مرتيل: تجديد المكتب الإقليمي للجامعة الوطنية للصحة    وفاة ملاكم بعد أسبوع من فوزه باللقب الذهبي لرابطة الملاكمة العالمية    تشديد المراقبة بمحيط سبتة ينقل المهاجرين إلى طنجة    تأجيل تطبيق معيار "يورو 6" على عدد من أصناف المركبات لسنتين إضافيتين    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 45 ألفا و484 شهيدا منذ بدء الحرب    الاحتفاء بالراحل العلامة محمد الفاسي في يوم اللغة العربية: إرث لغوي يتجدد    الداخلة : اجتماع لتتبع تنزيل مشاريع خارطة الطريق السياحية 2023-2026    اليابان.. زلزال بقوة 5.1 درجة يضرب شمال شرق البلاد    ارتفاع ليالي المبيت بالرباط وسط استمرار التعافي في القطاع السياحي    خبراء "نخرجو ليها ديريكت" يناقشون موضوع مراجعة مدونة الأسرة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    هذا ما قضت به محكمة عين السبع في حق محمد أوزال    مدرب الوداد: بالنسبة للمغرب الفاسي كل مباراة ضدنا بمثابة نهائي الكأس    حصيلة الرياضة المغربية سنة 2024: ترسيخ لمكانة المملكة على الساحتين القارية والدولية    مطالب بإنقاذ مغاربة موزمبيق بعد تدهور الأوضاع الأمنية بالبلاد    حجم تدخلات بنك المغرب بلغت 147,5 مليار درهم في المتوسط اليومي خلال أسبوع    ترامب يطلب من المحكمة العليا تعليق قانون يهدد بحظر "تيك توك" في الولايات المتحدة    فرح الفاسي تتوج بجائزة الإبداع العربي والدكتوراه الفخرية لسنة 2025    الجيش الإسرائيلي يحتجز مدير وطاقم مستشفى كمال عدوان    فئات هشة تتسلم مساعدات بالرحامنة    ‪توقيف 394 مرشحا للهجرة في كلميم‬    مجلس الأمن يوافق على القوة الأفريقية الجديدة لحفظ السلام في الصومال    عائلة أوليفيا هاسي تنعى نجمة فيلم "روميو وجولييت"    دراسة: أمراض القلب تزيد من خطر اضطراب الخلايا العصبية    مونديال الأندية.. الوداد الرياضي يشارك في ورشة عمل تنظمها "الفيفا" بأمريكا    تقرير للفيفا يشيد بإنجازات الكرة المغربية في 2024    استثناء.. الخزينة العامة للمملكة توفر ديمومة الخدمات السبت والأحد    مباحثات مغربية موريتانية حول تعزيز آفاق التعاون الاقتصادي بين البلدين    مبادرة مدنية للترافع على التراث الثقافي في لقاءات مع الفرق والمجموعة النيابية بمجلس النواب    سطاد المغربي يهدد صدارة رجاء بني ملال    وفاة زوج الفنانة المصرية نشوى مصطفى وهي تناشد جمهورها "أبوس إيديكم عايزة ناس كتير تيجي للصلاة عليه"    الكعبي ينهي سنة 2024 ضمن قائمة أفضل الهدافين    التحقيق في فاجعة تحطم الطائرة الأذربيجانية يشير إلى "تدخل خارجي"    الرئيس الموريتاني يجري تغييرات واسعة على قيادة الجيش والدرك والاستخبارات    كيوسك السبت | الحكومة تلتزم بصياغة مشروع مدونة الأسرة في آجال معقولة    أزولاي يشيد بالإبداعات في الصويرة    حريق يأتي على منزلين في باب برد بإقليم شفشاون    البرازيل: ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار جسر شمال البلاد إلى 10 قتلى    النفقة و"تقاسم الثروة" و"إيقاف السكن" .. تصحيح مغالطات حول مدونة الأسرة    اقتراب مسبار "باركر" من الشمس يعيد تشكيل فهم البشرية لأسرار الكون    يامال يتعهد بالعودة أقوى بعد الإصابة    لأداء الضرائب والرسوم.. الخزينة العامة للمملكة تتيح ديمومة الخدمات السبت والأحد المقبلين    وزارة النقل تؤجل تطبيق معيار "يورو6" على بعض أصناف السيارات    نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية مرتقبة بعدة مناطق في المغرب من السبت إلى الإثنين    المدونة: قريبا من تفاصيل الجوهر!    بورصة البيضاء تغلق التداولات بالأحمر    ما حقيقة اعتزال عامر خان الفن؟    لقاء تواصلي حول وضعية الفنان والحقوق المجاورة بالناظور    2024.. عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية بين المغرب وقطر    استهلاك اللحوم الحمراء وعلاقته بمرض السكري النوع الثاني: حقائق جديدة تكشفها دراسة حديثة    الثورة السورية والحكم العطائية..    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استفتاء اسكوتلاندا .. درس وعبرة
نشر في هسبريس يوم 28 - 10 - 2014

استفتاء اسكوتلاندا: درس في الوطنية الصادقة لمرتزقة الجزائر و عبرة للحركات الانفصالية
يجمع المحللون السياسيون ورجال الاقتصاد على أنه في ظل نظام العولمة يتعذرعلى أي بلد أن ينهض ويتطور بمعزل عن العالم الخارجي، فالسياسات الحمائية و الانطوائية لم تعد تجدي نفعا في زمن تحول فيه العالم إلى قرية قابلة للتأثير والتأثر. ومن ثم فإن سياسة التحالفات أو التكثلات أصبحت خيارا لا مندوحة عنه لمعظم الدول إن هي أرادت مسايرة ومواكبة تطورات العصر وآليات اشتغاله، وما يقتضيه ذلك من بناء اقتصادي متين حتى يكون لها ثقل سياسي وازن وذا شأن في المنظومة الدولية التي لم تعد تقبل بالكيانات الضعيفة، سيما تلك التي قد تولد من رحم حركات انفصالية مفتعلة.
و إذا كانت دول الشمال قد فطنت بالأمر، فإن دول الجنوب في إفريقيا و العالم العربي ما زالت في غفلة من أمرها إما عن جهل أو تخلف أو لاعتبارات كيدية مما يجعلها تعيش في دوامة من الاقتتال و الحروب الطائفية و الانفصالية و المذهبية التي قد تفضي إلى خلق كيانات مهلهلة ومخترقة تكون وباء على نفسها وعلى محيطها وتتسب في حالة من عدم الاستقرار والفوضى أقلها في المنطقة. ولا أدل على ذلك أن هذه الصراعات لم تأت بمحض الصدفة، بل يلاحظ أن ثمة قوى داخلية وإقليمية و أجنبية تقف وراء إثارة هذه الفتن خدمة لأغراضها وأجندتها السياسية و مصالحها المادية على حد سواء.
و لاعتبارات استراتيجية، يتحين قادة بعض الدول ومنها الجزائر الفرصة لإنشاء ودعم حركات انفصالية طفيلية داخل دول آمنة بالعزف على وتر مبادئ أممية من قبيل تقرير المصير والتي كانت بالفعل مغرية لحركات التحرر في الحقبة الاستعمارية، فيما هي اليوم قد استهلكت في زمن الحركات الانفصالية حيث لم يفقد هذا المبدأ فقط جاذبيته بل تحول إلى حق أريد به باطل وأصبح أداة للمساومة في يد بعض الدول المتخلفة لضرب استقرار دول الجوار.
1 شمال متقدم يرفض إنشاء كيانات جديدة فوق ترابه ويطمع في توسيع وحدته:
تتحفظ دول الشمال، بدون اسثتناء على خلق كيانات مصطنعة فوق أراضيها بدافع الاستقلال الذاتي. وهذا هو حال اسبانيا بالنسبة لمنطقة كاتالانيا و فرنسا بالنسبة لمنطقتي الباسك و كورسيكا وايطاليا بالنسبة لشمالها و منطقة لومبارد.
وبالطبع، فإن الدول الأوروبية فطنت منذ مدة إلى أولئك المنشقين، وحرصت على قطع الطريق عن أولئك الذين يسعون باسم نعرة الدفاع عن الهوية إلى زعزعة استقرار أوطانها أو تفكيكها.
ولكي لا يتأتى لبعض الحركات الانفصالية تحقيق مآربها، قامت سويسرا على سبيل المثال منذ سنة 1848 بتوحيد مناطقها و جعلها تحت مظلة ما يسمى بالاتحاد الفيدرالي السويسري (Confédération Helvétique)
وإعطاء كل مدينة استقلالها إداريا و ماليا و تشريعيا حيث يطلق على جنيف دولة جنيف مثلا ، ويبلغ عدد الجهات المستقلة بسويسرا 26 جهة ، و على مدينة لوزان دولة لوزان التي تغطي .VALAIS منطقة الفالي كذلك هو الشأن بالنسبة لألمانيا التي تتكون من 16 منطقة ذات استقلال إداري و مالي و تشريعي تسمى بلندر( Lander). وهي مناطق ذات سيادة جهويا (Etat Souverain) .WEIMARعرفت النور في سنة 1925 في ظل جمهورية كما تشهد بلجيكا نفس النظام حيث تتكون من ثلاث مناطق مستقلة إداريا و اقتصاديا وهي: ، WALLENومنطقة "والون" BRUXELLES LA CAPITALEمنطقة بروكسيل .FLAMANDوأخيرا منطقة "فلامن"
وحرصا منه على وحدة أراضيه، شجع الاتحاد الأوروبي، الذي يتكون من 28 دولة، على إعطاء صلاحيات واسعة جهويا للمسؤولين المحليين دون أن يصل به الأمر إلى إغوائهم على خلق كيانات صغرى منفصلة عن دولها الأصلية. ولهذا، اعتبر الاتحاد الأوروبي مؤخرا مطلب كاتالونيا لتنظيم استفتاء حول استقلالها من اسبانيا شأنا اسبانيا داخليا، فيما اعتبرت المحكمة الدستورية الاسبانية، وهي أعلى هيئة قضائية، إجراء استفتاء في إقليم كتالانيا هوإجراء غير دستوري، ولعل في ذلك إلى جانب استفتاء اسكوتلاندا رسالة واضحة من الفقهاء الأروبيين والغربيين والرأي العام الغربي على رفضهم في الأصل فكرة إنشاء كيان جديد على التراب الأوروبي.
كما سمحت الولايات المتحدة الأمريكية سمحت بالاستقلال الإداري و المالي و التشريعي لولاياتها البالغ عددها الخمسون(51) لكن من دون أن يصل بها الأمر إلى حد الانفصال عن الوطن. بل هذا الاتحاد الأمريكي تعزز بانضمام بورتو ريكو إليه في 6 نونبر 2012 ، و ذلك بعد استفتاء أجري آنذاك حيث صوت 65% من مواطني هذه الجزيرة الصغيرة للانضمام إلى باقي الولايات الأمريكية. كذلك اختارت عدة جزر أخرى بعد الحرب العالمية الثانية أن تلتحق بالولايات المتحدة الأمريكية كجزيرة "غيام" في المحيط الهادي التي يديرها حاكم أمريكي، وهي نفس الوضعية الدستورية لكل من "الجزر العذراء" و"جزر الماريان" الخاضعة جميعها إلى السيادة الأمريكية..
و إذا كانت دول الشمال حريصة على الحفاظ على وحدتها الترابية، وتسعى إلى خلق فضاء أوسع سواء في أوروبا أو في أمريكا الشمالية وهو ما يشكل قوة ضاربة على المستويات السياسية و الاقتصادية و الإستراتيجية، فما هو الوضع، إذن، في إفريقيا و في العالم العربي؟
2- جنوب متخلف وتصدع في كياناته
أ الوضع المأساوي في إفريقيا: ما يلاحظه المرء هو استفحال ظاهرة الصراعات الطائفية و المذهبية وإذكاء نارها من قبل بعض الدول المجاورة ذات النوايا والمخططات التوسعية و الأطماع المادية في هذه البؤر من خريطة العالم.
وبالفعل، فقد أصبحت إفريقيا مرتعا خصبا للنزاعات و الحروب الأهلية التي نهبت ثرواتها وعصفت بالعديد من الأرواح. وهذا حال الصراعات العرقية و القبلية التي تعيشها منطقة "شابا" بالجمهورية الديموقراطية للكونغو منذ الخمسينيات من القرن الماضي. و ما يذكي ذلك هي تلك اللوبيات الاقتصادية العابرة للحدود والقارات التي تتفنن في الإيقاع بين الأطراف المتحاربة ودعم حلفائها بالعتاد العسكري مقابل استغلال مضمون لخيرات هذا البلد الطبيعية المتدفقة من ذهب و يورانيوم و أخشاب...
كما أن الدراسات الدولية أثبت أن انفصال منطقة '' دارفور'' عن السودان لم يكن لأسباب دينية فقط كما يدعي البعض، و إنما في الحقيقة بفعل ضغوطات من طرف شركات بترولية دولية. فبالإضافة إلى كون هذه المنطقة تتوفر على احتياطي هائل من الذهب و اليورانيوم، فإنها كانت كذلك محط أطماع للعديد من الشركات الدولية التي عنيت بربط خط أنبوب بترولي Oléoduc بين الكاميرون والتشاد مرورا بدارفور، نذكر من بينها الشركات البترولية التالية
شركة Total الفرنسية وشركة CNOOC الصينية وشركة Petronas الماليزية وشركة Lundin السويدية وشركة OMV النمساوية وشركة Talisman الكندية وشركة Exxon .Mobil الأمريكية
ومثل هذه الصراعات المذهبية و الطائفية نجدها متجدرة في بلد آخر يتوفر على إمكانيات اقتصادية هائلة وهي نيجيريا التي ما زالت تعاني من الفوضى وعدم الاستقرار التي تقف من ورائها جماعات متطرفة عصية على السلطة. فلا يعقل أن تجد حكومة هذا البلد نفسها عاجزة عن مواجهة جماعة "بوكوحرام"المتطرفة التي أصبحت تشكل مصدر رعب في هذا البلد، ومن تجليات هذا الرعب اختطاف أكثر من مائتي فتاة من مؤسسة تعليمية نجيرية لما يزيد اليوم عن 6 اشهر من دون أن يعرف مصيرهن لغاية الآن. وهذا يدل على ضعف وهشاشة النظام الأمني والمؤسساتي بهذا البلد. ويبقى السؤال المحير هو لماذا عجزت نيجيريا ذات القوة العسكرية عن ملاحقة هؤلاء المرتزقة إلى هذا الحد بالرغم من أن كل الدول بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية عبرت منذ البداية عن استعدادها للتعاون مع حكومة نيجيريا، لكنها لم تفعل، والسؤال لماذا؟
المشهد ذاته تكرر في مالي قبل شهور خلت وما يزال بسبب الصراعات الطائفية المفتعلة و التي كان من ورائها بعض الانفصاليين المتطرفين من أنصار '' القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي'' بغرض زعزعة استقرار دولة مالي. كما لا زال الصومال ضحية لصراعات داخلية وحرب أهلية منذ أكثر من ثلاث عقود تلت مباشرة بعد انهيار حكومة محمد سياد بري، تغذيها '' حركة الشباب ''. وما فتئت جمهورية إفريقيا الوسطى تعيش تطاحنات بين فصائل مكونة من عدة جهات من بينها "السيليكا" المكونة بدورها من مرتزقة من التشاد وليبيا ZERAGUINASو"الزراغيناس"ANTIBLACKوالسودان التي تحارب "الأنتي بلاك" كذلك، لازالت دول افريقية أخرى كالسيراليون تعيش آثار حرب أهلية سببها في الواقع ALUISUISSEالجنوب إفريقية، وشركة DER BEERS سخط الشعب وغيضه على وشركة "نورث روسورس" الأمريكية التي يراها الشعب السيراليوني أنه قد سمح لها بالدخول إلى البلاد لنهب ثرواتها.
ب الوضع المحترق في العالم العربي:
منذ ما اصطلح عليه بالربيع العربي، أصبحنا نجد عدة دول عربية عدا قلة قليلة من بينها المغرب تعيش في صراعات دينية و عرقية داخلية. فالشعب الليبي لم يجد لحد الساعة مساره الطبيعي لشق طريق التنمية و الاستقرار بسبب حربه الداخلية مع أذناب القذافي و حركات دينية متطرفة منها بصفة خاصة تيار "انصار الشريعة" . كما أن سوريا لا زالت تئن تحت بطش و طغيان رئيسها بشار الأسد منذ أربع سنوات. و قد استغلت قوى أجنبية هذا الوضع المتردي لزرع حركات متطرفة كأنصار '' جبهة النصرة'' و حركة '' داعش'' لمزيد من التصعيد تسخيرا لخدمة أغراضها المذهبية و المادية.
ويبقى السؤال المطروح هو من يقف وراء هذه الحركة التي لا تتألف من جيش نظامي لتقوم في عدة شهورقليلة بهزم جيش العراق و السيطرة على حقول البترول والسماح لها بتسويقه إلى الخارج بدون رقيب؟ كيف يمكن إذن'' لداعش'' أن تقوم بتصدير البترول إلى الخارج ومن يسهل لها هذه المأمورية؟ و من يتعامل معها في تسويق ذلك دوليا؟ من يدير خزينتها التي تفوق ملياري دولار تخصص منها 1000 دولار شهريا لكل مرتزق يقاتل في صفوفها؟
بدون شك، لا يمكن لحركة كهذه أن تعمر طويلا ما لم تتوصل بتمديدات و مؤن و معدات من جهات خارجية لا تخلو أجندتها من حسابات سياسية واقتصادية وجيواستراتيجية.
ويذهب بعض المحللين السياسيين إلى القول بأن سيناريو شرق أوسط جديد {مشروع شمعون بيريز} بدأ يتلمس طريقه نحو التبلور، ليذكرنا بما حصل في المنطقة مع اتفاقات "سايس بيكو" في 16 ماي 1916 بين فرنسا وبريطانيا بموافقة روسيا وإيطاليا والقاضية بتقسيم الشرق الأوسط فيما بينها بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.
ذلك أن ما يسمى ب '' دولة الإسلام في الشام و العراق'' لهي نسخة طبق الأصل وأقرب إلى النموذج الذي أنتجته هذه الاتفاقيات بخصوص المنطقة الثانية من ضمن الخمس مناطق المقسمة آنذاك التي كانت تضم شمال سوريا و منطقة الموصل(Zone arabe A d'influence Française comportant le nord de la Syrie actuel et la province de Mossoul).
إن انتشار مثل هذه الحركات كأنصار'' جبهة النصرة'' و'' داعش'' و '' بوكوحرام'' و '' القاعدة قي المغرب الإسلامي'' و الحركات الانفصالية الأخرى '' كالشباب '' و تيار انصار الشريعة '' و "البوليزاريو'' تبقى مسؤولية دولية و ليس فقط إقليمية و داخلية. و من جهة نظرنا، فإن من يقف وراء ذلك هم أولا ساسة هذه الدول الفاسدين المغرضين، و ثانيا تلك اللوبيات التي تشعل فتيل الحرب لاستغلال الوضع ونهب خيرات البلد كما هو حاصل في شمال العراق و في إفريقيا..
3 استفتاء اسكوتلاندا رسالة وطنية صادقة إلى الجزائر وأذنابها:
في ظل هذا الوضع المتردي في العالم العربي و في افريقيا، نجد جيراننا في الجهة الشرقية يحاولون منذ عقود النيل من الوحدة الترابية للمغرب و زعزعة استقراره الأمني و الاجتماعي بشتى الوسائل. وقد تجاوز المغرب كل هذه التحديات بفضل:
أ تشبته بوحدته الترابية و إيمانه العميق بعدالة قضيته؛
ب وعيه و إدراكه و فطنته بما يدور في الفلك الدولي من سياسات غايتها هي تفتيت الدول و خلق كيانات مصطنعة من أجل تحقيق أغراضها التوسعية و تحقيق مصالحها الميركنتيلية.
فإذا كانت القوى الاقتصادية العالمية تدافع عن كياناتها ووحدة أراضيها وتدعم اقتصادياتها وهذا حق مشروع لها، فإن باقي دول الجنوب بصفة خاصة في افريقيا و العالم العربي ترنو هي الأخرى لضمان وحدتها أراضيها. و للأسف في جهتنا الشرقية من المغرب الكبير لازالت دولة الجزائر و طغمتها الحاكمة من الجنرالات تسير في اتجاه زعزعة استقرار المنطقة المغاربية بدعمها لفصائل البوليزاريو باسم تأويلات ضيقة و شخصية لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 1514 حول تقرير المصير، و أيضا وفق مبادئ لا تخدم إلا أجندتها العسكرية و مصالحها المادية الخاصة. و ها نحن نرى اليوم جنوب الجزائر من منطقة غرداية إلى منطقة توارك المحادية لمالي يعيش انفلاتا أمنيا بفعل الاتجار في الأسلحة التي وضعتها حكومة الجزائر بكل سخاء بين أيدي مرتزقة البوليزاريو و التي أصبحت تسرب بكل سهولة إلى جهات و حركات إرهابية تهدد استقرار المنطقة المغاربية و منطقة الساحل بأكملها.
إن استفتاء اسكوتلاندا الأخير بالتشبت بالانتماء إلى عرش المملكة المتحدة و رفضها الطلاق منها هو درس لجارتنا الجزائر و مرتزقتها من الانفصاليين، التي يسعى قادتها من خلالهم إلى لفت انتباه الشعب الجزائري إلى صراع مفتعل مع المغرب منذ أربعة عقود و جعله قضية وطنية للجزائريين تحت غطاء الدفاع عن حقوق الانفصاليين عناصر البوليزاريو.
لقد انكشفت لعبة حكام الجزائر، وبات واضحا أنهم يستهدفون المغرب في أمنه واستقراره ومحاولة تجريده من كل ما من شأنه أن يعزز قوته ومناعته. هذا هو الهاجس الحقيقي الذي يؤرقهم ويلازمهم في كل لحظة وحين. وما تصريحات الوزير الأول الجزائري « عبد المالك سلال» منذ عشرة أشهر دليل عن العداء المتنامي من قبل مسؤولي الجزائر حيال المغرب، بقوله باللهجة الجزائرية " قادرين نستعملو القوة بضربة فريدة و نفريها، و عدنا القوة و عدنا الإمكانيات. قلنا نتعاملوا شوية باللتي هي أحسن".
إن الغرض من وراء هذه المواقف العدائية و المغرضة ضد المغرب إنما يراد بها صرف انتباه شعب الجزائر عن حقيقة الواقع الاقتصادي المتردي و إلهائه بمشكل وهمي لعله قد يصبح قضية وطنية له، ألا و هي قضية الصحراء المغربية. النوايا العدوانية لهذا المسؤول الجزائري وجدت موخرا ترجمة لها في الحادث المأساوي على الحدود بين البلدين الذي كان من ورائه أحد عناصر الجيش الجزائري بعد أن أطلق النار على مزارع مغربي كان يعمل في حقله على عشرات الأمتار من الحدود. استفزاز وتصعيد جزائري يتكرر لثاني مرة في هذه السنة وينم عن وجود عدوان ممنهج يراد به استدراج المغرب لحرب طالما يسعى هذا الأخير إلى تجنبها.
إنه في الوقت الذي تسعى فيه حكومة الجزائر إلى زرع الفتنة مع جيرانها و التهديد بالعدوان كما لوحت بذلك منذ فترة الرئيس الراحل الهواري بومدين إلى الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، نجد في المقابل جهات دولية أخرى من بينها أوروبا تخرج دائما قوية وموحدة آخدة بعين الاعتبار بالدرجة الأولى مصلحة أجيالها الحالية والمقبلة. و إن كلمة البرتغالي جوزي مانويل باروزوJose Manuel Barroso، رئيس الاتحاد بعيد استفتاء اسكوتلاندا لتعبير بليغ عما شعر به، باسم الاتحاد، من طمأنينة و راحة بعد إعلان نتيجة هذا الاستفتاء. بقوله: « أحيي قرار شعب اسكوتلاندا القاضي بالحفاظ على وحدة المملكة المتحدة. هذه النتيجة هي شيء إيجابي لأوروبا متحدة، منفتحة و أكثر قوة ممثلة في الاتحاد الأوروبي».
« Je salue la décision du peuple écossais de maintenir l'unité du Royaume-Uni. Ce résultat est bon pour l'Europe unie, ouverte et plus forte que la Commission européenne représente».
وفي هذا السياق يتبين أن المقاربة التي يعرضها المغرب في حل هذه الأزمة المفتعلة هي مقاربة حضارية تتماشى مع روح العصر والمتمثلة في المبادرة الوطنية للحكم الذاتي. وليس المهم ما لاقته من استحسان وخاصة من قبل المجتمع الدولي المتحضر، بل الأهم فيها هو المزاوجة بين الحرص على مقومات الوحدة الوطنية والإقرار بخصوصية الإقليم وساكنته من حيث المكون الثقافي للمجتمع الحساني والاعتراف له بأحقيته في تسيير شأنه المحلي سياسيا وتشريعيا وإداريا واقتصاديا. وهي مقاربة ترقى بالمغرب إلى مصاف دول الشمال المتقدم والحريص على وحدة كياناته.
واليوم، مطلوب من القيادة الجزائرية أن تستوعب جيدا درس أسكتلندا ورسالتها الحضارية في الوطنية الصادقة باختيارها البقاء تحت العرش البريطاني، بدل استمرار تلك القيادة في الزج بالشعب الجزائري في التزامات واهية لا تهمه من قبيل دعم حركة انفصالية طفيلية والتحرش ضد سيادة المغرب.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.