اشتُهر ب"ذاكرة البرلمان" وب"مؤرخ المؤسسة التشريعية"، وعُرف ب"شاوش البرلمان"، إنه عبد الحي بنيس، الموظف البسيط كما يُحب أن يسمي نفسه، التقته هسبريس، وفتح لها صدره وقلب صفحات سنوات من العمل بإدارة مجلس النواب. يكشف عبد الحي بنيس الذي تجاوزت أعماله التوثيقية المائة عمل، وبلغت إصداراته 17 كتابا، في الجزء الأول من هذا الحوار عن بدايات عمله، ويتذكر الكثير من الأسماء التي مرت من المسؤولية داخل مجلس النواب، ويتحدث عن أمور قد لا تُظهرها المشاهد والصور التي تخرج من البرلمان، وينقل في جزء آخر من الحوار أحداثا مثيرة شهدها مجلس النواب خلال السنوات الماضية. افتتح البرلمان قبل أيام الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة، أكيد أنك عايشت مثل هذه المناسبات، ما الذي استحضرته بالمناسبة؟ أولا، اسمح لي أن أشكرك ومن خلالك موقع هسبريس على إتاحة هذه الفرصة لي، أما عن سؤالك فبمناسبة افتتاح دورة أكتوبر 2014 للبرلمان يمر أمامي شريط الذكريات التي عشتها وعايشتها داخل المؤسسة التشريعية. ولكن "خليني نعاود ليك" البدايات لأنني عشت حلما جميلا عندما دعيت يوم 14 أكتوبر 1977 للالتحاق فورا بعملي موظفا بإدارة الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب، لم تكن السماء لتسع فرحتي وأنا في عمر الزهور. هجرني النوم تلك الليلة، وكنت أنتظر بزوغ الصبح للتوجه نحو مهمتي الجديدة، كانت أسئلة عديدة تجول بمخيلتي، والعديد من التخمينات حول ظروف عملي، عن المهمة التي ستسند إلي، عما يجري بالمؤسسة التشريعية، وعن أحوال سكانها القدامى والجدد، عن العمل مع "الناس لكبار"، وما هو العمل الذي سأقوم به؟ والحقيقة أنني بالقدر الذي سررت وقتها بهذه الفرصة، بقدر ما كنت متوجسا، بل خائفا من غد مجهول، خصوصا وأنني لا أتوفر على أي شهادة مدرسية، وكيف سأفعل وأنا ذلك "الحرفي الخراز"، وكيف سأكون في المستوى وعند حسن الظن.. وسيل جارف من الأسئلة الأخرى. استقبلني حينها المرحوم محمد بنشقرون المدير العام لمركز حزب الاستقلال، قدمت له ما طلب مني، وكانت عبارة عن ورقة بها جرد للأنشطة المسرحية والحزبية التي كنت أمارسها بمدينة فاس، لا زلت أذكر كل التفاصيل بدقتها، حيث أخبرني بأنني سأعمل في البرلمان، ثم قدمني للأخ محمد سعد العلمي الذي شرح لي نوعية العمل الذي سأقوم به بعد أن عرف أنني لا أتوفر على شواهد مدرسية، قال لي: لنا بمجلس النواب مكتبين إداريين و50 نائبا برلمانيا "هيا تفضل.. "عملك هو "مأمور" بإدارة الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب.. قمت من مكاني، لم أكن أعرف معنى واضحا لكلمة "مأمور"، فعرفت بعدها أنها تعني قيامي بمهام، استلام جميع الوثائق والرسائل المضمونة أو الطرود البريدية قصد إبلاغها إلى أصحابها النواب، وحمل مداخلات السادة النواب لمقر جريدة "العلم" قصد نشرها، وحمل أو جلب ما له علاقة بالفريق من المركز العام للحزب، ضبط الواردات والصادرات في سجل الفريق، تقديم كافة الخدمات الخاصة بأعضاء الفريق داخل المجلس وخارجه، إخبار أعضاء الفريق باستعجال بالنشاطات البرلمانية المدعوين لها عن طريق الهاتف أو الفاكس، نسخ القوانين "التي لن تطبق أبدا" (يضحك)، وحمل التقارير والجرائد غير المقروءة (يضحك) من مكان إلى آخر.. كيف كان شعورك وأنت تلج مقر البرلمان لأول مرة؟ أتذكر وأنا أدخل بوابة مجلس النواب، كان الشعور الذي تولد لدي وقتها هو أنني أدخل فضاء ضريح مولاي إدريس... كانت لحظة رهيبة.. لأن البرلمان كانت له هالة عظيمة، في تلك الفترة كان اسمه يجلجل في الأسماع، بقيت مشدودا لعظمة البناية وأجنحتها وقاعاتها وممراتها وأنا أرافق السيد محمد بلعباس حسون عضو الفريق الذي كلف من المقر العام للحزب باصطحابي وإيصالي للمكتبين المخصصين للفريق داخل المجلس. كنت أول موظف ألتحق بإدارة الفريق الاستقلالي، فلو كان موجودا قبلي موظفين ورئيس مصلحة لما قمت بما قمت به، لأنه بكل بساطة سيضع لي كرسي بباب المكتب ليكون مكاني، وما سيكلفني به هي السخرة. كانت لدي رغبة قوية في العمل وإثبات الذات رغم عدم توفري لا على شواهد ولا دبلومات كما كان عندي حس سياسي قوي، لدرجة أنني تأقلمت مع محيط المؤسسة التشريعية بسرعة بعد أن تعلمت على يد الكثير واستفدت منهم، فكنت "أغلق فمي قبل أن يغلقوا آذانهم وأفتح أذني قبل أن يفتحوا أفواههم"، الشيء الذي جعلني أناقش المواضيع السياسية الكبرى وأقدم رأيي وكذا الحلول لبعض المشاكل، فبدأ ذلك يجلب علي عداء الكثير من الحساد.... هل تذكر رؤساء الفريق الاستقلالي الذين اشتغلت تحت رئاستهم؟ لقد اشتغلت داخل الفريق الاستقلالي تحت رئاسة عدد من الرؤساء منهم الأستاذ عبد الكريم غلاب، من 14 أكتوبر 1977 إلى 05 نونبر 1981 حيث أصبح وزيرا منتدبا لدى الوزير الأول، ثم الأستاذ فيصل الخطيب، من 05 نونبر 1981 إلى نهاية الولاية التشريعية الثالثة التي انتهت في 27 يوليوز 1983، والأستاذ محمد العربي المساري، من 12 أكتوبر 1984 إلى أكتوبر 1985 بعد أن تم تعيينه سفيرا للمغرب بالبرازيل، والأستاذ عبد الحق التازي، من أكتوبر 1985 إلى أكتوبر 1990، وأخيرا الأستاذ امحمد الخليفة، من أكتوبر 1990 إلى نهاية الولاية التشريعية الرابعة التي انتهت في 05 غشت 1992..... وماذا عن رؤساء مجلس النواب الذين عاشرتهم؟ أما رؤساء مجلس النواب الذين عاشرتهم فهم كالتالي: الأستاذ الداي ولد سيدي بابا، من "التجمع الوطني للأحرار"، والأستاذ أحمد عصمان، (الأمين العام المؤسس لحزب التجمع الوطني للأحرار)، والدكتور محمد جلال السعيد، "الاتحاد الدستوري"، والأستاذ عبد الواحد الراضي، "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، والأستاذ مصطفى المنصوري، "التجمع الوطني للأحرار"، والأستاذ كريم غلاب، "حزب لاستقلال"، الذي أحلت على التقاعد خلال فترة رئاسته. ودعني أذكر لك أيضا الكتاب العامين الذين عاشرتهم وهم خمسة، وحسب ترتيبهم، منهم من هو إنسان عملي لا يتدخل في ما لا يعنيه، يثق بالناس ويثق بنفسه ويتخذ قراراته بسرعة، ومنهم من هو ولد الناس، نخوة، ذكي ومتحمس، ومنهم من هو إداري بامتياز، "بو وذينة" متعالي، لم يتعرف على حقيقة من حاربهم حتى أحيل على التقاعد. وما أريد أن أقول لهذا الشخص بالضبط هو: "ليست البطولة في هذا الزمان أن يحمل الإنسان سيفا، ولكن البطولة الحقيقة أن يحمل الإنسان ضميرا"، كما منهم من هو كثير الجدل ويتكلم من أجل الكلام فقط، لدرجة أن الجميع كان يسميه "مسيلمة الكذاب"، ومنهم من لا يحب الظهور كثيرا، يتفانى في العمل من أجل الوصول لما يخطط له، قليل الكلام، يستغل الآخرين لخدمة مصالحه الخاصة ثم ينكر جهودهم وفضلهم عليه في النهاية، يخشى المواجهة التي قد يتعرض فيها للنقد أو التوجيه أو المحاسبة، يفعل أي شيء ليعوق الآخرين عن التقدم. كيف كان يتعامل معك النواب الاستقلاليون أثناء فترة عملك داخل فريقهم؟ خلال فترة عملي بإدارة الفريق الاستقلالي، كان عدد من النواب يشجعونني ويساندونني ويقدمون لي النصح، كما كان منهم من يعتبرني إنسان لا قيمة له بحكم مهمتي البسيطة. لاحظت أن علاقتك مع الكثير من موظفي إدارة مجلس النواب يسودها المرح والدعابة، كيف بنيت هذه العلاقة معهم؟ يمكن أن أقول لك بأن نوعية الموظفين الذين عاشرتهم بالمؤسسة التشريعية تنقسم إلى عدة أنواع، فمنهم من يتوفر على كفاءة عالية، أطّر بها الموظفين الجدد وزودهم بخبرته، ومنهم من لا يتوفر على كفاءة لكن بالإصرار والممارسة اكتسبها حتى أصبح مرجعا في تخصصه داخل المؤسسة، وهذه الفئة يبحث لها على أي خطأ ليشهروا به، وهناك فئة قليلة تعمل في صمت وعليها يقع ثقل المسؤولية لأنها تحب ما تعمل، وهذه الفئة تنطبق عليها مقولة فولتير "ليس سر الحياة أن تعمل ما تحب بل أن تحب ما تعمل". والفئة الثانية تتميز بالارتكان للكسل والاجتهاد في حل الكلمات المتقاطعة والنميمة ومحاربة كل مجتهد، وهناك فئات أخرى سامحهم الله فيما يفعلون. هل يمكن الحديث عن موظفين أشباح بالمؤسسة التشريعية؟ طبعا كان هناك موظفين أشباح، والذي ساهم في وجودهم وإلى حد بعيد بعض المحسوبين على الأحزاب السياسية، حيث يتوصل هذا النوع من الموظفين براتبه الشهري وتعويضات الدورات التي كانت مرتين في السنة، وأصبحت الآن أربع مرات، دون تقديم أي خدمة للمؤسسة التشريعية، المهم هو المنصب المالي وليس الوظيفي، ولا مجال للمحاسبة أو المراقبة، إذ هناك من هو رئيس مصلحة أو رئيس قسم، كما أن هناك موظفون عموميون تمت استعارتهم من إدارتهم الأصلية، وتم تعيينهم كمستشارين بدواوين الرؤساء، يتقاضون رواتبهم الشهرية بدون أن يقدموا أي خدمة مقابل ذلك. عموما سي بنيس كما قلت الناس "طوب وحجر" ... أعود بك إلى سنوات العمل... حاضر..قلت لك ..خمسة وثلاثون سنة قضيتها بقبة البرلمان، منها خمسة عشر سنة بالفريق الاستقلالي، كانت أحلى أيامي العملية، باستثناء ثلاث سنوات مرت في تطاحن ومكائد مع رئيس مصلحة إدارة الفريق الذي كان من أحد الأسباب لكي أقدم استقالتي من الفريق وأنا مجبر لألتحق بإدارة المجلس لأتمم عملي بكل إخلاص وتفان، بدأت في الإنتاج والعطاء تلو العطاء، وأتقدم بالأعمال والاقتراحات التي لها صلة بالمؤسسة التشريعية، لكن، ماذا وجدت؟ وجدت، أنني في نظر الكثيرين ذلك الرجل البسيط أو المحظوظ الذي جاء من ورشة أبيه في حرفة "الخرازة" ليعمل دفعة واحدة في البرلمان، ولا مكان له بين علية القوم، وبدأت معاول الهدم والدسائس تحاك من هنا وهناك، لدرجة أنه في سنة 2005 وظف رقم حسابي البنكي وقدم لصندوق الضمان الاجتماعي على أساس أنه رقم حساب جمعية الأعمال الاجتماعية لموظفي مجلس النواب كي يتم تحويل مبالغ مالية في حسابي ويتم توريطي للزج بي في السجن، لكن، كما يقول المثل المغربي: "ما تديرش، ما تخافش"... اجتهدت في عملي لأتمم ما تعلمته في الحياة، كانت مهمتي بسيطة بهمها، بأجرها، وأيضا بتاريخها الوطني المليء بالمآسي والمفاجئات، ولكنها في الحقيقة، علمتني أن أكون كما أنا اليوم، أن لا أقف مكتوف اليد، منقطع النفس والروح، وأنا لا أسعى إلى تحقيق ذاتي وطموحاتي، فكنت أعمل بجد وحماس منقطع، أتحرك كفراشة تطير من هنا إلى هناك لأرتشف رحيق كل المحيط الذي أنا موجود بداخله.. ما الذي كان يدفعك نحو كل هذا النشاط وأنت إنسان بسيط كما تقول؟ لقد اكتسبت شخصيتي من خلال تربيتي في الطفولة التي كانت بالإرشاد تارة والعقاب والشد تارة أخرى. واحترام عدة قواعد التي لا يمكن التساهل معها، فطيلة حياتي المهنية داخل المؤسسة التشريعية، كنت أتحمل وأصبر، لأنني إنسان واضح، أكره الكذب والنفاق والتملق والوصولية، صريح إلى درجة الشراسة، حساس جدا ومستقل بشخصيتي، لا أرتكن إلى الاستسلام والانتظارية رغم التوتر والعصبية التي عشتها داخل المؤسسة، ورغم أنني أملك روحا قيادية، لا أحب أن ألعب دور القائد، إنما أريد إثبات وجودي للعالم كله، قوي إلى حد القسوة، لكن في قوتي يكمن ضعفي لدرجة البكاء، أعبر عن التضحية بالذات من أجل الحق، وتفكيري حازما إلى درجة التعقيد، لكن رغم جديتي فإنني مزاجي، لكن مزاجيتي مدروسة، ارتكبت الكثير من الأخطاء، لكنها ليست أخطاء مدمرة لا يمكن إصلاحها، أستمتع بالمناقشات الجادة حينا بعد حين لإثارة المواضيع والأمور. احتياجي الأساسي هو أن أتحدث ويُستمع إلي، أحب العمل والحركة، وأكره الهدوء والجلوس، لا أستطيع الكف عن التفكير من أجل إنجاز عمل ما، بإمكاني أن أقوم بعملين في نفس الوقت، أجيد أي عمل يتطلب ذكاء وحسن استخدام للعقل، أعمل بجد واجتهاد لما أومن به في أن أصل إلى الكمال وتحقيق ما أريد، في داخلي يوجد إبداع ولكني قد أفشل أحيانا في إظهاره، دائماً ما أحتاج إلى معرفة رد فعل الآخرين تجاه ما أنتج، كنت لا أشعر دائما بالأمان، حياتي الإدارية كانت مملوءة بمواجهات صارمة ومختلفة مرة فوق ومرة تحت...... يصفك الكثيرون بأنك ذاكرة البرلمان... ما الذي كنت تقوم به بالضبط لتستحق هذا الوصف؟ كنت أسترق النظر إلى كل ما حملته من أوراق طيلة خمسة وثلاثين سنة، وكانت جنون روحي المبدعة تتلقف كل ما يدور حولها من مشاهد وصور، منتقدة مرة، ومشمئزة مرات عديدة... جالت في ذهني كثير من الأوهام الفكرية، نعم، سأجمع كل ما يلقونه في أدراجهم ولا يقرؤونه، وسأصرفه للمتعطشين إلى المعرفة المهملة مثلي، وقلت يوما في نفسي كلمة قالها أرخميدس: اقتبستها من أحد المسرحيات التي كنت أشخصها في شبابي بمدينة فاس، "وجدتها". يقول المثل الشعبي: "إلى كان القاضي من خصومك، غير هز رسومك" لأنني حين بدأت في الإنتاج والعطاء تلو العطاء، تقدمت بالعديد من الأعمال والاقتراحات التي لها صلة بالمؤسسة التشريعية، فقد كان مآل كل اقتراحاتي وأعمالي الموازية هو سلة المهملات كما يفعلون بكل المقروءات، لدرجة سماني بعدها البعض ب"ميخالة"، لأنني جمعت كل ما وقع في طريقي كما هم دافعوا العربات في شوارع مدننا كل مساء، ولقبني الآخر بالفنان، ربما إدراكا منه بهوايتي للمسرح في عنفوان شبابي، ويحلوا للبعض أن يناديني بمؤرخ البرلمان... حصيلة هذه الكلمة الآن هي أكثر من مائة عمل توثيقي تتصل كلها بالمؤسسة التي آوتني منذ زمن، كما أصدرت سبعة عشر كتابا موجودا بالمكتبات داخل المغرب وخارجه، وأخرى تحت الطبع، وأخرى بين يدي، كما حفظت ذاكرة البرلمان من خلال توثيق أهم أنشطته بالتصوير الفوتوغرافي. ماهو الشيء الذي قدمته للمؤسسة التشريعية واعتُرِف لك به؟ إن الشيء الوحيد الذي يشفع لخاطري هو جرأة تبنى ثلة من المهتمين المنتسبين إلى مكتب مجلس النواب الذين صادقوا بالإجماع يوم 8 يناير 1985، بعد أن اطلع جلالة المغفور له الحسن الثاني، على الاقتراح الذي تقدمت به لإحداث وحدة للتوثيق السمعي البصري للبرلمان، وهي مفخرة أعتز بها، وسيعتز بها غيري، فهي التي تصل اليوم هذه المؤسسة بخارجها. لقد واكبت نشأة هذه المؤسسة التشريعية التي خرجت من طفولتها في بداية الستينات، وها هي بعد دساتير 1962 و1970 و1972 و1992 و1996 و2011 تدخل مرحلة جديدة، إنها المراهقة البرلمانية بصخبها الذي لا ينتهي، ورفضها لما يجري، وسعيها إلى الأحسن.. كان الحلم جميلا ولا يزال، ولولا أناس أساؤوا كثيرا منذ البداية وإلى الآن لهذه المؤسسة كما للوطن، لأصبحنا في الترتيب مع أعرق الديمقراطيات، وليغفر لهم الله ما فعلوا... لم يكن يهمهم إلا أنفسهم وحواريهم، ومن يقوم بخدمتهم، لا خدمة المؤسسة والوطن، أما أبناء الشعب، وأنا منهم، فإن دورهم لم يأت بعد، وعليهم الانتظار قرونا أخرى ربما... كيف تقنع القراء بأنك لم تكن تبحث عن امتيازات وتعويضات أو غيرها خاصة أنك كنت "شاوش" كما تحب أن تمسي نفسك؟ لم يكن همي هو الاصطفاف في صف الانتهازيين والوصوليين، قمت بما يمليه علي ضميري وفق ما رباني عليه والداي رحمهما الله، وثلة من مخلصي هذا البلد، وأفنيت في العمل وأديته بإخلاص مع الأمل، لأنه كما يقال "عمل بدون أمل يؤدي إلى ضياع العمل، وأمل بدون عمل يؤدي إلى خيبة الأمل، فسعادة العمل تجدها مع الأمل، وروعة الأمل تجدها في العمل"، وما الحياة إلا أمل يصاحبها ألم ويفاجئها أجل. لم أكن من طالبي الامتيازات والترقيات أو توظيف أبنائي المعطلين رغم وجود موظفين من اثنين إلى خمسة أفراد داخل المؤسسة التشريعية من نفس الأسرة الواحدة، لم أتحجج بالشواهد الطبية للتغيب ولو ليوم واحد عن العمل، وكثيرا من آثرت التضحية بعطلتي السنوية. لقد خدمت مصدر رزقي بنزاهة وإخلاص، ولم ألق من ماسكي مفاتيح المؤسسة التشريعية على مر عقود وحتى بعد إحالتي على التقاعد، إلا اللامبالاة والدسائس والحكرة وإذلال الكرامة حتى التراب، ولهم كلهم أقول اليوم، شكرا على ما فعلتم بي، فلو لم تطغوا في حقي، وتبطشوا بوضعي، لما وجدتم اسمي في كل الخزانات والمكتبات، ولما وصلت إصداراتي للجامعات الكبرى من قبيل جامعة أوكسفورد بإنكلترا وهارفارد بأمريكا ومكتبة الكونغرس الأمريكي فرع القاهرة ومكتبة الملك فهد الوطنية، كما يتم الاعتماد عليها بالجامعات المغربية، ولما شرفتني القنوات التلفزية المغربية الأولى والثانية وقناة ميدي1 تيفي أكثر من مرة، وقناة العربية، وقناة الجزيرة، على إبداعاتي في مجال الإصدارات، وغيرها كثير من وسائل الإعلام المكتوبة.. وها أنتم اليوم في هسبريس تتيحون لي الفرصة بدوركم... تبدو حاقدا على من المسؤولين الذين تعاقبوا على تدبير المؤسسة التشريعية إداريا؟ إن القائمين على المؤسسة التشريعية كانوا جاحدين معي على الدوام، وخصوصا حين أحلت على التقاعد، حيث توجهت إلى البرلمان يوم 23 يوليوز 2013 لتحسيس ذاتي المتآلفة مع هذه المؤسسة في رحلة عمر طويلة دامت 35 سنة، بأنني لا زلت قادرا على العشق الذي سرى في عروقي، ألا وهو العمل البرلماني، رغم إحالتي على التقاعد، لكنني منعت بقوة من طرف أمن البرلمان للمرة الثانية، بعد منع أولي بتاريخ 28 يونيو 2013. وبدرجة أعنف وأشرس من المرة الأولى لدرجة أنني سقطت على الأرض في حالة غير طبيعية، لأنني لم أتوقع أن أمنع من دخول مؤسسة قضيت فيها عمري الإداري، ومن طرف من؟ من طرف أمن البرلمان الذي لا دخل له في هذا الأمر، والحجة هي أن الكاتب العام لمجلس النواب أصدر أمرا بمنعي، طالبت بقرار أو مذكرة تتضمن تعليل المنع وأسبابه، لكنني مع الأسف لم أتوصل بأي شيء، وما توصلت إليه هو: "المنع بطعم الانتقام".