محمد بوبكري، الغاضب، المنسحب من قيادة الاتحاد الاشتراكي، يقول في خصمه الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي «ما لم يقله مالك في الخمر»: إدريس لشكر مسخ هوية حزب المهدي بنبركة..ويمنع تخليد ذكرى الشهداء..واعتدى على الراحل جسوس في بيته..ويسعى إلى قطع أي علاقة بين الفدرالية الديمقراطية للشغل والكونفدرالية..وزوّر المؤتمر التاسع للحزب..وطعن رموز الحزب من الخلف وأبعدهم من قيادة الحزب... في هذا الحوار يرفض الوجه الاتحادي، المثير للجدل، أن يتحالف حزبه مع حزب الاستقلال، الذي يقول إنه لا يربطه به أي رابط، وأن زعيمه حميد شباط خصم «سبّاب» ولا يقرأ كتب مؤسس حزبه علال الفاسي. كما يصب بوبكري جام غضبه على حزب العدالة والتنمية، الذي قال إن قياداته كانت تكفّر الاتحاديين وشهداءهم، وأن الحزب الإسلامي يشتغل بمرجعية ليبرالية متوحشة تعمل على إقصاء الضعفاء. - ماذا يحدث بالضبط داخل الاتحاد الاشتراكي؟ ما يحدث هو رجة تروم تصحيح الأوضاع داخل الحزب، بعد أن أحس الاتحاديون بأن حزبهم في خطر، وأن كاتبهم الأول لا يمتلك مشروعا، ولا يطرح الأسئلة التي ينبغي طرحها في هذه المرحلة، ولا يقدم أجوبة عما يجري الآن، فالكاتب الأول يشتغل في إطار مشروع آخر لا علاقة له بالمشروع الاتحادي، ويصادر حرية تعبير الاتحاديين. إنه رجل يعاني من انغلاق ثقافي كبير ولا يمتلك أي مشروع مجتمعي أو فكري أو سياسي. - هل إدريس لشكر يشتغل في إطار مشروع آخر لا علاقة له بالمشروع الاتحادي، أم لا يمتلك أي مشروع مجتمعي أو فكري أو سياسي؟ عندما يأتي لشكر ويضرب ذاكرة الاتحاد الاشتراكي ويمسخ هويته ولا يريد للاتحاديين أن يتحدثوا حتى عن شهداء الاتحاد الاشتراكي... - سق لي أمثلة عن ذلك؟ على سبيل المثال، كنا نحيي ذكرى الشهداء، كل على حدة، فنظم لشكر يوما للشهداء أطلق عليه يوم الوفاء و«خلط كل شي». - أين يكمن المشكل إذا كان لشكر يريد تأسيس حزب واقعي، ويخفض منسوب النوسطالجيا داخل الاتحاد الاشتراكي؟ عملية التمييع هاته فيها نوع من ضرب التواريخ والأحداث والفضاءات والأفكار، والغاية منها إغلاق ملفات. وحتى زيارة قبر سي عبد الرحيم السنوية لم يقم بها، ليس نسيانا منه، بل لأنه يريد للذاكرة الاتحادية أن تنمحي. - هل تقصد بقولك «إغلاق ملفات» ملف المهدي بنبركة؟ نعم. - كيف؟ عندما لا يحيي لشكر ذكرى شهداء الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فهو يعمل تدريجيا على محوهم من ذاكرة الأجيال، وهذا الأسلوب هو نفسه الذي يقوم به الإسرائيليون لمحو الذاكرة الفلسطينية. لقد رفض لشكر إحياء ذكرى الشهيد عمر بنجلون، وعندما بادر الإخوان في فاس إلى إحيائها اتصل بهم محتجا. كما اتصل بكل الفروع يحذرها من إحياء ذكرى الشهيد عمر. إن المشروع المجتمعي والفكري والسياسي لإدريس لشكر يقوم على رفضه شهداء الحزب ومثقفيه، لأنه لا يريد سوى المخازنية، وهو لا يتحرج في قول ذلك علانية. الأموي يعرف تحايل لشكر - هل قال لشكر، بحضورك، إنه لا يريد سوى المخازنية بجانبه؟ نعم، قالها لأقرب مقربيه. - هل قال ذلك بحضورك؟ نعم، سمعته مرارا يردد ذلك. ويقول إنه لا يريد الأفكار. وعندما قال له الاتحاديون يجب أن تعارض بالأفكار والبدائل، أجابهم: «واش غادي نقدم مقترحات تنقلها مني الحكومة؟»، متجاهلا أو جاهلا أن الاتحاد الاشتراكي له مرجعية اشتراكية ديمقراطية، بينما الحكومة الحالية تشتغل بالمرجعية الليبرالية المتوحشة لصندوق النقد الدولي. بإمكاننا أن ننتقد ونقترح، لكن لشكر لا يريد أن يقترح على الحكومة، لأنه، نفسه، لا يؤمن بما هو اجتماعي، بل جاء لضرب روح البعد الاجتماعي للاتحاد الاشتراكي، الأمر الذي جعله يمسخ الحزب. وحتى في علاقته بالنقابات أراد أن يخلق بلبلة لنسف الحقل النقابي والأذرع الاجتماعية للاتحاد الاشتراكي. - تقصد قبل المؤتمر الأخير للحزب، عندما ارتبط اسم لشكر بالخلافات التي كانت داخل نقابة الفدرالية الديمقراطية للشغل؟ قبل المؤتمر كان لشكر منخرطا في عملية نسف الفدرالية الديمقراطية للشغل، لكنه بعد ذلك حاول فعل الشيء نفسه بين النقابات لتدمير كل إمكانية للمقاومة الاجتماعية. - سق لنا مثالا دقيقا عن ذلك؟ المشكل الذي خلقه في الفدرالية الديمقراطية للشغل كان أساسا لقطع كل علاقة لها بالكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وبباقي المكونات النقابية الأخرى. - ألهذا السبب رفض نوبير الأموي لقاء لشكر بعدما أصبح كاتبا أول وصرح ل«المساء» بأن «ما وقع من طبخ للمؤتمر التاسع للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية جعل موقفنا محددا مسبقا في عدم الجلوس مع القيادة الاتحادية»؟ لا يمكنني أن أتكلم باسم الأخ محمد الأموي، لكنه يعرف لشكر، ويعرف بأنه رجل يمكن أن يتحايل عليه. - حينما رفض الأموي لقاء القيادة الاتحادية الجديدة كنت لا تزال على توافق مع لشكر وتحضر اجتماعات المكتب السياسي. لا. أنا جمدت عضويتي في المكتب السياسي في الاجتماع الرابع للمكتب السياسي، أي بعد حوالي شهر من تشكيله. لقد حضرت ثلاثة اجتماعات للمكتب السياسي، وفي الرابع انسحبت من قلب الاجتماع. أعترف.. تعاقدت مع لشكر على أسماء للجنة الإدارية - بعد التصريحات التي أعطاها عبد العالي دومو وعلي اليازغي ل«المساء» في التحقيق الذي أنجزته حول «التزوير» في مؤتمر الاتحاد الاشتراكي، طالبت بطردهما من الحزب... أنا؟! - نعم. الموالون لإدريس لشكر يقولون إن هذه هي بداية خلافاتك معه، لأن الكاتب الأول رفض الاستجابة لمطلبك بطرد دومو واليازغي. اسأل الزايدي ودومو وعلي اليازغي. المشكل بيني وبين لشكر أنه عندما انتهى المؤتمر وذهب هؤلاء إليه ليقولوا له إنك لم تحترم التوافق الذي كان بينك وبيننا أجابهم قائلا: «بوبكري اللي دار المؤتمر، وبوبكري اللي دار الجهاز ماشي أنا. مشكلتي الكبيرة مع بوبكري هي التي خلقت مشاكلي معكم، أما أنا فمنفتح». عملية الكيل بمكيالين عند لشكر ذهبت ضحيتها أنا الآخر. - كيف ذلك؟ هذا سأقوله لأول مرة. لقد ذبح لشكر أصدقائي، ومنعهم من الوصول إلى اللجنة الإدارية للحزب. - هل يمكن أن توضح أكثر؟ عندما أصبح لشكر كاتبا أول بدأ يقدم لوائح علنية وأخرى سرية. لوائح سرية للذبح، واللوائح العلنية يريد أن يمرر عبرها خطاب: «أنا مزيان مع الجميع». - من هم أصدقاؤك الذين «ذبحهم» لشكر؟ كثيرون. لا يسمح الوقت هنا كي آتي على ذكرهم جميعا. هم أصدقاء تجمعني بهم علاقات وتقاربات فكرية، ومنهم من هو أفضل مني، كما أن من بينهم من له تاريخ نضالي كبير، ومنهم أساتذتي في السياسة. هؤلاء تعاقدت مع لشكر على أن يمروا إلى اللجنة الإدارية، لكن عندما ظهرت النتائج عرفت أنه طعنني في الخلف. وهذه مؤامرة دبرها ضدي شخصيا. - لنعد إلى الاتهام الموجه إليك بأنك كنت ضد وصول أعضاء من تيار الزايدي إلى المكتب السياسي وباقي الأجهزة. كيف تنفي ذلك؟ عندما اقترح لشكر أن يكون الزايدي ودومو وعلي اليازغي وعائشة كلاع وآخرون في المكتب السياسي كان قد أعد لوائح موازية ليذبحهم بها. - هل أطلعك على هذه اللوائح؟ لا، لم يحصل. لقد أعطاها لأتباعه وللذين لهم مصالح مرتبطة به، لكي يقوموا بحملة مضادة. - كيف؟ مثلا، كان يخبر أحدا بأنه رشحه، لكنه بالمقابل يصدر توجيهاته إلى سبعة أقاليم أو ثمانية بعدم التصويت عليه. أنا حينها لم يكن لي علم بهذه الدسائس، بدليل أنني عندما جمدت عضويتي في المكتب السياسي لم يتبعني أحد، فلو كان المكتب السياسي أو باقي الأجهزة الحزبية من صنعي وتأتمر بأمري لجمّد أعضاؤها عضوياتهم أيضا تضامنا معي. أكثر من هذا، لشكر يكذب ويقول للناس إنني كنت أريد أن أكون نائبا له. فلماذا إذن لم يعين نائبا له، رغم طول المدة التي جمدت فيها عضويتي بالمكتب السياسي؟! لقد كان لشكر يقول لأصدقائه: بوبكري شر لا بد منه، وهذا الأمر أخبرني به العديدون، من بينهم أحد أعضاء المكتب السياسي، الذي أكد لي ذلك بعد أن اعتدى عليه لشكر. - من هو هذا العضو الذي اعتدى عليه لشكر؟ لن أخبرك باسمه، وما إن كان ذكرا أم أنثى. - كيف اعتدى عليه لشكر أو اعتدى عليها؟ لقد عبر عن رأي، فلم يرق ذلك لإدريس لشكر فنهره أو نهرها. - وما هي الملاحظات التي كانت لك على فتح الله ولعلو والحبيب المالكي وأحمد الزايدي، حتى اخترت الانحياز إلى إدريس لشكر خلال المؤتمر الأخير للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية؟ أولا، هناك عامل التقارب. فأنا أعرف لشكر مدة 34 سنة، وقد حدثت قطائع بيننا، أصبحت معها مدركا بأنه لا يمكن أن أتفاهم مع هذا الرجل. لكن قبل انعقاد المؤتمر ب15 يوما وقعت تدخلات للجمع بيني وبينه. - من تدخل للتقريب بينكما؟ وفود من سوس والشمال، ولن أذكر الأسماء. لقد كانت نيتي أن أحضر الجلسة الافتتاحية للمؤتمر وأنسحب. لكن بعد التدخلات قلت: هذا أصغر المرشحين سنا، وقد عاشرته لمدة 34 سنة، ويمكن أن نؤثر فيه ونضبطه في الاتجاه الذي سيختاره المؤتمر. لكنه انقلب رأسا على عقب. - يعني أن ولعلو والمالكي والزايدي لا يمكن التحكم فيهم وضبطهم؟ أخلاقيا، كل الاتحاديين، بالنسبة إلي، على قدم المساواة، لكنني قلت إن لشكر هو الأقرب إلي، ويمكنني أن أؤثر فيه، لكنني كنت مخطئا في اختياري. لذلك لا مشكل لي في أن أعترف بأخطائي لكي أتطور. - في سنة 2011، وخلال احتجاجك على عبد الواحد الراضي، قلت إن «قيادة الحزب لها التزامات سرية مع السلطة»، وشرحت ذلك أكثر في أحد تصريحاتك، إذ قلت: «في 1978 كنا نقول إن الدولة طرف في الصراع، واليوم يجب أن نقول إن الدولة أصبحت طرفا داخل الأحزاب، بعدما استولت على أغلبية الأحزاب». لماذا عدت توافق على الدخول إلى قيادة الحزب، رغم أن الكل كان يقدم دلائل على تدخل السلطة لإقرار لشكر على رأس الاتحاد؟ هذه ظاهرة حقيقية، انظر كيف نزل المستوى الثقافي والفكري للزعامات الحزبية الحالية إلى الحضيض. لا وجود داخل الأحزاب السياسية، الآن، لشخص مثل عبد الرحيم بوعبيد أو مثل علال الفاسي، رحمهما الله. فيما مضى كنا، كحزب، نصارع السلطة وخصوم مشروعنا. لكن الزعامة الحالية، الآن، تصارع الاتحاديين وتحرّف الحزب عن اختياراته. لذلك فخصوم مشروعنا مرتاحون. الأكيد أن هناك أياد خفية، لا أستطيع تحديدها، هي التي جعلت الحزب في هذا الوضع. لكن لشكر يفتح لها الطريق، كما يفسحه أمام أناس لا علاقة لهم بالحزب ولا يربط بينهم أي فكر، بقدر ما تجمعهم المصالح. كل الأحزاب توجد فيها أيادي خارجية - كنت في المكتب السياسي رفقة لشكر، وقبلت أن تجلس مع أناس لا علاقة لهم بالاتحاد الاشتراكي، ومع قياديين لم يستوفوا شروط الصعود إلى المكتب السياسي مثل رقية الدرهم وعبد الوهاب بلفقيه وعدد كبير في اللجنة الإدارية. أنا ضد هذا، ولكن فيما يخص الصحراء، نحن نتعامل مع أعضائها بنوع من التسامح لأن الغرض هو أن ننتشر في تلك المنطقة، والكل متفق على ذلك بوازع وطني. - ألا يوجد مناضلون اتحاديون في الصحراء؟ لا نتوفر عليهم. تلك المنطقة كانت محرمة على الأحزاب، ونحن الآن نحاول أن نتجذر فيها، شأننا في ذلك شأن باقي الأحزاب. - لكنك أيضا تواجدت إلى جانب العديد من أعضاء اللجنة الإدارية القادمين من أحزاب أخرى، دون أن يستوفوا شروط الوصول إلى هذا الجهاز التقريري؟ إذا كان ذلك صحيحا فهذا خرق. أنا ألح على الجانب الفكري. - التنظيم هو حاضنة الفكر، وإذا كانت الهياكل مزورة أو مختلة سيكون المشروع الفكري والسياسي مختلا. الفكر هو الذي يخلق التنظيم ويعطيه معنى. الآن لشكر بصدد خلق حزب جديد لا علاقة له بالاتحاد الاشتراكي. - بعد المؤتمر الأخير صرح عدد من رموز الحزب ل«المساء» بأن الدولة تدخلت لترجيح كفة لشكر ومن معه، وأنت ضمنهم. كما نشرت الجريدة ما حصلت عليه من وثائق تثبت تزوير المؤتمر. لكنك كنت من جملة من نددوا بما قامت به «المساء». لا يوجد حزب في المغرب لا توجد به أياد خارجية تشتغل في داخله. - بما في ذلك العدالة والتنمية؟ نعم. - والحزب الاشتراكي الموحد؟ كل الأحزاب متحكم فيها، الاختلاف يكمن فقط في النسب، فهناك المتحكم فيه بكثافة، وهناك من لا يفعل إلا ما يقال له، وهناك من يتظاهر بفعل غير ما يقال له وهو يفعل ما يقال له. أرفض الأعيان الوسخين - لما قبلت بهذا عندما كنت في وئام مع لشكر؟ لم أقبل به، ولم أمارسه. - لكنك على الأقل صمتت عنه. أنا قلت ذلك قبل أن يحدث. هناك ظواهر لا يمكن أن تواجهها بمجرد التحدث عنها. لقد كان من حقي أن أتريث وأجمع ما يكفي من المعطيات وأتأكد من افتراضاتي. - الآن تأكدت بأن المؤتمر الأخير للاتحاد الاشتراكي كان مزورا ومتحكما فيه من قبل جهات خارجية؟ أنا الآن أتحدث عن شيء أخطر من التزوير والتدخل الذي خلصتَ إليه، أنت، في التحقيق الصحفي الذي سبق أن أنجزته. هناك ضرب ومسخ لهوية الحزب، ومحاولة لتأسيس حزب جديد لا علاقة له بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. - الأمور بخواتمها، فعندما تقبل بمؤتمر فيه تزوير لإرادة الاتحاديين، وفيه تدخل واضح لجهات خارجية، فإن نتيجة ذلك هي حزب لا علاقة له بإرادة الاتحاديين. صحيح، فبعد أن وقفت على العديد من المعطيات، خلصت إلى أن هناك شيئا غير عادي داخل الاتحاد الاشتراكي. لقد تحدثت في تحقيقك عن التزوير والتدخل، لذا كان علي أن آخذ وقتا للتأكد منه. - وهل تأكدت منه الآن؟ أنا لم أتأكد مما حدث في المؤتمر فحسب، بل تأكدت من أن الزعامة الجديدة تشوه فكر الحزب، وهذا أخطر. - أن نغض الطرف عن التزوير، ونحتج على الأداء، هو موقف يعوزه الانسجام. يمكن لإدريس لشكر أن يبرر برنامج عمله وتصوره للاتحاد الاشتراكي وما يخطط له وما يصدر عنه من مواقف بأنه اختيار جديد، لكن عندما نتحدث عن تدخلات خارجية وتزوير لإرادة الاتحاديين، ونقدم قرائن على ذلك، فهذا أمر لا يستقيم تبريره. ما يقوم به لشكر ليس اختيارا جديدا. هناك، الآن، قرائن أكثر من السابق، حيث سعى إلى تأسيس حزب جديد يضم الأعيان الوسخين، الذين دخلوا إلى الاتحاد الاشتراكي للاستفادة المالية «وإيلا معطيتيهومش فلوس ما يتحركوش». - وأنت قبلت أن تكون مع هؤلاء الأعيان الوسخين. (منفعلا) أنا؟ أنا لم أكن معهم يا أخي. إذا كان هناك أحد أدخل مصطلح الأعيان إلى الصحافة فهو أنا. - «كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون». أنت أدخلت، نظريا، مصطلح الأعيان إلى الصحافة، ثم قبلت بالتواجد معهم تنظيميا؟ لا، «ماتواجدتش معاهم أسيدي، ومكنتفاهمش معاهم». هم يعرفون أنني أفكر بطريقة لا علاقة لها بالأعيان الوسخين، وأنا، هنا، لا أتحدث عن أناس «مسّك عليهم الله» ويريدون الديمقراطية، ولهم في تفكيرهم السياسي بعد اجتماعي، بل أتحدث عن الأعيان الوسخين. - وماذا عن تزوير إرادة الاتحاديين؟ هناك من المناضلين من أخبرني مؤخرا بأنه رأى مؤتمرين محسوبين على لشكر يضيفون أوراقا في صناديق الاقتراع. - وصمتوا عن ذلك؟ الظروف لم تكن تسمح لهم وقتها بالجهر بالأمر، والآن هم يفصحون عن ذلك دون تحفظ. - لنتوقف عن سلخ الجلد. ألا ترى أن ما يعرفه الاتحاد الاشتراكي هو واقع حال كل الأحزاب الاشتراكية التي وجدت نفسها أمام فشل مشروعها، وعوض أن تتقدم بنقد جذري تفكيكي، دخلت في صراعات شخصية يحاول كل طرف فيها أن يجعل الحزب يموت بين يدي الآخر؟ نعم الأزمة هيكلية، لكن لا محيد لنا عن قراءتها في خطاب الأفراد وسلوكاتهم. الآن إذا قلنا إن الأحزاب الاشتراكية العربية في أزمة، فماذا عسانا نقول عن الأحزاب التي حكمت طيلة عقود في البلدان العربية؟ صحيح، الأحزاب الاشتراكية لها أزمتها، كما هو شأن الأحزاب الليبرالية، مع أنني أصبحت في الأصل أتحفظ على استعمال كلمة حزب أثناء الحديث عن الواقع السياسي العربي. هناك فقط ظواهر سياسية. الخلاصة هي أن ضعف الحقل السياسي وهشاشته موجودان في الأحزاب السياسية، اشتراكية كانت أم غير اشتراكية. المشكل أن هذه الأحزاب لا تفكر فيما تقوله وتفعله، ولا تحاول مواكبة التحولات، ولم تحدث قطيعة مع ذاتها لكي تتقدم، بل لم تستلهم بعد فكر الأنوار. - على ذكر فكر الأنوار، تلمّح قيادة الاتحاد الاشتراكي، الآن، إلى إمكانية تأسيس كتلة حداثية مع حزب الأصالة والمعاصرة . كيف عشت هذا النقاش الذي ظهرت بوادره وأنت لا تزال في المكتب السياسي؟ ما يقوم به لشكر من تحالفات لا يتفق معه الاتحاديون فيها، لأنه لم يكن هناك من نقاش حولها في الحزب. - النقاش يجب أن يكون فقط عن التحالف مع الأصالة والمعاصرة، لأن حزب الاستقلال حليف قديم لكم؟ لا، «اسمح ليَ». حزب الاستقلال الحالي لا يجمعني به أي شيء، كما لا يجمعني بحميد شباط أي شيء. شباط خصم. كيف أجتمع مع شخص يسبني؟! - تقصد كان عليه أن يعتذر عن وصفه للمهدي بنبركة بالقاتل؟ التوجه الفكري لشباط لا حداثة فيه ولا أي شيء. - لكن حزب الاستقلال وزعيمه علال الفاسي لم يقولا يوما إن هذا الحزب حداثي. شباط لم يقرأ علال الفاسي، شأنه شأن إدريس لشكر. هذان يسيران حزبيهما بالزبناء والأتباع، وبفكر القبيلة والطائفة. حزب بالمفهوم الحداثي غير متوفر الآن في المغرب. لذلك أدق ناقوس الخطر، وأقول لمن يعنيه الأمر إن الفراغ والتجهيل، اللذين يعرفهما الحقل الحزبي، يضران بالوطن وبالدولة والمجتمع، ويهددان الوحدة الوطنية، ويرسخان الهياكل التقليدية القبلية والطائفية. - من وجهة نظرك، مع من يمكن أن يتحالف الاتحاد الاشتراكي مستقبلا؟ وعلى أي أساس؟ الآن، أنا لا أفكر إلا في إنقاذ وتحديث حزبي. «منين تيدخل عليك الما» لا تفكر إلا في نفسك. مسألة التحالفات ليست أولوية بالنسبة لي، لكن هذا لا يمنع من الانفتاح على اليسار الواضح. - تقصد الحزب الاشتراكي الموحد؟ نعم، وغيره من الأحزاب اليسارية الصغيرة، التي أرى أنه من الضروري أن تنصهر في حزب اشتراكي كبير. - لقد قام لشكر بذلك وفتح باب الحزب أمام حزب عبد المجيد بوزوبع، وحزب عبد الكريم بنعتيق. أنا غير متفق مع مسطرة عودة هؤلاء الإخوان إلى الحزب. كان يجب تهييء شروط عودتهم. عندما تكون لديك مشاكل في منزلك لا تستدعي إليه ضيوفا ولو كانوا من أقاربك. لشكر أتى بهؤلاء ليس من أجل اندماج اليسار، بل للاستقواء بهم. - وكيف قبلوا أن يلعبوا هذا الدور؟ منهم من يعي مخطط لشكر، ومنهم من لم يكن يعرف وضع الحزب وعندما وجد نفسه أمام المشكل لم يرد أن ينحشر فيه. - تقصد بالذي لم يرد الانحشار في مشاكل الحزب عبد المجيد بوزوبع؟ بوزوبع ومن معه جاؤوا فعلا للاشتغال، لكنهم لم يجدوا الظروف متوفرة، لذلك هم واقفون الآن «يتأملون»، ولا يريدون أن يتم توظيفهم ضد إخوان لهم داخل الحزب. - هذا يعني أن عبد الكريم بنعتيق قبِل أن يلعب هذا الدور؟ أنا لا أريد أن أسمي أحدا. لكن أن تأتيني بأحدهم لكي تستقوي به على الاتحاديين، فهذا لن يرحب به الاتحاديون. - كم مرة التقيت رفقة إدريس لشكر بإلياس العمري؟ (منفعلا) «أنا معمرني جلست مع شي واحد من السلطة..نهائيا». - هذا شخص ليس في السلطة، بل قيادي في حزب؟ لم أجلس معه سواء كان في حزب أو في السلطة. الأحزاب لا تختار وزراءها - سبق لك أن خرجت ضد لشكر عندما أصبح وزيرا للعلاقات مع البرلمان في 2009؟ أنا كنت في قطيعة معه حينها، لأنه كان مع البقاء في حكومة عباس الفاسي، وأنا كنت ضد البقاء فيها. - إدريس لشكر كان، بالعكس، ضد البقاء في حكومة الفاسي، بل كان ينادي بضرورة تأسيس «جبهة وطنية ديمقراطية» تجمع الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية للتصدي للأصالة والمعاصرة، قبل أن ينقلب ب180 درجة ويظهر وزيرا في الحكومة. تلك كانت مجرد مناورات لا علاقة لها بحقيقته. وأترك للقراء أن يتأملوا تقلبات سي ادريس حسب تقلبات الأحوال والظروف - ولكن، «الراس اللي ما تدور كدية». «اسمح لي». يجب على الإنسان أن يحترم قيمه. عندما نغير المبادئ والقيم ف«الكدية» تصبح هي ذلك التغير. من الممكن أن أغير تحالفاتي وأعللها، على أساس أن تكون خاضعة لقيمي وتخدم مشروعي، أما أن أغير مواقعي بدون وضوح أو تفسير فالهدف حينها يكون شخصيا. - مؤخرا تحدث البعض عن كون استوزار لشكر في 1999 كان وراءه حزب الأصالة والمعاصرة، الذي كان حزبا في المعارضة. ما يمكنني قوله هو أن الأحزاب لا تفرض وزراءها، وفي بعض الأحيان لا تقترحهم. الفصل في الوزراء يرجع إلى جهات في السلطة. هذه قاعدة مغربية أستثني منها حكومة سي عبد الرحمان اليوسفي. - ولكن لشكر سبق أن اقترحك على اليازغي لتكون وزيرا. هذا لم يحدث، ولم يسبق أن كان لي طموح في أن أكون وزيرا. أنا مناضل بسيط يشتغل في التعليم ويجد متعة في ذلك، كما يجدها في القراءة. - هل كنت في 1999 مع فكرة تأسيس «جبهة وطنية ديمقراطية» بين الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية للتصدي لزحف حزب الأصالة والمعاصرة على الحياة السياسية؟ في تلك المرحلة كنت ضد وجود الحزب في الحكومة، وكنت ضد ممارسة العنف من طرف أي حزب كان، كما كنت ضد الفكر الشمولي الذي يحمله أي حزب. - من كان يمارس العنف حينها؟ أنا أقصد العنف الفكري الذي كفّرنا وكفّر شهداءنا. - من كفّركم؟ الجماعات الإسلامية. - أنا أسألك عن العدالة والتنمية بالتحديد. العدالة والتنمية جزء من هؤلاء. - العدالة والتنمية كفّر شهداء الاتحاد الاشتراكي؟ كان مناهضا لفكرنا. - هذا مطلوب في إطار التنافس والتدافع. لا. العدالة والتنمية كان يذهب إلى حدود التكفير. - قدم لي دليلا على ذلك؟ أنا لا أتحدث عن الفترة الحالية. - تقصد مواقف بعض الإسلاميين قبل أن يكون هناك حزب اسمه العدالة والتنمية؟ بعد أن أصبح العدالة والتنمية صار أعضاؤه يقولون عنا في سرهم ما لا يعلنونه، وقد كان لنا أصدقاء في هذا الحزب وعبرهم كان يصلنا بأن قياديين منهم يعتبرونا خارج الإسلام، ولا يقبلون اختياراتنا. إذا كان هذا الحزب لا يقبل التعدد فكيف يمكن أن نتحالف معه؟ حكومة بنكيران «ليبيرالية متوحشة» - قبل لحظات قلت لي إن حكومة بنكيران تشتغل بالمرجعية الليبرالية المتوحشة لصندوق النقد الدولي. أين يتجلى ذلك؟ في اختياراتها اللا شعبية المتمثلة في رفع الأسعار، إقصاء الضعفاء، ضرب صندوق المقاصة، والإجهاز على التقاعد، إلى غير ذلك من الاختيارات المفروضة عليها من صندوق النقد الولي ومن خارجها. - لكن حتى حكومة الاتحاد الاشتراكي كانت تطبق السياسات المالية للمؤسسات الدولية. أنا لا أدافع سوى عن حكومة سي عبد الرحمان. - وأنا أقصد بالتحديد حكومة عبد الرحمان اليوسفي. حكومة سي عبد الرحمان أنجزت ، على المستوى الاجتماعي، الكثير في التعليم والصحة والطرق، ووفرت الماء والكهرباء للعالم القروي، وقد استفاد المغاربة كثيرا منها. صحيح أن الحكومة لم تحل كل المشاكل، لكن كان هناك تحول، وحتى عندما غادرت تركت رصيدا ماليا مهما في الخزينة المغربية. اسأل المواطن عن تلك الحكومة. - بل سأسألك أنت، الذي كانت لك مواقف قاسية من عبد الرحمان اليوسفي، وكنت تصفه ب«المجاهد فينا»؟ حاشا أن أقول مثل هذا الكلام عن سي عبد الرحمان. التاريخ يحترم السي عبد الرحمان ولست أنا فقط. - لكنك انتقدته بحدة. «معلوم». انتقدته في أشياء كثيرة: على المستوى التنظيمي، وعلى مستوى تدبير العديد من الملفات. يا سيدي النقد مهم بالنسبة لمن يدبر الشأن العام. الديمقراطية أفق مفتوح، والسياسي لا يمكن أن يجيب عن كافة الأسئلة، وأنا طموحاتي كانت كبيرة، وكنت أعترض، واعتراضاتي تفترضها الديمقراطية. قد أكون على ضلال فيما أقوله، لكن يجب أن أقول ذلك، ويجب أن ينصت إلي من يوجد في موقع المسؤولية. أحيانا قد أتجاوز حدود اللياقة، وعليه أن يقبل بذلك، ويجيب عن الأسئلة المطروحة عليه. ما أعيبه على إدريس لشكر هو أنه لا يجيب عن الأسئلة إلا بقطع الرؤوس. - وعبد الرحمان اليوسفي بدوره لم يكن يجيب عن الأسئلة، وقال لمعارضيه: أرض الله واسعة. هناك فرق. لشكر قاطع رؤوس ويريد أن يمارس الطرد، حيث نصب نفسه قاضيا ويريد أن يحاكم المناضلين في مكتبه. لكن السي عبد الرحمان اليوسفي والكتاب الأولين السابقين لم يحاكموا أحدا ولم يطردوا أحدا، وكانوا يقدمون أجوبة، وإذا لم يستطيعوا يخبرونك بذلك، وإذا قدمت لهم جوابا يقولون لك: نتفق معه، لكننا لا نتوفر على شروط تطبيقه. كل ذلك في إطار من الوضوح. لكن المكتب السياسي الحالي لا يناقش السياسة، لأنه عبارة عن ديوان يحل المشاكل التنظيمية التي يخلقها لشكر. - كنت متفقا مع إدريس لشكر في الدفاع عن خالد عليوة، في الوقت الذي رفض قطاع واسع من الاتحاديين ذلك، بمبرر أن عليوة متابع في قضية من قضايا المال العام؟ أنا أتبرأ حتى من ابني إذا تطاول على المال العام. أنا كنت أطالب فقط بأن تضمن لعليوة شروط المحاكمة العادلة. - ألم تكن مع التدخل السياسي لفائدته؟ أنا أرفض التدخل السياسي في القضاء. - ألم يتدخل إدريس لشكر سياسيا لصالح خالد عليوة؟ «ماعرفتش». أنا رجل لا يفهم في المحاكم شيئا، أما المال العام فلا أقبل أن يمسه أحد. لشكر اعتدى على جسوس في بيته - أثار غياب إدريس لشكر عن جنازة القيادي الاتحادي الراحل محمد جسوس الكثير من الكلام. إدريس لشكر اعتدى على سي محمد جسوس. - قيد حياته؟ نعم، فعندما ظهرت علامات التعب على سي محمد جسوس، بدأ طلبته في كافة المدن يكرمونه، اعترافا بما قدمه الرجل في مجال العلم والسياسة والأخلاق. في إحدى المرات بادر ثلة من أصدقائه في الرباط، منهم الراحل الفلسطيني واصف منصور، إلى تكريمه، وحين بلغ الخبر إدريس لشكر أرغى وأزبد واعتبر التكريم ضده، وجاء إلى سي محمد جسوس يقول له ذلك، فطالبه سي محمد بهدوء أن يظهر له ذلك، مؤكدا أن الكلمات التي ستلقى في الحفل ستكون ذات بعد إنساني، ولا علاقة لها بالحزبية، فقال له لشكر: لم يتم استدعائي، فأجابه سي محمد أنه لم يستدع أحدا، وقال له أن يعتبر نفسه على رأس المدعوين. لكن لشكر أصر على أن التكريم سيوظف ضده، واقترح مقابل إلغائه أن ينظم هو تكريما كبيرا لجسوس. لكن سي محمد تشبث بمبادرة أصدقائه، ففوجئ بإدريس لشكر يخاطبه بلهجة حادة: «داك النشاط مبغيتوش يكون»، ثم طفق يهدد جسوس في منزله: «أنا غادي نجيّش الناس ضد داك النشاط». فأجابه سي محمد قائلا: «اسمع يا إدريس أنت ابن عاق. جسوس لم يسبق أن فرض عليه أحد شيئا. افعل ما تشاء». - من حكى لك هذه الواقعة؟ أتحفظ عن ذكر الأسماء، لكن هذه الواقعة يعرفها الكثير من الاتحاديين. المهم هو أنه بعد يومين أو ثلاثة كان هناك وفد فلسطيني يزور قيادات الأحزاب، وكان ضمنه الراحل واصف منصور. وعندما انتهى اللقاء اختلى لشكر بواصف وقال له: «التكريم الذي ستقومون به لجسوس موجه ضدي»، فأجابه واصف منصور: «أنت نهرت سي محمد في منزله وهو مريض، وهددته بأن تجيّش الناس ضد تكريمه، فهل نحن نحتل أرضا لك حتى تجيّش الناس ضدنا؟» وتركه. في النهاية قرر لشكر عدم الحضور إلى التكريم، وعقد بدل ذلك اجتماعا للمكتب السياسي ليمنع أعضاءه من الحضور، فكنت أنا الوحيد من أعضاء المكتب السياسي، الذي حضر ذلك التكريم البسيط، والذي غصت فيه القاعة وجنباتها بالحضور. هذا هو السبب الذي جعل الاتحاديين يرفضون أن يؤبن لشكر أي واحد منهم. - هناك من ربط غياب إدريس لشكر عن جنازة محمد جسوس بمبرر حضور نشاط حزبي في إسبانيا، مجرد هروب من هذا الجفاء الجنائزي الذي أصبح بعض الاتحاديين يقابلونه به. ما صحة ذلك؟ وأي لقاء هذا! ذهب للاجتماع بالحزب الوطني الباسكي، وهو حزب انفصالي، يمثل الجناح السياسي لمنظمة «إيتا». كيف يمكن أن تقنع انفصاليا بفكرك الوحدوي؟ كيف؟ بعد ذلك عاد يقول: لقد لينتُ موقفهم. كيف يمكنه تليين موقف انفصاليين؟! الخطورة الكامنة في هذا اللقاء، والتي لا يعيها لشكر، هو أنه قد يخلق مشاكل مع الإسبان، من شأنها أن تمس المصالح الاقتصادية والسياسية للمغرب. لقد اعتدى على الإسبان. لست أدري بأي إطار مرجعي يفكر هذا الرجل؟