يحاول الدكتور عبد الرحيم العلام، باحث في العلوم السياسية، في هذا المقال الذي تنشره هسبريس، بسط تحليله لبروتوكول افتتاح البرلمان، وما يحيط به من مظاهر وطقوس لم يطرأ عليها أي تغيير منذ عقود. وسلط العلام الضوء على الحمولات السياسية لافتتاح البرلمان، من خلال كتاب محمد معتصم "النظام السياسي الدستوري المغربي"، الذي ألفه سنة 1992، بصفة أستاذا جامعيا، وقبل أن يتولى منصب مستشار الملك محمد السادس. وهذا نص مقال عبد الرحيم العلام كما ورد إلى الجريدة: قراءة المستشار الملكي لطقوس افتتاح البرلمان قبل التطرّق لأصل الموضوع، لابد من الإشارة إلا أن كاتب هذه السطور ليس بصدد مناقشة مضامين خطاب ملكي بعينه، وإنما المُبتغى هنا يتعلق بتقديم قراءة تحليلية لبروتوكول افتتاح البرلمان وما يحيط به من مظاهر وطقوس لم يطرأ عليها أي تغيير منذ عقود. وغالبا ما تكرر فيها نفس المضامين، كما هو حال جزء من الخطاب الملكي الأخير الذي تضمّن عبارة "اللهم أكثر من حسادنا"، وهي العبارة التي وردت في خطاب الحسن الثاني بمناسبة افتتاح البرلمان سنة 1978. وبدون الخوض في مدى صحة نسبة هذه العبارة للرسول، لأن أغلب الظن أنها ليست من الأحاديث الواردة في صِحاح ومساند كتب الحديث المعروفة، بل الأرجح أنها من المأثورات الشعبية سواء من حيث اللفظ أو من حيث المضمون، نقول بأن قراءة تحليلية للدور المهم الذي يؤديه افتتاح البرلمان من جانب الملك، قد تُسعفنا في فهم بعض الأمور المتعلقة بالتدبير السياسي الذي تسهر عليه المؤسسة الملكية في علاقتها بمؤسسة البرلمان. إذ سيتبيّن بأن افتتاح الملك للبرلمان ليس إجراء بروتوكوليا وحسب، وإنما يحمل الكثير من المعاني والرمزيات. (مع الإشارة إلى أنه ستصدر قريبا دراسة بإحدى الدوريات المغربية أتناول فيها موضوع ""طبيعة العلاقة بين الملك والبرلمان"). على عكس ما يمكن أن يعتقده البعض، من أن مسألة افتتاح البرلمان هي إجراء روتيني يخلو من أي دلالات أو حمولات سياسية ودينية وقانونية، فإن السيد مستشار محمد معتصم مستشار الملك المكلف بالشؤون القانونية، كان قد قدم قراءة مهمة لدلالات طقوس افتتاح البرلمان من قبل الملك فيما أطلق عليه «تقليدانية الحكم» التي يتميز بها النظام السياسي. نحاول في هذا المقال أن نسلط الضوء على الحمولات السياسية لافتتاح البرلمان من خلال كتاب محمد معتصم «النظام السياسي الدستوري المغربي» الذي ألفه سنة 1992 بصفة أستاذا جامعيا وقبل أن يتولى منصب مستشار الملك. غير أن علاقة الملك بالبرلمان لا تقتصر على عملية افتتاح البرلمان في دورة أكتوبر وإنما تتعدد وتتشعب، وهو ما سنحاول قبل التطرق لقراءة محمد المعتصم لعملية الافتتاح أن نتناوله من خلال العناوين التالية: التدخل الملكي في المسطرة التشريعية: الملك دائم الحضور في مختلف مراحل المسطرة التشريعية، سواء برئاسته للمجلس الوزاري التي تجعله يتولى التقرير في مشاريع قوانين رئيس الحكومة أو حق طلب قراءة جديدة لبعض النصوص (ف 95 من الدستور)؛ الأمر بتنفيذ القانون: حيث يصدر الملك الأمر بتنفيذ القانون خلال الثلاثين يوما التالية لإحالته إلى الحكومة بعد تمام الموافقة عليه (50). ما يجعل القانون ينطلق من الملك في المجلس الوزاري ويعود إليه في آخر مرحلة ليقرر صلاحية تطبيقه؛ حل البرلمان: رغم أن الدول، التي تعتمد فصل السلط المرن، قد ربطت بين حق رؤساء الحكومات في حل البرلمان وحق هذا الأخير في سحب الثقة من الحكومات. فإن الدستور المغربي أعطى للملك الحق المطلق في حل البرلمان أو أحد مجلسيه (الفصل 96)، ولم يقيد ذلك بأي شرط، ماعدا الشرطين الشكليين المتمثلين في توجيه خطاب للأمة واستشارة رئيس المحكمة الدستورية (المعين من قبل الملك) وإخبار رئيسي مجلسي البرلمان. وهي شروط ثانوية لايمكنها التأثير في قرار الحل من عدمه؛ ممارسة صلاحيات البرلمان في حالة حله أو حالة الاستثناء: فضلا على أن الملك يمارس صلاحيات البرلمان أثناء مدة حله، فإنه يمارس صلاحياته أيضا خلال حالة الاستثناء (الفصل 59). حتى ولو لم يحل البرلمان؛ مراجعة الدستور: يمكن للملك حسب الفصل (174) أن يعرض على البرلمان مراجعة بعض مقتضيات الدستور، حيث «يصادق البرلمان، المنعقد، باستدعاء من الملك، في اجتماع مشترك لمجلسيه، على مشروع هذه المراجعة، بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتكون منهم». وهذا تراجع خطير على مستوى السلطة التأسيسية الفرعية، فالملك حسب هذا الفصل يمكنه أن يعدل الدستور بدون الرجوع إلى الشعب عبر استفتاء وإنما يكتفي بمصادقة البرلمان. بينما لا يحق للبرلمان أن يعدل الدستور إلإ بشروط قاسية مع إلزامية عرضه على الشعب في استفتاء عام (الفصل 173) ؛ توجيه خطب للبرلمان غير قابلة للنقاش: وعادة ما تتضمن هذه الخطب إجراءات تشريعية أو تنفيذية أو تدعو أعضاء البرلمان للموافقة على مشروع معين، بحيث أن الملك يصير من خلالها صاحب مبادرة تشريعية (الفصل52)، علاوة على إمكانية الملك الدعوة إلى تشكيل لجان تقصي الحقائق البرلمانية (ف67). بعد هذا التذكير المقتضب بصلاحيات الملك اتجاه البرلمان، نصل إلى صلاحيته في افتتاح البرلمان ومخاطبته، في ظل طقوس متوارثة نص عليها الدستور(ف 65) وفصّل فيها القانون الداخلي لمجلسَي البرلمان. الذي تنص المادة 4 منه والأمر نفسه لدى مجلس المستشارين على أن «تحضر النائبات والنواب جلسة افتتاح دورة أكتوبر مرتدين اللباس الوطني... ». وهو ما يطرح التساؤل حول دلالات هذا الافتتاح؟ وكيف يقرأ ذلك محمد المعتصم الذي أشرف على لجنة آلية وضع دستور 2011؟. يبتدئ محمد المعتصم قراءته لطقس افتتاح البرلمان بمسألة قراءة القرآن «فالآية قرآنية الكريمة لمضمونها علاقة بمحتوى الخطاب الملكي الذي يعرض للفلسفة الملكية في الحكم، أو ينطوي على توجيهات ومشاريع على البرلمان والحكومة تشريعها وتنفيذها»، وهكذا فإن افتتاح «الملك الدستوري للدورة الأولى للبرلمان ليس شكليا، بل يتداخل فيه حضور أمير المؤمنين بالمظهر الاحتفالي التقليدي، وآية الافتتاح القرآنية، والخطاب – البرنامج المعلق عليها». (محمد معتصم: النظام السياسي الدستوري المغربي، مؤسسة إزيس للنشر، ط1، الدارالبيضاء 1992. ص 146) وهذا الحضور، في نظر المعتصم، يعد «استمرارا لتقليد ما قبل دستوري» وللدلالة على ذلك يستشهد بنص لأحد الباحثين جاء فيه «إن جو الجلسات ذو دلالة ..وكل تدخل للملك يجري في جو مقدس..» (ص146)، كما أن الخطاب الذي يوجهه الملك خلال افتتاح البرلمان، والذي لا تتلوه مناقشة، لا يخلو من دلالات التأثير والتوجيه، لأنه غالبا ما يتضمن ما يسميه قُرّاء الخطب الملكية «فلسفة سياسية» أو «مرجعية تشريعية» أو توجيها للبرلمان لكي يشتغل على رؤيا معينة أو سياسة ما، ومن تم يمسي الملك صاحب رأي مؤثر داخل البرلمان، خاصة في ظل وجود ما يطلق عليه ب «العقلنة البرلمانية» (العقلنة هنا بالمفهوم السلبي الذي يفيد التحكّم والسيطرة والتوجيه) وفي ظل ضعف حزبي بَيّن. لم تكن الطقوس المرتبطة بافتتاح البرلمان من الأمور العادية في أولى بدايات تكريسها، بل يسجل التاريخ أن المعارضة قد خاضت فصولا من النزاع والخصام في سبيل مناهضتها للرغبة الملكية في إخضاعها للبرتوكول المخزني. يعود بنا محمد المعتصم في هذا السياق، إلى الأحداث التي شهدتها الولاية التشريعية 1977-1983 حيث ساد الخلاف بين الأغلبية والمعارضة، والذي كان ظاهره «رفض المعارضة الاتحادية والشيوعية للفصل الأول من القانون الداخلي للبرلمان الذي يلزم النواب بحضور جلسة افتتاح دورة أكتوبر مُرتَدين" اللباس القومي"، وأما عُمقه فقد كان عبارة عن مواجهة بين طقوس المخزن وطقوس المعارضة بلباسها العصري، مما جعل هذه الأخيرة تُتابع جلسة الافتتاح من إحدى قاعات البرلمان» (ص 88). تأسيسا على ما سبق، يمكن القول بأن الدستور الجديد فيما يخص البروتوكول الملكي لم يأت بجديد يذكر، الأمر الذي يمكن رده إلى النظرة التي ينظر من خلالها واضعه لمصادر المشروعية الأربعة؛ دينية، تاريخية، تعاقدية، ودستورية والتي يعتقد النظام السياسي المغربي أنه يتمتع بها. وبناء، أيضا، على ثقل التقاليد، والمفهوم الملكي للحكم القائم على ملكية حاكمة يسود فيها الملك ويحكم ولا وجود لفصل السلط على مستواها، وهو ما جعل محمد المعتصم نفسه، وقبل أن يصبح مستشارا، يسجل أنه «... في عالم معاصر وعالي المكننة والتقنية، فإن مؤسسات تقليدية شكليا من شأنها المساس بسمعة وأبهة المغرب الموجود على بعد عدة كيلومترات من أوربا. ولكن البرلمان والحكومة والأحزاب السياسية، كأدوات أوربية الجوهر، تعطي للنظام المغربي الوجه المعاصر الذي يحتاجه.. كما أنها تجعل من القانون الدستوري المغربي في نمطه الشكلي، المنبثق سنة 1962، دسترة لقواعده المادية المتمثلة في الخلافة والسلطنة، والكل ضمن إبداع سياسي حافظ على التقاليد، وممارسة سياسية لجأت للتقليدانية لتكرس هذه التقاليد» (ص156).