"المغاربة حكْرونا"..لعلها الجملة الأشهر التي نطق بها الرئيس الجزائري الراحل، أحمد بنبلة، وظلت لاصقة في أذهان من عاصروا حرب الرمال التي اندلعت بين المغرب والجزائر، في مثل هذه الأيام من شهر أكتوبر 1963، حتى باتت "عقدة" تاريخية لم تستطع العلاقات بين البلدين الجارين الانفكاك منها بعدُ. واندلعت حرب الرمال بين المغرب والجزائر في أكتوبر1963 ، بعد عام وثلاثة أشهر من حصول الجزائر على الاستقلال، وبُعيد أسابيع من المناوشات الحدودية، ما أفضى إلى نزاع مسلح بين الجيشين في ضواحي منطقة تندوف وحاسي بيضة، ثم انتقلت المواجهات إلى فكيك المغربية، لتتوقف في نونبر 1963. منتصر ومنهزم وبدأت حرب الرمال في أكتوبر من سنة 1963 عندما انطلق الجيش الجزائري إلى الهجوم على "حاسي بيضا" و"تينجوب"، حيث عمدت قوات عسكرية جزائرية إلى إحراق أشجار النخيل، وتدمير ثكنة مغربية بالمدفعية، وهو ما رد عليه الجيش المغربي سريعا محققا انتصارا على الأرض، قبل أن يقرر الملك الراحل الحسن الثاني التراجع في آخر لحظة. الجزائريون ما فتئوا يتحدثون عن ملحمة حققها جيشهم في حرب الرمال رغم أنهم غُدروا من طرف المغاربة كما يقولون، ويؤكدون أنهم كبدوا المغاربة هزيمة عسكرية، ولقنوهم على الأرض درسا لن ينسوه، فيما الحقيقة غير ذلك تماما، فالنصر في تلك الحرب كان حليف الجيش المغربي. وزير الدولة السابق، محمد اليازغي، نفى في تصريحات سابقة لهسبريس تحقيق الجيش الجزائري لأية ملاحم عسكرية ضد المغرب، معتبرا أنها انتصارات زائفة لا توجد سوى في مخيلتهم، مؤكدا أن الجيش المغربي تفوق على نظيره الجزائري، وكبده هزيمة واضحة، وبالتالي لا داعي لسرد انتصارات وهمية". وكان الجيش المغربي، يقول اليازغي، قريبا جدا من دخول منطقة تندوف، حيث كان الجنود المغاربة على مقربة من تندوف ببضعة كيلومترات قليلة، غير أن تدخلات الرئيس الفرنسي شارل ديغول لدى الملك الراحل الحسن الثاني جعلته يأمر قواته العسكرية بالتراجع. القوة والغدر الخبير في ملف العلاقات المغربية الجزائرية والأستاذ بجامعة وجدة، الدكتور خالد شيات، قال في تصريحات لجريدة هسبريس، إن "حرب الرمال" لها مفهومان متناقضان بين المغرب والجزائر؛ فبالنسبة للمغرب كانت آخر وسيلة لحل مشكلة الحدود بين البلدين". ويشرح شيات "انقلبت الحكومة الجزائرية على كل التفاهمات التي كانت قد التزمت بها قبيل الاستقلال، وتشبثت بإبقاء الحدود الموروثة عن الاستعمار كآلية لحل نزاعاتها، وهو الأمر الذي جعل المغرب يلجأ إلى استعمال القوة". وبالنسبة للجزائر، يضيف شيات، تعتبر حرب الرمال نوعا من "الغدر"، وهي تسمية بحمولات "بروباغاندية" دعائية أكثر منها حمولات إستراتيجية، باعتبار أنها كانت حديثة الاستقلال، ولم تكن تتوفر حينها على مؤسسة عسكرية قوية". ولفت المهتم بملف العلاقات المغربية الجزائرية إلى أن الجارة الشرقية عاتبت المغرب على فرضه حربا "غير عادلة" عليها في مرحلة حساسة من بناء الدولة، رغم أنه ليست هناك دلائل على كون المغرب بدأها" يؤكد شيات. تداعيت حرب الرمال وبخصوص تبعات حرب الرمال على العلاقات الثنائية بين البلدين الجارين، أورد شيات عددا من المستويات التي طالتها نتائج الحرب بين الطرفين، منها ما هو نفسي، وسياسي، واقتصادي، وما هو اجتماعي وثقافي، وغيرها من المستويات الأخرى. وتابع المحلل بأن المستوى النفسي يتوافق مع العقلية العسكرتارية الجزائرية، باعتبار أن العداوة تبقى ثابتة اتجاه المغرب الذي لا يمكن أن تأمن جانبه، وهو أمر لا يمكن إثباته لكنه موجود بين سطور السياسات العدائية للجزائر اتجاه المغرب". ويرتبط المستوى السياسي بتشكيل عقدة غير قابلة للحل للمغرب في علاقته بالوحدة الترابية، والتي انتقلت من الحدود الشرقية إلى موريتانيا إلى الصحراء المغربية، أي إنتاج وضع غير مستقر ومهدد بالنسبة للمغرب، والذي له تمثلات عديدة منها الجانب الدبلوماسي". وزاد شيات بأن المستوى الاقتصادي، لتداعيات حرب الرمال يتجلى في تعطيل كل آليات التكامل الاقتصادي، والاستكانة إلى الريع المرتبط بالطاقة، ودفع المغرب إلى استنفاذ مجهوداته في البحث عن بدائل اقتصادية غير إقليمية". وأما التبعات الثقافية والاجتماعية لحرب الرمال فقد ارتبطت بالقطيعة على مستويات متعددة، منها غلق الحدود، وتأزيم الثقافة، والدعاية المضادة ضد المغرب، ووصفه بصفات سلبية، وتمثيله إعلاميا باعتباره قوة متخلفة ومحتلة".