بنكيران وعبد الله باها ومحمد يتيم. بيدَ أن تورط الشبيبة الإسلامية في مقتل عمر بنجلون، حسب ما تشير إليه الرواية الرسمية، أدى إلى حملة اعتقالات في صفوف التنظيم، وفرار مجموعة من قيادييه إلى الخارج. ولأجل تأكيدهم على نبذ العنف، اختار بعض الأعضاء داخل الشبيبة الإسلامية، القطع نهائياً معها، وتأسيس ما يُعرف ب"الجماعة الإسلامية" سنة 1983، وهي التي نهجت أسلوب الحوار مع السلطة ممثلة في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. إلا أن هذا الإسم أثار مشاكل بالنسبة لهذا التنظيم، فقد تحدث بنكيران، في حوار سابق، عن أنه كان مثار اعتراض من طرف البعض، بما أنه يوحي بنفي صفة الإسلامية عن الآخرين. إثر ذلك تم استبدال اسم "الجماعة الإسلامية" ب"حركة الإصلاح والتجديد"، والتي استمرت في إظهار مواقفها المنددة بالعنف والٍارهاب، خاصة في سياق إقليمي عرف فترة دموية بالجزائر، كما سعت إلى تقرّب أكثر من السلطة السياسية بإبدائها لمواقف إيجابية من التعديل الدستوري الذي شهدته المملكة سنة 1992. إلا أن إخوان بنكيران، أكدوا رغبتهم بالانتقال إلى العمل السياسي، لذلك سعوا إلى تأسيس حزب "التجديد الوطني" بداية التسعينيات، بيدَ أن طلبهم قبول بالرفض، بمبرّر أن القانون يمنع تأسيس الأحزاب على أساس ديني، رغم أن الحركة حاولت تبرير رغبتها بكون الحزب سيكون إطارا سياسيا بعيدا عن توجهات الحركة الدعوية. لذلك فكّر أعضاء حركة الإصلاح والتجديد في طرق أبواب حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، وهو حزب أسّسه الراحل عبد الكريم الخطيب سنة 1967، بعدما انشق عن حزب الحركة الشعبية، وبقي بعد ذلك بعيداً عن العمل السياسي، إلى أن عاد اسمه إلى الواجهة من جديد سنة 1996، عندما تم الإعلان عن ضمه لأعضاء "الإصلاح والتجديد" عبر مؤتمر استثتنائي. ولم تكن سنة 1996 فاتحة خير فقط من الناحية السياسية على أصدقاء بنكيران والعثماني، بل أعلنت كذلك عن توحّد حركة الإصلاح والتجديد مع رابطة المستقبل الإسلامي بزعامة أحمد الريسوني، لينتج عن ذلك اسم حركة التوحيد والإصلاح، التي تعتبر حاليا الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية. وبعد سنة من المشاركة في أول انتخابات تشريعية لسنة 1997، تم استبدال اسم "الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية" إلى حزب العدالة والتنمية، وهو الحزب الذي أراد التأكيد على كونه ليس حزباً دينيا، كي لا يتناقض تأسيسه مع قوانين المملكة، وكي لا ينافس المشروعية الدينية لإمارة المؤمنين. لذلك حاول حزب العدالة والتنمية أن يقدم على الدوام ضمانات بولائه ل"ثوابت المملكة"، عكس تنظيمات إسلامية أخرى، كجماعة العدل والإحسان. وبعد حصولهم في أول انتخابات تشريعية يشارك فيها على 14 مقعداً، تأكدت السلطة من أن عملية إدخال الإسلاميين في العملية الانتخابية تمت دون أية مشاكل تذكر، خاصة مع تقيّد الحزب بعدد محدود من المرشحين حسب أوامر السلطة التي أرادت أن تقلّل العدد حتى تتمكن من حصر ظاهرة دخول الإسلاميين إلى المعترك السياسي. لتأتي انتخابات 2002، وتشكّل تأكيداً جديدا على المشاركة السياسية ل "العدالة والتنمية"، حقق من خلالها المرتبة الثالثة ب42 مقعداً، غير أنه رفض المشاركة في الحكومة انطلاقاً من قرار مجلسه الوطني، كما حصل في انتخابات 2007 على 46 مقعداً. وعودة إلى انتخابات 25 نونبر 2011، فلم تكن الظروف الوطنية هي الوحيدة التي سمحت بصعود الإسلاميين، فقد أسهم الحراك السياسي القائم في عدد من الدول العربية في تغيير الصورة المأخوذة عن الإسلاميين، وتحولت هذه الصورة من مهددين للعملية الديمقراطية إلى ضحايا أنظمة غير ديمقراطية التي دأبت على إقصاء الإسلاميين تحت مبرر كونهم خطراً على الدولة.