تعني الديمقراطية التشاركية مجموعة من الآليات والإجراءات التي تسمح بإشراك المجتمع المدني وعموم المواطنين في صنع السياسات العمومية وتقوية دورهم في اتخاذ القرارات المتعلقة بتدبير الشأن العام. إنها إذن، حسب تعريفwikipedia ،‹‹شكل جديد لتقاسم وممارسة السلطة المرتكز على تقوية مشاركة المواطنين في اتخاذ القرار السياسي›› (wikipedia.org/democratie_participative) . وترتكز الديمقراطية التشاركية من جهة، كما عبر عن ذلك الفيلسوف البراكماتي "جون ديوي" John Dewy، على ‹‹مواطنة نشطة ومطلعة وعارفة›› وعلى ‹‹ تكوين مواطنين (public) نشطين قادرين على تصريف قدراتهم في التنقيب والبحث بأنفسهم عن حلول ملائمة لقضاياهم››. وترتكز، من جهة أخرى، على إرادة لدى السلطات والمؤسسات السياسية التمثيلية في تقاسم هذه السلطة، من أجل جعل الوظيفة الديمقراطية تتمحور أكثر حول تحسين أوضاع الناس. لقد برزت الديمقراطية التشاركية، ليس لإلغاء الديمقراطية التمثيلية كليا، ولكن لتتجاوز قصورها وعجزها على التفاعل والتجاوب مع معطيات اجتماعية جديدة، التي تتمثل في ظهور حركات وتعبيرات اجتماعية تعرف اتساعا متزايدا (حركات نسائية وبيئية وحقوقية واجتماعية وتنموية...). كل هذه التكتلات لا تجد في الديمقراطية التمثيلية قنوات للتعبير عن حاجاتها ومطالبها وإيجاد حلول لها، ولا منفذا لموقع القرار السياسي لتداولها. في حين تعتبر ‹‹الديمقراطية التشاركية ديمقراطية فاعلة، لحل المشاكل عن قرب، وضمان انخراط الجميع، وتطوير التدبير المحلي والوطني عن طريق التكامل بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية. وتنمية الإرادة السياسية لدى المنتخبين، وتوفير الأمن الاجتماعي، والتربية على ثقافة التوافق. والأخذ بعين الاعتبار حاجيات الجميع، وتتجدد الديمقراطية، بناء على المواطنة والمدنية والمنفعة العامة. وتوفير المعلومة والتدبير الشفاف والمساهمة في اتخاذ القرار، والانتقال من المحلي إلى الوطني››. (نورالدين قربال ،الديمقراطية المواطنة والتشاركية، الاثنين 13 يناير 2014، هسبريس) إن محاولة خلق هذه الحيوية في الحياة السياسية يندرج في إطار الطابع التطوري للديمقراطية، كما تحدث عن ذلك "ديوي"، حين رأى أن الديمقراطية ليست عدالة مطلقة. بل اعتبر أن الكمال الديمقراطي هو ذلك المثل الأعلى والمنهج أو الأداة التي ستمكن العدالة من الانبعاث دون انقطاع، عبر سيرورة تصويب الاختلالات والقصور الذي قد يترتب عن العملية الديمقراطية. ولا يمكن أن يحدث هذا الانبعاث دون مشاركة واسعة ومتزايدة لعموم المواطنين والمجتمع المدني، باعتبارهم الأكثر ارتباطا بقضاياهم، والأكثر معرفة بها، والأجدر بوجود حلول ملائمة لها. تتمثل هذه الأعطاب وهذا القصور في تجربتنا المغربية في كون أن الشعب غالبا ما يفوض سلطاته إلى الهيئة المنتخبة بناء على اعتبارات قبلية أو دينية أو إتاوات إغرائية مصلحية ضيقة، وليس بناء على تعاقد سياسي. وبذلك تفقد هذه التمثيلية والتفويض كل جدوى ومعنى سياسي، حيث يكون النائب المنتخب غير مقيد وغير مبالي بقضايا من انتخبوه إلا من بعض المصالح الشخصية. وعليه فإن هذه العلاقة تفرغ الديمقراطية من وظيفتها وفعاليتها ومعناها. غير أنه، حتى ولو كانت هذه التمثيلية مبنية على تعاقد سياسي واضح، فإن القرارات السياسية تظل فوقية، ولا تنبني على معرفة حقيقية بالحياة المعيشة للناس، ولا تسمح بالمحاسبة والتقييم إلا بعد 5 سنوات. مما ينتج عن ذلك خمول وجمود سياسي ينبثق عنه عزوف سياسي. يبدو أن الديمقراطية التشاركية قد تشكل أمالا في إيجاد علاج ملائم لهذه الأعطاب، وتشكل أداة لزرع الحيوية في ديمقراطيتنا، عبر توسيع المشاركة السياسية، وتقوية السلطة المضادة المتمثلة في المجتمع المدني وعموم المواطنين، من أجل قيام عدالة اجتماعية متنامية. وقد تجاوب الدستور المغربي الحالي مع هذا التوجه حيث نص على الديمقراطية التشاركية التي سوف تسمح للمواطنين والمجتمع المدني بالمشاركة في تدبير ومراقبة وتقويم السياسات العمومية، من خلال تقديم الملتمسات في مجال التشريع (الفصل 14 )، أو تقديم العرائض إلى السلطات العمومية ( الفصل 15). وتمكين المواطنين والمجتمع المدني من تقديم العرائض لمطالبة مجالس الجهات والجماعات الترابية بإشراكهم في بلورة السياسات العمومية المحلية (الفصل 139). هكذا سمحت الديمقراطية التشاركية بشكل آخر من أشكال المشاركة السياسية منفصل عن المسار الانتخابي. وينبغي التذكير أن تفعيل هذه الإرادة الدستورية وتنزيلها على الأرض سوف لا يقدم إلى المواطنين على طبق من ذهب. بل ينبغي النضال من أجل ذلك، والبدء حاليا بالمطالبة بالمشاركة بالاقتراح والتشاور في تنزيل هذا التوجه الدستوري إلى قوانين تنظيمية تحدد كيفية القيام بذلك، والآليات والإجراءات التي ستمكن الناس من التأثير على القرارات السياسية وتصويبها ومراقبتها. إن إنجاح هذا الشكل المتقدم من الديمقراطية التشاركية يتوقف على مدى وجود مجتمع مدني قوي وفاعل ومطلع ومتحمس، ووجود مواطنين مدركين لمعنى الديمقراطية، وفي طليعتهم الطبقة الوسطى والطبقة المثقفة والمتعلمة عموما، المنسحبة حاليا من العمل السياسي لأسباب لم تعد مفهومة. ألا يخجل الإنسان من نفسه عندما يرى تدبير شؤون مدينته وتنميتها مفوض لمجموعة من المتربصين لا كفاءات لأغلبهم، وعندما يرى المال العمومي المخصص لتحسين أوضاع مدينته عرضة للنهب والضياع؟ ألم يشعر الإنسان بالمسؤولية اتجاه ما يرى في الاستحقاقات الانتخابية، حينما يرى "تجار الانتخابات" يتنافسون على استغلال نساء وفقراء مدينته ويتاجرون بذممهم من أجل السطو على القرار السياسي؟ ألم يشعر الإنسان بالمسؤولية اتجاه الإهمال الذي يطال كل شيء في محيطه؟ من سيغير ذلك؟ هل ستتغير الأشياء بالبكاء والشتم المستمر للفاعلين السياسيين ورمي كل المسؤولية على الآخر؟ من المؤكد أن الإنسان الذي يركن إلى موقع المتفرج الساخر، المتعالي، الذي يجد لذلك مبررات واهية ومضللة ومسكنة، أو الذي يختبئ وراء مطالب سياسية نصية أو واهية وغير مفهومة، من قبيل الإتيان له بديمقراطية جاهزة الآن وهنا...كل هذه المواقف – مع احترامنا لها - نعتقد أنها لن تغير أي شيء على الأرض، كونها مواقع من عاج، مريحة، لا تقتضي أي جهد معرفي وعملي يفيد في التغيير...فدون مساهمة واقية وفعلية على الأرض سواء عبر قنوات العمل السياسي الحزبي الفعال أو قنوات المجتمع المدني الحي، ودون خوض معركة ضارية على الأرض ضد بؤر الفساد، معركة تقودها الطبقة الواعية، تعيد للديمقراطية معناها الحقيقي، الذي يتمثل في فرز النخب والكفاءات القادرة على تدبير شؤوننا سواء على المستوى المحلي أو المستوى الوطني...فدون ذلك ستظل مصالح الفئة الواسعة من الشعب عرضة للضياع، وستظل الثروة تتراكم في يد الأقلية التي تتحرك، بالفعل وليس بالخطاب، على الأرض بكل قواها للاستحواذ على القرار السياسي، مسخرة لصالحها كل فضائل الديمقراطية وكل وسائل الدولة.