هو"أسلماد" ( تعني معلم بالأمازيغية ) وفقيه في اللغة والنحو والفلسفة مهتم بسير الموتى ومدافع عن حقوق الإنسان .. إنه لحسن آيت الفقيه مؤلف "الرموز الدفينة بين القبورية والمزارات الطبيعية"، واحد من الأمازيغ الذين نذروا أنفسهم للكشف عن كنوز تراث منطقة الأطلس الكبير الشرقي وثقافته. في إحدى قرى زاوية سيدي بوكيل بالأطلس الكبير الشرقي الواقعة على بعد حوالي 90 كيلومترا شمال غرب مدينة الرشيدية، استطاع لحسن ، الذي رأى النور في أحد أيام سنة 1961 ، أن يكون واحدا من متعلمي هذه المنطقة الجبلية القلائل الذين حظوا بتلقي قسط من العلم والمعرفة ، وتمكنوا من تحويله إلى نبراس يضيئ به ظلمات الجهل ، والذي "لا أبتغي من ورائه مالا ولا شهرة وإنما حفظا للأمانة والواجب " ، كما يصر آيت الفقيه على تأكيد ذلك . نشأ يتيما بزاوية سيدي بوكيل، حفظ ما تيسر من الذكر الحكيم، وانتقل لمتابعة دراسته مع قلة من أترابه في مدرسة القرية، ثم بمدن الريش وقصر السوق ( الرشيدية حاليا ) ومكناس، لينتهي به الأمر معلما بتخوم الأطلس الكبير الشرقي، وهو مشوار لم يكن مفروشا بالورود بل حافلا بالمصاعب بسبب الفقر والحرمان . " ومن بين الطرائف التي عشتها أيام التحصيل الدراسي التي تبقى من الذكريات الموشومة ، أنني كنت أقدم دروسا للدعم في مادة الفلسفة لتلميذات مستوى الباكالوريا مقابل كسرة خبر أسد بها رمقي" ، يقول لحسن بصدق واعتزاز . يحكي آيت لحسن ، ببساطته وعفويته وتواضعه وسرعة بديهته ، في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء ، أن أول ما قاده في رحلة الكشف عن تقاليد قبائل الأطلس الكبير الشرقي هو الرغبة في فتح مغالقها وتبيان أسرارها وخباياها ، وهو الأمازيغي اليتيم المنحدر من عائلة كلها فقهاء وعلماء ومتصوفة ترعرع في أحضان زاوية سيدي بوكيل (نسبة إلى أبي وكيل ميمون) بمنطقة الريش حيث تلقى دروس الفقه والنحو وعلوم الدين واللغة. قام بتعليم القراءة والكتابة بلغة موليير للناشئة بالمستوى الابتدائي لعدة سنوات متنقلا بين جبال وشعاب وقرى منطقة الأطلس الكبير الشرقي قبل أن يصبح مسئولا تربويا بإحدى المدارس وفي نفس الوقت إماما . لكن سرعان ما بدأت تظهر على سلوكه نزعات أخرى أقرب إلى التمرد والعصيان والثورة الهادئة، إذ سرعان ما وضع كل المسلمات قيد التشكيك والمساءلة، وهو ما قاده في البداية إلى دخول غمار النضال السياسي بحمأة الشباب وعنفوانه ليتفرغ بعدها للدفاع عن حقوق الإنسان بجديته ومثابرته وعمله الدؤوب، كما اشتغل لسنوات مراسلا لعدة جرائد وطنية . شاءت الأقدار أن يلتقي آيت الفقيه بعض الباحثين الغربيين المهتمين بالانتروبولوجيا الثقافية واللغوية بمنطقة الأطلس الكبير الشرقي أمثال الأمريكي ليبكين موراي، والنمساوي فولفكانغ كروز، والاسباني خوان لاكومبا الذين أخذ عنهم أوليات البحث الأنتروبولوجي ، حيث تولدت لديه فكرة التنقيب وتدوين التراث الشفهي الأمازيغي من أجل الحفاظ على الصيغ الشفهية و التقاليد بالأطلس الكبير الشرقي ، وهو ما تحقق لاحقا في مؤلفيه " فصول من الرمز والقيمة في بيئة طيور الأطلس الكبير الشرقي " و"الرموز الدفينة بين القبورية والمزارات الطبيعية". فكان أن اختار البحث العلمي الأنتروبولوجي طريقا لحفظ الهوية، بدأ الحفر والتنقيب في مواضيع التراث المرتبط بثقافة الدم والفحش المقدس والزواج العشائري والمرأة المقيدة وطقوس وتقاليد الأعراس والختان والأهازيج الشعبية ، وكل ما له علاقة بالتراث الشفهي والصوفية. لم يتوقف طموح هذا المدرس، الذي يشتغل حاليا على إعداد دراسة حول "الملائمة الثقافية بجبال الأطلس الكبير الشرقي : الزاوية الوكيلية نموذجا" ، عند هذا الحد بل تعداه إلى الانكباب على دراسة صورة ووضعية المرأة الجبلية من منظور سوسيو- ثقافي، تجلى في مؤلفيه" إملشيل: جدلية الانغلاق والانفتاح " و"المرأة المقيدة: دراسة حول المرأة والأسرة بالأطلس الكبيرالشرقي". وبالموازاة مع عمله على الجانب التراثي، كان هاجس ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان حاضرا أيضا بقوة ضمن اهتمامات آيت الفقيه، الإطار والعضو النشيط باللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالرشيدية-ورزازات والعضو باتحاد كتاب المغرب، فقد جالست، يقول آيت الفقيه، رجال سلطة وقانون وحقوقيين وفاعلين جمعويين واشتغلت معهم في ملفات همت بالخصوص انتهاكات ماضي حقوق الإنسان وجبر الضرر الجماعي. تراه في مكتبة اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان عاكفا على شرب الشاي وإعداد التقارير ودراسة الشكاوى التي ترد عليها غير عابئ بالزمن لأن "حقوق الناس طوق في عنقي "، يقول آيت الفقيه بنبرة لا تخلو من شفقة على نفسه. خدوم، مستعد لتقديم كل معارفه ومعلوماته الحقوقية خاصة بلا تردد في كل التظاهرات والمنتديات والندوات والمحاضرات، رافعا شعار" أجب من دعاك" . فتراه متنقلا بين قرى ومدن وجبال الجنوب الشرقي متأبطا محفظته ليقتسم ثمرة ما جادت به قريحته . " إنسان عجائبي بامتياز"، كما يقول عنه سعيد كريمي، رئيس فرع اتحاد كتاب المغرب بالرشيدية، يجمع بين شتى تلاوين المفارقات ..ففيه الفقيه المبجل، والمحب الولهان، والمناضل الشرس، والمربي الخلوق ، والمتمرد الثائر، والمسالم المهادن، والوجه البشوش، والباحث المتزن، والناقد المشاكس . ورغم ذلك التفاني والتعايش مع سير الموتى وأضرحتهم وحقوق الإنسان ، لا يخلو لسان آيت الفقيه، من دعابات تسري بين زملائه ومعارفه فيتلقفونها . وعندما يلتقيك يداعبك بقوله " أنا المتخلف ولا أنتج سوى التخلف" . وهو ما حدا برئيس فرع اتحاد كتاب المغرب إلى وصفه ب"المتخلف الحداثي" كناية عن شدة بساطته وتواضعه وسعة معرفته التي امتدت من التاريخ والجغرافيا والآداب والفنون إلى حقوق الإنسان والتراث وعلوم اللغة والانتروبولوجيا. *و.م.ع