يعتبر العمل السياسي الممارس من داخل المنظومة الحزبية بمثابة العمود الفقري لمواصلة بناء الصرح الديمقراطي للدولة والمواطن، أمر تمخضت عنه مجموعة من التجارب الدولية والتي قطعت أشواطا جد متقدمة في تكريس الحقوق والواجبات على أرض الواقع. لا يمكن تصور العمل السياسي بدون الفاعل السياسي، ذلك أن وجود أحديهما مشروط بوجود الاخر، وبالتالي فالفاعل السياسي يمكننا تسميته في هذا المقال بالمناضل الحزبي ، صفة يكتسبها المواطن بعد انخراطه في العمل الحزبي وممارسته للعمل السياسي، وذلك من خلال تدرجه في دواليب الحزب الذي اختار الانتماء إليه ، الأمر الذي سيؤدي به لامحالة إلى الانخراط المباشر في عملية التأطير المواطن، هاته المهمة المسندة بنص الدستور إلى منظومة الأحزاب السياسية، غير أن هناك بعض الأشخاص الذين يحتلون منزلة البين منزلتين في المشهد الحزبي والذين ننعتهم في هذا المقال بزبانية الريع السياسي الحزبي. إن المتأمل في الوضع الحزبي المغربي، لتستوقفه مجموعة من الملاحظات التي لازالت تؤثر على جودة الاداء الحزبي ، والتي سنجملها في هذا المقال بالتطرق لظاهرة الريع الحزبي. يمكن تعريف الريع الحزبي ، بأنه الحصول على منافع شخصية ضيقة من داخل المنظومة الحزبية بدون وجه حق، ما مفاده أن هناك أشخاص لازالوا يتربعون على كراسي التدبير الحزبي ببلادنا ولم يتوانوا في يوم من الأيام عن ملئ جيوبهم ومن والاهم بالنفع غير المستحق، ومن بين هاته المنافع المنافية لروح القانون وللأخلاق العامة نذكر على سبيل المثال لا الحصر: الظفر بمقعد برلماني في صفوف الشباب أو برلمانية في صفوف النساء عبر لائحتي النساء والشباب ، اللتين جعلتا من أجل تشجيع وتدريب هاتين الشريحتين على خوض غمار اللعبة السياسية ، غير أن الأمر لازال وإلى حدود كتابة هاته الأسطر يكتنفه الغموض المتأسس على الغش والتدليس والسطو الممنهج على حقوق المناضلين الأكفاء من قبل عصابة الريع السياسي، الأمر الذي لا يتوافق البتة مع مبادئ العدل والمساواة الدستوريين واللذين كان من المأمول إعمالهما في تدبير ترشيحات هاتين اللائحتين؛ تحول ساحات أحزابنا السياسية وخاصة أيام الذروة الانتخابية إلى مراتع للمزايدة والسمسرة من قبل مكونات شريحة الريع الحزبي، مما يزكي أشخاصا لا يمتون للعمل السياسي بصلة في حين يوصد الباب أمام أطر وكفاءات كانت ستعود خبراتها لامحالة بالنفع على مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلادنا؛ توريث مناصب المسؤولية الحزبية على المقربين ومن ولاهم، بحيث أصبحنا نرى الأخ والأخت والعم وابن العم والزوجة والابن يتقاسمون الأدوار من خلال تعيينهم بمناصب القرار الحزبي، الأمر الذي لازال يضرب عرض الحائط بمبادئ التدبير الحزبي والذي يجب أن ينبني لزاما على مبادئ الديمقراطية المقرونة بالمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المناضلات والمناضلين الخ.. إن التطرق لدراسة وتحليل واقع التدبير الحزبي من خلال تسليط الضوء على طامة الريع السياسي ليس من قبيل الصدفة ولكنه نابع من اقتناع الكاتب من أن الاصلاح السياسي لا يمكن أن ينبع إلا عن منظومة الأحزاب السياسية ، إلا أن ذلك مشروط بضرورة إعادة النظر في مناهج التدبير الحزبي الداخلي وخاصة فيما يتعلق بطرق إسناد المسؤولية الحزبية ، أمر لا يجب أن نستهين به وذلك لأن من خلاله تفرز أطر الحاضر والمستقبل، أطر هي الكفيلة بتنزيل سياسات عمومية قوامها الاستجابة لمتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمواطن والوطن. إن أهداف التنمية الحقيقية ، لا يمكننا بلوغها إذا لم يتم إعمال مبادئ الحكامة الجيدة في المجالات المرتبطة بدوران عجلة الفعل السياسي، دوران مشروط بتنزيل مبدأي المساءلة والمحاسبة الدستوريين في وجه كل الفاعلين السياسيين وذلك ليس بهدف التضييق عليهم ولكن من أجل تخليق الحياة السياسية التي لازالت وإلى يومنا هذا تعج بأشخاص همهم الأوحد هو الانتفاع الغير مشروع. إن تسمية العمل الحزبي بالنضال ليدل في كنهه على ضرورة التفاني والعمل الجاد الغير مأجور وذلك من أجل المشاركة الفاعلة والمسؤولة في تدبير قضايا الشأن العام ، أمور لم تعد تحتمل التعاطي معها بشيء من التغاضي أو الإهمال، وإنما تتطلب العمل الجاد والمثابرة من أجل بلوغ ركب الدول المتقدمة في هذا المجال، دول استطاعت أن تراقب كل مداخل ومخارج تدبير أحزابها وذلك من خلال تقييم عمل مسؤوليها ولما لا محاسبتهم إذا ما تبث تورطهم في أمور تمس بالمصلحة العامة. إن زمن العولمة اللصيق بسرعة الخدمة وجودة نتائجها، لم يعد يقبل بتاتا بأحزاب تقليدية تسودها ممارسات الأسواق الأسبوعية المبنية على اللغط والصياح من أجل استمالة أصوات الناخبين، وإنما يفرض تكوين أطر وكفاءات قادرة على اختراق دواليب اللعبة السياسية ، ومن ثمة تدشين ميلاد ربيع حزبي قوامه التفاعل بين جميع أطياف المشهد الحزبي ، من أجل تدارس كل الاليات الكفيلة بتطهير المنظومة الحزبية من شوائبها. إن المغرب الجديد بدستوره الحديث، لا يمكن أن يواصل بناء أوراشه التنموية الكبرى بمعزل عن الفاعل السياسي ، إلا أن انخراط هذا الأخير قد أصبح مشروطا بمجموعة من الشروط والتي نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر: الشعور بالانتماء الوطني؛ التفاني في خدمة الصالح العام ونكران الذات؛ توظيف السلوكيات الأخلاقية في التعاطي مع قضايا تدبير الشؤون الحزبية وعبرها متطلبات تدبير الشأن العام الترابي والوطني؛ العمل على اتحاد جميع المناضلات والمناضلين الحزبيين من أجل مواجهة كل أشكال الريع الحزبي؛ إعمال قواعد الفكر السياسي داخل المنظومة الحزبية ومحاولة توظيفها في وقت أولي في ثنايا اللعبة السياسية ، ذلك أن هدف الخدمة العمومية لا يمكن أن تلتقي قطعا مع التضليل والكولسة المبنية على اختلاق الأكاذيب والأقاويل من أجل بلوغ طامة الاغتناء الحزبي غير المشروع الخ... لقد ان الأوان لندشن لمغرب جديد قوامه الجرأة والصراحة في أفق استكمال بناء ورش دولة الحق والقانون، مسار جديد لكي يعرف كل مناضل حزبي لحقوقه وواجباته ومن ثمة ضمان مساهمته في التنزيل السليم لمضامين العمل الحزبي الغير مبني على تحقيق المنافع الذاتية وإنما على تحقيق المصلحة العامة، ومن هذا المنطلق أناشد نفسي كمناضل حزبي وجميع أطياف خريطتنا السياسية بالعمل على تجويد اليات العمل السياسي ومجابهة كل جيوب مقاومة إصلاح هياكله ومراميه، أمر ليس بالسهل ولكنه يتطلب من الجميع الاتحاد من أجل بلوغ مغرب دستور 2011 . Email : [email protected]