الاعلام الإيطالي يواكب بقوة قرار بنما تعليق علاقاتها مع البوليساريو: انتصار للدبلوماسية المغربية    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر    مؤتمر الطب العام بطنجة: تعزيز دور الطبيب العام في إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    كيف يستغل المال الجزائري في صناعة الفشل؟    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط لأزيد من 3 مليار درهم    السلطات البلجيكية ترحل عشرات المهاجرين إلى المغرب    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    طنجة.. ندوة تناقش قضية الوحدة الترابية بعيون صحراوية    وفاة رجل أعمال بقطاع النسيج بطنجة في حادث مأساوي خلال رحلة صيد بإقليم شفشاون    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    دعوات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين بالمدارس والجامعات والتصدي للتطبيع التربوي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استفتاء اسكوتلاندا .. درس وعبرة
نشر في هسبريس يوم 28 - 10 - 2014

استفتاء اسكوتلاندا: درس في الوطنية الصادقة لمرتزقة الجزائر و عبرة للحركات الانفصالية
يجمع المحللون السياسيون ورجال الاقتصاد على أنه في ظل نظام العولمة يتعذرعلى أي بلد أن ينهض ويتطور بمعزل عن العالم الخارجي، فالسياسات الحمائية و الانطوائية لم تعد تجدي نفعا في زمن تحول فيه العالم إلى قرية قابلة للتأثير والتأثر. ومن ثم فإن سياسة التحالفات أو التكثلات أصبحت خيارا لا مندوحة عنه لمعظم الدول إن هي أرادت مسايرة ومواكبة تطورات العصر وآليات اشتغاله، وما يقتضيه ذلك من بناء اقتصادي متين حتى يكون لها ثقل سياسي وازن وذا شأن في المنظومة الدولية التي لم تعد تقبل بالكيانات الضعيفة، سيما تلك التي قد تولد من رحم حركات انفصالية مفتعلة.
و إذا كانت دول الشمال قد فطنت بالأمر، فإن دول الجنوب في إفريقيا و العالم العربي ما زالت في غفلة من أمرها إما عن جهل أو تخلف أو لاعتبارات كيدية مما يجعلها تعيش في دوامة من الاقتتال و الحروب الطائفية و الانفصالية و المذهبية التي قد تفضي إلى خلق كيانات مهلهلة ومخترقة تكون وباء على نفسها وعلى محيطها وتتسب في حالة من عدم الاستقرار والفوضى أقلها في المنطقة. ولا أدل على ذلك أن هذه الصراعات لم تأت بمحض الصدفة، بل يلاحظ أن ثمة قوى داخلية وإقليمية و أجنبية تقف وراء إثارة هذه الفتن خدمة لأغراضها وأجندتها السياسية و مصالحها المادية على حد سواء.
و لاعتبارات استراتيجية، يتحين قادة بعض الدول ومنها الجزائر الفرصة لإنشاء ودعم حركات انفصالية طفيلية داخل دول آمنة بالعزف على وتر مبادئ أممية من قبيل تقرير المصير والتي كانت بالفعل مغرية لحركات التحرر في الحقبة الاستعمارية، فيما هي اليوم قد استهلكت في زمن الحركات الانفصالية حيث لم يفقد هذا المبدأ فقط جاذبيته بل تحول إلى حق أريد به باطل وأصبح أداة للمساومة في يد بعض الدول المتخلفة لضرب استقرار دول الجوار.
1 شمال متقدم يرفض إنشاء كيانات جديدة فوق ترابه ويطمع في توسيع وحدته:
تتحفظ دول الشمال، بدون اسثتناء على خلق كيانات مصطنعة فوق أراضيها بدافع الاستقلال الذاتي. وهذا هو حال اسبانيا بالنسبة لمنطقة كاتالانيا و فرنسا بالنسبة لمنطقتي الباسك و كورسيكا وايطاليا بالنسبة لشمالها و منطقة لومبارد.
وبالطبع، فإن الدول الأوروبية فطنت منذ مدة إلى أولئك المنشقين، وحرصت على قطع الطريق عن أولئك الذين يسعون باسم نعرة الدفاع عن الهوية إلى زعزعة استقرار أوطانها أو تفكيكها.
ولكي لا يتأتى لبعض الحركات الانفصالية تحقيق مآربها، قامت سويسرا على سبيل المثال منذ سنة 1848 بتوحيد مناطقها و جعلها تحت مظلة ما يسمى بالاتحاد الفيدرالي السويسري (Confédération Helvétique)
وإعطاء كل مدينة استقلالها إداريا و ماليا و تشريعيا حيث يطلق على جنيف دولة جنيف مثلا ، ويبلغ عدد الجهات المستقلة بسويسرا 26 جهة ، و على مدينة لوزان دولة لوزان التي تغطي .VALAIS منطقة الفالي كذلك هو الشأن بالنسبة لألمانيا التي تتكون من 16 منطقة ذات استقلال إداري و مالي و تشريعي تسمى بلندر( Lander). وهي مناطق ذات سيادة جهويا (Etat Souverain) .WEIMARعرفت النور في سنة 1925 في ظل جمهورية كما تشهد بلجيكا نفس النظام حيث تتكون من ثلاث مناطق مستقلة إداريا و اقتصاديا وهي: ، WALLENومنطقة "والون" BRUXELLES LA CAPITALEمنطقة بروكسيل .FLAMANDوأخيرا منطقة "فلامن"
وحرصا منه على وحدة أراضيه، شجع الاتحاد الأوروبي، الذي يتكون من 28 دولة، على إعطاء صلاحيات واسعة جهويا للمسؤولين المحليين دون أن يصل به الأمر إلى إغوائهم على خلق كيانات صغرى منفصلة عن دولها الأصلية. ولهذا، اعتبر الاتحاد الأوروبي مؤخرا مطلب كاتالونيا لتنظيم استفتاء حول استقلالها من اسبانيا شأنا اسبانيا داخليا، فيما اعتبرت المحكمة الدستورية الاسبانية، وهي أعلى هيئة قضائية، إجراء استفتاء في إقليم كتالانيا هوإجراء غير دستوري، ولعل في ذلك إلى جانب استفتاء اسكوتلاندا رسالة واضحة من الفقهاء الأروبيين والغربيين والرأي العام الغربي على رفضهم في الأصل فكرة إنشاء كيان جديد على التراب الأوروبي.
كما سمحت الولايات المتحدة الأمريكية سمحت بالاستقلال الإداري و المالي و التشريعي لولاياتها البالغ عددها الخمسون(51) لكن من دون أن يصل بها الأمر إلى حد الانفصال عن الوطن. بل هذا الاتحاد الأمريكي تعزز بانضمام بورتو ريكو إليه في 6 نونبر 2012 ، و ذلك بعد استفتاء أجري آنذاك حيث صوت 65% من مواطني هذه الجزيرة الصغيرة للانضمام إلى باقي الولايات الأمريكية. كذلك اختارت عدة جزر أخرى بعد الحرب العالمية الثانية أن تلتحق بالولايات المتحدة الأمريكية كجزيرة "غيام" في المحيط الهادي التي يديرها حاكم أمريكي، وهي نفس الوضعية الدستورية لكل من "الجزر العذراء" و"جزر الماريان" الخاضعة جميعها إلى السيادة الأمريكية..
و إذا كانت دول الشمال حريصة على الحفاظ على وحدتها الترابية، وتسعى إلى خلق فضاء أوسع سواء في أوروبا أو في أمريكا الشمالية وهو ما يشكل قوة ضاربة على المستويات السياسية و الاقتصادية و الإستراتيجية، فما هو الوضع، إذن، في إفريقيا و في العالم العربي؟
2- جنوب متخلف وتصدع في كياناته
أ الوضع المأساوي في إفريقيا: ما يلاحظه المرء هو استفحال ظاهرة الصراعات الطائفية و المذهبية وإذكاء نارها من قبل بعض الدول المجاورة ذات النوايا والمخططات التوسعية و الأطماع المادية في هذه البؤر من خريطة العالم.
وبالفعل، فقد أصبحت إفريقيا مرتعا خصبا للنزاعات و الحروب الأهلية التي نهبت ثرواتها وعصفت بالعديد من الأرواح. وهذا حال الصراعات العرقية و القبلية التي تعيشها منطقة "شابا" بالجمهورية الديموقراطية للكونغو منذ الخمسينيات من القرن الماضي. و ما يذكي ذلك هي تلك اللوبيات الاقتصادية العابرة للحدود والقارات التي تتفنن في الإيقاع بين الأطراف المتحاربة ودعم حلفائها بالعتاد العسكري مقابل استغلال مضمون لخيرات هذا البلد الطبيعية المتدفقة من ذهب و يورانيوم و أخشاب...
كما أن الدراسات الدولية أثبت أن انفصال منطقة '' دارفور'' عن السودان لم يكن لأسباب دينية فقط كما يدعي البعض، و إنما في الحقيقة بفعل ضغوطات من طرف شركات بترولية دولية. فبالإضافة إلى كون هذه المنطقة تتوفر على احتياطي هائل من الذهب و اليورانيوم، فإنها كانت كذلك محط أطماع للعديد من الشركات الدولية التي عنيت بربط خط أنبوب بترولي Oléoduc بين الكاميرون والتشاد مرورا بدارفور، نذكر من بينها الشركات البترولية التالية
شركة Total الفرنسية وشركة CNOOC الصينية وشركة Petronas الماليزية وشركة Lundin السويدية وشركة OMV النمساوية وشركة Talisman الكندية وشركة Exxon .Mobil الأمريكية
ومثل هذه الصراعات المذهبية و الطائفية نجدها متجدرة في بلد آخر يتوفر على إمكانيات اقتصادية هائلة وهي نيجيريا التي ما زالت تعاني من الفوضى وعدم الاستقرار التي تقف من ورائها جماعات متطرفة عصية على السلطة. فلا يعقل أن تجد حكومة هذا البلد نفسها عاجزة عن مواجهة جماعة "بوكوحرام"المتطرفة التي أصبحت تشكل مصدر رعب في هذا البلد، ومن تجليات هذا الرعب اختطاف أكثر من مائتي فتاة من مؤسسة تعليمية نجيرية لما يزيد اليوم عن 6 اشهر من دون أن يعرف مصيرهن لغاية الآن. وهذا يدل على ضعف وهشاشة النظام الأمني والمؤسساتي بهذا البلد. ويبقى السؤال المحير هو لماذا عجزت نيجيريا ذات القوة العسكرية عن ملاحقة هؤلاء المرتزقة إلى هذا الحد بالرغم من أن كل الدول بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية عبرت منذ البداية عن استعدادها للتعاون مع حكومة نيجيريا، لكنها لم تفعل، والسؤال لماذا؟
المشهد ذاته تكرر في مالي قبل شهور خلت وما يزال بسبب الصراعات الطائفية المفتعلة و التي كان من ورائها بعض الانفصاليين المتطرفين من أنصار '' القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي'' بغرض زعزعة استقرار دولة مالي. كما لا زال الصومال ضحية لصراعات داخلية وحرب أهلية منذ أكثر من ثلاث عقود تلت مباشرة بعد انهيار حكومة محمد سياد بري، تغذيها '' حركة الشباب ''. وما فتئت جمهورية إفريقيا الوسطى تعيش تطاحنات بين فصائل مكونة من عدة جهات من بينها "السيليكا" المكونة بدورها من مرتزقة من التشاد وليبيا ZERAGUINASو"الزراغيناس"ANTIBLACKوالسودان التي تحارب "الأنتي بلاك" كذلك، لازالت دول افريقية أخرى كالسيراليون تعيش آثار حرب أهلية سببها في الواقع ALUISUISSEالجنوب إفريقية، وشركة DER BEERS سخط الشعب وغيضه على وشركة "نورث روسورس" الأمريكية التي يراها الشعب السيراليوني أنه قد سمح لها بالدخول إلى البلاد لنهب ثرواتها.
ب الوضع المحترق في العالم العربي:
منذ ما اصطلح عليه بالربيع العربي، أصبحنا نجد عدة دول عربية عدا قلة قليلة من بينها المغرب تعيش في صراعات دينية و عرقية داخلية. فالشعب الليبي لم يجد لحد الساعة مساره الطبيعي لشق طريق التنمية و الاستقرار بسبب حربه الداخلية مع أذناب القذافي و حركات دينية متطرفة منها بصفة خاصة تيار "انصار الشريعة" . كما أن سوريا لا زالت تئن تحت بطش و طغيان رئيسها بشار الأسد منذ أربع سنوات. و قد استغلت قوى أجنبية هذا الوضع المتردي لزرع حركات متطرفة كأنصار '' جبهة النصرة'' و حركة '' داعش'' لمزيد من التصعيد تسخيرا لخدمة أغراضها المذهبية و المادية.
ويبقى السؤال المطروح هو من يقف وراء هذه الحركة التي لا تتألف من جيش نظامي لتقوم في عدة شهورقليلة بهزم جيش العراق و السيطرة على حقول البترول والسماح لها بتسويقه إلى الخارج بدون رقيب؟ كيف يمكن إذن'' لداعش'' أن تقوم بتصدير البترول إلى الخارج ومن يسهل لها هذه المأمورية؟ و من يتعامل معها في تسويق ذلك دوليا؟ من يدير خزينتها التي تفوق ملياري دولار تخصص منها 1000 دولار شهريا لكل مرتزق يقاتل في صفوفها؟
بدون شك، لا يمكن لحركة كهذه أن تعمر طويلا ما لم تتوصل بتمديدات و مؤن و معدات من جهات خارجية لا تخلو أجندتها من حسابات سياسية واقتصادية وجيواستراتيجية.
ويذهب بعض المحللين السياسيين إلى القول بأن سيناريو شرق أوسط جديد {مشروع شمعون بيريز} بدأ يتلمس طريقه نحو التبلور، ليذكرنا بما حصل في المنطقة مع اتفاقات "سايس بيكو" في 16 ماي 1916 بين فرنسا وبريطانيا بموافقة روسيا وإيطاليا والقاضية بتقسيم الشرق الأوسط فيما بينها بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.
ذلك أن ما يسمى ب '' دولة الإسلام في الشام و العراق'' لهي نسخة طبق الأصل وأقرب إلى النموذج الذي أنتجته هذه الاتفاقيات بخصوص المنطقة الثانية من ضمن الخمس مناطق المقسمة آنذاك التي كانت تضم شمال سوريا و منطقة الموصل(Zone arabe A d'influence Française comportant le nord de la Syrie actuel et la province de Mossoul).
إن انتشار مثل هذه الحركات كأنصار'' جبهة النصرة'' و'' داعش'' و '' بوكوحرام'' و '' القاعدة قي المغرب الإسلامي'' و الحركات الانفصالية الأخرى '' كالشباب '' و تيار انصار الشريعة '' و "البوليزاريو'' تبقى مسؤولية دولية و ليس فقط إقليمية و داخلية. و من جهة نظرنا، فإن من يقف وراء ذلك هم أولا ساسة هذه الدول الفاسدين المغرضين، و ثانيا تلك اللوبيات التي تشعل فتيل الحرب لاستغلال الوضع ونهب خيرات البلد كما هو حاصل في شمال العراق و في إفريقيا..
3 استفتاء اسكوتلاندا رسالة وطنية صادقة إلى الجزائر وأذنابها:
في ظل هذا الوضع المتردي في العالم العربي و في افريقيا، نجد جيراننا في الجهة الشرقية يحاولون منذ عقود النيل من الوحدة الترابية للمغرب و زعزعة استقراره الأمني و الاجتماعي بشتى الوسائل. وقد تجاوز المغرب كل هذه التحديات بفضل:
أ تشبته بوحدته الترابية و إيمانه العميق بعدالة قضيته؛
ب وعيه و إدراكه و فطنته بما يدور في الفلك الدولي من سياسات غايتها هي تفتيت الدول و خلق كيانات مصطنعة من أجل تحقيق أغراضها التوسعية و تحقيق مصالحها الميركنتيلية.
فإذا كانت القوى الاقتصادية العالمية تدافع عن كياناتها ووحدة أراضيها وتدعم اقتصادياتها وهذا حق مشروع لها، فإن باقي دول الجنوب بصفة خاصة في افريقيا و العالم العربي ترنو هي الأخرى لضمان وحدتها أراضيها. و للأسف في جهتنا الشرقية من المغرب الكبير لازالت دولة الجزائر و طغمتها الحاكمة من الجنرالات تسير في اتجاه زعزعة استقرار المنطقة المغاربية بدعمها لفصائل البوليزاريو باسم تأويلات ضيقة و شخصية لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 1514 حول تقرير المصير، و أيضا وفق مبادئ لا تخدم إلا أجندتها العسكرية و مصالحها المادية الخاصة. و ها نحن نرى اليوم جنوب الجزائر من منطقة غرداية إلى منطقة توارك المحادية لمالي يعيش انفلاتا أمنيا بفعل الاتجار في الأسلحة التي وضعتها حكومة الجزائر بكل سخاء بين أيدي مرتزقة البوليزاريو و التي أصبحت تسرب بكل سهولة إلى جهات و حركات إرهابية تهدد استقرار المنطقة المغاربية و منطقة الساحل بأكملها.
إن استفتاء اسكوتلاندا الأخير بالتشبت بالانتماء إلى عرش المملكة المتحدة و رفضها الطلاق منها هو درس لجارتنا الجزائر و مرتزقتها من الانفصاليين، التي يسعى قادتها من خلالهم إلى لفت انتباه الشعب الجزائري إلى صراع مفتعل مع المغرب منذ أربعة عقود و جعله قضية وطنية للجزائريين تحت غطاء الدفاع عن حقوق الانفصاليين عناصر البوليزاريو.
لقد انكشفت لعبة حكام الجزائر، وبات واضحا أنهم يستهدفون المغرب في أمنه واستقراره ومحاولة تجريده من كل ما من شأنه أن يعزز قوته ومناعته. هذا هو الهاجس الحقيقي الذي يؤرقهم ويلازمهم في كل لحظة وحين. وما تصريحات الوزير الأول الجزائري « عبد المالك سلال» منذ عشرة أشهر دليل عن العداء المتنامي من قبل مسؤولي الجزائر حيال المغرب، بقوله باللهجة الجزائرية " قادرين نستعملو القوة بضربة فريدة و نفريها، و عدنا القوة و عدنا الإمكانيات. قلنا نتعاملوا شوية باللتي هي أحسن".
إن الغرض من وراء هذه المواقف العدائية و المغرضة ضد المغرب إنما يراد بها صرف انتباه شعب الجزائر عن حقيقة الواقع الاقتصادي المتردي و إلهائه بمشكل وهمي لعله قد يصبح قضية وطنية له، ألا و هي قضية الصحراء المغربية. النوايا العدوانية لهذا المسؤول الجزائري وجدت موخرا ترجمة لها في الحادث المأساوي على الحدود بين البلدين الذي كان من ورائه أحد عناصر الجيش الجزائري بعد أن أطلق النار على مزارع مغربي كان يعمل في حقله على عشرات الأمتار من الحدود. استفزاز وتصعيد جزائري يتكرر لثاني مرة في هذه السنة وينم عن وجود عدوان ممنهج يراد به استدراج المغرب لحرب طالما يسعى هذا الأخير إلى تجنبها.
إنه في الوقت الذي تسعى فيه حكومة الجزائر إلى زرع الفتنة مع جيرانها و التهديد بالعدوان كما لوحت بذلك منذ فترة الرئيس الراحل الهواري بومدين إلى الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، نجد في المقابل جهات دولية أخرى من بينها أوروبا تخرج دائما قوية وموحدة آخدة بعين الاعتبار بالدرجة الأولى مصلحة أجيالها الحالية والمقبلة. و إن كلمة البرتغالي جوزي مانويل باروزوJose Manuel Barroso، رئيس الاتحاد بعيد استفتاء اسكوتلاندا لتعبير بليغ عما شعر به، باسم الاتحاد، من طمأنينة و راحة بعد إعلان نتيجة هذا الاستفتاء. بقوله: « أحيي قرار شعب اسكوتلاندا القاضي بالحفاظ على وحدة المملكة المتحدة. هذه النتيجة هي شيء إيجابي لأوروبا متحدة، منفتحة و أكثر قوة ممثلة في الاتحاد الأوروبي».
« Je salue la décision du peuple écossais de maintenir l'unité du Royaume-Uni. Ce résultat est bon pour l'Europe unie, ouverte et plus forte que la Commission européenne représente».
وفي هذا السياق يتبين أن المقاربة التي يعرضها المغرب في حل هذه الأزمة المفتعلة هي مقاربة حضارية تتماشى مع روح العصر والمتمثلة في المبادرة الوطنية للحكم الذاتي. وليس المهم ما لاقته من استحسان وخاصة من قبل المجتمع الدولي المتحضر، بل الأهم فيها هو المزاوجة بين الحرص على مقومات الوحدة الوطنية والإقرار بخصوصية الإقليم وساكنته من حيث المكون الثقافي للمجتمع الحساني والاعتراف له بأحقيته في تسيير شأنه المحلي سياسيا وتشريعيا وإداريا واقتصاديا. وهي مقاربة ترقى بالمغرب إلى مصاف دول الشمال المتقدم والحريص على وحدة كياناته.
واليوم، مطلوب من القيادة الجزائرية أن تستوعب جيدا درس أسكتلندا ورسالتها الحضارية في الوطنية الصادقة باختيارها البقاء تحت العرش البريطاني، بدل استمرار تلك القيادة في الزج بالشعب الجزائري في التزامات واهية لا تهمه من قبيل دعم حركة انفصالية طفيلية والتحرش ضد سيادة المغرب.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.