لم ينتظر المغرب طويلا للتعبير عن فهمه المتأخر ورفضه للتوصية رقم 94، الواردة في تقرير مجلس الأمن للخامس عشر من أبريل الماضي، وما تنطوي عليه من تهديد ووعيد بإعادة بحثه الجذري لإطار عملية التفاوض التي وافق عليها منذ 2007، وذلك في حالة عدم إحراز الطرفين لتقدم حقيقي للوصول إلى حل سياسي قبل ابريل من السنة المقبلة 2015، تاريخ الموعد الأممي الدوري والمعتاد لبحث الحالة في الصحراء وفي مناطق أخرى في العالم. وقبل حلول هذا التاريخ، وهذا اليوم الموعود، فان مجلس الأمن حدد فاصلا وباحة مرحلية في أكتوبر الحالي، يقدم خلالها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء إحاطة إعلامية بمسار ومراحل وخلاصات عمله، تكون موضوعا وجدولا لإعمال مجلس الأمن لإعطاء تقييم حول مدى نجاح وفلاح نهج روس وطرقه الجديدة في المفاوضات، وهي نهج سماها بالمبتكرة عمادها تعدد وتراكم جولات المفاوضات بين الأطراف وإجراء مشاورات دبلوماسية مكثفة ومكوكية مع الدول المجاورة و مجموعة دول أصدقاء الصحراء ودول أعضاء مجلس الأمن وأطراف دولية أخرى و مع مجموعات سكانية مختلفة ومتنوعة من الإقليم تشمل فريق الانفصال وفريق الوحدة والانضمام. سحب الثقة واعتراض المغرب لعمل روس يعقد مناقشات 27 من أكتوبر الحالي إن تحفظ المغرب على هذه النهج من جهة، وطلبه من الأمين العام لمجلس الأمن في الصيف الماضي إعطاء توضيح عن طبيعة مهمة مبعوثه الشخصي، و تعبير المغرب الواضح والصريح عن رفضه إجراء أي تغيير في الإطار الحالي للمفاوضات و كذا رفضه اعتماد أي تغيير وتوسيع في اختصاص وولاية بعثة المينورسو، المنحصرة في مراقبة وقف إطلاق النار من جهة ثانية، وتعليق الزيارات المبرمجة لروس إلى المنطقة والي المغرب خاصة، من ناحية ثالثة. كل ذلك جعل من موعد أكتوبر الحالي يكتسي أهمية خاصة. فالمغرب، لا يطمئن لأسلوب روس في إدارة المفاوضات ويرتاب منه، وقد بادر سنة 2012 إلى سحب الثقة منه نتيجة لذلك و بدواعي وحيثيات خروجه عن مبادئ الحياد بسبب اعتماد ما سماه النهج المبتكرة، أعقبه تسجيل المغرب حاليا لاعتراض تقني، حال دون استقبال روس من طرف الرباط. والمغرب ينظر نظرة المريب إلى الإحاطة المرحلية الحالية في ذاتها، والتي اعتمدت من طرف مجلس الأمن بسعي من بريطانيا، بالنظر إلى الأهداف المرجوة من ورائها في مزيد من تضييق الخناق والطوق على المغرب، ولا شك أن كل ذلك يخلق تشاؤما من المغرب ولو لم يعبر عنه صراحة، لأن روس لن يتردد في اغتنام الفرصة، التي تحينها ولما استنتاج واستنباط أنه سعى وراء الحصول عليها واصطناعها لتحقيق هدفين اثنين: إتمام المؤامرة التي تجند من أجلها والانتقام لشخصه ورد الصاع للمغرب بسبب سابق سحب الثقة منه ورفض استقباله الحالي. ولا محالة أنه سيجعل من الإحاطة المنتظرة صكا لاتهام المغرب وتحميله مسؤولية واقع المفاوضات، المتعثر إظهار المغرب كسبب لإخفاقه في مهمته. طموح الجزائر ورهان البوليساريو لاستغلال الخلاف مع روس وما يزيد من حساسية المرحلة، أن جبهة البوليساريو والجزائر عقدتا آمالا كبيرة قوامها المراهنة على تحويل سحب المغرب للثقة من روس والاعتراض التقني الحالي على زيارته، وسيلة لجني ثمار سياسي وإحراز تقدم لمركزها ودعم مجاني لموقفها واهتمام المجتمع الدولي بالنزاع، بعد سنوات طبع عليها أفول نجمها وخفت صوتها بسبب تقهقر وتهاوي قائمة الدول المعترف بالبوليساريو، ولتقدير مجلس الأمن ومجموعة من الدول الكبرى منها فرنسا وأمريكا واسبانيا ولو بأوصاف مختلفة للحل السياسي بالحكم الذاتي، الذي تقدم به المغرب لمجلس الأمن منذ 2007، تقديرا بالواقعي وذو المصداقية. تركيبة جديدة لأعضاء مجلس الأمن قد تزيد من صعوبات المغرب و ستتعاظم جاذبية الموعد والواقعة مستقبلا بعد التطعيم الأخير لتركيبة أعضاء مجلس الأمن بإعادة انتخاب نصف الأعضاء غير الدائمين، الذي أسفر عن فوز دول من إفريقيا كأنغولا وأمريكا الجنوبية فنيزويلا واقيانوسيا نيوزيلاندا تدعم البوليسارير وتعترف بها. بالرغم من كونها لن تتمكن من مزاولة الفعل والمهمة إلا بحلول يناير من سنة 2015، بعد انتهاء أعمال إحاطة مرحلة أكتوبر وقبل الموعد الكبير 2015 ، فهل تشكل العناصر الثلاث، إرادة مجلس الأمن في إجراء تغيير في إطار و طريقة إدارة المفاوضات والعداء المغربي لمبعوث الأمين العام كريستوفر روس وسوء العلاقات المغربية مع حليفها التقليدي فرنسا والتركيبة الجديدة لمجلس الأمن أسبابا كفيلة بترجيح كفة البوليساريو والجزائر ومفاضلتها على كفة المغرب؟ وكيف حاول المغرب مواجهة التحديات الجديدة؟. الاستراتيجية والتكتيكات الجديدة تخفف من شدة الأزمات بالرغم من الأخطاء، التي راكمتها الديبلوماسية المغربية في طريقة تدبيرها لملف النزاع حول الصحراء، منها القبول بكريستوفر روس وهو الذي تولى الحقيبة الدبلوماسية لبلده في الجزائر ما بين سنوات 1988 و1991 مبعوثا شخصيا للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء. فإن المغرب أدرك سعي المبعوث الشخصي الحثيث وغير الحيادي لإلحاق أضرار بمركزه، فاستبق ذلك بتكتيكين للتخفيف من عبئها، بدءا عن طريق سحب الثقة من روس قبل العودة لقبول التعامل معه بضمان يبدو أنه زائف وكاذب. ومن ثانية باشتراط المغرب قبوله لزيارة روس إلا بتلقيه لجواب من الأمين العام للأمم المتحدة يوضح فيه طبيعة مهمة روس كوسيط ورفضه إجراء أي توسيع لمهمة المينورسو تحت طائلة رفض وساطة الأممالمتحدة من أصلها. إلا أن عدم جواب الأمين العام للأمم المتحدة على الملاحظات والتساؤلات المغربية، جعل المغرب يعلق رغبة كريستوفر روس في تنفيذ زيارة للمغرب قبل موعد الإحاطة الإعلامية المقبلة المحددة في 27 أكتوبر 2014. وهو ما جعل التنبؤات لما قد يقدم عليه مجلس الأمن معقدة وصعبة التكهن. الصيغ المحتملة: الاستقالة، الإقالة،الفرصة والمهلة، الإنذار مشفوعا بالأجل، أو فرض حل ورفضه. أولا: لا شك أن مهمة روس كوسيط قد استنفذت واستهلكت عمليا ولم يبق له من أمل وجدوى في الاستمرار كمبعوث شخصي للأمين العام بعد أن راكم اعتراضين مغربيين عليه وفي عمله وسلوكه وفي طبيعة مهمته من أساسها. وقد يقدم على تقديم الاستقالة أو ينتظر الإقالة في نفس يوم تقديم إحاطته الإعلامية تقييما لنهجه وطريقته في إدارة المفاوضات، ولا شك أيضا أنه وقبل تقديم استقالته أو حصول إقالته سيصب جام غضبه على المغرب وسيتهمه صراحة بأنه المتسبب في عرقلة المفاوضات وسبب جمودها ويرجع إليه السبب في عدم إحراز أي تقدم فيها. وهو اتهام ليس بالجديد إذ سبق لروس أن وجهه وألصقه بالمغرب، من خلال ما ضمنه في الرسالة السرية الموجهة منه إلى عشر دول منها الدول ذات العضوية الدائمة بمجلس الأمن واسبانيا، وهي الرسالة التي كشفت عنها الجريدة الاسبانية البايس في صيف 2010. ثانيا: قد يتحكم كريستوفر روس في جوهر ومضمون تقرير الإحاطة الإعلامية التي سيتقدم بها إلى مجلس الأمن، وسينقل إلى نفس المجلس فشل نهجهه الذريع وعدم تسجيل أي تقدم في المفاوضات بسببين: تشبث المغرب بمقترحه بالحل السياسي في إطار الحكم الذاتي، وقد يستشهد بالتصريح الأخير لعمر هلال، السفير الجديد للمغرب بمجلس الأمن بقوله "الحكم الذاتي أو لا شيء". ناهيك عن تعثره بسبب تشبث البوليساريو والجزائر أيضا بالاستفتاء كحل وحيد لتقرير المصير. وقد يحاول رسم معالم حل تهتدي إليه قناعة مجلس الأمن و تلقى قبول ورضاء المجموعة الدولية بفرض حل على الأطراف وتوسيع مهمة المينورسو لتتولى مراقبة حقوق الإنسان أو إقرار آلية جديدة تتولى ذلك الرصد والحماية. لكن إقرار هذه الإجراءات ليست من صميم عمل روس، فهي حكر حصري لمجلس الأمن والأطراف. إن مجلس الأمن يبقى سيد قراراته بغض النظر عن توجيهات ومذكرات أمينه العام ووسطائه ومبعوثيه وخبرائه ولجانه. ولا شك أيضا أن لملاحظات واعتراضات وسحب المغرب ثقته من روس واعتراضه عليه وتهديد المغرب برفض لوساطة الأممالمتحدة في حالة تغيير لإطار المفاوضات أو توسيع لمهمة المينورسو ولجوء المغرب إلى اعتماد أسلوب جديد في علاقاته الدولية يقوم على تنوع فيها، خاصة مع دول تحضى بوزن ولها تأثير على المستوى الدولي، بسبب ما تملكه من حق قانوني بالنقض والفيتو، منها روسيا والصين، التي سارع المغرب إلى إبرام اتفاقات التعاون الاستراتيجي معها، وزيادة الاهتمام بها، وهو ما تؤكده الرسائل المغربية السرية والمسربة للصحافة، وسيستخدم المغرب كافة وسائله لإجهاض مخطط كريستوفر روس قبل ولادته عن طريق عدم المصادقة عليه أو نقضه. ثالثا: الحالة و الفرضية الثالثة المحتملة وممكنة الحصول والتصور والوقوع، ودائما باعتماد السيناريو المشار إليه أعلاه في الفقرتين الأولى والثانية، وهو إعطاء مجلس الأمن فرصة أخرى لكافة الأطراف، بما فيه روس وتوجيه دعوة للمغرب للتعاون معه بعد تبديد مخاوفه والجواب في نفس الوقت على الملاحظات المغربية، وهذه الإمكانية قريبة التحقق جدا بالنظر لكون مجلس الأمن قطع موعدا لإجراء تغيير في إطار المفاوضات لأبريل من سنة 2015 ولا يمكنه عمليا أن يستعجل ذلك خلال أكتوبر 2014، كما أن طبيعة الموعد الحالي هو لتقييم النهج الجديدة لروس في طريق المفاوضات لا غير وتقدير مدى نجاعتها فيستمر روس في مهمته ووساطته أو فشلها فيقدم استقالته أو يتم إعفاؤه وإقالته. رابعا: توجيه لوم وإنذار إلى المغرب بسبب ما قد يضمنه كريستوفر روس من إفادات في إحاطته الإعلامية لتقييم نهجه الجديدة وإقرار مسؤولية المغرب وحيدا فيما جنح إليه المسلسل من تعثر وجمود وعراقيل وعقبات، ولا محالة في أن المغرب لن يقبل بهذا الإنذار وسيجعل منه سببا لتعليق المفاوضات ورفض وساطة الأممالمتحدة وطرد بعثة المينورسو، قبل موعد أبريل من سنة 2015 المحدد لدراسة إجراء مراجعة لإطار المفاوضات من طرف مجلس الأمن. خامسا: هذه الفرضية مرتبطة بتكهن أسوأ الاحتمالات، وقد تكون فرضا مفروضا على المغرب و الاستجابة لها مواجهة شر لا بد منه. ولو أن قراءة المشهد الإقليمي والدولي لا يشجع على الإقدام الدولي على ذلك الحل لبروز دول آلت إلى الفشل أو توشك، وتشكل بالنظر إلى ما تحولت إليه من بؤر لتجمع المتطرفين ولموقعها في الضفة الجنوبية للمتوسط وتشكل خطرا على الاستراتيجيات الأمنية الغربية، كما أن رفض سكان اسكتلندا للاستقلال ورفض الحكومة المركزية في مدريد لاستشارة كاطالونيا، والطعن في قانونها أمام المحكمة الدستورية وإقرار الأخير لقرار تعطيلها. كل ذلك لا يشجع على مغامرة فرض حل بالاستفتاء. وفي حالة فرض الأممالمتحدة لحل بإقرار مقترح المغرب بالحكم الذاتي وعودة اللاجئين، و الرفض الآلي للجزائر والبوليساريو. و في كل الحالات لا نتصور غير العودة إلى حمل السلاح ليس بصيغتها ونسختها القديمة بل في حلة جديدة، إنها مواجهة مباشرة بين المغرب والجزائر، وستتعرض المنطقة ككل للفوضى وعدم الاستقرار، لا سمح الله. *محامي وخبير في القانون الدولي