كلما دنت مناسبة عاشوراء تجدد النقاش حول الطقوس التي اشتهر بها المغاربة في هذه الأيام من شهر محرم كل سنة، والتي تتوزع بين الاحتفال بالنار من خلال إشعالها والدوران حولها، أو الاحتفال بطقس الماء المسمى "زمزم"، فضلا عن طقوس الحزن لدى بعض المغاربة. وتضج الشوارع والساحات بعدد من مناطق البلاد، ليلة اليوم العاشر من محرم، بالنيران المشتعلة بأغصان الأشجار وإطارات السيارات، يسمونها "شعالة" أو "تشعالت"، حيث يشرع الصغار خاصة بالقفز عليها، ومن الكبار من يشعلونها في أفنية بيوتهم للدوران حولها طلبا لدفع الشرور عنهم. وصباح العاشر من محرم، تنسكب مياه كثيرة في شوارع المدن بدعوى "زمزم" أو "التزمزيمة"، حيث يعمد الكثيرون إلى تبادل الرش بالماء مع الجيران أو المارة في الشوارع، وهو ما يعتبره البعض عادة دخيلة على المغاربة، تنشأ عنها أحيانا نزاعات وخصومات حادة. مزيج من المعتقدات وللحديث عن طقوس عاشوراء بالمغرب، اتصلت هسبريس بالباحث في الشأن الديني، محمد بوشيخي، الذي قال إنها شكلت موضوعا لعدد من المطارحات بين المختصين في الأنثروبولوجيا والتاريخ، غير أنه لا يوجد اتفاق بينهم بخصوص أصلها ومسار تطورها، لأننا أمام تراث سلوكي وشفهي بدون ذاكرة مكتوبة. وتابع بوشيخي أن الغالب هو اعتبار هذه الطقوس حصيلة تضافر معتقدات دينية متنوعة وعوامل تاريخية، ووقائع محلية، ونوازع نفسية، ساهمت كلها في بلورتها على الشكل الذي تمارس عليه حاليا". ويشرح المحلل ذاته بأنه "لا يمكن اعتبار طقوس عاشوراء بالمغرب شيعية محضة، خصوصا وأن عاشوراء لدى الشيعة تقترن بالحزن والأسى، خلافا لشكل ممارستها في التقاليد المغربية، حيث لا تخلو من مظاهر اللهو والفرح". ولفت بوشيخي إلى أن المغاربة يصومون يوم عاشوراء، خلافا للتقليد الجاري به العمل لدى الشيعة"، قبل أن يستدرك بأن "هذا لا يعني إنكار الحضور الشيعي في هذه الطقوس، بل نفي احتكاره لها." في طريق الانقراض وأكد بوشيخي أن طقوس عاشوراء في طريق الانقراض، لعدم توافقها مع مستلزمات الاجتماع المدني الحديث، وأن مقاومتها من أجل البقاء تزداد ضعفا خصوصا في المدارات الحضرية". واسترسل بأن تسبب بعض تلك الطقوس في أحيان كثيرة في تفجر المشاكل والنزاعات، بين الجيران مثلا، كما هو الأمر في قضية الرش بالماء وإشعال النار، الذي تطور إلى استعمال الألعاب النارية، يوحي بصعوبة تقبلها ويعجل بوتيرة اندثارها". وزاد الباحث عاملا آخر يدفع في اتجاه اندثار طقوس عاشوراء، ويتعلق بارتفاع الوعي والقدرة على التمييز بين ما هو شرعي ديني، وما هو طقوسي خرافي في الأوساط الشعبية نتيجة ارتفاع نسبة التمدرس، والانفتاح على مكتسبات الثقافة الحديثة. وأدرف بوشيخي بأن هناك عامل آخر يتعلق بتراجع الأنشطة الفلكلورية لعدد من الطرق الصوفية التي كانت تعتبر بمثابة حضن لتلك الطقوس ورافدا لها، سيما المواكب التي كانت تنظمها عيساوة وما يصاحبها من مشاهد كافتراس الحيوانات وهي حية، وأيضا حمادشة ومظاهر ضرب الرؤوس، والتبرك بالدماء التي تشبه اللطم والتطبير لدى الشيعة. ولم يستبعد بوشيخي أن يكون جزء من تلك الطقوس قد انتقل إلى المغرب عن طريق المكون الصوفي، نظرا لالتباس العلاقة بين التصوف والتشيع، مع أسبقية الأول على الثاني من حيث الظهور، وأولوية الشيعة في التأسيس للتصوف، كما تحدث عن ذلك عدد من المختصين. وقال المحلل إن "هذه ممارسات كانت محل نقد عنيف من طرف رواد السلفية المغربية منذ ثلاثينات القرن الماضي، غير أن الطابع التقليدي للمجتمع، وهيمنة التعابير الرمزية على الثقافة الشعبية قد ساهم في تمديد عمرها" وفق تعبيره.