سي بنكيران المحترم، لا أخفيك أني كنت من أحرص متتبعيك، ومن أكثر الناس تتبعا لكل ما تتفوه به وتفعله في ملعب السياسة المغربية، بما في ذلك قفشاتك. أفعل ما أفعل، من باب الواجب المهني كصحافي مختص في الشأن السياسي، وأيضا من باب إعجابي بشخصيتك: بنكيران الزاهد، بنكيران الناسك، بنكيران المقاوم، بنكيران المواجه. باختصار بنكيران الإنسان والنموذج السياسي. سي بنكيران، رغم اختلاف المرجعيات والتوجهات والقناعات، ورغم كل ما قيل في حقك، وفي سبيل الإنصاف والموضوعية، كنت بارعا وفنانا وموهوبا. نعم، جئت شيئا جديدا في عالم الأحزاب السياسية. أبهرت الناس بعفويتك ودهائك وجبروتك التواصلي، مما جعلهم يتحلقون من حولك بعدما يئسوا ممن سبقوك. سي بنكيران، كنت رئيسا للحكومة بعد دستور جديد، وكنت أمينا عاما للحزب المتصدر للمشهد الانتخابي. كما أنك صدمت الناس (وكانوا فعلا في حاجة إلى صدمة) بتصرفاتك، التي خرقت بها نمطية قاتلة ورتيبة. نعم، كانت لك سلط واسعة، وكنت "جديدا"، وكان الناس يمنون النفس بتغيير أحوال عيشهم، وينتظرون منك تنفيذ وتفعيل الشعارات التي رفعتك إلى المقام الذي وصلت إليه، والذي ما حلمت به يوما من الأيام. سي بنكيران المحترم، خلال العشرة أيام الأخيرة أقدمت على ثماني خرجات إعلامية، بعد صوم طويل. وعلى هذا الأساس قررت أن أكاتبك، وسأصارحك بما لا يستطيع المتحلقون – المتزلفون حولك الإفصاح عنه. سأخبرك بما يقوله الناس عنك بكامل الصدق والتجرد. أولا، اعلم، سيدي، أنك لم تعد رئيسا للحكومة ولا لحزبك. وأنا أقدر وأحس جيدا ما معنى أن يمر على من كان مسؤولا مثلك، من الظهر حتى صلاة العشاء، دون أن يرن هاتفه أو أن يقرع باب بيته من كانوا يترددون على مائدته. وإذا كنت شغلت الناس مدة خمس سنوات، فلأنك كنت رئيسا للحكومة ورئيسا لحزب العدالة والتنمية، أما اليوم فقد تم إعفاؤك رسميا من كل شيء، وبالتالي فقولك اليوم فقد وزنه بفقدانك مناصبك. ثانيا، نظمت ما أسميته "ندوة صحافية" بمنزلك، وما هي في الحقيقة بذلك. لقد كانت خطبة منبرية، وعلى امتداد أزيد من ساعتين خضت في كل شيء دون أن تقول أي شيء. لقد آلمني كثيرا مشهدك. خرجت للدفاع عن تقاعدك المريح، الذي تتقاضاه من اقتطاعات وجيوب دافعي الضرائب وليس هبة ملكية. إن جيوش البؤساء من الموظفين وغيرهم، الذين اقتطعت من أجورهم، هم من يدفعون تقاعدك السمين. حاججت الناس على مبلغ التقاعد، الذي نفيت أن يكون 13 مليون سنتيم أو حتى 9 ملايين سنيتم، وأنا أقول لك إن تقاعدك يربو على 7 ملايين سنتيم دون احتساب مداخيلك الأخرى. نعم، أنت لست زاهدا، وكان حريا بك أن تتضامن مع بؤساء هذا البلد، وتكون نموذجا وقدوة. هل تعلم، يا سيدي، أن النقاش في العالم، اليوم، هو حول تعويضات السياسيين. فبينما يتجه ساسة العالم إلى إعادة النظر في تعويضات الساسة جئت في الوقت الخاطئ لقول العكس، والدفاع عن الباطل. ففي الوقت الذي كان عليك تسجيل موقف للتاريخ والإتيان بفعل بيداغوجي، تشرعن وتحلل الريع في أبشع صوره! فما تتقاضاه، اليوم، من ملايين ليس تقاعدا، بل هو "كريمة" وانتهى الكلام، وبالمعنى الدارج شعر المغاربة ب"الشمتة". ثالثا، اكتشف فيك الناس، مؤخرا، وهذا مؤسف حقا لشخص مثلك، أنك برجوازي كبير، وتسعى إلى المال والثورة والريع، ومدلس كبير ولست كذابا. دلّست على البسطاء من العامة والموظفين والعمال وغيرهم. كنت جبارا وعنيفا وعنيدا في منع الإضرابات، وإخراس الأصوات المدافعة عن حقها. اقتطعت من الأجور، أوقفت التشغيل في الوظيفة العمومية وأغرقت البلد في الديون والحلول السهلة، واليوم تقول للناس: "ماكاين باس نعطيو للعساس ديال الطوموبيلات 100 درهم". هذا هو أنت. فبدل البحث الجدي عن الحلول الجدية تفرضون البؤس والشقاء على المغاربة. لا خلاف، إنك سلفي، محافظ ويميني، وظهر للناس بقوة الشيء أنك لا تتردد في حث أعضاء حزبك وجماعتك على التمسك بمكاسب ومغانم الدولة من تعويضات وامتيازات، وعدم التنازل قيد أنملة عن أي شيء، وفي الوقت نفسه يتم تفقير الناس علانية وفي واضحة النهار، فكيف تأتى ذلك؟ باستعمال الدين وتخدير الناس وتكريس وضع موبوء. في هذا الصدد لفتني كثيرا عدم حديثك نهائيا عن المرجعية الإسلامية في "الخطبة المنبرية". لا عليك يا رجل. وخذها مني يقينا: الاتجاه العام في الشارع اليوم أسقط عنكم ورقة التدين والأخلاق: في المقهى، السوق، الجامعة، القطار، سائق سيارة الأجرة، الحمام، البقال وغيرهم كثير.. الناس مصدومون جدا جدا منكم، بدرجة أتمنى أن تدركها سيد بنكيران. وللتدقيق، أخبرك، من باب الأمانة، أن ما قامت به القيادية في حزبكم، ماء العينين، وما أقدم عليه القيادي والوزير محمد يتيم، لم يغضب الناس فقط، بل أغلقوا به قوس التردد وإنهاء مهلة التسامح مع فضائحكم. إن قواعدكم التنظيمية والانتخابية في منتهى الغضب والتمرد مما اقترفته ماء العينين المتبرجة في فرنسا و"مولات زيف العفة" في المغرب. هل هذا هو النموذج الذي تسوقونه للعائلات المغربية؟ هذا ليس نفاقا، بل فسقا فاضحا، والخطير في الأمر، يا سيدي، أنك تدافع عن ماء العينين ضدا على المرجعية الإسلامية التي تعتبر بمثابة الأصل التجاري في تنظيمكم. هل تقدّر حقيقة ما معنى أن زوجة تطلق زوجها ضدا على مصلحة أولادها مقابل أموال زائلة؟ هل تقدر حقا مفهوم الأسرة؟ زوجة تتبرج أكثر من المتبرجات ليلا، وفي الصباح تفتي في الدين والأخلاق! الأدهى والأمر أنك تدافع دون خجل ولا حياء، وأنت غارق في وهم أن الناس سيتبعونك! وها هو محمد يتيم، شيخ جاوز الستين من عمره، يضحي بدوره برفيقة عمره، وأم أبنائه التي رافقته عقودا من الزمن، و"يغيرها " ب"متبرجة" أخرى! فبدل الإحسان إلى من اقتسمت معه الرغيف الأسود والسنوات العجاف، وقد بلغت من العمر عتيا، والعيش معها بالمعروف إلى أن يلقى الله، فضّل "أخوك في الله" أن يذهب إلى المحاكم لتطليق زوجته والتحلّل منها!. هل تحس ما معنى أن يقوم شخص ما بتطليق زوجته وهو في عمر الستين وهي رفيقة حياته؟ هل تقدرون، فعلا، بشاعة هذه الواقعة وهذا السلوك؟ والله هذا مفجع ومقزز. من غدا سيأتمن على أهله وعياله بينكم؟ من؟ فرجاء قليلا من الأخلاق والمروءة. رابعا، ليس من الشهامة في شيء، وما عاد ذلك ينطلي على أحد، استعمالك المكثف لاسم الملك، لغرض استثماره في كسب غنائم وفوائد شخصية. إنه منطق التجار وليس منطق أهل السياسة ورجال الدولة، فإقحام اسم الملك بسبب أو بدونه أضحى لعبة مكشوفة، سيد بنكيران. وبخصوص الملكية البرلمانية التي تدعي بأنك ضدها، اعلم أن ذلك ليس متروكا لك ولا لغيرك، ولا داعي للعب دور أو الرهان عليه، فأمر تطور الأنظمة السياسية متروك لحركية التاريخ وتدافع النخب ورغبات الشعوب، وأيضا مشروط بموازين القوى والتجاذبات الدولية، وليس اختزال الملكية البرلمانية في كون "واش بنكيران معاها ولا ضدها".. هذا يتجاوزك كثيرا سيدي. خامسا، أغضبني إلى حد ما إقحام واستعمال اسم عبد الرحمان اليوسفي أكثر من ست مرات والاختباء وراءه، إلى جانب عبد الله إبراهيم، وغيرهما، للالتفاف على فضيحة تقاعدك ودرء هرولتك وحبك الجم للمال والشركات. هنا مربط الفرس، وهنا بالضبط يتكشف مدى خطورة التدليس الذي تمارسه في خرجاتك الأخيرة بعد انفضاح أمركم، مما دفعني إلى مكاتبتك بهذا الشكل. بداية أنت تاجر ورجل أعمال، غادرت الوظيفة العمومية وأصبحت "باطرونا"، وهنا يتجلى حقدك الدفين على الطبقة العاملة. لك شركات وأسهم في شركات أخرى، ولك مداخيل شهرية متنوعة، طبعا لا أحد يؤاخذك عليها وزادك الله من فضله، فقط لا تقل للناس إنك لا تملك شيئا، وإنك مثل اليوسفي، لأن اليوسفي مناضل حقوقي وليس تاجرا مثلك. ففي الوقت الذي كنت تجوب المصالح الإدارية لتوثيق شركاتك وتحيين الأسهم ومفاوضة الشركاء وعد الأرباح كان اليوسفي المحامي والمناضل يطوف على المؤسسات الحقوقية ويعمل على ترسيخ قيم حقوق الإنسان في هذا البلد السعيد، ومنها ما تتمتع به أنت اليوم. وللاستدلال على التدليس، أنك لم تتحدث في الندوة إياها (عن قصد طبعا) عن مداخيلك طيلة 13 سنة في البرلمان، حين كنت نائبا برلمانيا في مجلس النواب وتتقاضى 37 ألف درهم شهريا دون امتيازات موازية. احسب الآن، وأنت البارع في الحساب، مجموع دخلك وأنت نائب برلماني لمدة 156 شهرا. مرة أخرى، لم يسبق لليوسفي أن كان نائبا برلمانيا، وما أخذ يوما تعويضا من البرلمان ولا من مجالس منتخبة. وعليه، فشتان ما بين عبد الرحمان اليوسفي وعبد الإله بنكيران. سادسا، أنت أعلم الناس، سيد بنكيران، بأن الملعب فارغ، وأن خصومك أوهن من بيت العنكبوت. أليس أنت القائل: "إيلا غير هاد النوع ديال المعارضة غير تهناو.. راني غادي نربح الانتخابات الجاية بلا ما ندير حملة انتخابية". طبعا خلا لك الجو بعدما تم تجريف مختلف الإطارات والهيئات والإجهاز عليها وتحنيط النخب. خلا لك الجو وأصبحت وحيدا في الملعب حتى لقبوك ب"ميسي". كنت فنانا في قصف خصومك كلما أعوزتك الحجة، ومهاجما عنيفا كلما فشلت في تدبير مشاكل البلد وأدركت أن منصب رئيس الحكومة أكبر منك. كنت مراوغا بارعا يحتمي بالملك والمؤسسة الملكية كلما عجزت عن الإتيان بالإجابات وحاصرتك المشاكل الحقيقية التي تتطلب حنكة رجال دولة حقيقيين. سيدي، هل تعي حقا ما أصبحت تتفوه به؟ أليس في محيطك شخص عاقل؟ هل تعلم ما معنى أن تخرج للناس، في عز هذا البؤس العام، وتقول لهم إنك متقاعد بملايين السنتيمات؟ هل تعلم ما معنى أن يدرك الناس، الذين يقتطع لهم من أجورهم، أنهم يدفعون لك تعويضا سمينا شهريا دون الحديث عن امتياز طيلة السنة من العيد الأضحى حتى عيد الفطر..؟ هل فطنت إلى خطورة دفاعك عن ماء العينين ونزع حجابها وإجهاد نفسك أمام العالمين في استحلال ذلك؟ لا، سيدي الكريم، لقد جئت شيئا فريا وكفى تدليسا. بالمناسبة، والمناسبة شرط، ألست أنت القائل في قومك ذات نصر "اضمنوا لي أنفسكم أضمن لكم المستقبل". ها انتم تسقطون اتباعا أمام غواية وحلاوة السلطة والمال. سيدي، أحيطك علما أن الشعار نفسه رفعه عبد الرحمان اليوسفي في وجه رفاقه ذات نصر وتمكين، وخاب ظنه. فلا تقفز على الواقع والوقائع ولا تغالط الناس وتخلط الحابل بالنابل. لقد اندهشت كثيرا لما بلغني دفاعك الأعمى عن ماء العينين، وأخبرك بالمناسبة أن أي مواطن مغربي، كيفما كان، وكان عنده هاتف محمول، وشاهد ماء العينين في أي مكان عام دون "فولار" سيصورها وينشر صورها، كما سيفعل تماما مع أي أخت من حزبكم وجماعتكم. سيفعل الناس ذلك مع كل شخص من مرجعيتكم يدخل بارا أو مرقصا أو حتى يرقص في مهرجان "موازين"... أنتم من رسخ في الكثير من الناس ما تقول عنه مرجعيتكم. سي بنكيران، أذكرك بيوم هاجمت بعنف الأستاذ المحترم عبد العزيز أفتاتي، وكنت قد هددته بالطرد، وشنعت عليه في صفوف الناس لا لشيء سوى لأنه ينتقد عزيز اخنوش وطريقة تدبيره لمفاوضات تشكيل الحكومة معك. تعاملك مع أفتاتي مختلف تماما مع تعاملك مع ماء العينيين. زد على هذا، أنك استحدثت طريقة أقل ما يقال عنها إنها بغيضة في الحياة السياسية والحزبية المغربية، وتتجلى في هجومك على إخوانك، والانتقاص منهم، وازدرائهم، والاستهزاء بهم كلما خالفوك الرأي. هذا ما فعلته مع العثماني والرميد والخلفي والداودي، أما عزيز الرباح فقد أصبحت متخصصا في التهكم عليه وتسفيهه. كنت "مسموما" في تنحية خصومك وتصفيتهم وتأليب الرأي العام عليهم. هكذا، وبعد ما بلغ السيل الزبى قرّر إخوانك "التخلص" منك، ومن "شغبك" بالتي هي أحسن. وكم كان أملهم كبيرا يوم ذهبت معتكفا في مكة وأن تعي من تلقاء نفسك أن "وقتك سالا" والدوام لله تعالى، وأن الدولة (أي دولة) أسبق وأبقى من الأشخاص مهما كان مقامهم. واليوم، ها أنت تسرف في القول والتقول، حيث تبخّس نفسك ومكانتك وتحطّم باندفاع متهور وأنانية مرضية ما تبقى من مصداقيتك. فرجاء، سيد بنكيران، حافظ على ما بقي من رصيدك، وإن كان على قلته، ولا تبدده في اللغو والتدليس. سابعا، كل متتبع نزيه ومحايد سيؤاخذك على موقفك المتطرف من الأمازيغية والتهجم القصدي وغير المبرر على الأستاذ أحمد عصيد. طبعا، أنت مصر على تذكير القاصي والداني بأصولك الفاسية، وتستقوي بقبيلتك وعشيرتك وتجارتك للهجوم على الأستاذ أحمد عصيد، الذي لا يدافع عنه حزب ولا نقابة ولا فريق في البرلمان ولا إعلام. سيد بنكيران، إن الطريقة التي خاطبت بها الأستاذ أحمد عصيد لا تليق بك بتاتا، وهذا سيسجل عليك لا لك، والتاريخ كشاف. سيدي، لقد اكتشف الكثير من الأمازيغ أنك خدعتهم، بل وصلوا إلى قناعة أنك عنصري تجاه الأمازيغ والأمازيغية، وهذا ما أصبح حقيقة مؤسفة، مما أفقدك الكثير ثم الكثير. وما يقال عن الأمازيغية، يقال مثله عن موقفك من حركة 20 فبراير، حيث إنك تقوم بشيطنة هذه الحركة وشبابها. فهل سمعت أن 20 فبراير حملت السلاح حتى تحمي أنت الدولة منها؟ هل طالبت بإسقاط النظام، الذي تمن عليه اليوم، وتدعي ما ليس لك؟ إنه تحريف للتاريخ وللوقائع، وذاكرة الناس ليست قصيرة إلى هذا الحد، وكفى تمييعا وإسفافا. سي بنكيران، إن الدولة المغربية مدينة لشباب 20 فبراير، وأنت وحزبك كنتما ستكونان خارج التاريخ نهائيا لولا حركة 20 فبراير، التي دفعت إلى تجديد الدماء في شرايين الدولة المغربية، وصالحت الدولة مع المجتمع، وفتحت آفاقا للتغيير والتحديث، وهو ما يميّز المملكة المغربية اليوم. وعليه، فإني أتوسل إليك التوقف عن شيطنة الأمازيغ وشباب 20 فبراير. ثامنا، سي بنكيران، إن الذين يقدمونك للناس، اليوم، باعتبارك منقذ البشرية من الضلال، والمغرب من الخراب، كاذبون ومنافقون. وحتى النفر المتحلق حولك، إلى يومنا هذا، يسيئ إليك كثيرا، وإلى صورتك كلما أوهمك بأنك اليوم هو بنكيران 2011 حتى 2017. فشتان ما بين بنكيران رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وبين بنكيران اليوم الذي يلقي خطبه المنبرية في ركن من أركان بيته. إنك تكرر الكلام نفسه، وقد أصبح الكلام دون معنى، والأخطر من ذلك أنك تكشف للعالم أجمع انك أبعد الناس عن رجال الدولة. واهم، سيدي، من أخبرك، أو غرر بك، بأن حزبك لا يزال قويا ومتماسكا. واهم، سيدي، من أخبرك أن الشعب المغربي في عمومه لا يزال يدافع عنك، وعن تجربتك الحكومية. سيدي الفاضل، أن تعقد ندوة صحافية لتدافع فيها عن ملايينك، التي تأخذها من ضرائب البسطاء وتخبر الناس بأنك يوم كنت رئيسا للحكومة كانت وجبة الغداء تأتيك إلى مقر العمل مما تطبخه زوجتك، فهذا والله اسمه الهذيان وخريف العمر، وفي جملة "خربقتيها مزيان". اتق الله يا رجل، تصور معي لو أصبحت الإدارات المغربية تأتي ما فعلته؟؟ هل حقا أنت واع بما تقوله وأنت في مقام رئيس حكومة؟؟ أشك في ذلك.. أشك كثيرا. ختاما، أخبرك، سي بنكيران، بكامل الصدق والأمانة، أن شعبيتك تراجعت الى أقصى الحدود، فلا تبدّد ما تبقى منها ولا تكن مثل مارادونا، الذي هشّم بيديه كل ماضيه، وأصبحت الفضيحة تطارده في حله وترحاله. كما أحيطك علما أن شعبية حزبك في تدنٍّ متواصل، وأن فضيحة ماء العينين ومحمد يتيم وتقاعدك (الكريمة) بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس، واهتز لها من بقي من المغفلين. سي بنكيران المحترم، لقد صدمني كثيرا، مثلي مثل عموم المغاربة، سلوك ونفاق الكثير من أطر حزبكم، وإن كنت ما زلت أحافظ وأعتز بصداقات العديد من قيادات حزبكم. سي بنكيران، أرى أنك لم تستوعب بعد ما معنى واجب التحفظ، وخانتك صفات رجال الدولة، وأن المغاربة "عاقو بالطنز ديالك عليهوم". كما عليك أن تعلم علم اليقين بأنك أصبحت لاعبا خارج مربع اللعب، ولي اليقين المطلق بأنك لست على بينة من حقيقة الوضع في البلد، حيث انتشار الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، وكيف أن البلد في حاجة إلى خيرة أبنائه لانتشاله من هذا الوضع المنكوب، الذي كان لكم فيه نصيب وافر بسبب ارتجالية التسيير المستمرة إلى يومنا هذا. سي بنكيران، البلد في مواجهة تحديات خطيرة، داخليا وخارجيا، ولا أنت ولا حزبك قادران على طرح بدائل وتحصين البلد من الأمواج العاتية، بل أصبحتم، بكل صراحة، مشكلة عويصة، ولم تسعفكم ثقافتكم وتكوينكم في أن تكونوا جزءا من الحل. سي بنكيران، إذا كنت قد طلبت من حزبك أن يدفع لك تعويضا شهريا (نفقات الباب)؟؟؟ فاعلم أن عبد الرحمان اليوسفي لم يخطر له ذلك بباله بتاتا، حتى تتأكد للمرة الأخيرة من حقيقة الفرق الشاسع بينك وبين اليوسفي، ولا داعي لتلبيسه وزرك ووزر غيرك، وشرعنة الريع المفضوح. في هذا السياق أختم هده الرسالة بإخبار وطلب. أما الإخبار فإني أؤكد لك أن الانتخابات المقبلة لن يتسيّد فيها حزبك المشهد، ولن يحصد المقاعد الانتخابية نفسها، تشريعيا وجماعيا، فإذا كانت نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة فوق 50 في المائة، فاعلم أن المغاربة سيرجعونكم إلى بداية التسعينيات حين كنتم أقلية. وإذا لم تتجاوز النسبة عتبة 25 في المائة فإني أبشرك باستمرار حزبك في البقاء في الصدارة، ولكن دون تسيّد. إذن، لا داعي للكثير من الأوهام ولا داعي للجلبة. وأما الطلب، فإني أتمنى، ولي لك احترام، أن تستغل وقتك وإمكانياتك في كتابة "كتاب حياتك"، ففي تجربتك ومسارك الكثير والكثير مما يثير وينفع العباد والبلاد. سيدي الكريم، الكلام، كل الكلام، زائل وذاهب ولا يبقى إلا ما دوّن من الحروف. سي بنكيران، اُكتب، ثم اُكتب، ثم ُكتب، وكف عن اللغو، واتق الله في نفسك ومكانتك. نعم، أعرف أن الكتابة عمل صعب ومضنٍ وشاق، لكن حاول على الأقل، وإن لم تستطع ادفع بالتي هي أحسن ورتل القرآن ترتيلا. ففي ذلك عظيم الجزاء ومغفرة للذنوب، ما تقدم منها وما تأخر، ما ظهر منها وما بطن، والله تعالى لا يضيع أجر عباده. انتهى. *صحافي؛ كاتب ومحلل سياسي