للكشف عن معاناة الأيام الأخيرة لكل من رحل وسيرحل قريباً عن هذا العالم إلى مثواه الأخير، خاصة في بلدٍ لا يتوفر على نظام خاص بالتطبيب المنزلي الذي يرافق من أعلن الطب عن قرب وفاته، راسلت إلهام هسبريس بقصة والدها الفقيد، الذي استفاد من هذا النظام بفرنسا، وكيف تحدت أسرته الظروف من أجل التخفيف من معاناته عندما نقلته إلى المغرب. وروت إلهام لهسبريس قصة والدها منذ البداية، فقد سافر في سن ال 18 إلى فرنسا، حيث عمل بجهد كبير، وقام بإعالة أسرته الصغيرة التي تركها خلفه في المغرب، قبل أن تلتحق به إلهام ووالدتها سنة 2001 من أجل متابعة دراستها. وفي عام 2007، حاز الوالد على تقاعده، ومن ثمة بدأ يقضي وقتا أطول في المغرب، حيث صار مقامه بفرنسا يقتصر على زيارة ابنته. وتحكي إلهام كيف أن والدها أحسّ في أحد الأيام بآلام في ركبته، ليتم نقله إلى مستشفى بالدار البيضاء، حيث أخبره مختص في العظام أنه مصاب بمرض "عرق النسا"، وأنه يتوجب عليه متابعة علاج دقيق لمدة ستة أشهر، إلّا أن الألم لم يتوقف أبداً خلال هذه المدة، ممّا دفع بعائلته إلى نقله لفرنسا، وهناك أخبرهم طبيب متخصّص، بعد فحوص متعددة، أنه يعاني من السرطان الذي وصل إلى مرحلة متوسطة، وبالتالي فالكشف الصحي في المغرب، كان خاطئاً تماما. وتضيف إلهام أن كل العلاجات التي باشرها والدها في فرنسا لم تنجح بسبب عدم الكشف المبكّر عن السرطان، الأمر الذي جعل الأطباء يقرّرون إبقاءه في المنزل مع زيارته بشكل دوري، وإسعافه بما يخفّف من محنته، بعدما تأكدوا أن العلاج لم يعد ممكناً. إلّا أن أسرته الصغيرة قرّرت نقله من جديد إلى المغرب، كي يعيش أيامه الأخيرة بين أبنائه، مع متابعة الإسعافات نفسها التي كان يتلقاها بمنزله بفرنسا، غير أنهم اصطدموا بكون هذا النوع من التطبيب، غير موجود بالمغرب، وأن العشرات من مرضى مثل هذه الأمراض المستعصية، يقضون أيامهم الأخيرة وسط ألم فظيع في منازلهم دون أن يساهم الأطباء في التخفيف عنهم، تتحدث إلهام. " تحدّينا هذه الظروف، وقمنا باستدعاء طبيب وممرض كي يتتبعا بشكل يومي الحالة الصحية لوالدي، كما اشترينا كل المعدات الضرورية لإسعافه. وقد مكّنتي هذه التجربة من مقارنة نظامي التطبيب المغربي والفرنسي، بشكل جعلني أدرك الفارق بينهما" تقول إلهام. توفي الوالد في غشت الماضي بعد قضائه لقرابة شهر ونصف منذ عودته الأخيرة من فرنسا، فكان عزاء أسرته الوحيد، أنها استطاعت التخفيف من معاناته وهو يصارع الموت في منزله:" رحل والدي بشكل هادئ ذات يوم دون أن يتألم كما يحصل للكثير من المغاربة في لحظاتهم الأخيرة، الذين يطلب الأطباء من أسرهم تركهم في المنزل حتى يتوفاهم الله، دون أن يفكر هؤلاء الأطباء في معاناتهم". وتتساءل إلهام:" احتراماً لهؤلاء المرضى، ألا يجدر بنا مساعدتهم على تجاوز نهاية حياتهم بطريقة مريحة؟ أليس علينا التفكير في الآلام الفظيعة لهؤلاء خاصة إذا كان الطب يتحمل جزءاً من المسؤولية بكشوفاته الخاطئة كما وقع لوالدي؟" لذلك، فكّرت إلهام أن تشارك قصة والداها مع الجميع، من أجل إزاحة النقاب عن معاناة "أيام الموت الأخيرة"، ومن أجل أن يفكر المغرب في نظام يساعد كل مريض أكد الطب استحالة علاجه. بل ذهبت إلهام أبعد من ذلك، عندما قرّرت أن تتمحور أطروحة الدكتوراه الخاصة بها حول مثل هذه المشاكل التي يعاني منها قطاع الصحة بالمغرب.